جريدة الوطن:
2025-06-25@15:29:11 GMT

كي لا نصدم

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

واضح أنَّنا لا نتعلم من مآسينا، ونُكرِّر أخطاءنا مرارًا ثمَّ نتحسَّر على ما يؤول إليه حالنا، بل نُلدغ من نفس الجحر مرَّات ثمَّ نعود إليه غير عابئين. ما يفعله الاحتلال الصهيوني بالفلسطينيِّين في غزَّة والضفَّة الغربيَّة من قتل وتدمير هو عمليَّة إبادة جماعيَّة وتطهير عِرقي مكثَّفة أكثر ممَّا حدث قبل منتصف القرن الماضي تحت الانتداب البريطاني على فلسطين.

ولو لَمْ يحدُثِ الهجوم الخاطف للمقاومة الفلسطينيَّة على المستوطنات وقواعد جيش الاحتلال في 7 أكتوبر كانت قيادة الاحتلال ستجد مبررًا آخر. ومهما كان كذب الاحتلال سيصدقه الغرب؛ لأنَّه يَعدُّ الصهاينة جزءًا مِنْه، وهم كذلك. فالصهيونيَّة حركة غربيَّة ورثت دماء العنصريَّة الأوروبيَّة منذ القرون الوسطى حتَّى الفاشيَّة والنازيَّة في القرن الماضي. ليس معنى ذلك اليأس التَّام، أو جلد الذَّات لتبرير العجز والهوان باتِّهام المقاومة بأنَّها السَّبب في المحرقة الحاليَّة؛ لأنَّها هاجمت الاحتلال الصهيوني. فتلك تبريرات خذلان ووضاعة، وفي النهاية تساند العدوان البربري على الفلسطينيِّين أصحاب الأرض الَّذين يقاومون احتلالًا عنصريًّا لَمْ نرَ لوحشيَّته مثيلًا.
إنَّما الدرس الَّذي لَمْ نتعلمه هو المبالغة في قوَّة المقاومة، والتهليل لكُلِّ ردِّ فعلٍ بقدر إمكانيَّتها على دمويَّة الصهاينة غير المسبوقة. نعم، الاحتلال بجيشه العنصري ومستوطنيه الإرهابيِّين ليس بالقوَّة الَّتي يصوِّرونها، مهما امتلك من أسلحة نوويَّة وعتاد عسكري متطوِّر مدعوم من أميركا والغرب. لكن في النِّهاية ليست المقاومة جيشًا، وقدراتها محدودة مهما بلغت من تصنيع السِّلاح محليًّا. إنَّما هي تستمدُّ قوَّتها بالأساس من شباب فدائيِّين يؤمنون بحقِّهم في وطنهم على عكس جنود الاحتلال ومستوطنيه الَّذين يعرفون في خلفيَّة أذهانهم أنَّهم سارقون للأرض ويتصرفون كالمرتزقة. وبالتَّالي، لا يصحُّ التقليل من إجرام الاحتلال الصهيوني بالتهليل لإطلاق بضعة صواريخ بدائيَّة عَلَيْه أو مهاجمة آليَّة له وقتل وإصابة بضعة جنود. فالفلسطينيون تحت الاحتلال يعرفون وحشيَّة وهمجيَّة عدوهم، وهُمْ ليسوا بحاجة لحملات «توجيه معنوي» تبالغ في قدرات مقاومتهم.
مفهوم طبعًا أنَّه أمام حرق الأرض بما عَلَيْها وقتل عشرات الآلاف من النِّساء والأطفال يتعلَّق كُلُّ ذي ضمير وروح إنسانيَّة بقشَّة مقاومة من يقوم بكُلِّ ذلك الإرهاب. لكنَّ المبالغة في تصوير قدرات المقاومة إنَّما تخدم العدوَّ، الَّذي منذ بداية المجازر والمحارق يبيع للعالَم أنَّه يحارب «حركة حماس» الَّتي يُصنِّفها الغرب ـ وبعض العرب ـ إرهابيَّة. وذلك يُخفِّف بعض الضغط (الخفيف أصلًا) لارتكابه مجازر تفوق الفاشيَّة والنازيَّة. مع أنَّ المقاومة ليست فقط كتائب القسَّام وحماس، بل سرايا القدس وسرايا أبو علي وغيرها من شباب كافَّة الجماعات الفلسطينيَّة. نسينا درس أنَّه بعد حرب العقد بَيْنَ العراق وإيران بالغنا في قوَّة الجيش العراقي، وساعد إعلام الغرب المغرض في ذلك حتَّى كان ذلك تبريرًا (ولو مزيفًا) لتدمير العراق وغزوه واحتلاله وقتل وتشويه الملايين من أبنائه على يد الأميركيِّين والبريطانيِّين. كذلك الأمْرُ مع ليبيا، حين هلَّل البعض للتصريحات الناريَّة من قائدها الراحل حتَّى تكاتفَ الغرب كُلُّه ممثلًا في حلف النَّاتو على تدميرها وإشعال نيران الفتنة الَّتي ما زالت سارية فيها. نعم، من حقِّ المقاومة ومن حقِّ الفلسطينيِّين كُلِّهم الردُّ على مجازر الاحتلال الصهيوني المستمرَّة منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن. لكن في الوقت نَفْسِه ليس صحيحًا أن نقعَ في فخِّ المبالغة في الإنجاز كَيْ لا نصدمَ فيما بعد وننكشفَ على دمار كامل كما حدث للعراق وليبيا وغيرها.
ومن الملاحظات سريعة على خِطابنا الإعلامي، حتَّى لأنْفُسنا، وما ننشره على الإنترنت، أتصوَّر أنَّه من المُهمِّ الانتباه إلى الوقوع في فخِّ بعض المصطلحات والتعبيرات الَّتي أطلقها الصهاينة منذ بداية موجة المجازر الحاليَّة. أوَّلًا، هي ليست حربًا، فلا جيوش في فلسطين المحتلَّة، إنَّما عصابات إرهابيَّة صهيونيَّة ومقاومة للمحتلِّ من شباب يعتمدون على القدرة الذَّاتية وسلاحهم فدائيَّتهم لوطنهم أوَّلًا وأخيرًا. ثانيًا أنَّ مَنْ يقاوم ليست حماس وحْدَها، بل فصائل المقاومة الفلسطينيَّة كُلُّها. ومن الخطأ تحميل فصيل واحد، كما يريد الاحتلال وداعموه في الغرب والشَّرق، مسؤوليَّة ما يجري كأنَّ الإرهاب الصهيوني يحتاج تبريرًا. ألَّا نصدقَ ما يأتي من العدوِّ، حتَّى لو أيَّده العالَم كُلُّه وإعلامه بكُلِّ اللغات بما فيها العربيَّة. فالاحتلال أكثر كذبًا وتلفيقًا ممَّا فعله توني بلير لتبرير غزو العراق واحتلاله من كذب صريح اكتشف البريطانيون والعالَم فيما بعد أنَّه خدعهم بحقارة. وكُلُّنا نعرف أنَّ السِّياسيين عادةً يكذبون، لكن في ظروف الإرهاب والمجازر لا يتوانون عن الصفاقة والفُجر في الكذب والتلفيق. ولْنتذكَّر أنَّ الصهاينة، وداعميهم، لا يَعدُّوننا بشرا، بل حيوانات كما قال أحد إرهابيِّيهم الكبار (وزير دفاع الاحتلال الصهيوني الحالي). وإن كان وصف الفلسطينيِّين في تصريحه، إلَّا أنَّ هذا هو موقفهم الحقيقي من كُلِّ العرب.
من المبالغات المضادَّة الَّتي نقبل بها، بل ونروِّجها أحيانًا قوَّة الاحتلال الصهيوني وتأثيره المبالغ فيه. ولْنتذكَّر أنَّ الصهاينة لا يحكمون العالَم وليسوا أكثر ذكاءً وتقدُّمًا، إنَّما هي «إشاعة مُحقِّقة لذاتها» تفيدهم وداعميهم وتفتُّ من عضد من يَعدُّونه عدوًّا يبلع تلك الفرية. عدوان الاحتلال ومجازره بحقِّ الفلسطينيِّين مستمرَّة من قَبل 7 أكتوبر، ومتواصلة وتزيد وستستمرُّ حتَّى مع الهُدن. فمن المُهمِّ ألَّا نبالغَ كَيْ لا نصدمَ كما حدَث مع العراق وليبيا وغيرها.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الاحتلال الصهیونی

إقرأ أيضاً:

المجلس الوطني الفلسطيني: الاحتلال حول المساعدات لفخاخ موت جماعي في غزة

قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، إن المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شارع صلاح الدين وسط قطاع غزة، تمثل جريمة حرب جديدة تُضاف إلى السجل الدموي للاحتلال، بعدما استهدفت قواته الفلسطينيين أثناء انتظارهم مساعدات غذائية، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 27 مواطنًا وإصابة العشرات.

وأضاف فتوح وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية وفا اليوم الثلاثاء لم يحدث في تاريخ الحروب أن يتحول الألم والجوع إلى أداة للقتل الجماعي، وأن تُستخدم المساعدات كطُعم للموت، وتُحول مراكز توزيع الغذاء إلى ميادين للإعدام الجماعي.

وأوضح أن الفلسطينيين الذين سقطوا اليوم لم يكونوا يحملون سوى وجعهم وجوع أطفالهم، ووقفوا ينتظرون قافلة غذائية، لكن الاحتلال استقبلهم بقصف وحشي حوّل المساعدات إلى أشلاء، والمكان إلى ساحة موت مفتوحة، مشيرًا إلى أن المساعدات تحولت إلى فخاخ مميتة مقصودة ومدروسة.

اقرأ أيضاًالمجلس الوطني الفلسطيني: مجزرة الاحتلال ضد «الجوعى» في غزة جريمة حرب دموية

«ساحات موت جماعي».. الوطني الفلسطيني يطالب بوقف فوري لنقاط توزيع الغذاء بغزة

«الوطني الفلسطيني» يثمن موقف مصر في التصدي لمخطط التهجير

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري عن مقتل 7 جنود بجيش الاحتلال: الصهاينة يشعرون بالورطة التي أوقعهم بها نتنياهو
  • حرب الإبادة والقدس وتهجير الشعب الفلسطيني
  • ارتفاع خسائر الجنود الصهاينة في كمين بخان يونس إلى 8 قتلى
  • إعلام العدو: ارتفاع القتلى الصهاينة بكمين خانيونس إلى 8
  • “القسام” توقع قتلى وجرحى في صفوف الصهاينة بكمين مركب في غزة
  • حركة الأحرار الفلسطينية: عمليات “حجارة داوود” تؤكد بسالة المقاومة في مواجهة الصهاينة
  • “القسام” تعرض مشاهد من استهداف جنود العدو الصهيوني وآلياته شرق خان يونس
  • المجلس الوطني الفلسطيني: الاحتلال حول المساعدات لفخاخ موت جماعي في غزة
  • في التقييم.. جبهة المقاومة منذ طوفان الأقصى
  • حزب صوت الشعب: أمريكا تُشرعن الهولوكوست في غزة ودم الطفل الفلسطيني ليس أقل من غيره