من "المسافة صفر"
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
د. سليمان المحذوري
abualazher@gmail.com
دخل العدوان الإسرائيلي على غزة وأهلها يومه الخامس والأربعين اعتدت فيه إسرائيل على الحجر والشجر متبعة سياسة الأرض المحروقة. وارتكبت خلاله مجازر وإبادة جماعية يشيب لها الولدان بحق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وراح ضحيته أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد حتى اللحظة ناهيكم عن الأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين والمهجّرين قسرًا.
كل هذه الأهوال ما كانت لتحدث لولا تآمر دولي، وتخاذل عربي وللأسف الشديد، ورغم شدة الألم والحسرة كما يقول الشاعر عمر أبو ريشة وطني هل لك منبر للسيف أو للقلم.. أتلقاك وطرفي مطرق خجلًا من أمس المنصرم؛ بيد أنّ صمود غزة، وبسالة مقاتليها، وصبر شعبها ما زال يعطينا جرعات أمل نتشبث بها.
فمن المسافة صفر انقضّ فدائيو غزة على عدوهم بشجاعة مُنقطعة النظير، وبسالة فائقة انطلاقًا من قوة إيمانهم بعدالة قضيتهم، وحقهم في أرضهم السليبة. ومن المسافة صفر تكّشفت الأقنعة الزائفة، وبانت الوجوه على حقيقتها. ومن المسافة صفر ظهر النفاق الدولي على أصوله، ومن المسافة صفر عرفت الدول حقيقة المنظمات الدولية ودورها المشبوه في تكريس الهيمنة والغطرسة الغربية على الدول المستضعفة. ومن المسافة صفر زالت الغشاوة عن الشعارات الزائفة التي تتغنى بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل ونحوها؛ فما هي إلا وسائل خبيثة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وتركيعها. ومن المسافة صفر استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي توصيل عدالة الحق الفلسطيني إلى كل شبر في هذا الكوكب مما ساهم في إيقاظ الضمير الإنساني شرقًا وغربًا . ومن المسافة صفر كُشف التضليل والأكاذيب التي تروجها الآلة الإعلامية الإسرائيلية ومن لف لفهم. ومن المسافة صفر تبين أنّ القانون الدولي لا يُطبق إلا على الضعيف فقط، وأنّ قانون الغاب هو السائد، وأنّ ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين هي الكفّة الراجحة في الصراعات الدولية. ومن المسافة صفر كشّرت الدول الكبرى عن أنيابها عندما هُددت مصالحها، وأثبتت أنّ لغة القوة هي العامل الحاسم في علو كعبها مهما كانت النتائج.
ومن المسافة صفر أصبحت الرؤية واضحة أنّ التكتل العربي هو الحل الناجع لكل أزماتنا، وحتى لا نؤكل يوم أكل الثور الأبيض ولات حين مندم؛ فالذئب لا يُؤمن غدره ولا تُرجى صداقته. ومن المسافة صفر نقول لا خير فيمن لا يتضامن مع قضايا أمته. ومن المسافة صفر اتضح للفلسطينيين من هو الصديق الذي يُعتمد عليه، ومن هو العدو الذي ينبغي تجنبه، ومن هو المُنافق الذي ينبغي الحذر منه. ومن المسافة صفر نستطيع القول وبثقة إنّ الحق لا يضيع بإذن الله، ولن تذهب الدماء الزكية هدرًا، وإنّ هذه المعركة هي لبنة صلبة في بناء التحرير لطرد المستعمر الغاشم طال الزمان أو قصر. ومن المسافة صفر ها هي غزة تزداد قوة وصلابة، وتُثبت أنّ الكرامة والعزة والأنفة هي أثمن ما يملكه الفلسطينيون، وفي هذا الصدد عبّر الشاعر العربي عنترة بن شداد عن ذلك بقوله: لا تسقني ماء الحياة بذلة // بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدير المركز العربي للأثريين العرب، أن التراث الإنساني ليس عملاً ترفيهيًا بل هو واجب إنساني يضمن استمرارية الهوية ونقلها للأجيال القادمة
أكد الدكتور محمد الكحلاوي مدير المركز العربي للأثريين العرب، أن التراث الإنساني ليس عملاً ترفيهيًا بل هو واجب إنساني يضمن استمرارية الهوية ونقلها للأجيال القادمة.
وأوضح أن تدشين المركز الاستشاري للتراث يأتي انعكاسًا لوعي الأكاديمية وجامعة الدول العربية بأهمية الحفاظ على التراث وإعادة إحياء المناطق التاريخية، بما يحقق لها قيمة اقتصادية وثقافية، ويعيد دمجها في الحياة المعاصرة بأسلوب يحافظ على أصالتها ويضمن استدامتها.
جاء ذلك خلال فعاليات ورشة العمل التى نظمتها الاكاديمية العربية بعنوان"التوثيق الرقمي للتراث الثقافي العربي: حماية الماضي لبناء مستقبل" بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وذلك بمقر الأكاديمية الرئيسي بأبي قير – الإسكندرية
وتأتي أهمية هذة الورشة والتي تقام في الفترة من ١٣ -١٤ اكتوبر ٢٠٢٥ في إطار الجهود المشتركة لحماية وصون التراث الثقافي العربي وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال ، و تدشين المركز الاستشاري للتراث، الذي وُلد ثمرة تعاون بنّاء بين جامعة الدول العربية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.
أكد الدكتور مصطفى جبر، أستاذ بقسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، على الأهمية التاريخية والثقافية لمشروع "إحياء محطة الرمل والحيز العمراني المحيط" بالإسكندرية، واصفاً الموقع بـ "عبقرية المكان".
وأوضح جبر، الذي قدم المشروع، أن "عبقرية المكان" في محطة الرمل تنبع من كونها "ذاكرة التاريخ" التي تحمل في طياتها الأحداث التي مرت على الإسكندرية منذ تأسيسها قبل أكثر من 331 عاماً قبل الميلاد.
وأشار إلى أن الموقع هو "الموضع الذي تلاقت فيه الثقافات والتقاليد لعصور مختلفة"، مما نتج عنه "ميراث عمراني متفرد على شاطئ المتوسط".
وأعرب جبر عن أن المشروع يقع في "القلب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، النابض بالحيوية الاجتماعية الراسخة في ذاكرة أهل الإسكندرية وزوارها".
وأضاف أن المشروع يهدف إلى تحقيق تكامل بين ربط الموقع بتراثه التاريخي في "صورة حضارية معاصرة تحمل مستقبلاً مشرقاً".
اكدت الدكتورة سالي الديب استاذ مساعد بقسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ان حضور اليوم بالورشة يعكس مدى الاهتمام المشترك بقضية الحفاظ على تراثنا العربي العريق، ويؤكد على أهمية التعاون وتضافر الجهود بين المؤسسات العربية والدولية لحمايته وتوثيقه رقمياً، بما يواكب تطورات العصر ويخدم الأجيال القادمة".
واعربت عن أهمية هذة الورشة مؤكدا انها تحمل بين طياتها رسالة سامية، تتمثل في تدشين المركز الاستشاري للتراث، الذي وُلد ثمرة تعاون بنّاء بين جامعة الدول العربية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري متمنيتا أن تحقق هذه الورشة الأهداف المرجوة منها، وأن تثمر عن توصيات عملية تخدم حاضرنا ومستقبلنا.
واضافت ان هذا المركز الذي وُلد ثمرة تعاون بنّاء بين جامعة الدول العربية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري مشيرة إلى أن فكرة هذا المركز جاءت كمبادرة رائدة، شارك في وضع أسسها خبراء وباحثون من مختلف كليات الأكاديمية: من الهندسة، والآثار والتراث الحضاري، والذكاء الاصطناعي، والفنون والتصميم، والإدارة والتكنولوجيا، واللغة والإعلام، لتتجسد بذلك صورة مشرقة من التكامل الأكاديمي والعلمي في خدمة التراث العربي.
واشارت الديب ان الأكاديمية تحت مظلة جامعة الدول العربية، نؤمن بأن دورها لا يقتصر على نطاق محلي أو إقليمي ضيق، بل يشمل خدمة جميع أشقائنا من الدول العربية، لتبادل الخبرات، وتقديم الدعم الفني والعلمي، وتعزيز مكانة تراثنا المشترك مؤكدا ان المركز الاستشاري للتراث يسعى إلى أن يكون بيت خبرة عربيًا له الريادة الإقليمية، وذلك عبر استثمار الفرص المتاحة داخليًا وخارجيًا لتطوير وصون تراثنا الثقافي.
واشارت ان من أبرز أهداف المركز اولا التطوير وإعادة الاستخدام من خلال إعادة توظيف المباني والعناصر العمرانية التراثية بشكل يحقق التوازن بين الحفاظ على الأصالة وتلبية متطلبات العصر ، ثانيا الاستدامة عبر تبني منهجيات بحثية متكاملة بيئية، اجتماعية، واقتصادية – تضمن استمرارية التراث كجزء من حياة المجتمعات ، ثالثا الحفاظ على الآثار باعتبارها ذاكرة حية وهوية أصيلة، نعمل على صونها وحمايتها بما يتيح نقلها للأجيال القادمة بروح معاصرة.
حضر فعاليات الورشة الفريق أحمد خالد حسن محافظ الأسكندرية ، الدكتور إسماعيل عبد الغفار إسماعيل فرج رئيس الأكاديمية العربية، والدكتور احمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية ، ووزير مفوض الدكتور يوسف بدر مشاري مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، الدكتور محمد الكحلاوي رئيس المجلس العربي للأثاريين العرب ، و الدكتور مصطفى جبر استاذ بقسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية ، والدكتورة/ سالي الديب استاذ مساعد بقسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية ،لفيف من ممثلي الدول العربية والمنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة، والخبراء والأكاديميين.