لجريدة عمان:
2025-05-12@00:09:59 GMT

إسرائيل: دولة بلا هويّة

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

الأوضاع السياسية في العالم تظل همًّا عامًّا من هموم الفكر، وما يحدث في حرب إسرائيل الوحشية على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة وحدها، قد أصبح همًّا عامًا لدى كل شخص في العالم يحمل في قلبه شيئًا من الضمير الإنساني. ولذلك فإنني كلما هممت بالكتابة في موضوع من موضوعات الفكر، أجد أن هذا العدوان هو ما يلحّ على فكري ويدعوني إلى التأمل في شأن هذه الدولة الإسرائيلية التي تمارس العدوان الوحشي بصورة غير مسبوقة في التاريخ.

ومن بين الموضوعات التي لا تزال تلح على ذهني تأمل «أحوال اليهود في القرآن»، ومنها أيضًا مسألة «الهوية في دولة إسرائيل»، وهي موضوع هذا المقال.

وهناك مسائل أولية ينبغي التأكيد عليها منذ البداية، منها أن الهوية ليست شيئًا ثابتًا، وهي لا تكمن في الماضي فحسب، وإنما تكمن أيضًا في الحاضر الذي نصنعه، بل في المستقبل الذي نريده ونخطط له ونعمل من أجله، وهذا ما سبق أن فصلته في أكثر من مقال. ومما ينبغي التأكيد عليه أيضًا أن الهوية لا يمكن أن يشكلها الدين وحده، بل يشكلها أيضًا التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة. وبهذا المعنى يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن الهوية المصرية، وأن نتحدث عن هذه الهوية باعتبارها جزءًا من هوية أوسع هي الهوية العربية. ولكننا- بهذا المعنى أيضًا- لا يمكن أن نتحدث عن «هوية إسرائيلية». وينبغي هنا التأكيد أيضًا على أن هذا لا يعني التقليل من شأن اليهود بما هم يهود، فما من شك في أن اليهود عبر العالم قد برعوا وأبدعوا في سائر مجالات الفكر والعلوم والاقتصاد والتجارة، ولعل الشتات الذي كان قدرهم التاريخي هو ما جعلهم يتميزون ويبدعون، وتلك ملاحظة عابرة ربما تستدعي مزيدًا من التأمل في سياقات أخرى.

عاش اليهود طيلة تاريخهم في شتات، ولم يجدوا شيئًا يلتحفون به سوى الدين، فلا أرض أو تاريخ يجمعهم؛ وبذلك شكلوا جماعات دينية منغلقة داخل كل دولة عاشوا فيها. ظل هذا هو الحال إلى أن نشأت حركة الصهيونية التي سعت إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. والواقع أن مفهوم «الصهيونية» قائم على استدعاء أساس ديني توراتي مفاده أن الرب وعد بني إسرائيل بإنهاء حالة الشتات التي يعيشونها بالعودة إلى «صهيون»، أي إلى «أرض إسرائيل». نشأت دولة صهيون أو دولة الصهاينة بقرار أممي مؤسس على وعد بلفور؛ ولذلك فإننا لا ينبغي أن نندهش من مؤازرة بريطانيا كدولة ضليعة -بجانب الولايات المتحدة- في حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة أو حماس وحدها كما يتم الترويج لتلك الأكذوبة التي باتت مكشوفة! ولكن الدول الحقيقية لا يمكن أن تنشأ بقرارات، حتى إن كانت قرارات دولية. نعم يمكن إعادة إنشاء وترسيم الحدود بين الدول بقرارات دولية، ولكن هذا لا شأن له بهوية شعب له تاريخ مشترك ويسكن أرضًا ما.

تسعى دولة إسرائيل إلى تأسيس نفسها على المشروع الصهيوني الذي كان يهدف في الأصل إلى لمّ شتات اليهود عبر العالم باعتبارهم يهودًا في المنفى ينبغي أن يتجمعوا لمصلحة دولة إسرائيل باعتبارها المركز، ولا يوافق على هذا أغلب اليهود المتدينين حول العالم الذين يؤمنون بأن الشتات هو قدرهم. وحتى داخل دولة إسرائيل نفسها، فإننا نجد حالة من الشتات والتشرذم وافتقاد البوصلة في البحث عن هوية لدولة إسرائيل، وهذا التشرذم يعبر عن نفسه في اتجاهات متعارضة فاعلة داخل الدولة نفسها، يمكن رصد أهمها فيما يلي:

-التوجه الديني القومي أو الصهيونية القومية، وهو تيار متطرف يمثله منذ سنة 1996 حزب الليكود الذي قام على نوع من التحالف بين القوى الدينية وقوى اليمين الديني المتطرف (الحريديم)، وهو الحزب الذي عاد إلى صدارة المشهد في حرب إسرائيل الوحشية على شعب فلسطين بهدف الإبادة. فهذا الحزب المتشدد يتبنى سياسة عدائية ضد غير اليهود في العالم، وبوجه خاص ضد العالم العربي؛ ولذلك فإنه يرفض عودة أراضي فلسطين المحتلة إلى شعبها، كما يرفض إعادة أرض الجولان إلى سوريا، ومع ذلك فإن هذا الحزب السائد الذي عمل على مداعبة مشاعر الإسرائيليين، يواجه الآن معضلة كبرى تهدد وجوده نفسه بحكم فشله الكبير في إخضاع الشعب الفلسطيني الذي أصبح يهدد وجود إسرائيل نفسها في ضوء المتغيرات الجديدة التي يعرفها الآن القاصي والداني.

- التوجه الديني الخالص الذي يسعى إلى تأسيس الهوية اليهودية الدينية، ويعبر عن هذا التوجه الأحزاب الدينية، والقوى الدينية غير الحزبية التي تعادي الصهيونية العلمانية، بل تعادي دولة إسرائيل نفسها.

- التيار العلماني الإنساني الذي يسعى إلى تأسيس دولة إسرائيل باعتبارها دولة جامعة للثقافات والأعراق المختلفة من أوروبا وروسيا وإثيوبيا وغيرها، وهو حزب أو تيار ربما يكون له حضور خارج إسرائيل، ولكن حضوره داخلها ضعيف.

وعلى الرغم من أن المشروع الصهيوني كان يهدف في الأصل إلى تأسيس هوية مشتركة جامعة لليهود تضم في باطنها الثقافات والأعراق المختلفة، فإن هذا المشروع قد آل إلى الفشل التام من خلال مكونات متضاربة تحتفظ كل منها بشرعيتها، منها: اليهودي، والعربي، والمتشددون دينيًّا، والقوميون الدينيون، والأصول العرقية المتباينة: كالروس والإثيوبيين؛ فضلًا عن الثقافات واللهجات المختلفة والمواقف المختلفة من الدولة نفسها. ومن أراد أن يرجع إلى كتاب رصين عن «إشكالية الهوية في إسرائيل»، فليرجع إلى كتاب الدكتور رشاد عبدالله الشامي الصادر سنة 1997 عن سلسلة «عالم المعرفة» بدولة الكويت.

خلاصة القول إن دولة إسرائيل ضائعة تبحث عن هوية لها في إطار شعب متشرذم بين ثقافات وعرقيات وأيديولوجيات متباينة ومتضاربة، ولعل انقسام الحكومة الإسرائيلية الحالي وثورة شعبها على سياسات قادتها يعبر عن هذه الأزمة بوضوح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دولة إسرائیل إلى تأسیس

إقرأ أيضاً:

تونس: زيارة معبد الغريبة ستقتصر على اليهود المقيمين في البلاد

أعلنت هيئة تنظيم الزيارة السنوية الدينية لمعبد الغريبة بجزيرة جربة عن تنظيم زيارة هذا العام بداية من يوم 11 مايو حتى يوم 18 من الشهر نفسه.

وأشارت الهيئة إلى أن ممارسة الطقوس الدينية داخل المعبد ستكون مقتصرة على اليهود المقيمين في تونس فقط.

وأعربت الهيئة عن تقديرها لجهود جميع السلطات من أجل إنجاح إحياء هذه الزيارة وتوفير أفضل الظروف لها.

وطالب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في وقت سابق السلطات التونسية بحماية

اليهود، على خلفية مهاجمة تاجر مجوهرات يهودي في جزيرة جربة.

وكانت وسائل إعلام تونسية قد تناقلت في وقت سابق أنباء مفادها أن تاجر مجوهرات تونسيا من الديانة اليهودية تعرض لهجوم بواسطة آلة حادة أصابت أطرافا من يده.

ووفق ما يتم تداوله، فإن خلافا وقع بين هذا التاجر والشخص المهاجم وما زالت أسبابه مجهولة.

وقالت مصادر أن الشخص المهاجم هو مواطن من مدينة أجيم بجزيرة جربة ويقيم بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة.

وقد نشب خلاف بين المعتدى عليه وبين "يوسف ي"، صاحب محل صياغة في المنطقة، تطور إلى حد أن استل المهاجم سكينا. وتمت السيطرة على الطرفين وتحويلهما إلى مقر منطقة الأمن الوطني بجربة. ووصفت حالة التاجر اليهودي الصحية بالعادية.

مقالات مشابهة

  • ترامب: أسعار الأدوية بأمريكا ستنخفض بنسبة تتراوح بين 30% و80%
  • “مقياس ريختر للجوع”… ما هو مؤشر IPC الذي يحدد خريطة المجاعة في العالم؟
  • فنلندا تتصدر القائمة.. كيف تبدو الحياة في أسعد دولة في العالم ؟
  • الخبير في الثقافة الإسرائيلية أورن شالوم: إسرائيل تتجه نحو الانهيار
  • صورة اليهود في القرآن الكريم
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • تونس: زيارة معبد الغريبة ستقتصر على اليهود المقيمين في البلاد
  • «موهبة» تعكس ثراء الهوية الثقافية للمملكة في احتفالية لمّ شمل 240 متنافسًا من 30 دولة بقادتهم ومشرفيهم
  • رويترز : طائرات اليمنية التي استهدفتها إسرائيل لم يكن مؤمناً عليها