لا شكَّ أنَّ الدوَل الَّتي تزرع وتصنع الحدَّ الأدنى من احتياجاتها ترتفع قوَّتها الجيوسياسيَّة وتتضاعف سيادتها الداخليَّة والخارجيَّة، ويتعزَّز استقلالها في البيئة الأمنيَّة الدوليَّة، بالإضافة إلى أنَّ مكانة الدوَل دائمًا ما كان يُنظر لها من منظور عسكري واقتصادي، فكُلَّما كان اقتصاد الدَّولة قويًّا ومتماسكًا كانت قويَّة ومتماسكة، كذلك كُلَّما كان لدَيْها جيش قويٌّ عزَّز ذلك من هيبتها في مواجهة الأعداء ودعم الأصدقاء.


في المقابل تفتقد الدوَل تلك الأوراق الرابحة أو تتراجع وتضعف سيادتها واستقلالها كُلَّما ارتفع اعتمادها على الآخرين في احتياجاتها الوطنيَّة الأساسيَّة، خصوصًا الغذاء والدواء والسِّلاح، وبما أنَّنا نتحدث في هذا الطرح عن أهمِّية الاستقلال والجاهزيَّة في الصِّناعات العسكريَّة والأمنيَّة، فإنَّنا نقول: إنَّ الدوَل الَّتي لا تمتلك الحدَّ الأدنى من الاستقلاليَّة في احتياجاتها العسكريَّة الأوَّليَّة تبقى رهينة للدوَل المُصنِّعة ولوبيَّات السِّلاح في تجهيز قوَّاتها، الأمْرُ الَّذي يجعلها دائمًا في موضع التهديد والابتزاز والشروط التعجيزيَّة.
الأسوأ من ذلك اضطرار الدوَل المستهلكة شراء معدَّات عسكريَّة من الدوَل المُصنِّعة للسِّلاح بجودة أقلَّ أو عَبْرَ تقليل بعض مميزات المُعدَّات العسكريَّة مِثل المدى أو القوَّة أو غير ذلك كشرط للبيع بسبب وجود اتفاقيَّات أمنيَّة أو عسكريَّة أو التزامات سياسيَّة مع حلفاء آخرين للدَّولة المُصنِّعة، مِثل ما هو واقع الحال بَيْنَ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة و»إسرائيل» عِند قيام أميركا بالاتِّفاق مع العديد من الدوَل العربيَّة على شراء الأسلحة الأميركيَّة. ونستذكر في هذا السِّياق اقتراح الرئيس الأميركي الأسبق ريغجان صفقة طائرات الأواكس للإنذار المبكِّر وأجهزة متقدِّمة لمقاتلات) f15) لدَولة عربيَّة في أكتوبر 1981 وكيف تدخلت «إسرائيل» وضغطت لرفضها الصفقة حينها. (راجع حَوْلَ هذه القضيَّة كتاب مَنْ يجرؤ على الكلام لبول فندلي، ط14/2001ص 115) على ضوء ذلك كان من المُهمِّ والضروري أن تعيَ الدوَل العربيَّة والخليجيَّة أهمِّية الاكتفاء المقبول عَبْرَ الصِّناعات الوطنيَّة أو التصنيع الداخلي للمُعدَّات والأسلحة العسكريَّة. نعم توجد جهود قائمة لذلك، ولكن ليست بالمستوى المأمول، خصوصًا على المستوى الخليجي، أو على نَحْوٍ أدقَّ لَمْ تتَّسم بالجدِّيَّة والنَّوعيَّة إلَّا في السنوات الأخيرة. لذا يُمكِن التأكيد على أهمِّية الصِّناعات العسكريَّة خليجيًّا لتحقيقِ الاكتفاء الأمني، بالإضافة إلى العوائد الاقتصاديَّة الَّتي يُمكِن أن يُحقِّقَها هذا التوجُّه، سواء على مستوى البيع أو تقليل الشراء، والأهم من ذلك ارتفاع قدرتها على الدِّفاع عن نَفْسِها ما يُعزِّز الأمن والاستقرار الداخلي، سواء أكان ذلك في الجانب السِّياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، مع تعزيز قدرتها على مواكبة المتغيِّرات الإقليميَّة والدوليَّة، حيث إنَّ وجود قدرة على التصنيع يمنحها القدرة على المناورة واختيار الشركاء والأصدقاء والتحالفات بشكلٍ أفضل.
على المستوى الوطني وهو الأهمُّ لديَّ، مؤكَّد أنَّ القيادة السِّياسيَّة والعسكريَّة لدَيْها الوعي التَّام والجاهزيَّة المادِّيَّة والمعنويَّة للسَّير بشكلٍ جدِّي في هذا النَّوع من التوجُّهات الاستراتيجيَّة الوطنيَّة، ولله الحمد توجد بدايات مبشِّرة في هذا السِّياق مِثل إنشاء شركة ذخائر للصِّناعات العسكريَّة، بالإضافة إلى الشراكات القائمة للإنتاج وصناعة المُعدَّات العسكريَّة مع عددٍ من الدوَل الإقليميَّة مِثل مشروع «كروة موتورز» والَّذي يُعدُّ أحَد أبرز الاستثمارات الاستراتيجيَّة بَيْنَ دَولة قطر وسلطنة عُمان.
باختصار. لا بُدَّ من توسُّع دائرة الاهتمام بالصِّناعات العسكريَّة والأمنيَّة خلال المرحلة الوطنيَّة القائمة والقادمة، تعزيز التدريب وتأهيل الكوادر الوطنيَّة العُمانيَّة، الاهتمام بالابتكار والأفكار الَّتي تساعد على تمكين هذا القِطاع الوطني، إنشاء المعاهد والمؤسَّسات والمديريَّات المتخصِّصة بذلك، والسَّعي للاكتفاء من العديد من المُعدَّات والأسلحة الأوَّليَّة الَّتي تحتاجها قوَّاتنا المسلَّحة ومؤسَّساتنا الأمنيَّة بشكلٍ دائم ومتواصل.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ات العسکری فی هذا

إقرأ أيضاً:

«أبوزريبة» يبحث تعزيز القدرات التشغيلية والأمنية لمنفذ إيسين مع الجزائر

بحث وزير الداخلية بالحكومة الليبية، اللواء عصام أبوزريبة، اليوم الخميس، أوضاع منفذ غات إيسين البري الحدودي مع دولة الجزائر، خلال اجتماع موسع عقده بديوان الوزارة، مع اللواء خالد الكاديكي، مدير الإدارة العامة لأمن المنافذ، والدكتور التواتي أبزاج، مدير عام المنفذ، واللواء الحبيب مختار.

وبحسب بيان وزارة الداخلية بالحكومة الليبية، تناول الاجتماع الإجراءات الأمنية والإدارية المتبعة داخل المنفذ، وسبل تذليل الصعوبات ودعم الإمكانيات لضمان انسيابية حركة العبور، كما تم بحث آليات دعم المنفذ وتعزيز قدراته التشغيلية والأمنية وفق أعلى المعايير، بما يضمن انسياب حركة العبور بشكل منظم وآمن.

كما تم عرض الخطط الأمنية الخاصة بجميع المنافذ ورفع حالة الاستعداد، تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لثورة الكرامة، إلى جانب متابعة الإجراءات التنظيمية لضمان تحسين الأداء الأمني والخدمية.

وشدد الوزير، على ضرورة فرض هيبة الدولة في المناطق الحدودية، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المنافذ لمكافحة الجريمة وضبط المهربين، وحماية الحدود الليبية.

الوسومالحكومة الليبية منفذ إيسين مع الجزائر

مقالات مشابهة

  • وزير الصحة يكرم تجمع الرياض الصحي الأول نظير إنجازاته في الابتكار والجاهزية
  • هاكان فيدان في مهمة استراتيجية بالسعودية
  • شراكة استراتيجية بين الأكاديمية العسكرية المصرية و الوطنية للتدريب
  • توقيع اتفاقية تعاون بين “قدرة للصناعات الدفاعية” و”فيلر الدفاعية” لتعزيز الصناعات العسكرية في المملكة
  • تفكك سلطة حماس في غزة: انهيار البنية التحتية البلدية والأمنية يهدد مستقبل القطاع
  • قمة بغداد ودعم مشاريع النقل واللوجستيات ركيزة استراتيجية لتنويع الاقتصاد الوطني
  • الشيباني: وضعنا لبنة مهمة لبناء علاقات استراتيجية مع واشنطن
  • «أبوزريبة» يبحث تعزيز القدرات التشغيلية والأمنية لمنفذ إيسين مع الجزائر
  • نائب وزير الحرس الوطني يجتمع مع القيادات العسكرية بالوزارة
  • الرئيس الإيراني يؤكد أن استراتيجية حكومته قائمة على ترسيخ الوفاق الوطني وتعزيز التضامن الإسلامي