بوابة الوفد:
2025-05-28@12:29:46 GMT

عالم البشر.. ومنطق القوة

تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT

اقرأ الآن الترجمة العربية الرائقة التى قام بها تلميذى وصديقى د. على عبدالتواب بالتعاون مع زميله د. جمال الدين السيد لكتاب ماركوس توليوس شيشرون الشهير «عن الجمهورية» عن اللغة اللاتينية مباشرة.

 ومن المعروف أن «شيشرون» كان من كبار قضاة وفلاسفة روما فى القرن الأول قبل الميلاد وله كتابات عديدة فى السياسة والقانون والأخلاق، وقد تميز هذا الكتاب بالذات بأنه حاول أن يجارى فيه أسلوب أفلاطون الفيلسوف اليونانى الأشهر وهو أسلوب الحوار، كما أنه قد اقتبس أيضا عنوانه من عنوان المحاورة الأشهر لأفلاطون «محاورة الجمهورية» وأن كانت الموضوعات التى يطرحها للنقاش فى محاورته موضوعات تتعلق بالدولة الرومانية ومشكلات نظام وسلطات الحكم فيها من منظور عملى لاعلاقة له بنظام الدولة المثالية عند أفلاطون، ولذلك نجده ينتقد دولة المدينة الفاضلة الأفلاطونية القائمة على تصور مثالى للعدالة غير قابل للتحقق وكذلك نقد معها الرؤية الآرسطية قائلا: «إنهما لم ينجحا فى إقناع الآخرين بقضيتهما بسبب قلة حماسهما وافتقار قدرتهما البلاغية على التأثير»، مضيفاً أن العدالة التى يناقشها فى كتابه هنا «شأن مدنى» أى يتعلق بالحقوق المدنية فى المجتمع وبالقانون الوضعى ولاعلاقة لها بقوانين الطبيعة، فلو كانت جزءاً من الطبيعة، فإن العدالة والظلم مثل الحرارة والبرودة، ومثل المرارة والحلاوة، سيكونان متساوين عند كل البشر»! وبالطبع فهذا الرأى لـ«شيشرون» عن مفهوم العدالة جدير بالاعتبار والنظر لأنه يستند إلى تمييز واضح بين العدالة الطبيعية المثالية التى تقوم على تصور مطلق للمساواة الطبيعية بين البشر وبين العدالة النسبية التى تواضع عليها البشر وسنوا على أساسها قوانينهم الوضعية التى تختلف من عصر إلى عصر ومن دولة إلى أخرى!!

لقد حاول «شيشرون» هنا إعادة طرح قضية أصل القانون وأيهما أكثر عدالة: القانون الطبيعى أم القانون الوضعى؟، ولو اتبعنا القانون الوضعى أيها نتبع؟ فحياة الشعوب فيما يقول «شيشرون» منذ هذا التاريخ البعيد تختلف إلى حد بعيد «لدرجة أن أهل كريت يعتبرون القرصنة عملاً نبيلاً، وادعى الإسبرطيون أن الحقول التى يمكن أن تصلها رماحهم هى أرضهم.

.حتى ليكورجوس المشرع المشهور الذى سن أفضل القوانين وأعدل دستور أعطى حقول الأثرياء للعامة لكى يزرعونها وكأنهم عبيد..»!!

ورغم أننا نعرف أن شيشرون ينتمى فكريا إلى الفلسفة الرواقية التى كان من أهم مبادئها «العيش على وفاق مع الطبيعة» و«الأخوة العالمية» بل الدولة العالمية الواحدة التى يحيا فى ظلها البشر جميعاً فى ظل قانون طبيعى واحد يساوى بين البشر، إلا أنه هنا يعترف بالتفاوت بين البشر فى البيئات والطبقات ويرى أن لكل بيئة ولكل دولة قوانينها الخاصة ويضرب الكثير من الأمثلة على ذلك ليبرر – فيما يبدو- ما كانت تقوم به روما من تمييز عنصرى فى ذلك الزمان بحكم قوتها العسكرية وسيطرتها على كثير من الشعوب الأخرى!

لقد قدم «شيشرون» فى هذا الحوار المطول- رغم الصفحات الكثيرة التى فقدت منه- التأكيد على ما بدأ به فى الكتاب الأول منه على «أن الدول والمدن العظيمة والقوية ينبغى تفضيلها على القرى والقلاع، وأن أولئك الذين يحكمون تلك المدن بحكمتهم وقوة قبضتهم يتفوقون كثيراً فى مجال الحكمة ذاتها على هؤلاء الذين لا يملكون أية خبرة فى الحياة العامة، وحيث أننا نميل بمنتهى القوة إلى زيادة ثروتنا من الجنس البشرى.. وبحثا عن بلوغ المتعة، فليتنا نسير على ذلك الدرب الذى كان يسير عليه دائما صاحب كل مكانة رفيعة ولا نستمع إلى تلك الأصوات التى تدعو إلى التراجع بغية ان نعيد إلى الوراء حتى هؤلاء الذين انطلقوا إلى الأمام بالفعل»!!

تلك أيها السادة من المثقفين والصفوة وأصحاب القرار من الساسة والحكام العرب رؤية الغربيين حتى الفلاسفة منهم منذ فجر تاريخهم فى اليونان وروما قديماً إلى الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية الآن مروراً بالإمبرطوريات الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية..الخ. للآخر! انها رؤية تمييزية عنصرية لا ترى فى الآخرين الا مجرد ثروة بشرية لابد أن تعمل فى خدمتهم باعتبارهم هم السادة الحكماء والعارفين والأقوياء! فما بالكم – رغم كل ما حدث ويحدث – ما زلتم تتصورون أنه سيقتنع يوما بأنكم أصحاب حق فى ثرواتكم وأرضكم؟! إنهم لا يؤمنون إلا بمنطق القوة!! فسارعوا أثابكم الله إلى سحب أرصدتكم وثرواتكم من بنوكهم واعملوا بكل قوة على بناء عناصر قوتكم الذاتية حتى تكسبوا بالفعل احترامهم وتحافظوا على كرامتكم ودولكم فى ظل عالم بشرى لا يعترف الا بمنطق القوة!!

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عالم البشر نحو المستقبل د جمال الدين السيد

إقرأ أيضاً:

الميراث.. "قصة حزينة"

فجرت قضية سرقة المربية ذائعة الصيت فى مجال التعليم الدكتورة نوال الدجوي، أزمة مجتمعية بالغة التعقيد يكون فيها الميراث اللاعب الرئيسي فى المشهد بشكل عام، ورأينا كيف كان مفجرا لأزمات واتهامات وقضايا ومحاكم بين عائلات بالكامل، يستوي فى ذلك العائلات الثرية مع من هم أقل حظا فى الوفرة المالية، فالخلاف يمكن أن يحدث بين الورثة على شقة أو قطعة أرض صغيرة أو مبلغ بسيط من المال.

"ماما نوال"، كما يناديها معلمو وطلاب مدارسها وجامعتها، نسجت خيوط أسطورة فى مجال التعليم، وضربت "دار التربية" المثل فى مستوي التعليم الثانوى بنظاميه البريطاني والأمريكي، وتخرجت فى هذه المدارس أجيال تفوقت فى كل المجالات، فكان الحزم والاتقان والحرص على التميز عنوانا لمسته بنفسي عندما كانت ابنتي طالبة فى هذه المدارس.

"فتنة المال" تلعب دائما بمشاعر ضعاف النفوس، فالحفيد الذى تبين أنه الذى سرق كل المبالغ التى أعلن عنها، والذى قيل إنه أيضا صاحب قضية فى المحاكم، لم تكفِه للأسف كل هذه الأموال التى كان ينعم بها بلا شك فى حياته، فلا أعتقد ولا يعتقد أحد أنه كان محروما من الحياة الرغدة التى تعيشها هذه العائلة الثرية أبا عن جد، ولكنه الطمع الذى يسول للإنسان السير فى طريق لا يراعي فيه حتى كبر السن ولا المقام، ويكون سببا فى أن تلوك الألسن سيرة سيدة ظلت تحافظ على مكانتها وهيبتها حتى قاربت على التسعين عاما من عمرها.

رأينا من قبل الفنان الكبير رشوان توفيق وهو يبكي مرارة الخلافات مع ابنته على الميراث، وانشغل الرأى العام وقتها بهذه القضية التى وصلت إلى أروقة المحاكم، وكذلك قضية أبناء الدكتورة سعاد كفافي مؤسس جامعة مصر وخلافاتهم على الميراث أيضا والاتهامات التى ظلت شهورا طويلة حديث وسائل التواصل الاجتماعي، ومؤخرا تابعنا ما فجرته المذيعة بوسي شلبي ضد أبناء الفنان محمود عبد العزيز، وما وصل إليه الأمر من الدخول فى الاعراض واستباحة سيرة فنان كبير، بدون أى احترام حتى لحرمة الموت.

ماذا حدث للمجتمع؟ ولماذا يقدم ضعاف النفوس على تجاوز كل الثوابت الاخلاقية والاجتماعية؟ ولماذا لا تردعهم صلة الرحم وتوقير الكبير واحترام السيرة؟ الإجابة بالطبع تتعلق بكل التغيرات الاجتماعية التى غزت أواصر المحبة إلا من رحم ربي، والخلخلة فى النفوس التى أغواها الطمع.

الميراث "قصة حزينة" يلعب الجشع فيها وحب الذات دورا رئيسيا، والأمر له شقان الشق الأول هو ما يحدث أثناء حياة كبير العائلة الذى يضنيه نكران الجميل ونهش جسده وهو حي، وما أصعب هذا الشعور، والشق الثاني ما يتعلق بخلافات الورثة بعد وفاته، حيث يجور الأخ الذكر على الأخوات البنات، ويلقي لهم الفتات معتقدا أن المال مال أبيه ولا يجب خروجه لأطراف أخرى، غير مكترث بشرع الله الذى يلزمنا برد الحقوق إلى أصحابها، ولا حتى مكترث بصلة الأخوة ولا كونهم أكلوا ذات يوم على مائدة الطعام نفسها واستظلوا جميعا تحت سقف بيت أبيهم، وكذلك يجور الأعمام على حق أبناء أخيهم المتوفى، ويجور الأخ الذكر أيضا على باقي أخوته الذكور وهكذا.

الميراث والطمع متلازمتان فى مجتمعنا، فلا قوانين رادعة ولا أعراف شافعة، ولا حتى "العيب" مفردة يعرفونها، نسأل الله أن يطبطب على قلب كل من أصابه جرح بسبب "الورث" وأن يرد الحقوق إلى أصحابها.

مقالات مشابهة

  • حراك نيابي لتعديل قانون الإعفاء من الأموال العامة بما يعزز العدالة المالية ويحفز الاقتصاد
  • مجلس المستشارين يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية
  • إيكونوميست: الذكاء الاصطناعي يُسرّع العمل ولن يقصي البشر
  • محمود فوزي: زيادات المرتبات خطوة حقيقية نحو العدالة الاجتماعية واستقرار الأسرة
  • الدبيبة يستقبل النائب العام ويؤكد دعمه لاستقلال القضاء وتعزيز التنسيق المؤسسي
  • تغير المناخ وزيادة الاحترار ينشران طفيليات قاتلة
  • سؤال عن أخلاق مرحلة "ما بعد الإنسانية"
  • الدين والوطن
  • الميراث.. "قصة حزينة"
  • من نكبات الطبيعة إلى جرائم البشر.. ماذا جرى اليوم في عالم يئن تحت وقع الكوارث؟