بلومبرج: اقتصاد بريطانيا في حالة ركود حالياً
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
أجرت وكالة "بلومبرج إيكونوميكس" تحليلا كشف أنه من المحتمل أن تكون المملكة المتحدة في حالة ركود بالفعل، بعد أن أدى ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات البطالة، إلى جعل الأسر أكثر حذراً بشأن الإنفاق.
ويقدر البحث الذي أجراه الاقتصاديان في "بلومبرج"، دان هانسون وأندريج سوكول، أن هناك احتمالاً بنسبة 52% لحدوث ركود معتدل في النصف الثاني من هذا العام، على النحو المحدد في ربعين متتاليين من الانكماش.
سيكون الركود بمثابة صداع لرئيس الوزراء ريشي سوناك، المصمم على خوض انتخابات العام المقبل. وقد يؤدي الانكماش إلى زيادة فرص بنك إنجلترا في التحول نحو خفض أسعار الفائدة، خاصة إذا انخفض التضخم بشكل حاد.
ركودٌ أم انكماشٌ معتدل؟
قال هانسون في المذكرة: "ستكون هذه نتيجة قريبة بين الركود والانكماش المعتدل، لكن الاحتمالات تميل بشكل هامشي لصالح الاحتمال الثاني. تكمن المخاطر في أن الانخفاض في الإنتاج سيكون أكثر حدة قليلاً مما توقعناه".
توقع الاقتصاديان أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 0.1% في الأشهر الثلاثة الماضية حتى سبتمبر، وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ" حتى بعد ظهر الجمعة. ويتوقع بنك إنجلترا أن ترتفع البطالة، التي تبلغ الآن 4.3%، إلى 5.1% بحلول عام 2026.
أضاف هانسون: "مع تباطؤ سوق العمل، قد يشعر المستهلكون بمزيد من الحذر بشأن الإنفاق. ويحدث هذا حتى مع استمرار مداخليهم الحقيقية في الارتفاع خلال فصل الشتاء. وتشير بيانات المال والائتمان لشهر سبتمبر الصادرة عن بنك إنجلترا، إلى أن مستوى ادخار الأسر بات أكثر مما كان عليه في الماضي القريب".
بنك إنجلترا توقع ركوداً
ينضم هانسون إلى حفنة من المحللين الذين يتوقعون حدوث ركود في المملكة المتحدة. أشارت الدراسات الاستقصائية إلى تراجع مستوى الإنتاج في النصف الثاني من العام، إضافةً لانخفاض حاد في الوظائف الشاغرة.
يشير النموذج الذي أعدته "بلومبرغ إيكونوميكس"، والذي توقع ركوداً معتدلاً، إلى احتمال بنسبة 70% بحدوث انكماش في الربع الثالث، بعد انخفاض بنسبة 0.6% في الناتج المحلي الإجمالي في يوليو، وانتعاش جزئي فقط في أغسطس. وقدر بنك إنجلترا الأسبوع الماضي احتمال حدوث ركود بنسبة 50% خلال فترة توقعاته.
وقال هانسون إن هذه التوقعات تستند إلى "نموذج يستخدم بيانات عالية التردد والخبرة التاريخية للتعرف على توزيع المخاطر حول توقعات النمو على المدى القريب".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المملكة المتحدة حالة ركود ارتفاع أسعار الفائدة الإنكماش بنک إنجلترا
إقرأ أيضاً:
المهندس سعيد المصري يكتب : هوية اقتصاد السوق الاجتماعي: ثنائية الكرامة الإنسانية والحداثة المستقبليه
صراحة نيوز- بقلم / المهندس سعيد المصري
يواجه الأردن تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة في ظل سعيه لتحقيق نمو شامل وعادل. هذه التحديات تتطلب نمطًا اقتصاديًا يوازن بين كفاءة السوق وحماية الفئات الأضعف، وهو ما يوفره نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي نشأ في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وحقق توازنًا لافتًا بين الرأسمالية والإصلاح الاجتماعي. يقوم هذا النموذج على مبادئ واضحة تشمل حرية السوق والمنافسة، ودور منظم وفاعل للدولة، وشبكة أمان اجتماعي شاملة، ونظام ضريبي تصاعدي عادل، مع ضمان عدالة توزيع الفرص والموارد.
في السياق الأردني، يبدو هذا النموذج ملائمًا بدرجة كبيرة، خاصة في ظل التركيبة الديمغرافية الشابة، ووجود فجوة واضحة في عدالة توزيع الثروة والفرص بين المركز والأطراف. كما يوفّر اقتصاد السوق الاجتماعي أرضية صلبة لتحقيق التحديث الاقتصادي دون التفريط بالبعد الاجتماعي، ما يعزز فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي ويقوي العقد الاجتماعي.
أحد المحاور الجوهرية لهذا الطرح يتمثل في إعادة تعريف شبكة الأمان الاجتماعي، بحيث لا تقتصر على الإعالة، بل تتحول إلى رافعة للتمكين من خلال أدوات ذكية. من بين هذه الأدوات التحويلات النقدية المشروطة، وربط المعونة بالتشغيل، وتوفير برامج تأمين ضد البطالة، وتوجيه الإنفاق نحو البنية التحتية الاجتماعية كالصحة والتعليم والتدريب. كما يُقترح إنشاء صناديق استثمار اجتماعي تتولى تمويل هذه البرامج بشكل مستدام، بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
يتطلب هذا النموذج أيضًا إصلاحات هيكلية في النظام الضريبي، تركز على توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من رفع النسب، وتصنيف السلع ضمن شرائح ضريبية تحمي الفقراء وتحقق العدالة. كما يدعو إلى اعتماد مؤشرات العدالة الاقتصادية ضمن آليات تقييم الأداء الحكومي، وتوجيه التعليم الفني والتقني نحو احتياجات السوق في قطاعات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، بما يدعم تشغيل الشباب والنساء، وخاصة في المناطق الأقل حظًا.
يتعزز مبرر تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي بحقيقة أن الأردن لم يعد يملك رفاهية تأجيل التحول الرقمي والولوج العميق إلى عصر الذكاء الاصطناعي، إذ بات من الحتمي إدماج التكنولوجيا والإبداع في صلب منظومة العمل الحكومي والخاص على حد سواء. المرحلة القادمة تتطلب بنية اقتصادية قادرة على التفاعل الإيجابي مع ثورة التحول الرقمي، بحيث تصبح التكنولوجيا محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي والحوكمة الرشيقة. لكن هذا التحول، رغم ضرورته، يهدد بإلغاء عدد كبير من الوظائف التقليدية في القطاعات الاقتصادية وحتى في الجهاز الحكومي، وهو ما يفرض وجود شبكة أمان اجتماعي متماسكة وعصرية تضمن حماية الكرامة الإنسانية للعاملين المتضررين، وتوفر لهم فرصًا لإعادة التأهيل والاندماج ضمن بيئة الاقتصاد الجديد ومجتمع المعرفة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن للأردن تحويل تحديات الأتمتة والرقمنة إلى فرصة لبناء قوى عاملة أكثر مهارة ومرونة، وتعزيز شمولية النمو بدلًا من تعميق الفجوات الاجتماعية.
التقاطع بين هذا النموذج وبين رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن واضح ومباشر، فالرؤية تسعى لخلق مليون فرصة عمل خلال عقد، وتعتمد على تمكين القطاع الخاص وتحديث البنية التشريعية والإدارية للدولة. غير أن أي تحديث اقتصادي دون شبكة أمان اجتماعي عادلة سيظل عرضة لعدم الاستقرار وضعف التأييد الشعبي، وهو ما يعالجه اقتصاد السوق الاجتماعي من خلال تقاسم أعباء الإصلاح بشكل منصف وتعزيز الشعور بالعدالة والكرامة لدى المواطنين.
لقد أثبتت تجارب التحول الكبرى حول العالم أن النماذج الاقتصادية القادرة على التوفيق بين الكفاءة والعدالة هي وحدها القابلة للاستمرار والقبول الشعبي. ولأن الأردن يقف اليوم على أعتاب تحول اقتصادي طموح، فإن تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي ليس فقط خيارًا سياسيًا أو اجتماعيًا، بل يمثل هوية اقتصادية جامعة يمكن أن تسهّل تنفيذ الرؤية الوطنية وتمنحها شرعية مجتمعية واسعة، وتخلق حالة من الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، وهي الثقة التي لا تنجح بدون عدالة اجتماعية ملموسة ومؤسسات فعالة