الرفض الإستراتيجي.. فن القادة في عصر الأهداف المستحيلة
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
استوقفتني مؤخرًا مقالة قرأتها حول موضوع يهمّ كل من يعيش في بيئة عمل ديناميكية تتغير باستمرار، وتُلقى على كاهله مسؤوليات ضخمة قد تتجاوز حدود المعقول. المقالة تحدّثت عن مفهوم بالغ الأهمية في عالم الإدارة، وهو “الرفض الاستراتيجي”، ووجدت فيه ما يستحق أن يُشارك مع القارئ، لأننا جميعًا، بدرجات مختلفة، نعيش تحت وطأة مطالب تفوق طاقتنا، ونقف حائرين بين القبول الذي قد يهلكنا، والرفض الذي قد يُساء فهمه.
القصة التي افتُتحت بها المقالة تدور حول “جون”، وهو مدير تنفيذي في شركة تقنية ناشئة، وُضِع أمامه هدف ضخم لا يمكن تحقيقه: زيادة غير واقعية في المبيعات ضمن إطار زمني قصير، مع تنفيذ تحوّل شامل في نموذج العمل، وتحديثات تقنية كبرى، وإعادة هيكلة شاملة، بل وإلزام الموظفين بالعودة إلى المكاتب. تلك المهام، لو طُلبت من عدة فرق على مدار أعوام، لربما كانت ممكنة، لكن أن تُطلب دفعة واحدة من فريق واحد؟ فتلك وصفة حتمية للفشل أو الانهيار.
هنا تبرز المعضلة التي يواجهها كثير من المدراء: هل يقولون “نعم” على أمل إثبات الذات؟ أم يتحلّون بالشجاعة ليقولوا “لا”، ولكن بطريقة مدروسة ومبنية على معطيات واقعية؟ فالقول “نعم” قد يُرضي رؤساءهم على المدى القصير، لكنه يضعهم في دوامة من التوتر والضغط والفشل المحتمل. أما “الرفض الاستراتيجي”، فهو لا يعني الهروب من المسؤولية، بل هو ممارسة واعية للحفاظ على استدامة الأداء وحماية الفرق من الإنهاك.
الرفض الاستراتيجي لا يقوم على العاطفة أو التهوّر، بل على معادلة عقلانية تُوازن بين أهمية المهمة وإمكانية تنفيذها. فهناك مهام قد تبدو جذابة أو ضرورية، لكنها في الواقع تُهدد التوازن العام للمؤسسة. هنا يصبح الرفض هو القرار الحكيم. ويمكن التعبير عن هذا الرفض بلغة ذكية لا تُقلّل من أهمية المقترح، وإنما تُعيد توجيهه نحو ما هو أكثر جدوى. فبدلاً من أن يقول المدير: “لا يمكننا تنفيذ هذا”، يستطيع أن يقول: “يمكننا تنفيذه، ولكن بشرط تأجيل مشروع آخر أكثر أهمية، فهل توافقون؟”.
القادة الناجحون لا يخشون هذا النوع من المحادثات، لأنهم يعلمون أن وظيفتهم ليست تنفيذ كل ما يُطلب منهم، بل قيادة فريقهم نحو أفضل النتائج بأقل التكاليف البشرية والمادية الممكنة. وهم يدركون أن الرفض الذكي قد يكون أعظم أداة لحماية جودة العمل وسمعة المؤسسة، لا سيما عندما يكون مبنيًا على بيانات واضحة، وتحليل للموارد، وتقييم للأولويات.
بعض المؤسسات المتقدمة باتت تُدرج أدوات عملية لدعم هذا التوجه، مثل “مراجعات الفريق الأحمر” التي تختبر واقعية أي مشروع قبل اعتماده، أو جلسات “التحليل المسبق للفشل” التي تفترض أسوأ السيناريوهات لتجنّبها مسبقًا. والهدف من هذه الممارسات ليس تثبيط المبادرات، بل التأكد من أنها قابلة للتنفيذ دون استنزاف الفرق أو إضعاف الثقة الداخلية.
القيادة ليست في عدد المشاريع التي تُطلق، بل في نوعية القرارات التي تُتخذ. القائد القوي هو الذي يملك الشجاعة ليقول “لا” في الوقت المناسب، وبالطريقة الصحيحة، من أجل “نعم” أكثر فاعلية في المستقبل. إن التوازن بين الطموح والواقعية، وبين الحماس والانضباط، هو ما يصنع الفرق بين مدير منهك يلهث خلف إنجازات متفرقة، وقائد ملهم يعرف طريقه جيدًا نحو النجاح المتوازن.
لا يجب ان نخجل من استخدام كلمة “لا”، ليس كرفض عبثي، بل كأداة استراتيجية ترسم لنا خارطة أولويات واقعية، وتعيد للعقل مكانه الطبيعي في قيادة القرار. فبعض النجاحات تبدأ بكلمة: “لا”.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: بدر الشيباني التی ت
إقرأ أيضاً:
ضمن رسائل الرفض المجتمعي.. تشييع مهيب لجثمان الشيخ ناجي جمعان في صنعاء
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، الأحد، تشييع شعبي غير مسبوق، لجثمان الشيخ القبلي البارز وعضو اللجنة العامة في حزب المؤتمر الشعبي العام، ناجي محمد جمعان الجدري.
وشارك في عملية التشييع الآلاف من المواطنين، بحضور وجهاء وشخصيات إجتماعية ومشائخ وأعضاء من مجلسي النواب والشورى.
وانطلق موكب التشييع من المستشفى السعودي الألماني، وصولا إلى مقبرة كولة جدر، في مديرية بني الحارث، شمال صنعاء، حيث ووري جثمان الشيخ "جمعان"، الثرى في مسقط رأسه.
ويعد الشيخ جمعان أحد المشائخ البارزين في صنعاء، وشارك في أحداث ديسمبر 2017م، مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ضد الحوثيين.
واعتبر نشطاء، الجنازة المهيبة، إحدى رسائل الرفض المجتمعية للحوثيين بمناطق سيطرتهم، بعد أن مارسوا عمليات القمع والتنكيل بحق الحريات العامة والتعبير عن مواقفهم من الجماعة التي تحكم قبضتها الحديدية على صنعاء وعدة محافظات يمنية.