ذكاء «أصحاب الأرض» فى مواجهة «عنصرية الغرب».. «ثمرة فاكهة» تؤرق الاحتلال.. «البطيخ» رمز النضال الفلسطيني
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
بعد أن أصبح رفع العلم الفلسطينى جريمة يعاقب عليها القانون فى العديد من البلدان الغربية، عاد البطيخ مجددا للمشهد السياسى فى ظل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، بعد أن ظهر فى عام ٢٠٢١ خلال أحداث حى الشيخ جراح فى القدس الشرقية، أصبح البطيخ رمزا للنضال الفلسطينى ضد الاحتلال حيث يحمل البطيخ نفس ألوان العلم الفلسطينى.
وساهم فى عودة البطيخ بقوة أيضا الرقابة التى تفرضها منصات التواصل الاجتماعى على المحتوى الفلسطينى أو المحتوى الذى يناهض إسرائيل أو ينشر جرائمها فى حق الشعب الفلسطينى، حيث أصبح البطيخ بديلا عن العلم الفلسطينى حيث ظهر فى مظاهرات فى برلين ومدن ألمانية أخرى للتنديد بالعدوان الإسرائيلى على غزة بعد أن حظرت الحكومة الألمانية رفع العلم الفلسطينى. وأصبح البطيخ رمزا للتضامن مع القضية الفلسطينية لأول مرة فى عام ١٩٨٤ بعدما نشرت صحيفة "حداشوت" الإسرائيلية خبرا يتعلق بمحمد تاية الملقب بـ "محمد البطيخ" من قرية قلنسوة فى المثلث، حيث حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة بيعه بطيخا يحمل ألوان منظمة التحرير الفلسطينية فى كشكه بمفرق بيت ليد وتم ذلك وفقا لقانون منع الإرهاب، ومن هنا كانت شرارة ربط البطيخ بفلسطين المحتلة.
وفى هولندا وعقب أحداث حى الشيخ جراح، قام حراس جامعة روتردام للفنون، بالتعاون مع شرطة المدينة، بإزالة لافتة تم رفعها من قبل الطلاب تحمل العلم الفلسطينى وشعارات تنادى بوقف سياسة التطهير العرقى التى تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين وتطالب بحرية فلسطين. ولكن ذلك لم يثن طلاب الجامعة عن عزيمتهم، فقد قاموا برفع لافتة بديلة تحمل صورة بطيخة وكتب عليها عبارة "هذه ليست بطيخة"، وذلك للإشارة إلى تشابه ألوان البطيخة مع ألوان العلم الفلسطينى.
وتعكس هذه الأحداث ما يحدث حاليا على وسائل التواصل الاجتماعى بعد العدوان الإسرائيلى على غزة حاليا حيث يلجأ الناشطون إلى استخدام البطيخ للتلاعب بخوارزميات المنصات وللتعبير عن الصوت الفلسطينى فى مواجهة السردية الإسرائيلية التى تعتمدها وسائل الإعلام الغربية، حيث تقلل وسائل التواصل المنشورات التى تحمل صورة العلم الفلسطينى بل وفى كثير من الأحيان تغلق حسابات بعض الأشخاص دون إبد أى أسباب واضحة.
تعود رمزية البطيخ إلى التكتيكات التنظيمية الفلسطينية قبل الانتفاضة الأولى، فى الفترة التى سبقت اتفاقيات أوسلو فى عام ١٩٩٣، حيث كان رفع العلم الفلسطينى محظورا فى فلسطين، نعم فلسطين هى الدولة الوحيدة التى منعت من رفع علمها على أرضها وكانت البطيخة ترمز إلى العلم وألوانه الأربعة التى كانت ممنوعة من قبل الاحتلال الإسرائيلى.
بل وتوجد العديد من القصص التى تروى منع رفع العلم منذ احتلال عام ١٩٦٧، حيث كان رفعه يعتبر جريمة ويتعرض صاحبها للمسائلة القانونية والمحاكمة، وذلك ضمن السياسة العنصرية التى تتبعها إسرائيل إلى الآن.
مما سبق نرى حجم الرعب الذى تعيشه إسرائيل ومحاولاتها المستمرة والمستميتة لقتل القضية الفلسطينية وطمس هوية الفلسطينيين حتى لون كان السبب بطيخة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ثمرة فاكهة البطيخ الشيخ جراح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة رفع العلم
إقرأ أيضاً:
الثقافة في مواجهة الإبادة
حين مررت بالقرب من شجر الزيتون الذي حطمته آليات الاحتلال قبل عام، فوجئت بأغصان خضراء تنمو، ابتسمت، فقد انتصرت الأشجار الأبناء على الاحتلال بسهولة:
«إذا أنْتَ حَدَّقْتَ فيهَا قَرأْتَ حكَايتَنَا كُلَّهَا:
وُلدْنَا هُنَا بَيْنَ ماءٍ ونارٍ.. ونولَدُ ثانيةً في الْغُيومْ
على حافّة السّاحل اللاّزَوَرديّ بَعْدَ الْقيامَةِ.. عَمّا قليلْ
فلا تَقْتُلِ العُشْبَ أكثر، للْعُشبِ روحٌ يُدافعُ فينا عن الرّوحِ في
الأرضِ/
يا سيّد الخَيْل! عَلِّم حصانك أنْ يعْتَذِرْ
لِروحِ الطَّبِيعةِ عَمَّا صَنَعْتَ بأشْجَارِنَا:
آهٍ، يا أَخْتِيَ الشَّجَرَةْ
لَقدْ عذَّبوكِ كما عَذَّبُونِي
فلا تَطْلبي الْمَغْفِرةْ
لحَطّابِ أمّي وأمِّكْ..»
هذا ما خاطب به محمود درويش على لسان سياتل زعيم دواميش في رائعته الخالدة: خطبة الهندي الأحمر: ما قبل الأخيرة، أمام الرحل الأبيض. لقد مرت عقود على الإبادة، لكن لم ينته الأمريكيون الأصليون ولا ثقافتهم.
في فلسطين المحتلة، فإن شجر الزيتون يعود ثانية، إنه بعث الفينيق، والعنقاء، تلك معجزة فلسطين، وليست أسطورة أبدا.
ماذا نقول عن الطفل الذي انقض جنود الاحتلال عليه، فأشبعوه ضربا وركلا «بالبساطير» الأمريكية وحواف البنادق المعدنية، حين فتح عينيه أمام الكاميرات، من خلال وجه صار دما، وابتسم، ورفع علامة النصر!
منذ وعت عيني، وأنا في اللاوعي والوعي أشهد مقاومة الاحتلال، من خلال الرموز، تلك قصص كثيرة يصعب إيرادها، لكن الناظم فيها هو وعي الفلسطينيين على أهمية التشبث بالهوية، والخصوصية الثقافية والرموز الوطنية.
حين استغرب أحد جنود الاحتلال وجود علم فلسطين في مطرزة جميلة أبدعته الحاجة نعمة، أختي، قلت له ببساطة مشيرا الى علم الاحتلال، ما هذا؟ فأجاب علم دولة إسرائيل! قلت له ونحن شعب فلسطين ولنا علم، فهل تتوقع أن نرفع علمكم هنا؟ فأنهى المحتل العشريني الكلام، لكنه لم يخف إعجابه بالمطرزة، فقلت له هل تعلم كم عمر تفاصيل هذه المطرزة؟ فأشار بالنفي. قلت له هذه عمرها آلاف السنين! وهنا خرج من البيت مطأطئ الرأس قائلا: أنتم بيت مرتب ومضى.
كل وقصصه، لكن كيف لي أن أنسى احتفاظ أبي بزيه الفلسطيني، وهو يقطع جموع المحتلين، غير آبه بهم، فورثت ذلك، وكم تأثرت بسلوكه حين رفض دخول أي مبنى حكومي بعد هزيمة عام 1967 عليه أي رمز للاحتلال، حتى ولو لغة عبرية.
قال أبي وكثيرون: سنغلبهم بهذا وهذا، مشيرين للكتب التي بين أيدينا والشجر الذي أمامنا ونحن نجلس أمام البيت.
بالرغم من محاولات إبادتنا منذ عام 1948، وصولا الى حرب الإبادة على غزة، ونحن نزداد تجذرا وقوة ثقافية وفنية، فنحن الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال ونسبة التعليم فيه تفوق دولة الاحتلال!
لم نباد، ولن، فكل فلسطيني يصير أمة!
استعار محمود درويش في قصيدة «خطبة الهندي الأحمر: ما قبل الأخيرة، أمام الرجل الأبيض» التي تضمنها «ديوان أحد عشر كوكبا» الذي صدر عام 1992، حالة الأمريكيين الأصليين، شعب القارة الأصلي، وهو هنا بذكاء يفرّق بين أمرين، قامت عليهما القصيدة. أما الهندي الأحمر فكانت خطبته الأخيرة بعد المعركة التي خسرها، وهو قد اعتاد أن يتحدث عن استخلاصاته لقومه، كما روى درويش حين قدم لقصيدته التي ألقاها. لكن محمود درويش، الهندي الآخر الذي ما زال يقاوم سيد البيض، فكانت خطبته قبل الأخيرة، لا لأنه لم ينهزم، بل لأنه يثق بأن خطبته الأخيرة هي إعلان نصره على سيد البيض!
ذلك في نظري هو دور الثقافة والفنون، فهما وإن كانا أهم ما يميز الشعوب، مثل الشاهنامة للفردوسي، فإنهما يشكلان ما يمكن تسميتهما بالدينامو، إن الثقافة والفنون رافعتان للشعوب، وهما باعثان للحياة، وهل كانت الثقافة والفنون في الحضارات جميعا إلا أساس النهضة والحضارة!
لقد حاكى العبرانيون الجدد العبرانيين القدامى حين انهالوا على الرموز الثقافية القديمة من كنعان ويبوس، لكن يبدو أن فلسطين عصية على الإبادة، حيث إن غنى الثقافة والفلكلور يمتد على الأرض وفي داخل البشر هنا، فكل ما يحيط بهم، وكل ما يتعلق بهم يصير ثقافة، كالزيت والزعتر والدران الاستنادية في جبال فلسطين.
زعم الصهاينة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهكذا كانت الأرض الجديدة القديمة رواية طوباوية نشرها مؤسس الصهيونية السياسية تيودور هرتزل عام 1902، أي بعد إعلان تأسيس الحركة الصهيونية عام 1897 بخمس سنوات.
«تحكي الرواية قصة فريدريش لوينبيرج، وهو شاب يهودي من فيينا مفكر، وانضم إلى أرستقراطي بروسي أمريكي يُدعى كينجسكورت أثناء تقاعدهم في جزيرة نائية في المحيط الهادئ. توقفا في يافا في طريقهم إلى المحيط الهادئ، ووجدوا فلسطين أرضًا متخلفة ومعدمة وذات كثافة سكانية منخفضة، كما بدت لهرتزل في زيارته عام 1898».
امتلأت الرواية بالمغالطات، ونفت وجود شعب فلسطين، وتتابع الصهاينة والمسيحيون الصهيونيون في إزاحة الفلسطيني من فضاء فلسطين، واستمر ذلك حتى الآن، إنهم لا يروننا! ورغم ذلك، فإن فلسطين هي الأكثر حضورا.
باختصار، ما فعله الصهاينة هنا كان فقط محاكاة لما فعله البيض في أمريكا: الإبادة، لكن ذلك لم يتحقق، بل صارت فلسطين أكثر نضرة وجمالا، وتجلى ذلك بالطبيعة والزراعة والإبداع. دوما كنت مقتنعا بأن «كروم عنب بيت دقو.. وفلسطين» تنتصر بسهولة على الاحتلال، ودوما كنت أرى دواوين محمود درويش، وما أنجزه المبدعون هنا أسلحة الاحتلال.
«وكولومبوسُ الحُرّ يَبْحثُ عَنْ لُغةٍ لم يجِدْها هُنا،
وعَنْ ذَهبٍ في جَماجِم أجدادنا الطّيّبين، وكَانَ لهُ
ما يُريدُ من الْحيّ والميْتِ فينا. إذًا
لماذا يُواصلُ حَرْب الإبادَة، من قَبْرِه، للنِّهَايَةْ؟
ولَمْ يَبْقَ مِنَّا سِوَى زِينَةٍ للْخرابِ، وريشٍ خَفيفٍ عَلَى
ثياب الْبحيْرات. سَبْعونَ مليون قلْبٍ فَقأْت.. سيَكْفي
ويكْفي، لترْجع منْ مَوْتنا ملكًا فَوْق عَرْش الْزمانِ الْجَديد..»
هي القصيدة- الاستعارة، والرمز، التي تفسّر مواصلة حرب الإبادة الفاشلة (غزة مثالا ساطعا من خلال الأدب الجديد الذي يظهر الآن)، تلك نبوءة درويش وتلك مقاومته.
كتب محمود درويش القصيدة قبل 33 عاما، لكنها تزداد حضورا ونضرة. وكذلك صرنا أكثر بقاء من الاحتلال نفسه، الذي ينهي نفسه بنفسه، وأما نحن فسنواصل الزراعة والغناء.