النور عثمان: كأبنوسة مياسة من الجوغانة الزرقا
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
عبد الله علي إبراهيم
(أعيد نشر هذه الكلمة عن زميلنا الشاعر المعلم المرحوم النور عثمان أبكر في مناسبة صدور أعماله الشعرية الكاملة تحرير كمال الجزولي وعالم عباس عن معهد أفريقيا بالشارقة)
جاء النور عثمان أبكر إلى جماعة الكتاب والفنانين التقدميين (أبادماك) في كبرها. كان ذلك نحو أواخر 1970 أو اوائل 1971 بعد عودته من بعثة بمدينة ليدز بإنجلترا.
جاءنا النور وقد بدأنا نواجه ردة النظام التقدمي عن حرية التعبير للثوريين على الأقل. فقد احتججنا على تأميم الصحف بطريقتنا. ثم استنكرنا قيام المجلس الأعلى للفنون والآداب على سنة مصر الذي جعل الدولة منتجاً للفنون لا راعية لها. ثم احتججنا على اعتقال الاستاذ عبد الخالق محجوب ونفيه إلى مصر. وظللنا نحتج فنحتج حتى كتبنا في دفتر الحكومة متمردين لحوحين.
جاءنا النور طويلاً كالرمح. كابنوسة مياسة من الجوغانة الزرقاء. أدهشني بحضوره بينا هكذا في تلك الأيام المدلهمة التي جفانا فيها حتى عتاة الصحاب سأماً من قحاحتنا السياسية، أو انقساماً من مترتبات الشقاق العظيم في الحزب الشيوعي. واستغربت لوفود النور إلينا بالذات. فقد عاصرته في جامعة الخرطوم. كنا في طابق الصف الشمالي الأول من داخلية النيل الأبيض أي كلية القانون الحالية. كان في ركن الصف الجنوبي وكنت على بعد غرف منه قليلة. وأظنه سكن مع المشلخ سلم الأصفراني ممن ضاع علي أسمه.
كان وجودياً سافراً نلقاه في رابطة أدباء الجامعة لماما. ثم هو رياضي تزود لصنوفها المختلفة بحراب ومحجان وشباك وكور مختلف ألوانها أكاد أراها بعين الخيال متكئة على الحائط الغربي للغرفة حيث سريره. وانطبع عندي أنا “كلب حر” الشيوعيين والجبهة الديمقراطية وما شئت بأنه نبت “براجوازي” في الظل حتى علمت أنه ابن سواق ما من جملة الناس.
جاءنا ثم صار واحد منا في سكرتارية أبادماك. وهي سكرتارية في حالة انعقاد يومي وليلي أيضاً. كنا في قول خليل فرح “الزملا النجاب”. كان أنيساً جداً. وجاءنا وبه “لجَنة” يلثغ بها في براءته الجذرية. لم يكن ليتحسب الأشياء مثلنا نحن الذين دبغتنا الشيوعية بفراكشناتها واجتماعات سلخ الناموس. كان لا يري صعباً في الذي نستصعبه. وكان يري مطلبنا بالحق بداهة تستقيم نحوها خطوطه بينما تتعرج خطوطنا. ولا أدري حتى اليوم كيف أمن النور للشيوعيين ورفاق طريقهم هكذا. لربما أعدته ثورة الستينات الأوربية فأخرجته من مجرد الإبداع إلى تأمين شروطه من مثل كفالة حرية التعبير وكرامة المبدع وبلوغ الناس بالإبداع.
يقيم كثير من النقاد ممن التقيت بهم حاجزاً بين الغابة والصحراء، والنور فارس مغوار مؤسس من فرسانها، وبين أبادماك. ويقرأ بعضهم من موقفي من الهوية السودانية الموصوف ب”العروبي” على أيامنا هذه تناقضاً بين الغابيين الصحراويين الأفروعروبيين وأبادماك. ولعل في رحلة النور من الغابة والصحراء إلى أبادماك ما يفكك اللغز. فكلنا في ذلك الجيل كنا غابة وصحراء نظراً لمعطيات ثقافية لا يتسع لها المقام هنا. بل كان يمكن لتجمعنا أن يسمى ب “سنار” كما اقترح أحدهم في اجتماعنا الأول لولا استظرافنا لاسم “أبادماك” بحيثيات أضحت معروفة.
فلم يكن شغل أبادماك عقيدة إبداعية. ولو كان كذلك لربما أهمله النور. ولكننا اشتغلنا بحرية الإبداع. نشأنا باكراً في شتاء 1968 في سياق التعبئة لنصرة هذه الحرية ضد تعدي الاتجاه الإسلامي على حفل العجكو المعروف. وكان من بين المحتجين ود المكي الغابي الصحراوي. وكان عبد الحي وقتها في غيبة أكاديمية بلندن. فالعازل الذي يقيمه الناقدون بين الغابة والصحراء وهمي ولا سند له في أصل الأشياء. فقد جاءنا النور الغابي الصحراوي وأبلى بلاء حسناً في قضية حرية التعبير. واذكر أننا عقدنا اجتماعات مناقشة مذكرتنا ضد قيام المجلس الأعلى للآداب والفنون بمنزله بالصافية أكثر من مرة. وكنت بعد تجهم نميري في مارس 1971 على الشيوعيين أغشى تلك الاجتماعات بشيء من التحفظ والستر.
كان النور إضافة مميزة لأبادماك. كان موطأ الأكناف عذباً له لجنة تحلي عفويته الجذرية.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
العراق يعتزم بناء متحف لعرض آثار “لم ترَ النور”
6 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة: أعلن وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي أحمد فكاك البدراني، السبت، أن الوزارة تعتزم بناء متحف جديد على مساحة أرض واسعة من أجل عرض آثار لعصور قديمة ومختلفة من حضارة وادي الرافدين.
وقال البدراني، نتكلم عن السياحة العربية والعراقية وكيف تكون سياحة متخادمة، وأن الآثار تشكل جذور أي أُمّة و بلد، وأنها تعبر عن أصالة البلد، وكيف يستطيع يوظف الآثار في السياحة الدائمة.
وأضاف أن صيانة وترميم الاثار مقصد متكامل، وبعض المدن في العالم عبارة عن متاحف، مؤكدا أن الدولة العراقية ومنذ تأسيسها اهتمت بالآثار،و يحاول الكثير من المهتمين ان يصل الى الاثار بغية مشاهدتها.
وتطرق البدراني الى حماية المواقع الاثرية المنتشرة في البلاد، وقال إن توفير الحماية ليس المقصود بها الحماية الامنية، وانتشار الشرطة انما حماية المواطن نفسه للاثار والاهتمام بها.
وتابع: استعدنا عددا كبيرا جدا من الاثار التي نهبت وسرقت خلال فترات مختلفة من الزمن نتيجة ما عصفت بنا من أحداث خلال الفترة السابقة”، منوها الى أنه “تم اختيار موقع كبير لبناء متحف حضاري آخر، وما هو متوفر عندنا في المخازن أكثر مما هو معروض من حضارتنا في ارض وادي الرافدين مهد الحضارات.
وتعرضت آثار العراق الى عملية نهب وسرقات بعد العام 2003، وكذلك بعد اجتياح تنظيم داعش لعدد من مدن العراق واستغل بيع الاثار لتمويل عناصره.
ومنذ 2008 أعادت الولايات المتحدة أكثر من 1200 قطعة إلى العراق الذي تعرضت ممتلكاته الثقافية ومتاحفه إلى النهب بعد عام 2003.
وأعلن رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، في شهر أيار/مايو من العام 2023، استعادة (6000) آلاف قطعة أثرية كانت معارة للمملكة المتحدة في العام 1923 ولمدة (100) عام لأغراض الدراسة والبحث.
وتضرر التراث العراقي بالفعل جراء غياب القانون وعمليات السلب التي أعقبت ذلك، ليزداد الوضع سوءا بعد سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية في عام 2014، بما في ذلك مواقع أثرية.
وقال مسؤولون عراقيون وغربيون في حينه إن قطعاً أثرية عراقية تعرض في السوق السوداء وإن مسلحي داعش يستعينون بوسطاء لبيع كنوز لا تقدر بثمن بعد اجتياحهم شمال البلاد.
واكتسب المسلحون قدراً من الخبرة في تجارة الآثار بعد سيطرتهم على مساحات واسعة في سوريا وحين سيطروا على مدينة الموصل في شمال العراق، حيث وضعوا أيديهم على نحو ألفي موقع أثري.
وحضارة بلاد الرافدين من أقدم الحضارات وجعلها موقعها بين نهري دجلة والفرات من أغنى مراكز الزراعة والتجارة ونقطة التقاء للحضارات.
وكانت نينوى وبابل، التي اشتهرت حدائقها المعلقة كواحدة من عجائب الدنيا السبع قديما، موطنا للحضارة السومرية، التي منحت للعالم، الخط المسماري أول أشكال الكتابة الغربية قبل الميلاد بنحو 3100 عام.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts