هذا ما قاله والدى عن الفرق بين اليهود والصهاينة!
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
بينما كنت أتابع القصف الإسرائيلى الوحشى على غزة، تذكرت حكايات والدى عن اليهود وكيف كان فى طفولته وصباه يفرق بينهم وبين الصهاينة حتى عايش أحداثا صدمته وغيرت قناعاته واكتشف أن لا فرق بينهما إلا حالات معدودة على الأصابع إذا كانوا حقًا يعارضون الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وما يرتكبه من قتل وقمع وسلب وتدمير، والأهم أيضًا أن يرفضوا الهجرة إلى هناك.
كان هذا الموقفُ غريبًا والذاكرة الشعبية لا تنساه ولا تغفره، خاصة أن اليهود عاشوا فى تونس كمواطنين آمنين طيلة عقود بل قرون، وتمتعوا بالمساواة المدنية والدينية منذ 1857 عندما أدخل محمد باى إصلاحات جذرية ألغت اعتبارهم من أهل الذمة. وكان أغلبهم يعيش فى تجمعات يهودية فى العاصمة وجزيرة جربة حيث كنيسهم الأشهر الذى يحجّون إليه سنويًا، ولم يعانوا من سلوك تمييزى ضدهم، بل بالعكس تميزت تونس بالانفتاح المبكّر حيث لا تُسجّلُ الديانة فى الأوراق الثبوتية، واختلطوا ببقية التونسيين وتميزوا فى أعمالهم، بل وتقلّدوا المناصب الوزارية، مثال على ذلك ألبير بسيس وزيرًا للتخطيط العمرانى والإسكان بعد منح الحكم الذاتى لتونس عام 1954 وخلّفه أندريه باروش عند الاستقلال عام 1956. كل ذلك لم يمنع تفضيلهم الهجرة من وطنهم الأم فى ثلاث موجات: بعد إنشاء الكيان الإسرائيلى 1948، وبعد استقلال تونس 1956 وبعد حرب 1967. وهذه الموجات كانت علامات استفهام كبيرة لدى والدى والتونسيين وليس لها تفسير فى الواقع بل تعود لمؤامرات الحركة الصهيونية ودعايتها لأرض الميعاد!
قد يقول قائل إن ما أكتبه هنا مجرد ذكريات جمعتها من حكايات والدى وليس تاريخًا موثقًا يمكن التعويل عليه. لكنّ التاريخ يضع الذاكرة فى حسبانه حيث أنها أحد مصادره رغم كونه لا يحبس نفسه فى حدودها الضيقة.
أعود للتواجد اليهودى القوى فى تونس إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية، واحتلت قوات ألمانية وإيطالية تونس فى 9 نوفمبر 1942، وذلك ردًا على غزو الحلفاء للجزائر والمغرب. واستمرت السيطرة النازية على تونس لمدة ستة أشهر. وأنشأ الألمان العشرات من معسكرات العمل واحتاجوا اليد العاملة ففرضوا على اليهود العمل لصالحهم. فى 6 ديسمبر حل الألمان مجلس الطائفة اليهودية وأمروا موشيه بورغل بتشكيل مجلس مؤلف من تسعة أعضاء خلفا له. وطالبوه بحشد ألفى يهودي. لكن لم يستطع المجلس تعبئة أكثر من 120 شخصًا. وكان رد الألمان احتجاز الرهائن من الطائفة واعتقالات فى الحى اليهودى ووسائل المواصلات. وخبأ التونسيون اليهود فى مزارعهم بعيدًا عن أنظار الألمان.
وحكى والدى قصة بقيت محفورة فى ذاكرتنا. كان صبيًا يافعًا واستقل القطار بصحبة والده وكان يجلس بجانبهم جارهم شاب يهودى يعمل تاجرًا فى نفس السوق. وأُوقف القطار عنوة من قوات المحور وصعد الألمان يبحثون عن اليهود فى العربات. نظر والدى إلى جاره فوجده فى حالة يرثى لها من الخوف لدرجة أن بوله انساب من بين رجليه على أرضية القطار. وما كان من أبى إلا أن نزع "الكبوس" الأحمر من فوق رأس جدي، وهو غطاء الرأس الذى يلبسه المسلمون، وألبسه لجاره اليهودى. كما انتزع برنسه الشتوى ووضعه على أكتافه. وهكذا مر الموقف بسلام.
موقف والدى وجدى لم يكن استثناء بل هو سلوك غالب للتونسيين بما فى ذلك الباي، حيث لم يؤيد أحمد باى الثانى (1929-1942) السياسة التمييزية ضد اليهود خلال الاحتلال الفرنسى وحاول إبطاء تنفيذ القوانين التمييزية لحكومة "فيشي" وحرص على تقليد بعض اليهود ذوى المكانة الرفيعة فى مجال الطب والتعليم والإدارة أرفع وسام، عُرف باسم "نيشان الافتخار". وحتى بعد وفاته، استمرت تلك المعاملة العادلة فى فترة خلفه منصف باى الذى لم يشارك خلال فترة حكمه القصيرة فى النشاط الألمانى ضدّ يهود تونس.
لكن بمجرد انتهاء الاحتلال الألمانى فى مايو 1943، بدأت الجالية اليهوديّة فى التخطيط لمستقبل مختلف، رغم حسن المعاملة، وبدأوا موجات الهجرة إلى إسرائيل، خاصة بعد نكبة 48. وانتبه والدى إلى نشاطات مشبوهة لشبيبتهم، فى تهريب الذهب والآثار، وهو ما يسمى بـ"الكنطرة". وفوجئ والدى ذات يوم بجاره اليهودى الذى أنقذه من الألمان يعرض عليه شراء محله مدعيًا أنه لم يجد أفضل منه ليبيعه إياه. وبالفعل اتفقا على الثمن ودفع والدى المبلغ إلا جزءًا هينًا لحين تسجيل العقد فى اليوم الموالي. ولم يأت البائع اليهودى مطلقًا واحتال على والدي، وسافر إلى فرنسا ومنها إلى إسرائيل دون إتمام إجراءات البيع. تكرر هذا الموقف مع آخرين اشتروا أراضٍ ومنازل ومحلات بنفس الطريقة. ليس ذلك فحسب بل إن اليهود المهاجرين سجلوا ممتلكاتهم لدى لجانهم السرية مبيتين النية لرفع قضايا تعويضية يومًا ما عندما تحين الفرصة. هل عرفتم الآن الفرق بين اليهودى والصهيوني؟!.
*صحفية متخصصة في الشؤون الدولية
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
تدشين المشروع الوطني لأرشيف الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة
في خطوة مؤسسية رائدة تهدف إلى حماية الذاكرة الفنية المصرية وتعزيز البنية التحتية للقطاع الثقافي برعاية ودعم د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، نظّم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة المخرج عادل حسان، وبإشراف المخرج هشام عطوة رئيس قطاع المسرح، حفل تدشين مشروع الأرشيف الوطني لقاعدة بيانات ودعم الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة والحرة، وذلك بمقر المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة، وبحضور نخبة من المسرحيين والفنانين والباحثين، إلى جانب عدد من ممثلي المؤسسات الثقافية المصرية والدولية.
وفي كلمته خلال الحفل، أكد المخرج عادل حسان أن المشروع يأتي استجابة لحاجة ملحّة رصدها المركز، في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة وضعف التواصل بين المركز والشارع والمؤسسات والكيانات الفنية المستقلة، مشيرًا إلى أن المشروع يهدف إلى إرساء منظومة مؤسسية متكاملة تُسهم في دعم الممارسين وتطوير البنية المعلوماتية للقطاع الثقافي المصري.
وأوضح حسان أن المركز عمل خلال الأشهر الماضية على وضع تصور شامل لإنشاء أرشيف وطني مستقر يُوحّد الجهود ويؤسس لبنية مهنية طويلة الأمد، مشددًا على أن المشروع يحظى بدعم مباشر من معالي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، الذي وجّه بضرورة امتداد المشروع إلى المحافظات، وتكليف فرق عمل بالتنسيق مع الهيئة العامة لقصور الثقافة والإدارات الفنية المعنية لضمان التنفيذ الفعّال على مستوى الجمهورية.
وأضاف أن المشروع لا يقتصر على جمع البيانات فحسب، بل يشمل أيضًا تقديم خدمات بحثية وفنية للفرق المستقلة، وتوفير مساحات ثقافية لاستضافة الفعاليات، إلى جانب توفير مسارات للدعم اللوجيستي الخاص بالمهرجانات، بما يتيح فرص مشاركة عادلة ومنظمة للفرق في مختلف الفعاليات الثقافية.
وشهد الحفل مداخلة للمخرج أحمد العطار، عبّر فيها عن تقديره لإطلاق هذا المشروع، مؤكدًا أن المجتمع الفني المستقل عانى طويلًا من غياب التوثيق وصعوبة الوصول إلى المعلومات، مما أدى إلى ضياع جزء كبير من الأرشيف الفني المصري. وأشار إلى أن حجم المادة الفنية المتراكمة من عروض وصور ونصوص وأرشيف شخصي ضخم للغاية، وأن جزءًا كبيرًا منها مهدد بالاندثار بعد رحيل أصحابها، داعيًا إلى استخدام أدوات تكنولوجية حديثة تتيح الأرشيف للباحثين والمهتمين بشكل عصري وآمن، معتبرًا أن المشروع يمثل خطوة جوهرية نحو إنقاذ الذاكرة المسرحية المصرية.
من جانبه، قال رامي دسوقي، المدير المالي والإداري باتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية (EUNIC)، الجهة المستضيفة لانطلاق المشروع، أن هذه المبادرة تمثل خطوة هامة لتوثيق مشهد محوري من مشاهد المسرح المصري، مشيدًا بانفتاح وزارة الثقافة ودعمها المتواصل لمثل هذه المبادرات، وموجهًا الشكر لمعالي الوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو على دعمه وإيمانه بأهمية المشروع.
وتضمّن الحفل عرضًا تقديميًا شاملاً لهيكل المشروع ورؤيته ومراحله التنفيذية، قدّمته منى سليمان - عضو اللجنة التنفيذية للمشروع - ، حيث استعرضت مراحل الإعداد والتصميم، وآليات تسجيل وتصنيف الفرق، وتقديم الدعم الفني واللوجيستي، والتدريب والتطوير، وصولًا إلى آليات التقييم والتحديث الدوري لضمان استدامة المشروع.
واختُتمت الفعالية بجلسة نقاشية موسعة مع الفنانين والحضور، تناولت التحديات التي تواجه عملية التوثيق الفني، وسبل تعزيز التعاون بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الفني المستقل، بما يضمن حفظ الإرث المسرحي وإتاحته للأجيال القادمة.
وتتشكل اللجنة التنفيذية للمشروع برئاسة المخرج عادل حسان، وعضوية نخبة من الفنانين والخبراء، وهم: المخرجة عبير علي، المخرج سامح مجاهد (مدير فرقة مسرح الغد)، المخرج تامر كرم (مدير فرقة مسرح الشباب)، الكاتب سامح عثمان ( مدير التدريب بالادارة العامة للمسرح بهيئة قصور الثقافة)، الفنانة منى سليمان (مدير ثقافي)، الأستاذة دينا فوزي (مدير رقابة المسرحيات بالرقابة على المصنفات الفنية)، الأستاذة جيهان علام (المدير المالي والإداري بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون لشعبية)، ويشغل الدكتور محمد أمين عبد الصمد (مدير إدارة تراث الفنون الشعبية بالمركز) مقررا للجنة، وستضم اللجنة لاحقا عدد من الفاعلين في المسرح و الموسيقى والفنون الشعبية.
ويُعد هذا المشروع، في مرحلته التأسيسية الأولى، خطوة استراتيجية نحو بناء أرشيف وطني شامل للفرق الفنية المستقلة، بما يضمن حماية التراث الفني المصري، ودعم استدامة الإبداع، وتوفير بنية عمل آمنة ومنظمة تسهم في تطوير المشهد الثقافي على مستوى القاهرة والمحافظات.