الرباط – “رأي اليوم” – نبيل بكاني: في ظل دعوات هيئات حقوقية واجتماعية وحزبية الى الحد من “تغول” اللغة الفرنسية، خاصة في ظل التحولات التي يشهدها المغرب بما فيها العلاقة مع فرنسا، حذر رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب، فؤاد بوعلي، من أن استخدام الفرنسية في الإدارات المغربية يعزز النخبوية ويعوق التواصل الفعال مع المواطنين.
وأشار إلى أنه تم رصد العديد من الحالات التي يعاني فيها المواطنين من صعوبة في فهم اللغة الفرنسية، مما أثر سلبًا على مصالحهم المادية والمالية. وفي وقت تشهد فيه اللغة الفرنسية تراجعا مخيفا في عدد المتمكنين منها داخل المغرب، وفق بيانات وزارة التعليم، أكد بوعلي، أن استخدام اللغة العربية أو الأمازيغية لن يشكل عقبة أمام التواصل الإداري السريع، بل على العكس تمامًا. كما أشار إلى أن اللغة الفرنسية، كانت مرتبطة بفترة صعبة ولم تشكل هوية للمغاربة. بالإضافة إلى ذلك، أوضح أن استخدام الفرنسية قد تسبب في حجب المعرفة عند معظم المغاربة وتعرقل مصالحهم. وحذر أكاديميون مغاربة مما سموه “تغول” اللغة الفرنسية، حيث يجري التأكيد على أن قضايا اللغة تحتاج إلى مناقشة وحوار مستمر يفضي الى تعزيز اللغات المحلية والحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية في البلاد، بينما ترفض الحكومة فتح “تابو” اللغة الفرنسية للنقاش العام مع الأطراف الأكاديمية والحقوقية المعنية. وأثار رفض وزيرة السياحة الحديث باللغة العربية بدل الفرنسية على هامش نشاط رسمي بمدينة الداخلة، قبل أسابيع، ردود فعل غاضبة. وأصرت وزيرة السياحة المغربية، فاطمة الزهراء عمور، على تقديم تصريحها للصحافة المغربية باللغة الفرنسية بعد رفضها التصريح باللغة العربية كما طلب ممثلو وسائل الإعلام. ودعت الوزيرة الصحفيين الذين طالبوها بالحديث باللغة الوطنية، الى تفعيل خاصية الترجمة ليفهم المتلقي كلامها، كما دعت المغاربة الى تعلم اللغة الفرنسية، مشددة على أنها قادرة على التحدث حتى بالانكليزية.
ويُعبر العديد من الناشطين والمثقفين في المغرب عن قلقهم إزاء تغول اللغة الفرنسية وتأثيرها السلبي على اللغة العربية والأمازيغية والهوية الثقافية المغربية. يُعتبر هذا التغول تجاوزًا للثقافة والهوية المحلية، ويعتبر من قبل البعض عاملًا لتفاقم النخبوية وعدم المساواة في المجتمع. تاريخيًا، تعود العلاقة بين المغرب واللغة الفرنسية إلى فترة الاستعمار الفرنسي التي استمرت منتصف القرن التاسع عشر حتى استعادة الاستقلال في عام 1956. خلال فترة الاستعمار، تم ترويج وتعزيز اللغة الفرنسية كلغة السلطة والتعليم والإدارة في المغرب. ومنذ ذلك الحين، استمر استخدام اللغة الفرنسية في مؤسسات الدولة والتعليم العالي والقطاعات الاقتصادية الرئيسية. هذا الواقع أدى إلى تفضيل اللغة الفرنسية من قبل النخب والطبقات الحاكمة وترسيخها كلغة رسمية وثانية في البلاد. ويرى عالم اللسانيات ونائب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بإفريقيا، فؤاد بوعلي، في تصريح لـ”هيسبريس” أن “تخلف مجموعة من الإدارات عن اعتماد اللغة الرسمية في مراسلاتها، يعود إلى عدم وجود وعي كامل بأهمية السيادة اللغوية للبلاد”، مضيفا أن “السيادة لا تقتصر على الحدود، والأمن…، بل أيضا اللغة، وهو الأمر الذي طبقته العديد من الدول الغربية، التي تلزم الإدارات باللغة الرسمية في التواصل”. بحسب نائب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بإفريقيا، “توجد العديد من التحركات الوزارية لإلزام استخدام العربية في التواصل الرسمي، غير أن مسؤولي هاته المؤسسات يعملون بالمنطق الاختياري ولا يحسون بالقوة الإجبارية عليهم”. وأردف بأن “هذه الظاهرة تشكل خطرا على هوية البلاد، لأن اللغة لها بعد هوياتي كبير واستراتيجي، كما أن العديد من الدول تستخدم اللغة من أجل فرض مجالها الاستراتيجي، والوجودي، والمغرب اعتبر اللغة العربية انطلاقا من الدستور كوسيلة لفرض مجاله الاستراتيجي، غير أن تخلي بعض الإدارات عن استخدام العربية يهدد هذا الأمر”. وعاد النقاش من جديد حول استعمال اللغتين الرسميتين بالمملكة في المراسلات الإدارية الرسمية، بعد “طغيان” الفرنسية منذ الاستقلال، واستمرار تفضيلها لدى العديد من المؤسسات والإدارات، على الرغم من الإلزام الحكومي والحكم القضائي عن إدارية الرباط. تتزايد مطالب وجهود تعزيز اللغة العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، وتعزيز استخدامهما في المجالات الحكومية والتعليمية والاقتصادية. وهناك تحركات لتطوير المناهج التعليمية وتوفير الموارد اللازمة لتعزيز التعلم والاستخدام الفعال للغة العربية والأمازيغية في جميع المجالات. في رده على سؤال حول رؤيته للمشهد اللغوي في المملكة، حذر الأكاديمي المغربي عبد العالي الودغيري من السمة الطاغية التي تسيطر على الوضع اللغوي في المغرب، ووصفها بأنها فوضى وتسيب، في إشارة الى أن اللغة في المملكة تعاني من انعدام التنظيم والتسيب، وأنه لا يوجد توجه واضح أو استراتيجية لإدارة اللغة بشكل فعال. يعكس رأي الودغيري قلق نخبة من المفكرين والحقوقيين إزاء التحديات والصعوبات التي تواجه الوضع اللغوي في المغرب، مثل التغلغل القوي للغات الأجنبية مثل الفرنسية وتأثيرها على اللغة العربية، وعدم التوازن في استخدام اللغات الرسمية، وقلة التركيز على تطوير اللغة العربية وتعزيزها في جميع المجالات. وشدد المصدر على ضرورة اتخاذ إجراءات لإصلاح وتنظيم الوضع اللغوي في المغرب وتعزيز استخدام اللغة الوطنية والحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية في البلاد. وقال الودغيري، الذي ناقش مسألة الوضع اللغوي في المغرب إلى جانب باحثين آخرين في ندوة حول الموضوع بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، إن من تجليات “الفوضى والتسيب” اللتين تسمان الوضع اللغوي في المملكة “التغول الملحوظ للغة الفرنسية التي هي موروثة عن الاستعمار، وعن سياسة لغوية موضوعة منذ الحقبة الكولونيالية”. وشدد المتحدث ذاته على أن “الثنائية اللغوية التي يجب أن تكون في المغرب هي العربية والأمازيغية”، مضيفا: “نحن نرحب بالتنوع اللغوي، ولكن لا بد من تقنين المسألة بما لا يسلب حق اللغتين الرسميتين ويحقرهما، لأنه على المدى البعيد سوف تنقرضان إذا ظلت التعددية اللغوية بدون ضوابط”. النقاش حول اعتماد اللغة العربية في الإدارة المغربية هو موضوع هام ومثير للجدل في الآونة الأخيرة. هذا النقاش يتزامن مع توجهات دبلوماسية وتغيرات في الساحة الدولية. من الجدير بالذكر أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المغرب ولها دور هام في القطاعات الحكومية والقضائية والتعليمية. ومع ذلك، فإن استخدام اللغة الفرنسية لا يزال واسعًا في الإدارة والتعليم العالي والقطاع الاقتصادي في البلاد. أما الأمازيغية، فقد تم اعتمادها كلغة رسمية ثانية في الدستور المغربي في عام 2011. وتم تعزيز استخدام الأمازيغية في بعض القطاعات الحكومية والتعليمية، وهناك جهود مستمرة لتعزيز تدريسها واعتمادها في المجالات المختلفة. يجب أن نلاحظ أن هذا النقاش ليس مقتصرًا على المغرب فقط، بل يندرج في سياق أوسع يشمل دول أخرى في المنطقة وحتى على مستوى القارة الأفريقية. فعلى سبيل المثال، تم تراجع استخدام اللغة الفرنسية في بعض المستعمرات السابقة في القارة، مثل الجزائر، حيث يشهد الانتقال إلى اللغة العربية في مختلف المجالات. في هذا السياق، انتشر على نطاق واسع الجواب الكتابي لغيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، الذي بينت فيه أن “اللغة العربية ملزمة لدى كل الإدارات، والمؤسسات العمومية والخاصة، في مراسلاتها، وعقودها، وجميع تصرفاتها، وجل الوثائق الصادرة عنها”. تواتر على نطاق جواب خطي لوزيرة التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، أكدت فيه أن “اللغة العربية مطلوبة من جميع الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة في مراسلاتها وعقودها وتصرفاتها وجميع الوثائق الرسمية الصادرة عنها”. وفي ظل “عدم امتثال” بعض المؤسسات والإدارات العمومية أو الخاصة لإلزامية وضع اللغة العربية في مراسلاتها، يستمر النقاش في المقابل حول السبل الكفيلة بتحقيق ذلك.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
اللغة الفرنسیة
اللغة العربیة
العربیة فی
فی البلاد
العدید من
إقرأ أيضاً:
نائب من سحاب يحذر: “موازنة 2026 لا تعالج البطالة ولا المديونية ولا تحقق رؤية 2033”
صراحة نيوز – حذر النائب مالك الطهراوي عن مدينة سحاب اليوم خلال مناقشة مشروع قانون الموازنة لعام 2026، من أن الموازنة المقترحة لا تمثل تحولاً اقتصادياً ولا تحقق أهداف رؤية الأردن 2033، واصفاً إياها بأنها “موازنة لإدارة الأزمات ودفتر حسابات لا يحمل أي مؤشر على تغيير النهج”.
وأكد النائب أن الأرقام المالية مثيرة للقلق، مشيراً إلى أن العجز المتوقع يبلغ 2.1 مليار دينار، في حين تصل النفقات العامة إلى 13 مليار دينار، مقابل إيرادات تبلغ 10.9 مليار دينار. وأضاف أن النفقات الجارية تستحوذ على أكثر من 87% من الموازنة، وأن النفقات الرأسمالية الفعلية لا تتجاوز 144 مليون دينار، وهو رقم لا يكفي لتحفيز النمو أو خفض البطالة.
وشدد على أن المديونية تشكل “غولاً يلتهم الموازنة عاماً بعد عام”، لافتاً إلى أن نسبتها بلغت 114% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تلتهم خدمة الدين مليارات دينار سنوياً.
كما انتقد النائب أسلوب الحكومة في تحصيل الإيرادات، قائلاً إن “الجباية تأتي قبل الاقتصاد”، مؤكداً أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحفيز القطاع الخاص لا يظهر أثره، في حين وعدت رؤية 2033 بخلق مليون فرصة عمل، ولم يتمكن القطاع الخاص حتى الآن من توفير سوى 20 ألف فرصة سنوياً.
وأوضح أن الموازنة تضمنت دعماً اجتماعياً محدوداً، مثل دعم الخبز والغاز وعلاج مرضى السرطان، لكنه اعتبر هذه الجهود “تعالج الأثر لا السبب”، داعياً إلى سياسات اقتصادية تحمي دخل المواطن وتوسع فرص العمل وتحسن مستويات المعيشة.
واختتم النائب حديثه بالتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة العجز والديون، تشمل وقف الاقتراض غير المنتج، وربط أي قرض جديد بمشاريع رأسمالية منتجة، وإطلاق برامج لتعزيز الصادرات وتحفيز الاستثمار، وإعادة هيكلة المؤسسات المستنزفة.
وأضاف أن الموازنة الحالية لا تعكس روح التغيير ولا تفتح باب الأمل أمام الشباب والمواطنين، داعياً إلى “فلسفة جديدة وطريقة إدارة جديدة وشجاعة حقيقية لاتخاذ قرار الإصلاح قبل أن يصبح خياراً متأخراً”.
ونوه النائب في ختام كلمته إلى أن حديثه يعكس هموم أهالي مدينة سحاب وشبابها الذين يعانون من البطالة وتردي مستوى المعيشة، مشيداً بالجهود الوطنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني.