غزة فضحت دموية الكيان الصهيونى
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
المقاطعة الاقتصادية تؤتى ثمارها.. والشعب الفلسطينى سينتصر
مصر تمتلك مقومات الحضارة.. والثقافة المصرية بخير
الترجمة تحتاج إلى خطة مشتركة بين المؤسسات العلمية والثقافية
الهوية أعظم ما يميز شخصية مصر.. ونواجه أمواجًا عالية بزورق صغير
قدمنا 15 دورة تدريبية على مهارات الترجمة.. وأكثر من 100 إصدار سنويًا وفقا لمعايير الجودة
الدكتورة كرمة سامى مديرة المركز القومى للترجمة أستاذ الأدب الإنجليزى بكلية الألسن إحدى الشخصيات الرائدات فى مجال الترجمة الأدبية واللغوية، حققت العديد من الإنجازات بالمركز وتغلبت على كثير من المعوقات بنجاح متميز.
حصلت الدكتورة كرمة على ليسانس كلية الألسن جامعة عين شمس 1987 ثم اختيرت لمنحة (الفولبرايت) عام 1989 وحصلت على ماجستير فى مسرحية المالكون وسالبو الملكية «لهارولدبنتر» 1990. نالت بعدها درجة الدكتوراه فى النماذج النسائية الأصلية فى مسرحيات أرنولد وسكر أحادية البطلة فى 27 أبريل 1994.
تولت رئاسة قسم اللغة الإنجليزية (2006–2009) بكلية الألسن جامعة عين شمس، ثم أصبحت وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث بكلية الألسن جامعة عين شمس، لها العديد من المؤلفات مثل «حكاية مرج صغير»، و«بهية.. خمسة وجوه مصرية» و«زهور المرج» و«أنغام ديسمبرية» و«مريم» و«لامات الحضور والغياب»، و«قمرية» وتقارير «الآنسة راء».
حصلت مديرة المركز القومى للترجمة على العديد من الجوائز المحلية والعربية، ومنها جائزة مؤسسة عبدالحميد شومان للعلوم الإنسانية فى الأردن 2001، وشغلت عضوية العديد من اللجان، فهى عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة وعضو لجنة التفوق وعضو لجنة الترجمة الأدبية واللغوية بالمركز القومى للترجمة وعضو اللجنة العلمية لمؤتمر السياسة الثقافية للترجمة، قامت بتدريس مادة الحضارة الإسلامية للطلاب الوافدين من الولايات المتحدة إلى كلية الألسن، كما نظمت وشاركت فى العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية، وأشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه.
«الوفد» التقت الدكتورة كرمة سامى مديرة مركز الترجمة، وهذا نص الحوار،،
> بداية.. ما تقييمك لما يحدث فى الأراضى الفلسطينية والدعوة إلى إحداث مقاطعة اقتصادية وهل من الممكن أن تؤتى ثمارها؟
>> ما أعرفه هو أننى مواطنة مصرية وأم، ونشأت فى بيت وطنى فلسطينى القلب والروح ويعلم دور مصر القيادى وما قدمته من تضحيات فى العالم العربى والإسلامى ولن تحيد عنه، ومثل كل جيلى أحفظ أشعار فؤاد حداد وشعراء المقاومة الفلسطينية، ومثل أى أسرة مصرية تعرض العديد من أسرتى وفى محيط معارفنا للأسر فى السجون الإسرائيلية أو نال الشهادة. إسرائيل كيان غاصب والأزمة الأخيرة كشف فيها بشكلٍ سافرٍ عن قبحه وبشاعته العنصرية والدموية، لا حوار مع من يقتل الأبرياء والمدنيين ويتجاهل حقوق تاريخية لأصحاب الأرض.. يقينى أن الشعب الفلسطينى العظيم سينتصر والمقاطعة الاقتصادية لو استمرت ستؤتى ثمارها، ولدينا أمثلة من التاريخ لتثبت هذا، مسئوليتنا المجتمعية أن نستثمر حالة الوعى والاستنفار التى سادت ويستمر فخرنا بأطفالنا وشبابنا الذين استوعبوا ٧٥ عامًا فى أيام، والنصر لنا.
المعركة خارج الأرض المحتلة اقتصادية وثقافية وإعلامية، ولهذا أطالب بمنصات إعلامية عربية ومواقع للتواصل الاجتماعى من تصميمنا لا تقيد حرية شبابنا فى التعبير عن تعاطفهم مع أهلنا فى فلسطين، كيف نطالب باستقلالهم ونحن أسرى التكنولوجيا القمعية التى اخترعها العدو ونشرها للتجسس علينا والتحكم فينا؟ لابد من خطة لنشر الحقيقة ومنهجية فعالة لاجتذاب المواطن العالمى للتعاطف على أرض الواقع.
> شن بعض المراكز البحثية فى إسرائيل هجومًا حادًا ضد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بدعوى مناصرته الحركات المتشددة إزاء موقفه فى أزمة غزة.. كيف ترين ذلك؟
>> كل الاحترام لفضيلة شيخ الأزهر وموقفه القوى النبيل وتوجيهاته للمراكز الإعلامية والبحثية فى الأزهر الشريف، وليت باقى مؤسساتنا تتخذه قدوة وتتعلم منه كيف ينفذ فضيلته سياساته القومية على أرض الواقع.
> كيف تقرأين مستقبل الثقافة المصرية خاصة فى ظل الموجة الشرسة من التمويلات الخارجية التى تحاول تحجيم دور مصر الثقافي؟
>> ما دمنا نتحدث عن مستقبل الثقافة فى مصر، فعلينا أن نعود إلى كتاب طه حسين الاستشرافى المعاصر الذى كتبه لمصر والمصريين فى المستقبل، أى مستقبل، ولا أسمح لنفسى، بعد ما كتبه طه حسين، بالتشاؤم أو الإحباط، المشهد الثقافى يتميز بنشاط مكثف فى عدة اتجاهات، وبجهود مخلصة أراها بنفسى رأى العين ولا أتحدث عن المركز القومى للترجمة فحسب، لكن الجهود الثقافية دون إعلام ستذهب سدى، ودون تعاون مع مؤسسات المجتمع والمدرسة والأسرة لن تحقق للأسف المرجو منها.
أما عن التمويل الثقافى من جهات خارجية مختلفة فلن أعتبره هجمة شرسة ولا ألتفت إلى ما تنفقه أى جهة لتمويل نشاط ثقافى أو فنى خارجى، لأن عادة فى النهاية نجاحها يعتمد على العنصر المصرى الأصيل، فمصر تمتلك من مقومات العظمة والحضارة ما يقهر أى تمويل، وما يتفوق على جهود النهوض فى أى مكان، لأن الثقافة المصرية هى النيل والأرض والشمس، وكنوزها المعرفية عبر التاريخ تنتظر المخلصين من أبنائها من الأجيال القادمة لتعيد اكتشافها.
> ماذا تعني «الهوية الثقافية»، وكيف يمكن الحفاظ عليها فى ظل المتغيرات الراهنة؟
>> الهوية هى علاقة تفاعلية للإنسان بالمكان والزمان وذاكرته فيهما، الهوية هى روح الأمة والحمض النووى الذى يميز كل أبنائها ويجمعهم على قلب واحد، والمصريون حباهم الله بهوية تتميز بالعراقة والثراء، والحفاظ عليها يتطلب قدرًا كبيرًا من الجهاد المجتمعى والذاتى بالمحافظة على مقومات هذه الهوية فى كل مظاهرها الحضارية والثقافية فى اللغة والأدب والفن وكل ما نسمع ونقرأ ونأكل ونشرب ونلبس، وكل مظاهر الحياة، علينا أن نضع نصب أعيننا مسئؤولية الحفاظ على الهوية، لأنها أعظم ما يميز شخصية مصر، وواجبنا أن نحافظ عليها ونلقنها لصغارنا بداية من مرحلة ما قبل المدرسة.
وقت أن كنت أدرس مادة المقال للفرقة الرابعة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن كان جوهر المادة التى أناقشها مع طلابى قضية الهوية، لأن التعليم لابد أن يتجاوز المحتوى الرسمى للمقرر، لذلك كانت مكونات المادة الكتابة عن «العيش» البلدى (الخبز) وفيلم سواق الأتوبيس وعاطف الطيب وخلطة المحشى، الحرب لم تعد على الذهب والبترول والمياه فحسب، الحرب على الهوية أى الهواء الذى نتنفسه ونعيش به.
> تتولين رئاسة أكبر جهة مختصة بالترجمة فى مصر من ثلاث سنوات ماذا عن رؤيتك الخاصة بالتطوير، وماذا تحقق من استراتيجيتك، وما أهم المعوقات التى واجهتكِ؟
>> لم أحقق سوى ربع ما كنت أطمح لتحقيقه رغم قرب الانتهاء من جميع مشاكل المركز المزمنة، ولكن مع الوقت ازددت معرفة بطبيعة المركز وأهميته وخطورة دوره، وللأسف الوقت ليس فى صالحى، لأن الروتين وعوامل أخرى تتسبب فى إهدار وقت ثمين، العام الأول كان دراسة من الداخل، والثانى كان عام الصراع بين إرادتين، والثالث كان البداية الحقيقية، والآن فى بداية العام الرابع أتمنى أن ننتهى فيه من كل مشاكل المركز السابقة ونصدر كل حالات الكتب الميئوس منها، من ناحية أخرى بدأنا مشروع الكتاب الصوتى والنشرة الإلكترونية والترجمة من العربية وكشاف المترجمين، وأحرص على أن تكتسب هذه الملفات صفة العمل المؤسسى حتى يستكمل من يأتى بعدى هذه الملفات ويضيف إليها.
> كيف تقيمين واقع الترجمة حاليا على المستويين المحلى والعربى، وهل هناك عثرات فى سبيل تحقيق طفرة عالمية فى مجال الترجمة؟
>> الترجمة تحتاج إلى خطة مشتركة بين المؤسسات العلمية والثقافية داخل مصر وخارجها ورؤية واسعة المدى وتمويل وتدريب وتسويق، طالما لم يتحقق هذا فى الماضى فسنظل داخل جزرنا المنعزلة لا يتجاوز إنجاز كل منا إصدار كتب مترجمة محدودة فى الانتشار والتأثير الثقافى.
> ماذا عن الترجمة العكسية من العربية إلى الأجنبية، وما السبيل للنهوض بها، وماذا عن خطة المركزفى هذا المضمار؟
>> بدأنا فعلاً منذ عامين وأصدرنا «الطوق والإسورة» ليحيى الطاهر عبدالله و«خيال الحقل» لعبدالتواب يوسف، ومستمرون على تنفيذ المشروع رغم المعوقات على مستوى الواقع وعبر وسائط معاصرة، لكن المشروع لتحقيقه على أسس سليمة يحتاج إلى تمويل وعلاقات قوية مع جهات خارجية للتوزيع ومعايير مختلفة عن السوق المحلى فى الطباعة والنشر، ورغم ذلك لن نيأس، ولهذا أطبق سياسة تحالف قوى الشعب الثقافية، وأعتمد كثيرًا على جهود المتطوعين الذين لم يخذلونى، وخلال أشهر سنقدم الجديد فى هذا المشروع بالتعاون مع الجامعات، وفى مقدمتها كلية الآداب جامعة حلوان. وأخيرا المشروع القومى للترجمة من العربية أساسه: التمويل ثم التمويل ثم التمويل، وهنا عبر جريدة الوفد أطرح السؤال: أين رجال الأعمال الوطنيون؟ أين رعاة الثقافة فى مصر؟
> هل الثقافة العربية أسيرة لثقافتى الفرانكفونية والأنجلوفونية؟
>> طبعًا، والمعركة غير متكافئة، لأنَّ الحرب من الداخل، وعلى أرض ليست لنا، لأن اللغة الإنجليزية السهلة نسبيًا والمنتشرة انتشارًا فاحشًا هى أداة تعبير الثقافة الأنجلوفونية، هى السينما والأغانى والمسلسلات والدبلجة ووسائل الإعلام والتواصل، حاولت فى المركز منذ أن توليت إدارته الخروج من أسر الثقافتين الأنجلوفونية والفرانكوفونية ومازلت مصرة على حق القارئ العربى أن يطلع على كل الثقافات والأعمال المترجمة عن كل اللغات، ولهذا فتحنا أفق مبادرة «كشاف المترجمين» للترجمة من العربية إلى أى لغة، ومن خلال المشاركات فى المبادرة سنعد قاعدة بيانات ونقوم بتحليلها استعدادًا لخوض هذا المجال الثقافى العالمى شريطة أن يتوافر لنا فى كل لغة نترجم عنها أو إليها عناصر التأكد من جودة الترجمة وهي: المترجم والفاحص والمراجع.
> ماذا تمثل لكِ الكتابة وهل لديكِ مشروع أدبى قريبًا؟
>> الكتابة هى كينونتى، كتبت القصة القصيرة والرواية القصيرة والمسرحية والمقال، ورغم تحديات العمل بالمركز لم أتوقف عن الكتابة، وأحيانًا تدفعنى تحديات المركز للكتابة لأنها متنفسى الوحيد، والحقيقة أن تجربة العمل بالمركز تختلف تمامًا عن العمل الأكاديمى، هى تجربة ثرية إنسانيًا وروحانيًا، ولهذا نتج عنها فيض من الكتابات، الغريب رغم ظروف العمل المضنية والضغوط وساعات العمل الطويلة، إلا أننى لم أتوقف عن الكتابة بل أعمل على عدة مشروعات فى آنٍ واحدٍ، لكن النشر بالطبع أمر آخر.
> البعض يرى أن سوء التوزيع وعدم توافر الكتاب وارتفاع سعره أسباب رئيسية لإحجام القارئ عن شراء كتب المركز القومى للترجمة ما ردك؟
>> أرقام المبيعات فى المعارض الداخلية والخارجية تثبت أن القارئ لم يحجم عن شراء كتب المركز، وأحترم القارئ الذى يتخذ قرارًا مصيريًا بشراء كتاب رغم التحديات الاقتصادية التى نالت منا جميعًا داخل مصر وخارجها، خاصة مع قرصنة الكتب وظهورها بالكامل على شبكة المعلومات دون احترام لحقوق النشر، ورغم ذلك يوجد القارئ الذى يرى فى الكتاب الورقى ملاذًا له.
عاد المركز لإصدار الترجمات بمعدل سريع وتطبيقًا لمعايير الجودة الثقافية فى الفحص والمراجعة واحترام موعد الصدور وحقوق الطبع، ولكن للأسف ليس لدينا سوى منفذ الأوبرا، وبيع كتبنا من خلال منافذ الهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة، والأمل فى تفعيل البيع الإلكترونى، المركز يدفع حقوق الكتب بالعملة الصعبة للناشر الأجنبى ويطبع كتبه فى جهات خارجية ويتحمل الارتفاع الجنونى فى أسعار الورق والأحبار وغيرها من تكاليف الطباعة، إذا كانت الأسرة المصرية تشكو من ارتفاع أسعار الكتب الخارجية فماذا عن الكتاب الثقافى وما يمر به من مراحل منذ قبول مقترح الترجمة حتى يصل إلى يدى القارئ، ورغم ذلك يحقق المركز أعلى مبيعات فى معرض الكتاب والمعارض الداخلية والخارجية، ونقدم دعمًا حقيقيًا للكتاب وتخفيضات لمعظم فئات المجتمع، وعلى رأسها تخفيض ٥٠٪ من سعر الكتاب لطلاب المدارس والجامعات الذين لا تخلو منهم أى أسرة مصرية إلى جانب التخفيضات احتفالًا بمناسبات قومية وثقافية طوال العام، تداعيات الأزمة الاقتصادية كارثية، والسؤال مرة أخرى أين رعاة الثقافة فى مصر؟ المؤسسات القومية لن تستجدى، والوضع واضح ومعروف وقت أن توقفت دور النشر الخاصة استمررنا فى النشر لأننا ممولون من الدولة وبأموال دافعى الضرائب وهذا حق المواطن علينا.
> ما جهود المركز فى التحول الرقمى، وهل هناك كتب مرقمنة يصدرها المركز؟
>> يصعب هذا لأنَّ التعاقدات التى تتم مع الناشر الأجنبى تقتصر حاليًا على النشر الورقى، والنشر الإلكترونى سيضاعف عبء المركز فيدفع قيمة الحقوق بالعملة الصعبة، الاقتصاد الآن مفتوح وكل شيء له ثمن، نواجه أمواجًا عالية بزورق صغير، وهذا لا يعنى عدم التوجه إلى نشر بعض الإصدارات إلكترونيًا أو الإصدار ورقيًا وإلكترونيًا فى آن واحد، ولكن هذا يتطلب إجراءات لا يمكن القيام بها حاليًا ما دمنا ما زلنا نعمل على الملفات القديمة، على الأقل أعمل مع فريقى بالمركز على تمهيد الطريق للمستقبل الذى يتنوع فيه المركز فى إصدار ترجمات من العربية وإليها باللغات المختلفة، وما بين النشر الإلكترونى والورقى والكتب المسموعة والبيع الإلكترونى وكل الأحلام والتحديات التى نقترب منها ولم تعد بعيدة المنال كما كانت.
> ماذا عن مبادرة «سلسلة الكتب الصوتية»، وما الذى تحقق منها؟
>> ظهرت باكورة المبادرة فى النسخة الصوتية لكتاب «الأصابع الساحرة للأميرة الصغيرة» تأليف ماريا لويسا خيفائيل وترجمة محمد إبراهيم مبروك، واعتمدت المبادرة على الجهد التطوعى من الزميلات اللاتى سجلن فصول الكتاب بأصواتهن، وأتقدم لهن بالشكر والعرفان على نبل موقفهن من المبادرة، ولدينا أعمال أخرى فى طريقها للتنفيذ سيراعى فيها التنوع بين الآداب، ونعمل الآن على مشروع كتاب صوتى مفاجأة بالتعاون مع عدة أقسام لغات بكلية الآداب جامعة حلوان ولن أعلن عن تفاصيله إلا بعد التنفيذ.
> نعلم مدى تعلقكِ بالكاتب الكبير يحيى يحقى فماذاعن تأثيره عليكِ، وهل ترين أن أعماله نالت حقها من النقد والبحث والدراسة؟
>> يحيى حقى هو الأديب صاحب النظرة الشاملة والبصيرة، ولهذا هو بوصلتى التى وجهنى والدى إليها منذ الطفولة، وأكرر أنه لم يُقرأ كما ينبغى، بضم الياء، بل لم يكتشف بعد، وهمومه الثقافية التى جمعها الناقد الكبير فؤاد دوارة من مقالات حقى فى جريدتى المساء والتعاون فى أوائل الستينات هى نفس همومنا اليوم، هو مفكر كبير كان همه كما ذكر فى كتابه: «نقل الشعب من ظلام الجهالة إلى نور الثقافة»، ولهذا كتب فى جميع قضايا الثقافة بمفهومها الرحب الشامل حتى طريقة كتابة الكلمات وطباعتها فى الجرائد ليتعلم أولادنا منذ صغرهم سلامة النطق والتعبير اللغوى.
> البعض يرى أن المركز مجرد دار نشر فقط ولم يعد له تأثير فى الوسط الثقافى فما ردك؟
>> لو كان المركز بداية من المشروع القومى للترجمة ثم تأسيسه بشكله الحالى عام ٢٠٠٦ دار نشر فقط لما كانت له هذه المكانة فى مصر والوطن العربى.. ورسالتى الحالية أن أثبت أن المركز كما أسسه جابر عصفور رحمه الله ليس دارًا للنشر فقط رغم أهمية دور أى دار نشر جادة فى الحياة الثقافية، لكنه مؤسسة ثقافية قومية ونضع خطًا تحت قومية، لأنها تنشر الكتاب المترجم والثقافة المترجمة للتنوير وزيادة وعى المواطن بثقافة الآخر وبتاريخنا، والمثال على ذلك اختيارنا لكتاب «فرقة العمال المصرية: العرق والفضاء والمكان فى الحرب العالمية الأولى» تأليف كايل چون أندرسون وترجمة شكرى مجاهد ومحمد صلاح على، لأن الكتاب يقدم للقراء صفحات مجهولة من تاريخ مصر عندما أجبرت بريطانيا الآلاف من المصريين بالسخرة للعمل لصالحها فى أوروبا ومنهم من استشهد ودفن فى مقابر غريبة، وكأن مشهد حفر قناة السويس فى عهد سعيد تكرر فى الحرب العالمية الأولى.
> هل يقدم المركز دورات تدريبية للمترجمين المصريين وما تقييمك للمترجم المصرى وما الذى ينقصه من وجهة نظرك؟
>> قدم المركز عبر تاريخه خمس عشرة دورة تدريبية على مهارات الترجمة للشباب، بلغ عدد المستفيدين منها ٣٥٤ متدربًا، ومؤخرًا طرحنا مبادرة «العين تسمع والأذن ترى» التى سينضم إليها الفائزون فى مسابقات كشاف المترجمين لأن الهدف اكتشاف المترجمين الشباب وتدريبهم وتأهيلهم ثقافيًا لإعداد كوادر جديدة من المترجمين فى جميع المجالات حتى لا نكتشف فى المستقبل أن المترجم الجيد قد انقرض.
> ماذا عن مسابقات الشباب «كشاف المترجمين» و«ترجم.. أبدع» ما الهدف منها، وهل هناك صعوبة فى ترجمة النصوص العربية إلى اللغات الأجنبية على يد شباب المترجمين؟
>> «ترجم.. أبدع» كانت مسابقة لشباب الجامعات طرحت فى أغسطس ٢٠٢٠ وتقدم للمشاركة فيها عشرات الفرق من الجامعات المصرية والصيف الماضى احتفلنا بصدور الكتب الفائزة، واستثمارًا لهذه التجربة الإيجابية أطلقنا كشاف الجامعات لنستقبل مقترحات الأقسام العلمية فى الجامعات للترجمة. وبدأت مبادرة كشاف المترجمين فى 23 أبريل 2022 عندما قام المركز بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة بإطلاق مسابقة «كشاف المترجمين»، وهى الأولى من نوعها، وخُصصت لترجمة الإبداع القصصى حول العالم عن إحدى عشرة لغة هي: (الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، الإيطالية، الصينية، الروسية، الكورية، التركية، السواحيلية، الأردية، الفارسية)، واستهدفت المسابقة اكتشاف العناصر الشبابية المميزة فى مجال الترجمة فى جميع المحافظات المصرية ودعمها، عبر نشر قصور الثقافة فى سلسلة آفاق عالمية الأعمال الفائزة، وإعداد المركز برامج تدريبية للمتميزين منهم تمهيدًا للتعاقد معهم.
وفى اليوم العالمى لقارة إفريقيا طرح المركز كشاف إفريقيا وفى ٢٦ يوليو أعلنا نتائج كشاف المترجمين سكندريات احتفالًا بالعيد القومى لمدينة الإسكندرية، والمبادرة مستمرة للاحتفال بالأعياد القومية للمحافظات ولرموز ثقافتنا والثقافة العالمية وتسير فى اتجاهين متوازيين من اللغة العربية وإليها لاكتشاف المترجمين الشباب وتدريبهم أو التعاقد معهم مباشرة لزيادة رصيد مصر من المترجمين الأكْفاء.
> كم إصدار سنرى للمركز وما أهم اللغات التى تتم الترجمة إليها؟!
>> الإصدارات تتجاوز المئة وطبعًا تتصدرها اللغة الإنجليزية ثم الفرنسية والإيطالية والألمانية والصينية ومؤخرا ترجمنا عن الأردية وسنصدر قريبًا كتابًا مترجمًا عن البولندية، ونخطط للترجمة عن العديد من اللغات المهمشة المظلومة بالتعاون مع المراكز الثقافية.
> العالم العربى يمر بمرحلة من الانغلاق الثقافى، بحيث إننا نواجه ثقافة متصلبة تواجه تحديات المستقبل والحاضر بالعودة إلى التراث، فهل هذا مسئول عن تأخرالعالم العربى كما يرى البعض؟
>> الاتهام بالانغلاق يوازيه انفتاح على منصات البث العملاقة والنصوص السمعية والإلكترونية لكنه انفتاح فردى غير مدروس ولا يصب فى صالح الأمة التى كانت تجتمع لسماع حلقات ألف ليلة وليلة للعظيم طاهر أبو فاشا، أو لتشاهد رحلة السيد أبوالعلا البشرى لأسامة أنور عكاشة، نحتاج هدنة نعتزل فيها كل ما هو غربى وغريب لنعيد اكتشاف تراثنا العريق وحكاياتنا الشعبية وفولكلورنا وهو تراث كفيل بإعادتنا إلى التواصل مع هويتنا والتصالح معها قبل أن ننفتح مقبلين على ثقافات العالم.
> ما تقييمك لتعامل الإخوان مع ملف الثقافة إبان توليهم الحكم فى مصر؟
>> كل من يسيء فهم الثقافة المصرية ودورها العميق فى تشكيل الوجدان الشعبى سيرفضه الشعب، المواطن المصرى سمح، أحمدى البساط، فطرته القبول والاندماج داخل بلده أو خارجها، لكن الرفض يأتى لكل من يحاول تغيير المعادلة المصرية، ستظل نواة الهوية المصرية ثابتة صلبة لا تمس، ولهذا فشلت محاولات كثيرة لطمسها أو تغييرها، أما ما يحدث الآن من تغير طبيعة الصراع والتوجه نحو العدوان الثقافى، فهو إصابة فى الصميم، لابد أن نتداركها بما أسميه المناعة الحضارية فلا نخترق من أى هجمة ولا نعانى من «القابلية للاستعمار» التى حذرنا منها المفكر مالك بن نبى.
> ما رؤيتك لإشكالية السلطة والمثقفين خاصة أن البعض يرى أنها شائكة؟
>> أراها متوترة وجدلية بطبيعتها، وهذا أمر لا يدعو للقلق، لأن الصراع بمفهوم الدراما مكون أصيل فى أى موقف إنسانى، كذلك لأن المثقف بغريزته وتكوينه تحفزه ثقافته على التمرد على أى سلطة كانت، لأنَّ ثقافته واقترابه من جوهر المعرفة وسبل النهضة يجعله معتزًا بما لديه ويرفض المهادنة أو الاستسلام وهذه ظاهرة صحية، ولننظر إلى نموذج يحيى حقى الذى لم يندمج تمامًا فى المد الناصرى كغيره ولكنه لم ينفصل عنه، احترم الزعيم ولم ينبهر به وتشبث بحبه لمصر وللمصريين وأخلص فى أداء دوره الثقافى.
> تساعد الجوائز على تطوير العمل الثقافى فى العالم العربي؟
>> أى جائزة تمنح وفقًا لمعايير حقيقية وفى جو من الشفافية التامة تشجع المبدعين على مواصلة سعيهم للإبداع، غياب وسائل التقييم والتقويم والتشجيع والتحفيز تصيب المبدع والباحث فى أى مجال بالسقم، على المستوى الشخصى منحنى فوزى عام ٢٠٠٠ بجائزة مؤسسة عبدالحميد شومان للباحثين العرب الشبان فى العلوم الإنسانية ثقة بالنفس ورغبة فى مواصلة ما بدأته فى البحث العلمى والإبداع، يكفى أنى تقدمت بأعمالى ونسيت الموضوع حتى فوجئت بعد أشهر بمكالمة من عمان تهنئنى بالفوز، لم يكن الفوز مجرد شهادة براءة فوز ودرع أحتفظ به فى حجرة المكتب، منذ لحظة وصولنا إلى مطار الملكة علياء فى عمان عاصمة الأردن تغيرت حياتى، فقد رأيت بنفسى اهتمام المؤسسة بنا جميعًا بناء على حيثيات فوزنا، وشعرت عندئذٍ بالمسئولية وأن العمل الجاد المُر ثمرته حلوة.
> ترجمت العديد من المسرحيات إلى اللغة العربية فماذا عن واقع المسرح من وجهة نظرك؟
>> أعشق ترجمة المسرح وأستمتع بها، ولهذا ترجمت لهارولد بنتر ووندى واسرستاين ولويس بالديث وآرنولد وسكر وآرثر ميلر ولورنس هاوسمان وللمسرح التجريبى ترجمت أعمال نيومى والاس وديڤيد هنرى وُنج، والترجمة رافد عضوى من روافد المسرح، تربيت على الأعمال الكاملة لسلسلة المسرح العالمى التى كانت تزين مكتبة والدى وكنت أتخيل فى طفولتى وأنا أقرأ النص المسرحى كيف سيعرض على خشبة المسرح، وحدثنى والدى عن مشاهدته عروض الأم شجاعة ودائرة الطباشير القوقازية وطائر النورس وست شخصيات تبحث عن مؤلف فى الستينات فى مسرح الدولة، ولهذا لا أتصور مسرحًا فى أى أمة دون العودة إلى نصوص أبنائها والنصوص العالمية لتعرض بشكل مكثف على مسارح قصور الثقافة فى كل المراكز، هكذا تبدأ النهضة، ولهذا السؤال: لماذا لا تقدم عروض مهرجان القاهرة المسرحى فى المحافظات؟
> أخيرًا...ماذا عن مشروعاتك المستقبلية وأعمالك القادمة؟
>> مشروعاتى مؤجلة حبًا فى المركز القومى للترجمة الذى أراه جزءًا من نهضة مصر الثقافية وعندما تنتهى رسالتى فى المركز أعود إلى الجامعة وطلابى لأقوم بتدريس الأدب المقارب ونشر دراسات فى الأدب العالمى ونظريات النقد الأدبى ومسرح شيكسبير والكتابة الإبداعية، أما عن الكتابة فلدى مجموعة قصصية كاملة تنتظر المراجعة، ومسرحيتان قطعت شوطًا فى كل منهما، وأسأل الله التيسير والبركة فى كل عملى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بكلية الالسن المرکز القومى للترجمة اللغة الإنجلیزیة الثقافة المصریة کشاف المترجمین بکلیة الألسن بالتعاون مع الثقافة فى من العربیة عن الکتاب العدید من ماذا عن فى مصر جمیع ا کتاب ا
إقرأ أيضاً:
الجولان في قبضة الاحتلال.. كيف يغذّي الاستيطان أطماع الكيان الصهيوني؟
الكتاب: الاستغلال الصهيوني لمنطقة الجولان المحتلةالكاتب: إبراهيم عبد الكريم
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق2024، (عدد الصفحات 191 من القطع الكبير).
هذا هو الجزء الثاني والأخير من القراءة الخاصة التي كتبها الباحث توفيق المديني لـ"عربي21"، في كتاب "الاستغلال الصهيوني لمنطقة الجولان المحتلة" للكاتب إبراهيم عبد الكريم، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب (دمشق، 2024). في هذا الجزء، نواصل الكشف عن الأسس الاستراتيجية التي تجعل الكيان الصهيوني يتمسك باحتلال الجولان، مستعرضين تفاصيل الخطة الاستيطانية الجديدة (2022 ـ 2025)، وأبعاد الاستغلال الاقتصادي والعسكري للمنطقة، في ضوء سرد موثق ودقيق يفضح أطماع الاحتلال ويؤكد مركزية الجولان في المشروع الصهيوني.
الخطة الاستيطانية الجديدة المتعلقة بالجولان / 2022 ـ 2025
توالت معلومات عن نية حكومة نفتالي بينيت طرح خطة استيطانية متعلقة بالجولان، وصفت بأنها غير مسبوقة في مجالها، من حيث محتواها وأهميتها. وتولى بينيت بنفسه التمهيد لإعلان هذه الخطة، قبل ثلاثة أيام من إقرارها رسمياً في الحكومة، فكتب مقالاً نشره في صحيفة يسرائيل هيوم 23 ديسمبر 2021، جاء فيه حرفياً بصيغ تبجحية وتضليلية واضحة: في ليلة 14 كانون الأول 1981، فرضت حكومة مناحيم بيغن السيادة على هضبة الجولان، وسط إدانة شديدة من الداخل والخارج، وما بدأه بيغن قبل 40 عاماً، نواصله اليوم، فاليوم نحن نركز على تعزيز ونمو هضبة الجولان وخطة المليار شيكل للجولان (نحو 300 مليون دولار ـ الباحث)، التي ستوافق عليها الحكومة برئاستي في اجتماع احتفالي، هي واحدة من الخطط الرئيسية للحكومة للفترة المقبلة..
سيتم استثمار مئات الملايين في البنية التحتية والتعليم وتطوير الطرق والوظائف والتكنولوجيا الفائقة هاي تك والطاقة الخضراء، والقائمة تطول.. نحن نسلط الضوء على الجولان ونقول بوضوح: نحن مع الجولان ونحن في الجولان. إنَّ هضبة الجولان ليست مجرد رصيد استراتيجي ذي أهمية سياسية وأمنية، إنها أيضاً منزل ونمط مناظر لوطننا.... وحبي الخاص لهضبة الجولان ينبع من الطفولة، والرحلات على طول الهضبة وحقولها الخضراء، وبعد ذلك كجندي وقائد في الجيش مع ساعات طويلة من العمل. ومثل الكثيرين، لدي أيضاً ركن دافئ في القلب الهضبة الجولان القرار الذي سنتخذه في الحكومة ليس عملياً فقط، بل إن لدينا عنصراً تصريحياً مهماً. هضبة الجولان لم تعد محل نزاع، وهناك إجماع من اليمين واليسار تمثله حكومتنا أفضل من الجميع على أن الجولان لنا.
يلمس متابع السياسة الصهيونية الخاصة بالمنطقة المحتلة من الجولان، أن سلطات الاحتلال عمدت إلى استكشاف الإمكانيات الاقتصادية لهذه المنطقة، منذ الأشهر الأولى لوقوعها تحت سيطرتها وراحت تؤسس بنية اقتصادية مناسبة، ليس فقط الصالح القاعدة الاستيطانية هناك، بل أيضاً لوضعها بتصرف جهات داخلية أخرى.ويتفق وزراء الحكومة على أن الاستثمار يجب أن يتم في هضبة الجولان وتنميته. هذا تصريح بالغ الأهمية، وهو استمرار لإرث بيغن.. أرى أهمية وطنية في هضبة الجولان، فهذا عمل صهيوني من الدرجة الأولى. لذلك نحن بصدد إنشاء بلدتين جديدتين ـ أسيف ومطر ـ وتعتزم مضاعفة عدد السكان، وجعل المنطقة نابضة بالحياة ومزدهرة تدعو الأزواج الشباب لتأسيس منزل وعائلة.. أوصي الذين سئموا من الاختناقات المرورية؛ دعونا نعيش بشكل جيد. تعالوا إلى الجولان.
يقول الباحث إبراهيم عبد الكريم: "ثم جرى الكشف عن الخطة الاستيطانية الجديدة، خلال الجلسة الخاصة التي عقدتها الحكومة الصهيونية في مستوطنة كيبوتس مافو حمة جنوبي منطقة الجولان المحتلة يوم 26ديسمبر 2021.. وقد حضر هذه الجلسة وزراء الحكومة، باستثناء عيساوي فريج وزير التعاون الإقليمي من حزب ميرتس، الذي تغيب لأسباب أيديولوجية واحتجاجاً على قرار الموافقة على البناء الضخم في الجولان، ووزيرة التعليم يفعات شاشا بيتون التي تغيبت لأن ابنتها أصيبت بالكورونا. كما حضرها رئيس مجلس الجولان الإقليمي حاييم روكاح ورئيس مجلس كتسرين ديمي أبرتسيف ورئيس مجلس مجدل شمس المحلي دولان أبو صالح، الذي قال: نحن نحتاج إلى استثمارات وعمل حكومي للنهوض بمجتمعاتنا، ورئيس مجلس عين قنية وائل مغربي الذي قال: نحتاج إلى مشاريع وطنية تؤدي إلى نمو تجمعاتنا في الجولان أيضاً، على حد قوله..
في مستهل تلك الجلسة، أدلى رئيس الحكومة نفتالي بينيت، بتصريحات جاء فيها حرفياً: هذه لحظتنا، وهذه لحظة هضبة الجولان. لقد أدى مزيج من الظروف بحكومتنا إلى اتخاذ قرار دراماتيكي يقضي بتحويل الكثير من الموارد، أي مبلغ نحو مليار شيكل، لتعزيز البلدات الواقعة في هضبة الجولان. ويجب القول إن هضبة الجولان لنا..... وإن حقيقة أن إدارة ترامب اعترفت بذلك، وحقيقة أن الرئيس بايدن أوضح أنه لم يطرأ أي تغيير على هذه السياسة، يحظيان بأهمية أيضاً. وقد اكتشف العديد خلال آخر سنتين أن السكن في المنطقة الوسطى ليس بأمر حتمي، ومن هذه الناحية، قد تشكل هضبة الجولان خياراً رائعاً لمن يفضلون الهواء النقي والمساحات المترامية وجودة الحياة، لقد شاهدت قبل دقائق أطفال الروضة هنا، فهذا الوضع يحسد عليه. وهنا تدخل الحكومة على الخط، فمن خلال مصادقتنا على الخطة اليوم نحيي مرور 40 عاماً على تطبيق القانون هنا، وفي الحقيقة، هذه الخطوة تأتي متأخرة إلى حد كبير، إذ يشهد حجم البلدات هنا حالة من الجمود منذ سنين طويلة جداً.
وخلال الجلسة، قدم يائير بينس المدير العام لمكتب رئيس الحكومة الخطة الجديدة، ووافقت الحكومة بالإجماع عليها وتعليقاً على عدم حضور عيساوي فريج، وزير التنمية الإقليمية من حزب ميرتس، اجتماع الحكومة الاحتفالي، قالت زميلته في الحزب عضو الكنيست غيداء ريناوي الزعبي: هضبة الجولان يجب أن تكون جزءاً من أي اتفاق مستقبلي ومفاوضات سياسية، حتى لو كان الوضع في سورية حالياً لا يسمح بذلك (ص65).
الاستغلال الاقتصادي الصهيوني للجولان المحتل
يلمس متابع السياسة الصهيونية الخاصة بالمنطقة المحتلة من الجولان، أن سلطات الاحتلال عمدت إلى استكشاف الإمكانيات الاقتصادية لهذه المنطقة، منذ الأشهر الأولى لوقوعها تحت سيطرتها وراحت تؤسس بنية اقتصادية مناسبة، ليس فقط الصالح القاعدة الاستيطانية هناك، بل أيضاً لوضعها بتصرف جهات داخلية أخرى.
وعلى امتداد العقود الماضية، قامت الحكومات الصهيونية المتعاقبة بتوطيد هذه البنية الاقتصادية ودعمها، على نحو يشمل موضوعات توظيف الأراضي والاستثمارات في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والسياحة والتنقيب عن النفط، وسواها... وكانت هذه الموضوعات، ولا تزال تشكل تعديات صهيونية سافرة على منطقة الجولان المحتلة ومواطنيها العرب، خارقة بذلك القانون الدولي العام وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
تختلف الأرقام المتعلقة بتقسيمات منطقة الجولان المحتلة وخصائصها، من مصدر الآخر، تبعاً لتواريخها.. فمثلاً يذكر ميخا ليفني وهو باحث متخصص بشؤون الجولان، بين مؤلفاته عنها كتاب شامل مصوّر بالألوان، بعد نحو 20 عاماً من احتلالها، أن هذه المنطقة تمتد على أرض مساحتها 1176 كم2 تتوزع كما يلي: الشمال 479 كم2 ـ الوسط307 كم 2 - الجنوب 276 كم2 - حرمون 104 كم2.. ويقدر ليفني أن نحو 12 كم 2 فقط أي نحو 1002 من هذه المنطقة المحتلة مخصصة للمستوطنات والطرق، وأن نسبة الأراضي المشغولة بالزراعة تبلغ 4-5%، أما الأراضي المعلن عنها كمحميات طبيعية فتصل إلى 12 ومع إدماج الحرمون ضمنها تصل النسبة إلى17. ويشير ليفني إلى تداخل مجالات الأنشطة، حيث يستخدم قسم كبير من المحميات الطبيعية للرعي أو لأغراض عسكرية أو للأمرين معاً، كما يستخدم قسم من المنطقة العسكرية أحياناً للرعي.
ارتبط احتلال منطقة الجولان في المنظور الصهيوني، بمشكلة العمق الاستراتيجي للبلاد وهو المنطقة الواقعة بين الخطوط الأمامية ومنطقتها الحيوية التي يعني سقوطها تصفية للسيادة، وفي حالة الكيان تصفيته، ويمكن تحديدها بأنها المنطقة الممتدة من عكا مروراً بحيفا ويافا تل أبيب وصولاً إلى القدس، التي تجتمع فيها غالبية السكان والمنشآت الأرضية وغالبية مؤسسات السلطة..وحسب التصنيفات الصهيونية العامة، تبلغ الطاقة الأرضية للمنطقة المحتلة من الجولان ويقصد بها المساحات التي تستغل في مختلف الأوضاع والنشاطات البشرية والاقتصادية والعسكرية وغيرها ـ بين 620 ـ 635 ألف دونم (620 ـ 635 كم 2)، تتوزع على خمسة أقسام، هي:
1 ـ الأراضي المخصصة لرعي الماشية / 300 ألف دونم = 300 كم 2.
2 ـ الأراضي التي تشرف عليها سلطة حماية الطبيعة / 100 ألف دونم.
3 ـ الأراضي المخصصة للزراعة / 80-90ألف دونم.
4 ـ الأراضي المخصصة للمواطنين العرب / 90 ألف دونم.
5 ـ الأراضي المخصصة للمناورات العسكرية مناطق النار 5-55ألف دونم، على أقل تقدير.
يستشف من مساحات الأقسام الخمسة المذكورة أن الاحتلال يستفيد، بصورة مباشرة، من نحو 86% من الطاقة الأرضية لهذه المنطقة. في حين يترك للعرب في الجولان مساحة محدودة جداً نحو ١٤، لمعيشتهم والممارسة أنشطتهم الاقتصادية المختلفة، التي تتعرض للضغوط والمضايقات، مما يجعل هذه الأنشطة دون الحد الأدنى المطلوب.
يقول الباحث إبراهيم عبد الكريم:"طبقاً للمبدأ الصهيوني المعروف؛ أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد من العرب، عُدّت المنطقة المحتلة من الجولان منطقة نموذجية للاستيطان، في المنظور الاحتلالي، لما ترتب على الاحتلال عام 1967من تغيرات سكانية. وكانت هذه المنطقة ولا تزال توصف بأنها واعدة، بالمعيار الصهيوني لاستقبال المزيد من المستوطنين وللتوسع باستغلالها في مجالات شتى.. فقد كان في منطقة الجولان قبل الاحتلال، نحو 172 قرية، ونحو 150 مزرعة مسكونة.. (ص81).
الاستغلال العسكري والأمني الصهيوني للجولان المحتل
ارتبط احتلال منطقة الجولان في المنظور الصهيوني، بمشكلة العمق الاستراتيجي للبلاد وهو المنطقة الواقعة بين الخطوط الأمامية ومنطقتها الحيوية التي يعني سقوطها تصفية للسيادة، وفي حالة الكيان تصفيته، ويمكن تحديدها بأنها المنطقة الممتدة من عكا مروراً بحيفا ويافا تل أبيب وصولاً إلى القدس، التي تجتمع فيها غالبية السكان والمنشآت الأرضية وغالبية مؤسسات السلطة.. وتتجلى معالم هذه المشكلة في المنظورين العام والذاتي، بصغر مساحة البلاد، وقصر المسافة بين المنطقة الحيوية والحدود الشرقية والشمالية للبلاد، وطبيعة التشكيل الجغرافي ـ السياسي للبلاد والوضعية الخاصة للتجمعات اليهودية والعربية في فلسطين المحتلة.
ردًّا على واقع الضعف الكبير في العمق الاستراتيجي، بادر أقطاب المؤسستين العسكرية والسياسية الصهيونية ، منذ وقت مبكر، إلى البحث عن سبل معينة من شأنها أن تقلل هذا الضعف وتمحور ذلك البحث حول تأمين ما يسمى العمق الاستراتيجي المستحدث الاصطناعي الذي يعوض الافتقار إلى بعض العناصر في العمق الاستراتيجي الطبيعي، ومن تلك السبل؛ احتلال أراض عربية جديدة، وضمناً منطقة الجولان، استناداً إلى ما تمتلكه الجولان من خصائص فريدة يمكن للاحتلال استغلالها وتوظيفها في مجالات عدة، بينها المجال العسكري والأمني.
وعلى هذه الخلفية لجأ الاحتلال الصهيوني إلى استغلال منطقة الجولان لأغراض عسكرية وأمنية، إضافة للأغراض الأخرى، على نحو يسخر هذه المنطقة في سياق ما يسمى الحفاظ على الأمن القومي للدولة.
يقول الباحث إبراهيم عبد الكريم:"من المعروف أن للموقع الجغرافي لمنطقة الجولان أهمية كبيرة عبر التاريخ، برزت في الأوضاع البشرية للمنطقة، وفي أنماط العمران والأحوال الاقتصادية، كما برزت في كونها منطقة عبور القوافل والجيوش والشعوب منذ القدم، ومسرح صراع دائم على مر العصور.
إذ تقع هذه المنطقة في أقصى جنوب غربي سورية على امتداد حدودها مع فلسطين المحتلة، وتأخذ شكلاً متطاولاً من الشمال إلى الجنوب على مسافة 75 - 80كم، بعرض متوسط يتراوح بين 18 - 20 كم.. وتقع كتلة جبل الشيخ في شمالي الجولان، وتفصله عن البقاع الجنوبي في لبنان. ويفضل وادي اليرموك في الجنوب بين الجولان ومرتفعات عجلون والأردن الشمالية الغربية. أما في الغرب فتطل منطقة الجولان على سهل الحولة وبحيرة طبرية في فلسطين بجروف قاسية. في حين يقع وادي الرقاد في الشرق بين الجولان ومنطقة حوران.
وفي المنظور الصهيوني، تكمن أهمية موقع منطقة الجولان من وجود هذه المنطقة على تماس مباشر مع كل سوريا (الأم) ولبنان وفلسطين والأردن، ما يجعل لها أهمية خاصة في السيطرة والإشراف على الأراضي الممتدة لمسافات واسعة في هذه المناطق، والسيطرة والإشراف أيضاً على مصادرها المائية ومنابع الأنهار ومجاريها، فضلاً عن العوامل الجغرافية الأخرى التي تعطي منطقة الجولان ميزة للجهة التي تسيطر عليها، وذلك بتداخل كبير مع التقديرات الصهيونية لمختلف الوجوه الأخرى المتعلقة بالأهمية الجغرافية لهذه المنطقة(ص 130).
في محاولة لتسويغ رفض الانسحاب من منطقة الجولان، تتعامل الأوساط العسكرية الصهيونية مع جغرافية هذه المنطقة بمفاهيم ومعايير أمنية عسكرية أساساً، وتضفي على موقعها سمات خاصة تزيد التعنت الصهيوني، فيقتصر موقف الجيش على مصطلحات مهنية، مثل خط إيقاف التقدم وشبكة دفاعية وحقل للنيران وأرض للمعارك ومكان المرابطة المدرعات ومنطقة مناسبة للقيام بسلسلة مناورات. ويجري التركيز على مستوى الارتفاع الكبير للجولان عن الجليل الخرائط ـ لاحقاً.
وكانت ذريعة التمسك بالجولان للدفاع عن مناطق البلاد شائعة في الخطاب الأمني الصهيوني، واستقطبت توجهات المستويات السياسية والعسكرية. وقد عبر إيغال آلون منظر حزب العمل الصهيوني في سنواته الأولى عن ذلك، بقوله: إن الهضبة الجولان، والمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، ليس فقط من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرمايات السورية، بل أيضاً للحاجات الاستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا الأمر يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، وبالدفاع عن نهر الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبرية والوديان المحيطة بها ووادي بيسان. ولا تزال هذه الرؤية تشكل حتى الآن الناظم للتوجهات المتعلقة بأهمية موقع الجولان في الاستراتيجية الصهيونية.
من الواضح أن تعدد أشكال الاستغلال الصهيوني للمنطقة المحتلة من الجولان، استيطانياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، يعني أن الاحتلال مشروع رابح صهيونياً، بالمعايير الحالية، فالأمر يتعلق بعائدات هائلة، يتعذر قياسها ذات مضامين جارية واستراتيجية.ولتسويق التصورات التي يضعونها، دأب المهتمون الصهاينة على معالجة المسألة من منطلقات أمنية، وكرروا التذكير بما أطلقوا عليه الأوضاع الخطيرة التي عانتها البلاد قبل احتلال الجولان عام 1967، والتي كانت تتفاقم جراء الاستخدام العسكري السوري لعامل الارتفاع الجغرافي للمنطقة بالنسبة لمنطقة الجليل. وحول هذه النقطة كشفت وثائق لاحقة أن الكيان الصهيوني كان يفتعل الأحداث عمداً لتهيئة الظروف لاحتلال الجولان. وقد تحدث عن هذا الأمر، مثلاً، واحد من أبرز المؤرخين الجدد الصهاينة، يدعى أفي شلايم، في كتابه الجدار الحديدي ضمن فقرة بعنوان الأعراض السورية The Syrian Syndrome بقوله: كانت الجبهة السورية هي الجبهة الإشكالية الوحيدة في عقد الستينات من القرن العشرين. وكانت هناك ثلاثة مصادر رئيسة للتوتر مع سورياالمنطقة المجردة والمياه، ونشاطات المنظمات الفدائية الفلسطينية، وكان الاثنان الأخيران هما الأهم. فقد غذيا التوتر الذي انفجر على شكل حرب شاملة في نهاية المطاف عام1967.
وكان رئيس الوزراء ليفي إشكول الذي كان مديراً سابقاً لشركة ميكوروت للمياه منغمساً بمشكلة المياه، وقد شارك شخصياً في مناقشات عديدة، ووافق على أن الحلم الصهيوني لا يمكن أن يتحقق دون السيطرة على مصادر المياه، فدون مياه لن تكون هناك زراعة والزراعة كانت أساس وجود الشعب اليهودي في البلاد كما قال. وكان جنرالات الجيش، بالطبع، أكثر اهتماماً بالجانب العسكري من الجانب الاقتصادي للنزاع على المياه، وكانت لديهم حسابات قديمة عديدة لتصفيتها مع السوريين. وحسب شلايم، شكك العميد يسرائيل ليئور، المساعد العسكري لإشكول، بأن سلسلة العمليات والعمليات المضادة التي لا تنتهي سوف تفضي إلى حرب شاملة، حيث قال: لقد جرت في الشمال حرب خطيرة إلى حد ما بشأن المصادر المائية، وقد قاد الحرب رئيس الأركان يتسحاق رابين، مع الضابط المسؤول عن القيادة الشمالية دافيد اليعازر.
ويعلق شلايم على هذا بالقول: كان لدي إحساس داخلي قلق بشأن هذه المسألة، وبدا لي طوال الوقت، أن رابين كان يعاني مما أدعوه الأعراض السورية، وحسب رأيي، إن جميع أولئك الذين خدموا على طول الخطوط الأمامية للقيادة الشمالية، تقريباً، متأثرون بـ الأعراض السورية، فالخدمة على هذه الجبهة، في مواجهة العدو السوري، تؤجج مشاعر كراهية استثنائية للجيش والشعب السوريين، وكان رابين وإليعازر عدوانيين في عملياتهما الحربية بشأن المياه في الشمال، وأصبحت الحوادث المتعلقة بهذه المياه وبالسيطرة على المناطق المجردة جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي، وكانت استراتيجية التصعيد على الجبهة السورية أهم عامل منفرد في جر الشرق الأوسط إلى الحرب، في حزيران عام ١٩٦٧، على الرغم من الحبكة التقليدية المتعلقة بالموضوع التي تحدد العدوان السوري بأنه السبب الرئيسي للحرب.
في ختام هذا الكتاب المهم الغني بالمعلومات المستقاة من المصادر الصهيونية، من الواضح أن تعدد أشكال الاستغلال الصهيوني للمنطقة المحتلة من الجولان، استيطانياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، يعني أن الاحتلال مشروع رابح صهيونياً، بالمعايير الحالية، فالأمر يتعلق بعائدات هائلة، يتعذر قياسها ذات مضامين جارية واستراتيجية. وهو ما يغذي عملية تمسك سلطات الاحتلال الصهيونية بهذه المنطقة، ورفضها المطلق للانسحاب منها طوعاً، واستشراسها في طلب الاعتراف الدولي باحتلالها لها، إذ أن زوال الاحتلال عنها، يعني خسارة كبيرة، جراء فقدانها الميزة الاستراتيجية للجغرافية السياسية الأمنية لها وللمردود المالي والاقتصادي الناجم عن السيطرة عليها.
ولا شك أنه حين تسترد سوريا منطقة الجولان المحتلة، سيضاف إلى سجل التاريخ السياسي للمنطقة حدث نوعي، يتمثل بإنجاز استراتيجي غير مسبوق، من حيث أهميته ودلالاته، لأن الأمر، والحالة هذه، يتلخص بكسر الأسباب والذرائع للتمسك بهذه المنطقة، وبتحطيم غطرسة القوة الصهيونية، بفعل الإرادة العربية السورية القادرة حتماً على فرض ذاتها مهما بلغت التحدِّيات.
إقرأ أيضا: الجولان في قبضة الاحتلال.. مشروع استيطاني أم فشل استعماري؟ كتاب يجيب