بقلم: اللواء د. شوقي صلاح

لعلنا نتفق على أن أهم ما أسفرت عنه نتائج حرب طوفان الأقصى بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر من بدايتها، أن كل الأطراف خاسرة.. فإسرائيل تكبدت خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة منذ نشأتها عام 1948 وحتى الآن، ولم تحقق أي هدف من أهداف الحرب، فلم تقض على قدرات المقاومة، ولم تحرر أسراها ورهائنها بالقوة، وخسرت معركتها الإعلامية على المستويين الدولي والداخلي بامتياز؛ فقد انتفضت شعوب الغرب احتجاجًا على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، كما انتفض جانب كبير من الداخل الإسرائيلي ضد سياسات الحكومة خاصة بالنسبة لملف الرهائن والأسرى، هذا ومن ناحية أخرى، فإن قطاع غزة قد تضرر على المستوى البشري، حيث تجاوز عدد الشهداء -حتى تاريخ كتابة هذه السطور- ما يزيد على الواحد والعشرين ألفًا، ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى، كما تهدمت عشرات الآلاف من المساكن والمستشفيات والمرافق الأساسية الأخرى في القطاع، لذا فإن أطراف الصراع خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنه من الضروري إنهاء هذه الحرب قبل اتساع نطاقها.

– هذا، وساهمت مصر وقطر في التوصل لهدنة مع تبادل للرهائن بالمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ثم عادت الحرب مرة أخرى، وتقدمت مصر الآن بمبادرة من ثلاثة مراحل.. تنتهي بإنهاء الحرب وتبادل كامل للمعتقلين والأسرى لدى طرفي الصراع، ومع هذا فإن حل الدولتين الذي بات هدفًا استراتيجيًّا لمنع تجدد هذا الصراع مستقبلًا.. يواجه تعنتا إسرائيليًّا، خاصة في ظل وجود حكومة هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، لذا فلا تتعجب من القول بأن: اتساع دائرة الصراع هو العامل الجوهري المؤثر إيجابًا على خضوع إسرائيل لخطوة حل الدولتين.. .

* رؤية استشرافية لمسار إنهاء الاحتلال وحل الدولتين

– على غرار الاتحاد الأوروبي – الذي تأسس بناء على معاهدة “ماسترخت” التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1993- ويضم في عضويته 27 دولة، نطرح في هذا المقام فكرة تأسيس اتحاد دولي جديد، نقترح تسميته بـ: “الاتحاد الإبراهيمي- The “Abrahamic Union نواته الأولى دولتا: إسرائيل وفلسطين، وهو اتحاد سياسي له بعد ديني.

– وجدير بالذكر أن هذا الاتحاد الذي يتأسس بعضوية الدولتين المشار إليهما، يمكن أن يضم في عضويته دولاً أخرى.. ونؤكد في هذا السياق على أن هذا الطرح يختلف عن فكرة سبق تقديمها وتم رفضها من دول في مقدمتها مصر، ألا وهي فكرة استحداث “الديانة الإبراهيمية” التي تجمع الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ففكرة دول الاتحاد الإبراهيمي المشار إليها هو اتحاد سياسي، اقتصادي، عسكري، ثقافي… والبعد الديني يمنحه قوة روحية لا أكثر، ولعل هذا يحقق لإسرائيل هدفًا استراتيجيًّا تسعى جاهدة لتحقيقه، ألا وهو أن تنتهي روح العداء لكل الدول المحيطة بها، فإسرائيل رغم عقدها اتفاقيات للسلام مع دول عربية في محيطها الإقليمي وأهمها مصر، إلا أنه؛ على المستوى الشعبي فإن العداء مازال قائمًا.. لذا فمن مصلحة إسرائيل والعرب تغيير هذا الواقع المرير.  

رسالة بايدن للحكومة الإسرائيلية: لن نسمح لكم بتهديد أمننا القومي

– لقد وصل الحال بالرئيس بايدن؛ أن طلب من نتنياهو وحكومته الخروج من سدة الحكم في إسرائيل، حيث يُصر الأخير على ارتكاب المزيد من أعمال الإبادة الجماعية لسكان غزة المدنيين وإطالة أمد الحرب، مما يهدد باتساع نطاقها.. وهو ما يضر باعتبارات الأمن القومي الأمريكي، حيث ستصبح القوات الأمريكية المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في بؤرة الاستهداف، كما أن مخازن أسلحتها الاستراتيجية الموجودة في إسرائيل ستصبح غير آمنة بالقدر الكافي.. ناهيك عن الاستنزاف الحاد الذي سيصيب قدرات الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل بشأن الأسلحة والذخائر، خاصة وأن اتساع نطلق الصراع سيطول أمده كثيرًا.. ويبدو من تحليل المشهد العسكري الراهن أن دول المنطقة التي يمكن أن تدخل دائرة الصراع قد أعدت العدة تمامًا لمثل هذه المواجهة الكبرى، ولنا في هذا المقام أن نوجه تساؤلين للحكومة الإسرائيلية:

* حال اتساع نطاق الصراع، هل تضمنون فاعلية القبة الحديدية في منع عشرات الألاف من الصواريخ التي ستستهدف في توقيت زمني محدود، أهم وأخطر الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل؟؟؟ هذا، وفي توقيت الاستهداف الصاروخي المشار إليه، ماذا تتوقعون من الملايين من سكان غزة والجنوب اللبناني أن يفعلوا ؟؟؟

  

– وطالما أن التساؤلين المذكورين موجهان للحكومة الإسرائيلية، فأرجو ألا يندفع أحد بالقول: “إسرائيل تمتلك أسلحة ردع نووية وهي قادرة على استخدامها حال تهديد أمنها القومي”.. فهذا الادعاء فيه تسرع من زاويتين: الأولى: أن بالمنطقة من يمتلك أيضًا ما يكفي من أسلحة الردع، وإن كانت غير نووية.. والثانية: ما يدريك؛ فربما طورت دولة ما قدراتها النووية لمستوى التصنيع العسكري؛ خاصة بعد ما تم من تعاون عسكري واسع النطاق صاحب الحرب الروسية الأوكرانية… 

– تدعي إسرائيل بأنها تتفاوض من منطلق الطرف الأقوى، القادر على فرض شروطه التفاوضية، بينما نتائج العمليات البرية – حتى الآن- تؤكد تكبدها خسائر فادحة، ولعل أهم أسباب هذه الخسائر، إنما يرجع لعدم احترافية المقاتل الإسرائيلي، فالمَشَاهد التي عرضتها فصائل المقاومة، أقوى دليل على تدني قدراتهم المقاتل الإسرائيلي في مواجهة فصائل مقاومة محدودة الإمكانات من حيث التسليح والتجهيز.. فالمقاتلون الإسرائيليون الذين تم استدعاؤهم لساحات القتال، مدنيون تعلموا فقط الحد الأدنى من مهارات القتال، لمواجهة عناصر مقاومة عقيدتهم: “النصر أو الشهادة”؛ وهذه العقيدة القتالية استطاعت دحر أكثر العناصر احترافية في لواء جولاني الإسرائيلي، وهذا ما يبرر قيام حكومة الحرب بتسريح عشرات الألاف من جنود الاحتياط.. ليعودوا لأعمالهم، فوجودهم في ساحات القتال بلا فائدة تذكر، بينما الاقتصاد الإسرائيلي ينهار…    

– وبهذا، فإن إسرائيل مخيرة بين أمرين – كلاهما مــر-؛ الأول: أن تعاند بالاستمرار في الحرب، ومن المؤكد في هذه الحالة أن نطاق الصراع سيتسع، وعليها أن تتحمل تبعات هذا الأمر، خاصة ما يتعلق بهجرة ملايين المواطنين الإسرائيليين.. ويحضرني في هذا المقام الآية القرآنية الكريمة التي توضح موقف بني إسرائيل من سيدنا موسى عليه السلام عندما طالبهم بالقتال كأمر ألا وهي: قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” 24 المائدة.

الثاني: البداية الحقيقية لحل الأزمة الراهنة هو تغيير الحكومة الإسرائيلية، لتأتي أخرى أكثر برجماتية، ولا تحمل على عاتقها أوزار الماضي، لتبدأ في أعمال تفاوض تشتمل على حل عادل للقضية الفلسطينية، بما يضمن أمن إسرائيل. وهناك قادة للمقاومة في السجون الإسرائيلية تستطيع إدارة المرحلة، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، ولا شك أن الإدارة القادمة لعمليات التفاوض تحتاج لإبداع سياسي، وقادة أقوياء وحكماء... 

اللواء د. شوقي صلاح

الخبير الأمني وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية

 

Tags: أنور الساداتإسرائيلطوفان الأقصىمصر

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: أنور السادات إسرائيل طوفان الأقصى مصر فی هذا

إقرأ أيضاً:

تقرير أمريكي: الحوثيون يقاومون الحملة الأمريكية بعناد رغم الخسائر والأضرار التي تلحق بهم (ترجمة خاصة)

أفاد تقرير أمريكي أن جماعة الحوثي في اليمن تقاوم بعناد الحملة التي تشنها الولايات المتحدة منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، رغم الخسائر والأضرار التي تلحق بهم.

 

وقال موقع "ذا ماريتايم إكزكيوتيف" في تقرير ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن البيانات التي جمعتها عمليات التجارة البحرية البريطانية في دبي تشير إلى أن هجمات الحوثيين على السفن قد توقفت إلى حد كبير، وكان آخر حادث مُسجل محاولة هجوم على سفينة من قِبل قراصنة يُشتبه في أنهم قراصنة في 15 أبريل.

 

وأضاف "يزعم الحوثيون أنهم هاجموا حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس هاري إس ترومان (CVN-75) في البحر الأحمر، لكن يبدو أن البحرية الأمريكية لم تُلاحظ ذلك. مع ذلك، استمرت هجمات الحوثيين الصاروخية الباليستية على إسرائيل من حين لآخر".

 

وبحسب الموقع فإن الاستنتاج الوحيد المُؤكد في الوقت الحالي هو أن قدرات الحوثيين الصاروخية والطائرات المُسيّرة قد تراجعت، ولكن استئناف الهجمات على السفن قد يستمر.

 

يُشير الرأي السائد لدى الخبراء -حسب التقرير- إلى أن حملة جوية ضد الحوثيين لن تُضعف عزيمتهم الراسخة على القتال، إذ يُقاوم الحوثيون بعناد الخسائر والأضرار التي تُلحق بهم.

 

ولفت إلى أن هذه الانطباعات تعزز الحشود الكبيرة التي يتمكن الحوثيون من حشدها للتظاهرات السياسية، كما حدث في صنعاء في 18 أبريل.

 

وبشأن محاولات الحوثيين لوصف الضربات الأمريكية بأنها هجوم عشوائي على المدنيين، يقول الموقع الأمريكي إنها لم تُؤخذ على محمل الجد. سُجّلت إحدى أكبر حوادث قتل المدنيين في 20 أبريل، عندما تعرّض سوق الفروة في صنعاء القديمة لقصف صاروخي معيب، ليس من قِبل القيادة المركزية الأمريكية، بل من قِبل صاروخ حوثي مضاد للطائرات. ودحضت صور الحوثيين للمشهد محاولة وصف غارة على مستودع أسلحة في مبنى قيد الإنشاء في صعدة بأنها هجوم على عيادة لعلاج السرطان.

 

وطبقا للتقرير في المجمل، لم تُحدث الغارات الجوية الأمريكية تصاعدًا في الدعم لقيادة الحوثيين، ولا ثورةً شعبيةً لهم. يعتقد خصومهم اليمنيون أن الضغط يتزايد على الحوثيين، لكنهم لم يصلوا بعد إلى نقطة تحول.

 

في 24 أبريل/نيسان، كان رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، لا يزال يتحدث عن "مؤشرات واعدة على تحول في ميزان القوى" و"وحدة متنامية بين الفصائل المناهضة للحوثيين".

 

يقول التقرير "يبدو أن مخططي حملة القيادة المركزية الأمريكية يتفقون مع هذا التقييم. في الوقت الحالي، تُركز الضربات على قيادة الحوثيين، والبنية التحتية للصواريخ والطائرات المسيرة، ومصادر الإيرادات، والكوادر الفنية.

 

وقال "لا تُظهر بيانات الضربات من معهد دراسات الحرب وجمعها @VleckieHond حتى الآن أي تركيز على مواقع الحوثيين في الخطوط الأمامية، لا سيما في مأرب وحول الحديدة، حيث ستحتاج القوات الحكومية إلى اختراقها لاستعادة مناطق رئيسية استولى عليها الحوثيون".

 

لكن في غضون ذلك، يستمر إلحاق أضرار تراكمية. وبينما يستمر هذا الضغط على الحوثيين ويتزايد، لا تُبدي القيادة المركزية الأمريكية أي إشارة إلى نية لتقليص هجومها، على الرغم من استنزاف مخزونات الذخائر وطائرات MQ-9 Reapers. وفق التقرير.

 

يضيف التقرير"هكذا، تتجه الحملة نحو صراع إرادات، ويبدو أن الحوثيين هم الأضعف. على الرغم من سمعتهم بالصمود، فقد رضخ الحوثيون في الماضي للضغوط - ولكن فقط عندما هددهم خصومهم اليمنيون بخسارة الأراضي".

 

وخلص التقرير إلى القول "أما بالنسبة لعناد الحوثيين السياسي، فينبغي أن نتذكر أن الفصيل الملكي بقيادة الإمام محمد البدر في حرب اليمن الأهلية في ستينيات القرن الماضي انبثق من معقل الشيعة في صعدة، التي تُعدّ الآن معقل الحوثيين، وقد قبلوا في تلك الأيام الدعم العسكري من البريطانيين، بالإضافة إلى عمليات إسقاط الأسلحة العرضية من الإسرائيليين. وإذا أُريدَ القضاء نهائيًا على التهديد الموجه للشحن البحري، وهو ما ينعكس في تقييمات المخاطر وردود أفعال المجتمع البحري، فسيظل من الضروري إحداث تغيير سياسي جوهري في تفكير الحوثيين".


مقالات مشابهة

  • السعودية تجدد رفضها القاطع للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف سيادة سوريا وأمنها
  • المملكة تدين الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الرئاسي بدمشق
  • اليوم العالمي لحرية الصحافة : أدوار جديدة للإعلام الوطني تمليها التحديات الراهنة والمستقبلية
  • مدير عام قوات السجون يتفقد سجون ولاية نهر النيل ويتعهد بمعالجة كافة التحديات التي تواجه سجون الولاية
  • فؤاد حسين يصل عُمان لتبادل وجهات النظر بشأن التحديات الراهنة
  • الهند وباكستان.. هجوم كشمير يعيد شبح الحرب النووية إلى واجهة الصراع
  • الخارجية الأمريكية: آن الأوان لتقديم مقترحات ملموسة لإنهاء الصراع في أوكرانيا
  • مدير الشؤون السياسية بحلب والمشرف على عمل مديريتي الصحة بحلب وإدلب يبحثان مع عدد من الصيادلة التحديات التي تواجه القطاع الدوائي
  • وزير الطوارئ والكوارث يناقش مع المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر التحديات التي تواجه الشعب السوري
  • تقرير أمريكي: الحوثيون يقاومون الحملة الأمريكية بعناد رغم الخسائر والأضرار التي تلحق بهم (ترجمة خاصة)