دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم تشعر مضيفة الطيران إيلونا زان بأي اهتمام بالطيار إيان دنكان، عندما التقت به لأول مرة.

كان ذلك في عام 1970، حيث كانت إيلونا تعمل في مقصورة الدرجة الأولى على متن خطوط "بان أمريكان" العالمية، في رحلة متجهة من العاصمة الإيطالية روما إلى العاصمة الإيرانية طهران، وتسافر عبر بيروت ودمشق.

ورأت إيلونا  إيان لأول مرة قبل ساعتين من الإقلاع. وكانت تقف، بزيها الأزرق السماوي، مع بقية أفراد الطاقم في بهو فندق متروبول في روما.

وتتذكر إيلونا تلك اللحظة قائلة: "كنا ننتظر ونتحدث".

وجاء إيان لاستقبال الطاقم، وقدم نفسه على أنه مساعد الطيار الأول للرحلة القادمة.

إيلونا زان، التي تظهر في هذه الصورة وهي تجلس على محرك طائرة بوينغ 707، كانت تحب العمل لدى خطوط بان أمريكان العالميةCredit: Ilona Duncan

وتقول إيلونا لـCNN: "غالبية الطيارين كانوا يتمتعون بودّ كبير، وكان لديهم حرص على تقديم أنفسهم. اعتقدت أنه كان ودودًا، لكنني لم أفكر فيه كثيرًا".

وبعد بضع ساعات في وقت لاحق، كان الركاب يستقلون طائرة "بوينغ 707"، بينما كانت إيلونا تقوم بفرز الإمدادات في مطبخ الدرجة الأولى.

إليكم صورة إيلونا وإيان معًا في عام 1974.Credit: Ilona Duncan

وكانت الخدمة في الدرجة الأولى تعني أيضًا الاهتمام باحتياجات الطيارين، لذلك لم تتفاجأ إيلونا عندما اقتربت منها مضيفة طيران أخرى، وأعطتها قائمة طلبات المشروبات من قمرة القيادة.

قامت زميلة إيلونا بإدراج طلبات المشروبات الغازية، والشاي، والقهوة من قبل المهندس وقائد الطائرة، ثم أضافت ما طلبه مساعد الطيار إيان: "قال إنه يريد قهوته شقراء وجميلة مثل الفتاة التي تقدم خدمة الطعام".

ولم تعجب هذه المجاملة إيلونا، رغم حبها لوظيفتها والسفر حول العالم، لكنها لم تفضل هذا النوع من التعليقات التي كانت تتلقاها يوميًا من ركاب وزملاء لها على حدٍ سواء.

وتقول إيلونا: "كان لدي الكثير من المعجبين، لأنني كنت جميلة. لكني لم أكن في حالة مزاجية جيدة في ذلك اليوم".

صورة تجمع إيان وإيلونا في سيدني بأستراليا.Credit: Ilona Duncan

سكبت إيلونا القهوة، ثم التفتت إلى زميلتها قائلة "حسنًا، سوف يحصل على ما طلبه"، ثم اتجهت إلى المطبخ ووضعت الصلصة الحارة، والملح، والفلفل في كوبه، ثم أضافت كريمة القهوة في الأعلى كي لا ينتبه للونها الغريب. وقالت لزميلتها: "حسنًا، خذي هذا إلى مساعد الطيار".

وعندما أخذ إيان رشفة من القهوة، بصقها على الفور. للحظة كان في حالة صدمة، ثم ضحك والتفت إلى قائد الطائرة قائلا: "لا بد أنها تحبني لتتكبد كل هذا العناء".

من طهران إلى روما صورة لإيان عندما أصبح قائدًا لطائرة بوينغ 707، إلى جانبه إيلوناCredit: Ilona Duncan

وصلت الرحلة إلى طهران في وقت متأخر من ذلك المساء، واتجه طاقم الطيران إلى فندق "رويال طهران هيلتون"، وهو مكان إقامة فخم يقع على سفوح جبال إلبرز.

واجتمع أفراد الطاقم كعادتهم في غرفة قائد الطائرة لتناول المشروبات وتبادل المحادثات حتى الساعات الأولى من الصباح.

وشاهدت إيلونا إيان في الغرفة، وأعربت عن تقديرها لحفاظه على مسافة محترمة بعد حادثة القهوة.

كانت إيلونا تبلغ من العمر 25 عامًا. وقدرت أن إيان كان يكبرها بحوالي 10 سنوات. وبدا أنه لطيف ومحترم من قبل زملائه.

في صباح اليوم التالي، رن الهاتف في غرفة نوم إيلونا بالفندق في الساعة 10 صباحًا. أجابت إيلونا بحذر، وهي لا تزال غارقة في النوم. 

كان إيان المتصل وسألها: "هل ترغبين في مرافقتي إلى السوق؟".

وافقت إيلونا، لكنها قالت إنها لن تتمكن من الخروج إلا في وقت لاحق.

صورة تجمع الزوجين على متن رحلة إيان الأخيرة كطيار خطوط بان أمريكان Credit: Ilona Duncan

رتب الاثنان للقاء خلال فترة ما بعد الظهر، وانضم إليهما عدد قليل من أفراد الطاقم الآخرين. 

بعد ساعة من التجول في سوق تيهان الكبير لمطالعة الأواني النحاسية، كانت إيلونا جاهزة للعودة إلى الفندق، وقال إيان إنه سيرافقها.

وفي طريق العودة داخل سيارة الأجرة، لم يجد الثنائي ما يفعلانه سوى قضاء الوقت في المحادثة، وقد جد إيان وإيلونا الكثير من الأمور للحديث عنها.

وتحدثت إيلونا عن ماضيها، وأنها ولدت في نهاية الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، ثم غادرت بلدها عندما كانت شابة بالغة، ومنذ ذلك الحين عاشت في لندن، ونيويورك، وباريس.

صورة تجمع عائلة دنكان في فرنساCredit: Ilona Duncan

وقال إيان إنه أمريكي المولد، وهاجر والداه من اسكتلندا، وكان يحلم طوال حياته بقيادة الطائرات.

وتتذكر  إيلونا: "لم نتوقف عن الحديث. وقد استمتعنا حقًا بصحبة بعضنا البعض. وهذا ما جذبني إليه بشكل أو بآخر". 

في ذلك المساء، تناول إيان وإيلونا العشاء معا بمطعم فارسي مع زملاء لهما من أفراد الطاقم. وبعد ذلك، سأل إيان عما إذا كانت إيلونا تريد رؤية الإطلالة التي تتمتع بها شرفة غرفته.

وبينما كانا ينظران إلى أضواء المدينة، سألها إيان إذا كان بإمكانه تقبيلها.

تقول إيلونا إنها كانت قبلة رومانسية طويلة.

عندما عادت رحلة طيران "بان أمريكان" إلى روما، أمضى الثنائي المساء في التجول حول المدينة معًا، حيث قاما بإلقاء العملات المعدنية في نافورة تريفي، ثم قضيا ساعات الجلوس معًا، والتحدث والشرب في حانة الفندق.

في اليوم التالي، عادت إيلونا إلى نيويورك وذهب إيان إلى باريس. لم يتبادلا أرقام الهواتف، ولم يعدا بعضهما البعض بالالتقاء مرة أخرى.

ولكن بعد أيام قليلة، فتحت إيلونا صندوق بريد طاقمها في مطار جون إف كينيدي وسقطت رسالة من إيان. وجاء في الرسالة: "أود أن أراك مرة أخرى"، مقترحًا أن يلتقيا على متن رحلة أخرى.

وكان إيان، بصفته مساعد طيار، يحصل عمومًا على خياره الأول في الرحلات الجوية، وكان يخبر إيلونا بجدول أعماله لتحاول التواجد على رحلات الطيران ذاتها.

وكان يطلب من جميع مضيفات طيران "بان أمريكان" أن يتقنّ لغة ثانية واحدة على الأقل، لكن إيلونا أتقنت التحدث بخمس لغات - بما في ذلك اللغة الإيطالية - لذلك غالبًا ما كانت ضمن الاختيار الأول لرحلات روما.

وعلى مدى العامين التاليين، استمتع إيان وإيلونا بما تسميه إيلونا "علاقة حب رائعة". وأتاحت لهما وظائفهما فرصة المواعدة في جميع أنحاء العالم - من التنزه على طول نهر السين في باريس، والتجول بالمتاحف في لندن،  والذهاب برحلات سفاري في كينيا.

تقول إيلونا: "لقد أمضينا هذا الوقت الرائع حيث كنا نسافر بالطائرة معًا كل شهر تقريبًا".

عندما لم تتزامن رحلاتهما، كانا يتركان رسائل لبعضهما البعض في فنادق إنتركونتيننتال التي يرتادها طاقم شركة "بان أمريكان"، أو إذا تزامن وجود كلاهما في الجو على متن رحلات مختلفة، فسيتصلان ببعضهما البعض عبر راديو "بان أمريكان" على متن الطائرة.

وسرعان ما أصبحت علاقتهما أعمق.

وتشير إيلونا إلى أنه "بمرور الوقت، وقعا في الحب حقًا".

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أفراد الطاقم على متن

إقرأ أيضاً:

شوبنهاور ولعبة العقل

 

 

 

فوزي عمار

 

لماذا نخوض النقاشات لا بحثًا عن الحقيقة؛ بل بحثًا عن الانتصار؟ كان هذا السؤال هو الذي طرحه الفيلسوف الألماني آرثر شوبناهور في كتابه "فن أن تكون دائمًا على صواب".

ففي عالمنا اليوم، حيث تتدافع الآراء وتتصادم في كل مكان، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى جلسات العمل والعائلة، ثمة حقيقة مزعجة يطرحها الفيلسوف الألماني: نحن لا نبحث عن الحقيقة عندما نتحاور، بل نبحث عن الانتصار فحسب. هذا الكتاب الذي كتبه قبل قرنين من الزمان، يبدو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى.

يكشف شوبنهاور أن العقل البشري في الجدال لا يعمل كباحث عن الحقيقة، بل كمحامٍ بارع يدافع عن موقف مسبق.

هذه الفكرة التي بدت جريئة في زمنه، تجد اليوم تأييدًا في علم النفس الحديث عبر مفهوم "التفكير المعلل"؛ حيث نستخدم قدراتنا العقلية ليس لاكتشاف الحقيقة؛ بل لتبرير ما نؤمن به مسبقًا. فكم مرة رأينا أنفسنا نلتقط الحجج التي تدعم موقفنا ونهمل تلك التي تنقضه؟ إنه الانحياز المعرفي. 

الحيل الجدلية التي عددها شوبنهاور ليست مجرد حيل لخداع الآخرين، بل هي في الحقيقة أدوات تكشف كيف نخدع أنفسنا أولًا. خذ مثلًا حيلة "إغضاب الخصم"، تلك الآلية التي نلجأ إليها عندما نثير غضب الطرف الآخر، فنعطّل بذلك قدرته على التفكير المنطقي.

هذه ليست مجرد خدعة؛ بل هي استغلال لطريقة عمل الدماغ البشري، حيث يتعطّل الفص الجبهي المسؤول عن التفكير المنطقي عندما تنشط اللوزة الدماغية مركز الانفعالات.

لكن شوبنهاور يذهب أبعد من ذلك، فهو يرى أن النقاش ليس مجرد تبادل أفكار، بل هو في الحقيقة معركة على الهيمنة والهيبة الاجتماعية.

كم من مرة رأينا شخصًا يعلن انتصاره في نقاش ما رغم خسارته الحجة؟ هذا بالضبط ما يتحدث عنه شوبنهاور عندما يوضح أن الحقيقة قد تهزم في ساحة الجدال أمام خطاب أكثر تأثيرًا أو أكثر دهاء. إنه نفس ما أكده لاحقًا عالم الاجتماع الأمريكي الكندي إرفنغ غوفمان عندما وصف الخطاب البشري بأنه ليس وسيلة لنقل الأفكار بقدر ما هو عرض للهيمنة والقوة.

في زمننا هذا؛ حيث أصبحت الحقائق قابلة للتشكيل والتعديل حسب الرغبة، وحيث يمكن أن تتحول الأكاذيب إلى حقائق بمجرد تكرارها، يأتي كتاب شوبنهاور ليس كدليل لخداع الآخرين، بل كتحذير من أننا جميعًا نقع ضحايا هذه الآليات دون أن ندري. إنه يذكرنا بأن ساحة الجدال مليئة بالألغام النفسية التي يجب أن نكون واعين لها.

الدرس الأهم الذي يقدمه شوبنهاور ربما يكون هو أننا يجب أن نكون حذرين حتى من جدالنا الخاص، فقد نكون أول ضحاياه؛ ففي عالم أصبحت فيه القدرة على الإقناع أهم من الحقيقة ذاتها، يصبح فهم هذه الآليات أشبه بسلاح نقدي ضروري للبقاء. كما إننا نتعلم قوانين المرور لتجنب الحوادث، علينا أن نتعلم قوانين الجدال لنحمي أنفسنا من الخداع.

شوبنهاور لم يكتب كتابه ليعلمنا كيف نغلب الآخرين؛ بل كتبه ليعلمنا كيف لا نغلب بأنفسنا. في النهاية، ربما يكون أعظم انتصار هو أن نعترف بأننا لسنا أبدًا على صواب كما نعتقد.

في الختام، يذكرنا شوبنهاور بأن الحياة ليست محكمةً تحتاج إلى محامين أذكياء، بل هي رحلة بحث مشتركة عن فهم أعمق لأنفسنا والعالم. ربما تكون أعظم حكمة نستقيها من كتابه هي أن "الاعتراف بالجهل بداية المعرفة"، كما قال سقراط من قبله.

العالم الحديث بحاجة إلى إعادة اكتشاف "أخلاقيات الحوار" التي تحدث عنها فلاسفة من ثقافات مختلفة، من سقراط إلى كونفوشيوس؛ فالحكمة لا تكمن في إثبات أنك على حق، بل في إدراك أن الحقيقة قد تكون أكبر من أن يحوزها طرف واحد.

وقبل كل هذا ما أجمل الآية الكريمة في هذا الصدد التي يقول فيها عز وجل " وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا" (الكهف: 54) صدق الله العظيم.

وتبقى الكلمة الأخيرة للقرآن الكريم: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125)؛ ففي الجدال بالتي هي أحسن خلاصة الحكمة كلها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • تكرار الأعطال يُربك رحلة طيران من باراغواي إلى مدريد
  • شوبنهاور ولعبة العقل
  • طيران الإمارات توسّع عملياتها بإضافة طائرات محدثة وتزيد رحلاتها إلى عدة وجهات
  • تعرف على قواعد شراكات السياحة للتعاقد على طيران العمرة
  • طيران الاحتلال يطلق النار بكثافة صوب قطاع غزة
  • طيران ناس يستأنف رحلاته إلى دمشق
  • مقتل طيار أوكراني وسقوط إف 16 أثناء صد هجوم روسي
  • مقتل طيار أوكراني وفقدان طائرة إف 16 خلال التصدي لهجوم روسي
  • لماذا تعلّم موسى من الخضر رغم أنه نبي؟.. يسري جبر يوضح
  • بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في بولندا … طيران ناس يحتفي بتدشين 4 رحلات أسبوعية مباشرة من الرياض إلى كاراكوف البولندية … كأول ناقل جوي سعودي يربط بين المدينتين