التواصل مع الله.. محك الإخلاص
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
التواصل مع الله استعداد مباشر بالعظمة الإلهية داخل أطواء النفس البشرية. وشعورنا بالشوق إلى تلك الحقيقة الكبرى ليس هو ممّا يحتاج إلى تفسير علمى ولا إلى قياسات نظريّة؛ لأن ميدان العلم غير ميدان الذوق الباطن. والخلط بينهما خلطُ بين العقل النظرى والاستبطان الشعوري. ولا يسلم العلم من إعمال قوانينه فى ميدانه كما لا يسلم الذوق الباطن من استعداد يؤهله للاتصال بالحقيقة العظمى، ولو بطرق غير تقليديّة، وهى على الجملة عنوانُ البساطة فى التواصل مع الله والاستعداد لمعرفته.
يتحوّل الكفر البواح فى بعض الأحيان إلى محض إيمان، ومن الإيمان الخالص تتراءى أشكال الكفر ظاهرة لكنها لا تمسُّ حقيقته ولا تقدح فى نقائه.
ولاكتشاف الطرق غير التقليدية للتواصل مع الله نجد مثلاً فى الرواية الصوفية البديعة عن جلال الدين الرومى وشيخه شمس تبريزى، قواعد العشق الأربعون، لإليف شافاق، وترجمة خالد الجبيلى، هذه القصة المثيرة لاكتشاف الطرق غير التقليدية للتواصل مع الله :
فى أحد الأيام كان موسى يسير فى الجبال وحيداً عندما رأى من بعيد راعياً. كان الرجل جاثياً على ركبتيه، ويداه ممدودتين نحو السماء، يصلي. غمرت موسى السعادة، لكنه عندما اقترب منه، دهش حين سمع الراعى يصلى بحرارة :
)يا إلهى الحبيب؛ إنى أحبّك أكثر ممّا قد تعرف. سأفعل أى شيء من أجلك، فقط قل لى ماذا عَسَاَكَ تريد؟ حتى لو طلبت منى أن أذبح من أجلك أسمن خروف فى قطيعى، فلن أتردد فى عمل ذلك: أشويه، وأضع دهن إليته فى الرّز ليصبح لذيذ الطعم(.
اقترب موسى من الراعى، لينصت إليه أكثر: ثم سأغسل قدميك، وأنظف أذنيك، وأفليّك من القمل. هذا هو مقدار محبّتى لك).
عندما سمع موسى ذلك، صاح مقاطعاً الراعى وقال:( توقف، أيها الرجل الجاهل! ماذا تظن نفسك فاعلاً؟ هل تظن أن الله يأكل الرّز؟ هل تظن أن لله قدمين لكى تغسلهما؟ هذه ليست صلاة. هذا كفرٌ محض. هذا كفر محض).
كرر الراعى الذى أحسَّ بالذهول والخجل اعتذاره، ووعده بأن يصلى كما يُصلى الأتقياء، فعلمه موسى الصلاة فى عصر ذلك اليوم، ثم مضى فى طريقه، راضياً عن نفسه كل الرضا، لكن فى تلك الليلة سمع موسى صوتاً، كان صوت الله:(ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنّبت ذلك الراعى المسكين، ولم تدرك مَعزَّتى له، أن قلبه صاف، ونياته طيبة إنى راضٍ عنه قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لى كفراً حلوا).
فهم موسى خطأه فى الحال. وفى الصباح الباكر من اليوم التالى، عاد موسى إلى الجبال؛ ليبحث عن الراعى، فوجده يصلى، لكنه، فى هذه المرة، كان يصلى له بالطريقة التى علّمه إيّاها. ولكى يؤدى صلاته بشكل صحيح، كان يتلعثم، وكان يفتقد إلى الحماسة والعاطفة كما كان يفعل سابقاً، نادماً على ما فعله له.
رَبَتَ موسى على ظهر الراعى برفق حانٍ، وقال : يا صديقى، لقد أخطأت. أرجو أن تغفر لي. أرجو أن تصلى كما كنت تصلى من قبل، فقد كانت صلاتك ثمينة ونفيسة فى عينى الله.
تملكت الراعى الدهشة عندما سمع ذلك، لكن إحساسه بالارتياح كان أعمق، بيد أنه لم يشأ العودة إلى صلاته القديمة. ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التى علمه موسى إيّاها. فقد اكتشف طريقة جديدة الآن كى يتواصل بها مع الله. بالرغم من أنه كان راضياً وسعيداً بإيمانه الساذج، فقد تجاوز الآن تلك المرحلة، أى ما بعد ذلك الكفر الذى كان يتحلّاه).ومفادُ هذه القصة، كما ترى : إننا لا ينبغى على الإطلاق أن نحكم على الطريقة التى يتواصل بها الناس مع الله؛ فلكل امريء طريقته وصلاته الخاصّة. أن الله لا يأخذنا بكلماتنا، بل ينظر إلى أعماق قلوبنا. وليست المناسك أو الطقوس هى التى تجعلنا مؤمنين؛ بل مقدار الصفاء القلبى، هو وحده محك الإيمان ومحك الإخلاص؛ ومتى فُقد الإيمان حرارة العاطفة وحماسة الاتصال، فقد جذوته المشتعلة فى قلوب المؤمنين. فالنمو الروحى يكمن فى وعينا، لا بتوجّسنا من أمور معينة. يجب ألا يحول شيء كائناً ما كان بين أنفسنا وبين الله؛ لا أئمّة ولا قساوسة، ولا أحبار، ولا أى وصى آخر يمثل الزعامة الدينية أو الأخلاقية، ولا السادة الروحيون؛ ولا حتى إيمانك. آمن بقيمك ومبادئك، لكن لا تفرضها على الآخرين. وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين فمهما كانت العقيدة الدينيّة التى تعتنقها فهى ليست عقيدة جيدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التواصل مع الله مع الله ة التى
إقرأ أيضاً:
لم يسمع نصيحتى!
قبل بطولة كأس العرب بقطر بمدة ليست بالقصيرة وجهت رسالة للصديق المحترم حلمى طولان عبر «الواتس» عبارة عن كلمتين «هتشيل الشيلة» يا كابتن.!
كنت أعلم بحسى ماينتظره، وأنه لن يستجيب للنصيحة، بحكم وطنيته وصعوبة التراجع قبل شهر ونصف تقريبا من البطولة خاصة أنه مدرب كبير، وعضو بفنية الاتحاد، وتراجعه يضع الجميع فى مأزق، ومن سيتولى المهمة فى هذا التوقيت، فحماسه كان الدافع للسير فى الاتجاه الذى اختاره مهما كانت التحديات.
لم أكن أقرأ الكف وإنما كانت قراءة للمشهد، فالنوايا سيئة، وتصفية الحسابات والرغبة فى إسقاط الرجل تلوح فى الأفق، ومادامت هذه النفوس فى أى موقع لن تجد نجاحا، هذه سنة الله فى كونه، أجواء سائدة منذ فترة طويلة تَشِى بأن المنظومة فاشلة، والعمل فى ظروف عشوائية وفوضوية ستسقطك مهما كنت عبقريا ولن تتعاطف معك جيناتك المميزة وقدراتك الفائقة وسط حصار فوضوى متناهٍ!.
منظومة الجبلاية لم تدرس إمكانات لاعبيها مقارنة بالمنافسين فى البطولة، كل ما وصل للمسئولين أن المنتخبات ستشارك بالصف الثانى دون معرفة آخر الاستعداد، وقائمة كل منتخب وعقد مقارنات، والنتائج المتوقعة للوقوف على أرض صلبة دون مفاجآت صادمة، فى وقت شارك الأردن بالصف الثانى، ولا توجد فوارق بين الأول والثانى حتى بعض اللاعبين من الصف الثالث شاركوا فى مباراة مصر للراحة، وكانوا أفضل، ما يكشف عن تلاشى فوارق المنتخبات التى تخطط علميا «الأول والثانى والثالث»، ولو واجهنا فلسطين وسوريا لتفوقا علينا حتى مع وجود لاعبى بيراميدز بعد مشاهدة مستوياتهما فى البطولة.! وهو ما توقعته خاصة مع تأثير دوافع الظروف السياسية التى يمران بها على الروح القتالية فى بطولة يشهدها العالم ما عدا نحن نراها «ترفيهية»! ناهيك عما تعانيه الكرة الكويتية والإماراتية مقارنة بفترات سابقة بعيدا عن منتخب أول وثانى.
والمفاجأة، تصريحات وزير الرياضة وأنه زار المنتخب وسألهم: فيه إيه.. ومحتاجين إيه؟!
ماعانى منه طولان يعلم به الكبير والصغير، والأزمة بينه وحسام حسن وعدم التنسيق وصلت إلى خارج الحدود، وعدم تأجيل مباريات بيراميدز حتى نهاية البطولة العربية كانت تحتاج لتدخل حازم وصارم وناجز، طالما اتحاد الكرة والرابطة غير قادرين على الحل، السهل بالمنطق، والعقل، والنية لإعلاء الشأن الكروى المصرى.
فرق كبير بيننا والآخرين، هل يحدث هذا فى المغرب؟، فوزى لقجع رئيس الجامعة المغربية تشعر كأنه وزير لأكثر من وزارة مغربية فى أفكاره، واستراتيجيته، ورؤيته يسير على خطاها الكبير والصغير بالمنظومة دون عشوائية.
هل فى الدول المتقدمة والمتأخرة هذه الفوضى الكروية والرياضية؟! والسبب بسيط «محدش بيحاسب حد»!
ما يحدث فى الرياضة يتكرر بسيناريوهات مختلفة فى الوزارات والمؤسسات الحكومية يذهب المواطن الغلبان لمقابلة مسئول للاستفسار أو معرفة لوغاريتمات يجده فى اجتماعات متواصلة، يخرج من اجتماع ليدخل آخر.. تهاتفه يعتذر بشدة لأهمية الاجتماعات والتى لا تجد قراراتها الوقت لتحويلها لواقع على الأرض!! لأن المسئول بطاقم مؤسسته فى مشاورات متواصلة دون حلول لمشاكل المواطنين أو مواجهة أزمات.. وماذا كان سيحدث لمصرنا دون هذه الغرف المغلقة؟!.. لو أفرزت هذه الاجتماعات المطولة «ساعات اليوم» نتائج حقيقية لكنا أفضل من أمريكا والصين؟!