يتأثر الأفراد في مجتمعهم بالآخرين بشكل ملحوظ و مباشر من خلال رؤية تجاربهم الناجحة و السير على خطاهم ،وهذا أمر جيد برمّته ،فحينما يختلط الفرد بمجتمع ناجح تصبح فرصة نجاحه كبيرة أيضًا ،وذلك من خلال التحّفيز الذي يتلقاه في مجتمعه وتعود الأسباب إلى أن النجاح مغرٍ و له جاذبيته خصوصًا إذا اجتمعت الرغبة في النجاح مع توفر الدوافع ،
و قد تأخذ هذه الدوافع منحىً آخر فالبعض يراقبون أفراد مجتمعهم بصمت و تركيز حادّ دون ان يظهروا أي رغبة في التغيير و لكن هذا الصمت يقبع خلفه تقليد و استنساخ لتصرفات الآخرين و لطريقة نمط حياتهم حتى يستطيع أن يقلدهم بذات الطرق التي سلكوها دون أدنى قياس على إمكانيته .
و سرعان ما قد يتحول هذا إلى مرض نفسي يعاني منه الفرد من تخبطات قوية وهبوط في مستوى مؤشر الإستقرار النفسي والإجتماعي حيث أنه يتسابق مع الآخرين في آن واحد على الرغم من كثرة خساراته و فشله المروع لأنه قام بإلغاء قراراته الذاتيه و احتياجاته و جعلها بيد الآخرين دون أن يكون للآخرين دور في هذا فالمشكلة تكمن في ذاته .
و يبدأ هذا التقليد بتشكيك الفرد في قدراته لأنه ينبع من جهله لمواطن قوته وقد يربط سعادته بسعادة الآخرين و كذلك جميع مشاعره كما الحال في قرارته و اختياراته المختلفة في حياته فيصبح غير قادرعلى إظهار إبداعاته الكامنة في ذاته لأنه باختصار يتصرف كما يتصرف الآخرون دون أن يعي أن هذا التقليد لا يناسبه و لا يحقّق له أدنى درجات الرضا عن الذات .
إن حقيقة الرضا عن الذات ، تكمن في أن الفرد يكون نسخة أصلية أصيلة عن ذاته فقط و تقليد الآخرين له ضوابط ومواضع محدّدة و ذلك من خلال الإستزادة و الإفادة فقط لا أن يلغي الفرد شخصيته و يرتدي شخصيات متعددة بشكل مستمر.
وحتى يحقِّق الفرد غاياته ،عليه أن يعي تمام الوعي أن انطلاقاته تأتي من ذاته و أن يصبّ تركيزه على ذاته و لا ننسى أن الجمال يكمن في التفرُّد.
@fatimah_nahar
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
رحلة الهاوية بقيادة المرياع الأعمى
صراحة نيوز- بقلم / د. نعيم الملكاوي / كاتب وباحث سياسي
حين يُقاد القطيع باسم ” البراء “… وتُصادر العقول باسم ” الولاء ”
” المأساة ليست في الأعمى الذي يتقدّم الصفوف ، بل في الذين يعرفون أنه أعمى ، ويواصلون المسير خلفه ” .
في عمق ثقافتنا الشعبية ، يلوح مشهد ” المرياع ” بوصفه رمزاً حيّاً للقيادة الزائفة والانقياد الأعمى . إنه ذاك الكبش ذو القرنين الكبيرين الذي يُفطَم بعيداً عن القطيع ، ويُربّى على صوت الراعي حتى يألفه ، ثم يُعاد إدخاله بين الخراف ، لا ليكون منها ، بل ليقودها إلى حيث يشاء السيد .
هذا الرمز القديم لم يعد حكاية من البادية او الريف ، بل صار واقعاً يتكرر في فضائنا السياسي المعاصر ، حيث يتقدّم ” المرياع ” الجديد بهيئة مسؤول أو ناطق باسم الجماهير ، يقف في الواجهة ، يملأ الشاشات بالوعود والصحف بالهذي ، ويهتف بما يُطلب منه ، لا بما يؤمن به . إنه لا يقود لأنه أهلٌ لذلك ، بل لأنه مُبرمَج على الطاعة ، ومُلمّع بما يكفي ليبدو مقنعاً .
وفي المقابل ، يقف القطيع : جمهورٌ متعب ، منهك ، يرى الطريق يضيق أمامه ، لكنه يواصل المسير ، ليس اقتناعاً بأن المرعى قريب وسهله وفير ، بل لأن الصدى صار بديلاً عن الصوت ، ولأن الاعتياد خدر كل قدرة على الاعتراض .
نحن لا نعاني من قلة القادة والعقول الخلاّقة ، بل من وفرة ” المراييع ” التي تتصدّر المشهد ، وتحتكر الميكروفون ، وتُلغي كل ما عداها .
نعيش زمناً يُختزل فيه الولاء في شخص ، والوطن في شعار ، والقرار في يدٍ واحدة او ثلةٌ من المنتفعين والمنفعيين . والخطر الأكبر ليس في المرياع ذاته ، بل في الذين يصنعونه ، ويضخمون هالته ، فيُسَكّتُ ويقصى كل من يرفض السير خلفه .
لقد أصبح المنحدر أمامنا واضحاً : كل شيء يتأكل من حولنا ، إرادة تُفرغ من مضمونها ، وقيادات تُعيَّن لا لتنهض ، بل لتُنفّذ ، وتُمرّر ، وتُخدّر .
ومع ذلك ، يظل السؤال مُعلّقاً في الهواء :
هل نُدرك حقاً أننا نسير خلف ” مرياع أعمى ” ؟
أم أننا نفضّلُ غضّ البصر ، كي لا نتحمّل مسؤولية الرؤية ؟ ؟
لأن التاريخ ، في نهاية الأمر ، لا يكتب أسماء المراييع …
بل يُدين صمت القطيع .