كتب ابراهيم حيدر في" النهار": السياق الذي تجري فيه المعارك جنوباً حدد عناوينها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وبتأكيده أن ما جرى في القطاع منذ عملية طوفان الأقصى هو معركة فلسطينية، لا يبدو أن جبهة لبنان مرشَّحة الآن للانفجار الشامل وفقاً لحسابات باتت معروفة، وليست مرتبطة بما يمكن أن يتحمّله بلد مثل لبنان في حرب تدميرية، بل بالعلاقة مع غزة وعدم السماح بكسر حركة حماس أو تهجير الشعب الفلسطيني.

وجاء كلام نصرالله متماهياً مع ما حددته مرجعيته الإيرانية في التعاطي مع حرب غزة وأيضاً جبهة لبنان.
يتبيّن من كلام نصرالله أن المعركة في غزة طويلة ومفتوحة وفق التطورات. لكن هذه المعركة تختلف على جبهة لبنان عن حرب تموز 2006، وليس كما شبّهها بها الأمين العام لـ"حزب الله" من أن الإسرائيليين لم يتعلموا من تجاربهم في مواجهة قوى المقاومة. فما حدث في غزة وضع إسرائيل في مأزق وجودي، ودفع الأميركيين إلى إدارة المعركة لإنقاذها، ولذا فإن حربها ضد حماس تستهدف الفلسطينيين على أرضهم لإخراج إسرائيل من أزمتها وتأمين شروط انتصارها. وإن كانت إسرائيل لم تحقق هدفها بكسر حماس في الحرب العسكرية، فقد يزيد من جنونها، ويدفع الأمور حتى لإشعال الجبهة مع لبنان، خصوصاً إذا رأى بنيامين نتنياهو أن هذا الأمر يشكل مخرجاً لمأزقه في محاولة لضرب "حزب الله" على الحدود.

المخاوف تبقى من إطالة أمد الحرب، ومنح إسرائيل كل الفرص لضرب حماس وإخراج الفلسطينيين من غزة، فعلى الرغم من خروج أصوات دولية تدين المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، فإن ذلك لم يؤدّ حتى إلى هدنة إنسانية، وهو أمر سينعكس على لبنان سلباً خصوصاً إذا تبيّن أن المعادلات الإيرانية ومن ضمنها "حزب الله" لم تمنع الاستفراد بغزة وهو ما سيبقي جبهة لبنان مفتوحة مع تصعيد محور الممانعة لعملياته في سوريا والعراق واليمن، من دون أن يؤدّي ذلك إلى حرب شاملة، بل فتح بازار التسويات على الحسابات والمصالح. وبالعكس، إذا تمكنت "حماس" من الصمود مع مساندة جبهة الجنوب اللبناني، فإن الإيرانيين سيسعون لاستثماره إلى أبعد الحدود. وفي الحالتين يُفهم إلى حد بعيد الانضباط في خطاب نصرالله لقواعد الحرب والتفاوض.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: جبهة لبنان حزب الله

إقرأ أيضاً:

حرب غزة.. مقاربة لفهم استعصاء جبهة اليمن

 

يستمر إطلاق الصواريخ اليمنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تعهدت حركة أنصار الله اليمنية باستمرار هجومها على “إسرائيل” ما دامت حرب الإبادة مستمرة على قطاع غزة، وذلك بالرغم من قيام الاحتلال الإسرائيلي بشنّ غارات على اليمن إحداها في 6 مايو الحالي، ألحقت أضراراً بالمطار الرئيسي في العاصمة صنعاء وأدت إلى استشهاد عدد من المدنيين اليمنيين.

وبالرغم من الضربات الأمريكية (سابقاً) والإسرائيلية المستمرة منذ مارس 2025م، وبالرغم من قوتها، والتكاليف المادية والبشرية اليمنية، من غير المتوقع أن تؤثر الضربات الجوية استراتيجياً على القوة اليمنية، أو تثني اليمنيين عن الدفاع عن أنفسهم أو عن القيام بردود أفعال عسكرية انتقامية مقابلة.

إن محاولة فهم استعصاء جبهة اليمن أمام التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة “حارس الازدهار” و”إسرائيل”، يتطلب فهماً معمقاً لتركيبة اليمن السياسية والاجتماعية والجغرافية، وكذلك لطبيعة جماعة أنصار الله الحوثية وأسلوبها في القتال، وهي على الشكل التالي:

1- الجغرافيا المعقدة:

تمتلك اليمن تضاريس جبلية معقدة تُصعّب العمليات العسكرية التقليدية وتعطي أفضلية لليمني للتخفي وتعيق فعالية الضربات الجوية التي اعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في هجومهم على اليمن. كذلك، تشكّل الجبال الوعرة والمرتفعات عوائق طبيعية تسهم في منح ميزة قتالية في الحروب كافة.

هذه التضاريس توفر غطاءً طبيعياً ممتازاً للتمركز، والانسحاب، وإعادة الانتشار، كما تعيق فعالية الطيران والاستطلاع، وهنا، يمكن أن نقول إن الأمريكي والإسرائيلي وقبلهما التحالف الدولي لم يستفيدوا من الدروس التاريخية للقتال في اليمن.

2- الأساليب القتالية:

بسبب الحرب التي يخوضونها منذ عام 2015م، طوّر اليمنيون أساليبهم العسكرية التي تجعل إمكانية هزيمتهم صعبة، يمتلك اليمنيون بنية تحتية عسكرية مرنة ومنتشرة في مناطق متفرقة من الجغرافيا التي يسيطرون عليها في اليمن، ويعتمدون على التخفي، التمويه، واللامركزية القتالية والعسكرية، لذا فإن الضربات لم تؤثر على قدرتهم على إطلاق الصواريخ على تل أبيب واستهداف الطائرات الأمريكية في البحر، وإسقاط الطائرات المسيّرة بدقة.

3- العوامل المجتمعية والعقائدية:

المجتمع اليمني قبلي بطبعه، ويتمتع بتماسك اجتماعي يمنح جماعة أنصار الله الحوثية حاضنة مجتمعية يصعب اختراقها، ويمنع الاقتتال الأهلي الذي يمكن توظيفه من قبل استخبارات خارجية لإضعاف جماعة ما.

زد على ما سبق، أن اليمنيين لا يقاتلون “إسرائيل” والأمريكيين من أجل مصالح سياسية، بل يعتبرون أنفسهم في “حرب مقدسة” لنصرة فلسطين، ما يجعل المقاتل أكثر استعدادًا للتضحية، وأكثر صبرًا على المعاناة، ويعزز من قدرته على الصمود أمام الحصار والهجمات الجوية التي حصلت، والتي أضرّت بالبنية التحتية وأدّت إلى سقوط ضحايا مدنيين.

4- الدعم الخارجي:

أي جماعة مقاتلة لا تمتلك عمقاً استراتيجياً أو تتلقى دعماً خارجياً لا تستطيع أن تصمد طويلاً في مواجهة “أكبر قوة عسكرية في العالم وأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط”، لذلك فإن الدعم الذي تتلقاه جماعة أنصار الله الحوثية من الخارج يشكّل عاملاً مساعداً في ذلك الاستعصاء، لكنه ليس العامل الحاسم.

اعتمد اليمنيون على تطوير محلي لأسلحة متقدمة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، مستفيدين من الهندسة العكسية للأسلحة المهرّبة واستنساخ تقنيات إيرانية وصينية، إضافة إلى تصنيع محلي للأسلحة باستخدام مواد بسيطة ومكونات تجارية متاحة.

وعليه، من المرجّح أن تستمر جبهة اليمن في إسناد غزة ودعم الفلسطينيين في الصراع مع “إسرائيل”، وذلك لعدة عوامل أهمها:

أولاً: رغبة جماعة أنصار الله في عدم التخلي عن الفلسطينيين في ظل تعرضهم لحرب إبادة. بعد تعرّض أطراف “محور المقاومة” لضربات كبرى، وفي ظل انشغال إيران بمفاوضات ملفها النووي، يبقى اليمني هو الطرف الوحيد (في المحور) القادر والراغب على دعم وإسناد غزة.

ثانياً، رغم تصاعد القصف وتدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، لا تزال جماعة أنصار الله تحظى بدعم شعبي واسع نسبياً في مناطق سيطرتها، والدليل هو التظاهرات الهائلة التي تخرج كل يوم جمعة نصرة لغزة وفلسطين لأسباب عدة أبرزها التعاطف الشعبي اليمني الواسع مع الفلسطينيين في غزة، حيث يسود الشعور بالمظلومية التاريخية، ما يعزز من تماسك القواعد الشعبية، حتى في ظل التحديات الاقتصادية والخدمية.

ثالثاً: قيام جماعة أنصار الله الحوثية باستهداف “إسرائيل”، يمنحها شرعية إضافية في نظر شريحة واسعة من المجتمع اليمني، وكذلك هم باتوا محط افتخار من قبل شرائح واسعة من الشعوب العربية التي تنظر إلى غزة بعين “العاجز” عن إيقاف حرب الإبادة.

رابعاً: هذه الجبهة تُعد منخفضة الكلفة نسبيًا لليمنيين، مقابل تكلفة عالية تتحملها “إسرائيل” سواء من ناحية أمنها القومي، أم من ناحية الهيبة الدولية، وتأثيرها في الضغوط على نتنياهو داخلياً لعقد صفقة وإنهاء حرب غزة.

هذا إضافة إلى الكلفة الاقتصادية الكبيرة على “إسرائيل” عبر توقف شركات الطيران عن الوصول إلى مطار بن غوريون، والحصار المستمر على الموانئ الإسرائيلية وقدرة اليمنيين على السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية مثل البحر الأحمر وباب المندب… كل هذه الأمور تجعلها ورقة ضغط سياسية حيوية أساسية- وتقريباً وحيدة خارجياً- لإنهاء الحرب على غزة.

 

* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

 

مقالات مشابهة

  • إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
  • لبنان يعلن استهداف شخص في غارة إسرائيلية على الجنوب
  • حرب غزة.. مقاربة لفهم استعصاء جبهة اليمن
  • بالفيديو.. بري يعلن مواجهة إسرائيل بـموقف
  • إسرائيل تشن غارات جوية على جنوب لبنان وتزعم قتل قيادي خطير بحزب الله
  • إسرائيل تعلن القضاء على قائد "وحدة صاروخية" في "حزب الله"
  • بالصور.. الجيش يضبط أجهزة تجسس إسرائيلية في الجنوب
  • ملصقات ضدَّ حزب الله في الجنوب.. والفاعل جيش العدو!
  • بعد الغارات العنيفة على الجنوب... إسرائيل تكشف ما تم استهدافه
  • مصدر : إسرائيل اخترقت هيكلة حزب الله السابقة استخباراتيا