لعنة الميليشيات تطارد الحكومات.. السودان مثالا
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
الدكتور عديل الشرمان حالما تشكلت، وأينما تأسست، حلّ معها الخراب وانتشر الفساد والدمار، وسلبت من الحكومات السيطرة على القرار، وتسابق الأعداء والطامعين في النفوذ ومصادر الثروة لكسب موالاتها بالمال أحيانا، وبالوعود بالوصول إلى السلطة أحيانا أخرى، تتمسكن حتى تتمكن، تتودد وتتقرب من السلطات الرسمية حتى إذا اشتد ساعدها وتضخمت قوتها انقلبت عليها، ثم تتحول إلى قوة تفوق قوة الدولة وجيشها تسليحا وربما تنظيما.
الميليشيات أو الجماعات المسلحة بعضها مأجور مرتزق، ومعظمها قوات منفلتة غير منضبطة، لا عهد لها، ولا تمتلك عقيدة قتالية أخلاقية، ولا تخضع لبروتوكولات رسمية أو اتفاقيات دولية، تحكمها المصالح ومصادر التمويل، غالبا ما تستعين بتشكيلها الحكومات الفاشلة الضعيفة التي تحاول التشبث بالسلطة لأداء أدوار ومهام قتالية في مناطق النزاع وبأسلوب العصابات المسلحة، بعضها يدّعي محاربة الارهاب، وباسمه تمارس أقسى أنواع القمع والعنف والارهاب بحق المواطنين، وخارج حدود الدولة، حيث تبدأ العمل بموازاة الدولة، ثم تسعى إلى أن تبقى مستقلة عنها، ثم تتمرد عليها. الميليشيات بعضها صنيعة الأنظمة والحكومات، وبعضها الآخر نشأ بالصدفة وفي ظروف خاصة وفي أوقات الفوضى والاضطراب والفراغ السياسي والعسكري، مصادر التمويل لديها خفية أحيانا، ومشبوهة أحيانا أخرى، تتحكم بمصادر الثروة، والموارد المحلية في مناطق سيطرتها، وتتخذ من التجارة غير المشروعة طريقا للوصول إلى المال، بعضها يمتهن السطو والخطف وتجارة المخدرات والبشر والتهريب، والتنقيب عن الذهب والمعادن النفيسة. ست عواصم عربية آخرها السودان غارقة في ظلام الميلشيات، حتى باتت لعنة تطارد الحكومات، وتقض مضاجعها، وتحسب لها ألف حساب، وتحول بينها وبين اتخاذ القرار، وتمتلك القدرة على شلّ أي تحرك وتقدم لا يخدم مصالحها ولا يلتقي مع مصالح مموليها. عندما تدرك الدول تعاظم قوة ونفوذ الميليشيات، وتدرك خطورتها على الأمن الوطني، وهيبة الدولة، وغالبا ما يحدث ذلك بعد فوات الأوان، تبدأ مرحلة جديدة من الصراع في محاولة لتفكيك الميليشيات واستيعابها في أجهزة الدولة العسكرية كما حدث في السودان، فيحدث الصراع المسلح، وتصبح التكلفة باهضة الثمن، وتتطلب الكثير من الدم والأنفس والجهد والمال، وقد تؤدي إلى انهيار الدول وتمزقها ودخولها في ظلام دامس يستمر عقود من الزمن قبل أن تتعافى. ميليشيا قوات الدعم السريع (الجنجويد سابقا) والتي امتدت أياديها إلى اليمن وليبيا تضاعف عددها من 4 الاف عند بداية التشكيل إلى 100 ألف عند سقوط نظام البشير، لذا لن تتخلى عن مكاسبها وأطماعها، ولن يكون سهلا على الحكومة السودانية تجفيف منابعها الداخلية والخارجية، فهي كالكثير من الميليشيات أداة بيد قوى كبرى اقليمية وخارجية تسعى من خلالها إلى إشاعة الفوضى والاضطراب للسيطرة على مصادر الثروة والتحكم بمصير السودان. برأيي لا يمكن وبكل أسف وأسى لغير الحل والحسم العسكري أن يحدث فرقا في الحالة السودانية، وأي اتفاق بين الطرفين سيعيد السودان إلى المربع الأول، كما أن أية محاولة لدمج الميليشيات في مؤسسات الدولة سيعمل على افسادها (مؤسسات الدولة)، فلا يمكن خلط زمرة دم مع أخرى من نوع مختلف، مما يضع السودان وغيرها من الدول ذات الحالة نفسها أمام تحديات معقدة ومصيرية. كاتب اردني
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يدين الهجمات التي استهدفت المنشآت الحيوية والاستراتجية بالسودان
انعقدت صباح اليوم الجلسة الطارئة لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين برئاسة مندوب المملكة الأردنية الهاشمية السفير / امجد عضايلة – رئيس الدورة ١٦٣ لمجلس جامعة الدول العربية ، بمشاركة أصحاب السعادة السفراء المندوبين الدائمين للدول العربية .وقد ترأس وفد السودان السفير الفريق اول ركن مهندس / عماد الدين مصطفى عدوي- سفير جمهورية السودان لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية.واطلع مندوب السودان المجلس على تطورات الأوضاع جراء الاستهداف الذي لحق بعدد من المنشآت الحيوية بولايتي البحر الأحمر وكسلا . واستعرض السفير جملة الخسائر التي لحقت بالمنشآت جراء الهجمات الصاروخية المُنظمة بالمسيرات الاستراتيجية سريعة الحركة وطويلة المدى، مؤكدا أنها استهدفت مرافق الخدمات الأساسية من مياه شرب وطاقة وكهرباء ومنشآت نفطية، وعدد من الموانىء الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها ميناء بورتسودان. وشمل الاستهداف منشآت عسكرية كقاعدة عثمان دقنة الجوية ومحطة الراداد فلامنغو، كما اطلع المجلس على القرارات التي اتخذها مجلس الامن والدفاع الوطني مؤخرا .وصرح السفير عماد عدوي بأن استهداف المنشات الحيوية والاقتصادية في البلاد من قبل دولة العدوان، يعكس خدمتها لأجندة ضيقة الأفق وسعيها لاشعال حرب إقليمية جديدة يكون السودان مركزها ومن ثم تمتد لمنطقتي الساحل والبحر الأحمر والقرن الافريقي، مشيرا إلى ارتباط امن تلك المناطق بالعمق العربي ودوله الشقيقة.واكد السفير عماد عدوي ان تلك الهجمات الإرهابية من دولة العدوان تشكل إحراجاً كبيراً لمنظومة العمل الدولي وآليات عملها، بما فيها آليات العدالة الدولية، وتشكل إختباراً حقيقياً حول مدى الرغبة في التخلص من مبدأ الإزدواجية في المعايير الذي ينشط في أماكن جيوسياسية ويصمت في السودان.وجدد السفير عماد عدوي تمسك السودان بكافة مقررات القمم العربية وآخرها ما أقرته الدورة 33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة والتي استضافتها مملكة البحرين الشقيقة، وما أرسته من قواعد في ضرورة الحفاظ على سيادة السودان واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه ورفض كافة أشكال التدخل الأجنبي ، والتأكيد على الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وفي طليعتها القوات المسلحة ومنع إنهيارها والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، وإعادة التأكيد على أن أي دعم خارجي – سواء كان سياسياً أو بالتمويل أو بالمد بالسلاح أو بالمجندين – يقدم لميليشيا متمردة غير نظامية، وليس لديها أي وضع دستوري وتعمل بشكل مواز للقوات النظامية داخل السودان يعتبر ، إتساقاً مع قرارات الجامعة العربية ذات الصلة ، بمكافحة الإرهاب، بمثابة دعم للإرهاب يجب العمل على إدانته ووقفه فوراً.واكد السفير عدوي أن الدولة السودانية بمؤسساتها الوطنية وبمساندة شعبها الكريم قد حسمت معركتها مع ميليشيا الدعم السريع ، مبينا ان دولة العدوان قد إنتقلت من مرحلة التغطية السياسية و دعم الميليشيا بالمرتزقة والأسلحة إلى القتال نيابة عنها بعد هزيمتها.وأوضح السفير عدوي انه اطلع المجلس على قرار مجلس الامن والدفاع الأخير ، وحرص حكومة السودان على مد جسور من الصبر لسنوات منعا لتعميق الجراح العربية، مبينا أن دولة العدوان تعتقد أن بتعقبها للسودان وشعبه في مختلف المحافل الإقليمية والدولية ومالها السياسي الذي سخرته لقتل المواطنين السودانيين الأبرياء، يمكن أن تغير قواعد العمل العربي المشترك الراسخ والضارب في القدم، مؤكدا ان في مسعاها هذا تفكيك وتقليل من البيت العربي الجامع.وعبر السفير عدوي عن تقدير السودان حكومة وشعبا لمواقف الدول العربية المشرفة ووقوفها بجانب الشعب السوداني ومؤسساته الوطنية ، مشيرا إلى ان قرار مجلس الجامعة الصادر اليوم يعكس روح التضامن العربي والثوابت العربية في احترام سيادة الدول ومؤسساتها الوطنية وأحقيتها في حماية امنها القومي .سفارة جمهورية السودان في القاهرة إنضم لقناة النيلين على واتساب