مع احتدام المعارك في غزة حضر اليمن، كما لم يحضر أحد غيره بهذه القوة، فالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لم تكن الوسيلة الوحيدة التي أعلن الحوثيون بها دعمهم لغزة، بل كان إغلاق البحر الأحمر، بمثابة دخول للحرب من أوسع أبوابها وفرض اليمن كطرف رئيسي بالصراع.

لكن المشهد السياسي اليمني المعقد وحالة التفكك التي تغرق بها البلاد منذ سنين ألقت بظلالها أيضا على الموقف من العدوان على غزة، وباتت جميع الأطراف تنظر للأخرى في حالة من الريبة تعكس انعدام الثقة الذي تسبب باستمرار الحرب منذ عام 2014.



الحوثيون
منذ اليوم الأول لعدوان على غزة أعلنت جماعة أنصار الله المسيطرة على صنعاء والقريبة من إيران وقوفها، مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وبدأت تدريجيا مشاركتها بالحرب من إطلاق الصواريخ تجاه إيلات والنقب، حتى إغلاق باب المندب أمام السفن المتجهة للاحتلال.

و وفي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أعلنت جماعة الحوثي، احتجاز سفينة لدولة الاحتلال، وهو ما نفته ’تل أبيب’ لاحقا مؤكدة أن "السفينة مملوكة لشركة بريطانية تشغلها شركة يابانية، نافية أن يكون على متنها إسرائيليون".

وذكرت الجماعة أن مصير السفينة "غالاكسي ليدر" المحتجزة لديها مرتبط بخيارات المقاومة في غزة، وفقا للناطق باسم الجماعة، محمد عبد السلام.

وقال محمد عبد السلام، إن "احتجاز السفينة تم تضامنا مع الشعب والمقاومة في غزة، ومصيرها مرتبط بخيارات المقاومة الفلسطينية، وبما يخدم أهدافها ضد العدو".

تطور موقف الحوثيين مع توحش العدوان على القطاع فأعلنوا السبت منع مرور السفن المتجهة إلى إسرائيل من أي جنسية كانت إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء.
كما أعلنوا مساء الأحد، أنهم نفذوا أول عملية ضد سفينة حاولت اختراق "حظر مرور السفن" المتجهة إلى موانئ دولة الاحتلال الإسرائيلي.

واستهدفوا الاثنين قالت ناقلة نفط نرويجية، كانت متجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي، بصاروخ بحري.

وأوضح الناطق باسم قوات الحوثيين العميد يحيى سريع، أنهم لم يلجأوا لإطلاق الصاروخ على الناقلة، إلا بعد رفض طاقمها كافة النداءات التحذيرية، بمنع مرورها باتجاه الاحتلال.



الحكومة اليمنية
كان موقف الحكومة المعترف بها اليمنية من العدوان حيث نددت بمجازر الاحتلال ثم أطلقت الشهر الماضي حملة رسمية وشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وقال رئيس الحكومة معين عبدالملك، إن "هذه الحملة  تأتي انطلاقًا من إيمان الشعب اليمني الكامل بالقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن حملة دعم الشعب الفلسطيني تأتي في ظروف عصيبة.. وأن الشعب اليمني على المستوى الرسمي والشعبي ورغم الأوضاع الصعبة التي يعيشها جراء الحرب التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية، يقف كعهده دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني ومناصرة قضيته العادلة.

وعقب توسيع هجمات الحوثيين ضد السفن المتوجهة للاراضي المحتلة، تدرج الموقف، متأثرا بالصراع في اليمن، حيث هاجمت الحكومة اليمنية جماعة "أنصار الله" (الحوثي) واتهمتها بتهديد حركة الملاحة الدولية بدعم إيراني.

وقال رئيس الوزراء اليمني، معين عبدالملك، أواخر الشهر الماضي، "إن استمرار تهديد الحوثييين بدعم من النظام الإيراني لحرية الملاحة الدولية، له تداعيات على الاقتصاد اليمني، وسيفاقم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم".

وأشار إلى "مواصلة الحوثيين استهتارها بكافة الجهود الأممية والإقليمية والدولية لوقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب اليمني، في تأكيد على مدى ارتهانها للنظام الإيراني وأجندته التخريبية في المنطقة".

وتماشى الموقف اليمني مع محاولة السعودية منع اتساع الحرب، حيث أفاد مصدران مطلعان لوكالة "رويترز"، أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على هجمات جماعة "أنصار الله" الحوثية باليمن، لاسيما على السفن في البحر الأحمر.

 وقال المصدران؛ إن "رسالة ضبط النفس التي وجهتها الرياض إلى واشنطن، تهدف إلى تجنب المزيد من التصعيد".

وأكدا أن "الرياض راضية حتى الآن عن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الوضع".

وأشارا إلى أن "السعودية تسعى إلى دفع عملية السلام في اليمن، على الرغم من اشتعال الحرب في غزة؛ خشية امتدادها إلى هناك".



المجلس الانتقالي
في الجنوب لم يختلف الأمر كثيرا، حيث توازى موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات.

والأحد الماضي أفادت قناة كان 11 العبرية، أن عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، أبدوا استعدادهم "للوقوف بوجه تهديد الحوثيين".

وذكرت القناة، أن الزبيدي أجرى العديد من الاتصالات والمناقشات مع مسؤولين محليين ومسؤولين في الإمارات بالإضافة إلى مسؤولين أميركيين للتباحث في التعامل مع التصعيد الحوثي.

ونقلت عن مسؤول وصفته بالمقرب من الزبيدي، لم تسمّه، قوله إنهم "في المجلس الانتقالي في جنوب اليمن مهتمون بالتصدي للحوثيين والحصول على دعم دولي بما في ذلك الدعم من قبل إسرائيل".

وأواخر تشرين الثاني/نوفمبر نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن إمكانية مواجهة جماعة أنصار الله اليمنية "الحوثيين" مبينة أن حلفاء الإمارات يمنعون فتح جبهة معادية لـ"إسرائيل" في اليمن.

وحسب خبراء أمريكيين فإن البنتاغون قد يجهّز المجلس الانتقالي الجنوبي بالأسلحة، مشيرة إلى الدعم الذي يحظى به الجنوبيون من الإمارات، باعتبارها حليفة الولايات المتحدة.



يقول المحلل السياسي اليمني محمد الأحمدي، "إن ثمة إجماع وطني في اليمن لا يختلف عليه اثنان على دعم القضية الفلسطينية والتنديد بجرائم العدوان الصهيوني الغاشم على غزة".

وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "أن الأمر يبدو أقل وضوحا على صعيد الخارطة السياسية، في ضوء الانقسامات التي يشهدها اليمن منذ الانقلاب واشتعال فتيل الحرب في البلاد والتدخلات الإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على مواقف القوى والكيانات حسب ارتباطاتها وولاءاتها الإقليمية".

وتابع، "بالنسبة للحكومة اليمنية فإن موقفها واضح في رفض العدوان والتنديد بجرائم الإبادة في غزة وكذلك القوى والأحزاب السياسية المؤيدة للحكومة المعترف بها، عدا المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي يبدو موقفه نشازًا، وهو تبع لمواقف أبو ظبي وسياساتها التطبيعية مع المحتل الصهيوني".

وحول إمكانية توحد موقف الأطراف اليمنية تحاه فلسطين، قال الأحمدي، "إن الوقوف مع غزة واجب إنساني وأخلاقي وقومي وقبل ذلك ديني، ولا يعذر أحد بالتخلف عن مساندة الشعب الفلسطيني بكل ما بوسعه، لكن في الظروف الراهنة وحالة التشظي في اليمن، لا يمكن التعويل على موقف فاعل ومؤثر، حتى التحركات الحوثية لم تلحق أي ضرر ملموس بالكيان الصهيوني حتى هذه اللحظة".

ويرى الأحمدي، "أن تنديد البعض بهجمات الحوثيين ليس المقصود منه منع الوقوف مع شعبنا الفلسطيني في غزة ولكن لأن تحركات الحوثيين بنظر هؤلاء مجرد ذريعة لتدويل المياه الإقليمية اليمنية والإضرار بمصالح مصر في قناة السويس، وجلب الاحتلال الإسرائيلي إلى منظومة أمن مائي جديدة أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا".

وتبع، "هذا فضلا أن الهجمات الحوثية ليست سوى إنفاذ لرغبة إيرانية ومحاولة للتكسب من وراء مزاعم دعم القضية الفلسطينية والتحشيد المحلي وحصد منافع سياسية وابتزاز المجتمع الدولي للاعتراف بالحوثيين كسلطة"، وفق قوله.

وأشار الأحمدي، "إلى أن اليمن لم يشهد في تاريخه حالة من الاستلاب ومصادرة القرار الوطني كما هو عليه الآن، واليمنيون فقدوا قدرتهم على إدارة قضاياهم بفعل هذا الواقع الذي أفرزته الحرب وتداعيات الانقلاب وتفكيك الدولة اليمنية، لكن ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا تزال الحكومة اليمنية المعترف بها والقوى السياسية المؤيدة لها على موقفها في دعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني وإن كان هذا الموقف دون المستوى المطلوب".

ووفقا للأحمدي، "فقد كان من الواجب على الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة في هذا السياق وليس الاكتفاء بمجرد البيانات".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الحوثيون العدوان الحكومة اليمنية غزة الحوثيون البحر الاحمر العدوان الحكومة اليمنية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجلس الانتقالی الجنوبی الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی أنصار الله فی الیمن فی غزة

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم

تدخل الحرب في السودان مرحلة جديدة، ليس على مستوى القتال على الأرض داخل حدوده الترابية، ولكن بوصول شظايا الحرب وتداعياتها إلى دول جوار السودان والإقليم.

وهذا ما حذّر منه قادة سودانيون غداة اندلاع الحرب، إلى جانب قادة إقليميين ومنظمات دولية يتابعون من كثب تطورات الصراع المسلح وآثاره. وبدا واضحًا خلال الأشهر الماضية أنّ تلك التحذيرات قد لامست الواقع لتقف المنطقة كلها على شفير الهاوية.

ولا يساورنّ أحدًا شكٌ في أن المواجهة السودانية مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا باتت حتمية، بعد تورط قوات حفتر التي تعمل في الجنوب الشرقي لليبيا، عندما هاجمت مع قوات الدعم السريع نقطة حدودية سودانية عند (جبل العوينات)، واحتلت مثلث الحدود المشتركة بين السودان، ومصر، وليبيا.

 كما توغلت قوات من مليشيا الدعم السريع داخل الحدود المصرية يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، الأمر الذي خلّف ردود أفعال قوية داخل مصر، وأصبح الوضع مفتوحًا على كل الاحتمالات، مع بدء الطيران السوداني شن غارات جوية لاستعادة المنطقة.

يجاور السودان سبع دول هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، ويبلغ طول حدوده مجتمعة مع هذه الدول حوالي 7.500 كيلومتر، بينما يصل طول الساحل السوداني إلى ما يقارب 700 كيلومتر على البحر الأحمر، حيث تُضاف المملكة العربية السعودية كدولة لها جوار بحري مع السودان عند الساحل الشرقي.

وتتداخل أوضاع الدول السبع مع بلدان أخرى تتأثر بما يدور في السودان، وهي: أوغندا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وهي دول كانت لها حدود مباشرة مع السودان حتى عام 2011 قبل انفصال جنوب السودان، وتقع ضمن دائرة التأثيرات الجانبية للحرب السودانية.

وتُعتبر كينيا متورطة بالكامل في الحرب، إذ تؤوي قيادات مليشيا الدعم السريع وحلفاءها السياسيين والحركات المسلحة المتحالفة معها، كما تشارك السلطات الكينية في عمليات نقل العتاد الحربي عبر مطاراتها وأجوائها لمليشيا التمرد في مطار نيالا غربي السودان.

إعلان

 بينما طالت أوغندا اتهامات بدعمها للتمرد السوداني، إلى جانب دخول قواتها جنوب السودان لقتال المناهضين لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، ويُقدّر عدد القوات الأوغندية في جنوب السودان بأكثر من عشرة آلاف جندي.

في دول الساحل وغرب ووسط أفريقيا، وصلت شظايا حرب السودان لبعض البلدان، خاصة النيجر، ومالي، ونيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، باعتبارها منبعًا وموردًا رئيسًا للمقاتلين المرتزِقة العابرين للحدود.

وتتقاطع الأوضاع في هذه البلدان مع نشاطات أخرى لحركات مسلحة معارضة داخلية، وتفاعلات صراع دولي يعلو أواره ويخفت باستمرار، مما ينذر بمستقبل قريب محفوف بالمخاطر.

عقب الهجمات التي تمّت مطلع مايو/ أيار الماضي على مدينة بورتسودان، وجهت حكومة السودان اتهاماتها لأطراف إقليمية باستخدام قواعد تابعة لها في جمهورية أرض الصومال لإطلاق المسيرات التي نفذت الهجوم، الأمر الذي يضيف بُعدًا إقليميًا آخر يضم منطقة القرن الأفريقي.

وتقف الخلافات الإثيوبية – الصومالية، والكينية – الإثيوبية، والإريترية – الإثيوبية، شاخصةً تنتظر قدح زنادها في أي وقت، وتنشأ معها تحالفات وتدابير إقليمية من خارج منطقة القرن الأفريقي لها صلة بما يدور في السودان، أيضًا بسبب الاصطفافات وتداخل المصالح في المنطقة مع مصالح قوى أخرى.

وتشير معلومات في العاصمة الكينية نيروبي خلال الأيام الماضية إلى أن قائد القوات الأميركية المخصصة لأفريقيا (AFRICOM – القيادة الأميركية في أفريقيا) قد أبلغ عددًا من وزراء الدفاع في المنطقة بأن بلاده تطلب منهم الاعتماد على أنفسهم في مكافحة الإرهاب، وأن الدعم الأميركي سيتوقف عدا تبادل المعلومات الاستخبارية.

 وهذا يعني أن قدرات هذه الدول، بدون الولايات المتحدة التي كانت تتحكم وتضبط الأوضاع في الإقليم، ستتجه إلى حالة من الفوضى والاضطراب إذا تصاعدت الاضطرابات الداخلية والخلافات بين هذه الدول المتخمة بالحركات المعارضة والجماعات المسلحة.

على كل، تقفز الآن تداعيات الحرب السودانية على جوارها إلى الواجهة، مقرونة بالتورط المباشر لليبيا حفتر في الصراع السوداني، وتُجرى عملية تصنيع حرب إقليمية شاملة، لا بدّ من النظر إليها عبر عنصرين أساسيين:

انحسار الحرب وتمركزها في غرب السودان

يتقدم الجيش السوداني نحو تلك المناطق، مع نذر الانهيار العسكري والمعنوي لمليشيا التمرد وحلفائها، بجانب فشل المشروع السياسي بتكوين حكومة موازية وإنشاء سلطة في غرب البلاد، وتراجع الدعم القبلي لصالح مليشيا الدعم السريع.

 كما أسفر ذلك عن هروب أعداد كبيرة من المرتزِقة الأجانب، ما جعل داعمي المليشيا يستعجلون فتح جبهات قتال أخرى، خاصة على بعض النقاط الحدودية لتأمين تدفق الإمداد، وإشعال المنطقة، وتخفيف الضغط على مسارح العمليات الحالية في غرب البلاد، وتحقيق نصر عابر وسريع عند منعرج الحرب الضيقة.

استشعار دول الجوار دقة الأوضاع

تراجع الدعم السريع، وفشلها في إدارة الحرب، وخطر تمددها غربًا أو شرقًا، دفع ذلك دولًا مثل أفريقيا الوسطى، وإثيوبيا إلى إرسال مديري مخابراتها إلى السودان؛ (زيارة مدير مخابرات أفريقيا الوسطى كانت في 29 مايو/ أيار الماضي، وزيارة مدير المخابرات الإثيوبي ومستشار رئيس الوزراء في 2 يونيو/ حزيران الجاري).

إعلان

كما وردت إشارات إيجابية من تشاد، اعتبرها بعض المراقبين محاولة لتدفئة الخطوط، وتلمس الطريق نحو تطبيع العلاقات. تمثل هذه التحركات انتكاسة للتمرد قد تدفعه نحو الهروب إلى الأمام، ونقل حريق الحرب إلى الجوار وَفقًا لتحالفاته المريبة مع جماعات وحركات متمرّدة على السلطة في بلدانها.

تعود التوقعات بتدهور الأوضاع في المنطقة إلى أن حرب السودان أنعشت الكثير من المجموعات المسلحة المتمردة في هذه البلدان، وفتحت شهية بعضها لتقوم بدور مماثل لما قامت به الدعم السريع في السودان. خاصة أن دولًا مثل تشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا تضم عددًا كبيرًا من الحركات المتمردة (تشاد: 9 حركات مسلحة أساسية – ووقّعت 34 حركة على اتفاق الدوحة عام 2022. أفريقيا الوسطى: 12 حركة. جنوب السودان: 5 حركات. إثيوبيا: 7 حركات من الأقاليم الأخرى).

وتعيش ليبيا بدورها تحت نذر الحرب والمواجهات في الجنوب والشرق والغرب، وسط تفاعلات سياسية وعسكرية دقيقة قد تجرّ ليبيا كلها إلى دُوامة عنف.

بين هذا وذاك، تبرز نذر حرب إقليمية سيكون جنوب السودان المرشح الأقرب لاندلاعها، ومسرح عملياتها الأول، وذلك بسبب التنافس بين إثيوبيا وأوغندا حول النفوذ في المنطقة الأفريقية، وهو تنافس قديم.

بيدَ أنه، مؤخرًا، رفضت إثيوبيا تدخل الجيش الأوغندي في أراضي جنوب السودان في مارس/ آذار الماضي، ووصوله إلى ولايات أعالي النيل المتاخمة للحدود الإثيوبية (أعالي نهر السوباط)، ضمن صراع قوات حكومة جوبا مع فصائل النوير، وهي قبيلة مشتركة بين جنوب السودان وإثيوبيا.

سارعت أديس أبابا إلى تعزيز قواتها على الحدود مع جنوب السودان، وراجت معلومات عن نية الجيش الإثيوبي التدخل عسكريًا في مناطق أعالي النيل إذا لم تنسحب القوات الأوغندية. كما أرسلت أديس أبابا وفدًا أمنيًا عسكريًا رفيعًا مطلع يونيو/ حزيران الجاري إلى السودان، وجنوب السودان، وأبلغت موقفها من التواجد الأوغندي في الجنوب، وتركت الباب مواربًا أمام أي رد فعل من جانبها.

كذلك أبلغت إثيوبيا العواصم المجاورة بتطورات الأوضاع بينها وبين جارتها إريتريا بشأن جبهة التيغراي، حيث تقول أديس أبابا إن نشاطًا مزمعًا لمتمردي التيغراي المدعومين من أسمرا قد يقود إلى نزاع مسلح طاحن، بينما تستضيف إثيوبيا حاليًا جماعات من المعارضة الإريترية.

كما أن التنافس الكيني – الأوغندي حول جنوب السودان، سيعقد الأوضاع، وقد يدفع بمزيد من التوترات. ولكل من البلدين حلفاؤه في جوبا، الملبدة سماؤها بغيوم سوداء، تحدد نوع تطوراتها حالة الاستقطاب الحالية والتنافس الإقليمي.

في ذات الإطار، تجري في أوساط المعارضة التشادية المسلحة والسياسية اتصالات مكثفة ما بين عدة عواصم في بلدان الساحل، تمهد لانطلاق موجة جديدة من الصراع المسلح في تشاد. فقد استفادت بعض حركات المعارضة المسلحة التي شاركت في القتال بالسودان لصالح الدعم السريع من العتاد الحربي، والسيارات القتالية، والأموال المتدفقة، والتجهيزات المختلفة، وستنتهز الفرصة لبدء معركتها الرئيسية في تشاد.

لم تكن حرب السودان سوى فرصة للتحضير لهذه المعركة. وبدأت هذه المعارضة تجهيز معسكرات لها غربي أفريقيا الوسطى وجنوبها، وربما داخل إقليم دارفور، بينما تنشط حركات أخرى في اتصالات سياسية وتحركات دبلوماسية في عواصم أفريقية وأوروبية.

وعلى ضوء ما يجري على الأرض، والخسارة الفادحة لمليشيا الدعم السريع لأعداد هائلة من قواتها، وخاصة المرتزِقة القادمين من الجوار السوداني وأفريقيا جنوب الصحراء، فإن انتقال الحرب، لعوامل موضوعية، إلى هذه المناطق لم يعد احتمالًا مستبعدًا، بل أصبح واقعًا يتجسد في وقائع بعينها، تصدّق ما كان يُقال عن الأبعاد والامتدادات الإقليمية لحرب السودان، وعوامل تمددها السياسية والاجتماعية والجيوسياسية في بيئة عامة لا تقبل المراهنات.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • اليمن يستنهض الأمة .. دعم مباشر لغزة وموقف صريح إلى جانب طهران
  • مدير المركز الفرنسي:موقف باريس من حرب إيران وإسرائيل تحذيريٌّ متوازن.. وماكرون لا يربط أمن إسرائيل بقمع الفلسطينيين
  • التوترات ترفع أسعار الوقود في اليمن
  • ما مدى تأثير الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية على اليمن؟
  • ماذا سيحدث في إيران حال اغتيال المرشد أو تغيبه عن المشهد السياسي؟ فيديو
  • الموقف من الحرب ضد إيران
  • الريال اليمني يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط انهيار شامل وغياب تام للحكومة
  • الرؤوس المستهدفة ليست نووية!
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • كرة اليد في اليمن اللعبة التي ماتت واندثرت