1 فبراير، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
عمر الناصر
جميع المؤسسات الرسمية والحكومية تحتاج للاعلام لاجل ابراز دورها ومنجزاتها للجمهور، او للدفاع عن نفسها اذا ما تعرضت لهجمات يصعب الرد عليها بحرفية، الا القضاء فهو المفصل الوحيد المليئ بثقة النفس وبأهمية بقاء واستمرارية وديمومة صوته الصادح والذي لايخشى بالحق لومة لائم، والذي لايحتاج للانسحاب الى ساحة خزعبلات بعض الاصوات الكوميدية الساخرة والمأجورة، الساعية لزعزعة الثقة به ولفتح ثغرة في جسد اللحمة الوطنية والتعايش السلمي، بل يحتاج للتركيز على دوره الكبير ووقوفه بحزم وغلظة وشجاعة واقدام في اصعب اللحظات التاريخية الوطنية والمصيرية، التي كادت ان تنزلق فيها الاوضاع السياسية والمجتمعية في البلاد الى وديان وانهار من دماء الاقتتال الداخلي والحرب الاهلية، وعليه فأننا ينبغي ان نتساءل ونمعن النظر ونقول، ماذا لو لم يكن القضاء هو الحصن الحصين والدرع الحامي وصمام الامان الذي يحافظ على هيبة الدولة ومكانتها العليا؟
لولا مطرقة القضاء لما تحققت سياسة الردع الاستباقي ولما انخفض منسوب الاصوات النشاز والمحتوى الهابط، ولو لا مطرقة القضاء واحكام الاعدام بحق الارهابيين والمدانين لما توقفت خفافيش الظلام عن العبث بأمن الدولة والمواطن والسلم المجتمعي، ولو لا مطرقة القضاء لما اعيدت لهيئة النزاهة هيبتها وتعضدت مهمتها اليوم في محاربة الفساد، وتغوّل اللصوص والمحتمين بالغطاء والنفوذ السياسي على بعض مفاصل الحياة، لينتقل الدور انذاك لبعض الاقلام المسمومة والمأجورة للولوج بعمق الاحداث، لاجل دق الاسفين وتعميق الهوة وفجوة الخلافات التي تمس القضايا المحورية للمصلحة العامة وسيادة الدولة.
من يحاول الاساءة للقضاء فهو يسيء للحكم الالهي في الارض وللنزاهة ولرمزية الدولة وشموخها وقدسية مكانتها بين الامم، ومن يحاول التقليل من الجهود الكبيرة المبذولة والملقاة على عاتق هذا المفصل، فهذا يعني تخلي فعلي عن اعطاء الجمهور جرعات مبرمجة من الثقة بصمام امان الدولة والعملية السياسية، بدلاً من تعمد عكس صورة غير منصفة ولا واقعية امام العالم الخارجي لحقيقة المشهد من الداخل، لذا وجب علينا تشغيل محركات المصلحة الوطنية العليا والالتزام بمعايير المسؤولية الشرعية والوطنية والاخلاقية في مهمة دعم القضاء لاجل اعلاء صوت الدولة، في وقت عظمت فيه التحديات والاخطار التي تهدد النسيج المجتمعي، والتي ستؤدي لانهيار البنية الفوقية للمواطنة وتثبط من عزيمة الجهود الرامية لدعم دولة المؤسسات لاسامح الله.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
ثقافة الصلح والتوفيق داخل المجتمع
ينظر البعض إلى الخصومة بين الأفراد داخل المجتمع الواحد باعتبارها قدرا لا فرار منه. لكن الحقيقة أن الخصومة ليست قدرا عندما تكون المجتمعات قادرة على إطفائها باستخدام الأدوات التي طورتها عبر الزمن بهدف حفظ العلاقات وصيانة السلم الاجتماعي قبل أن تأخذ بُعدًا فيه خصومة بذهابها إلى أروقة القضاء.
وعبر التاريخ استطاع المجتمع العماني أن يفرز أدوات للتصالح ويطورها وفق مقتضيات الحال حتى قبل أن تخرج للعلن ما يحفظ الجسور قبل الأفراد والأسر والمجتمع قائمة دون انقطاع ودون أي خدوش أو ندوب.
وتقول تجارب المجتمع إن هذا الطريق أثبت نجاحه حتى في ظل وجود مؤسسات للتقاضي تستحق الاحترام والتقدير ولكن مساراتها تترك بين المتخاصمين جروحا لا تندمل بسهولة إضافة إلى أن مساراتها طويلة وفوق ذلك لها تكلفة مالية باهظة في الكثير من الأحيان.
كان المجتمع العماني ينهي الخصومات التي تنشأ بين الأفراد وأحيانا بين الأسر والقبائل عبر المؤسسة الاجتماعية التي تعمل من أجل «التصالح» و«التنازل» وتطييب الخواطر وجبرها وسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها بعيدا عن الدخول في مسارات القضاء والبحث في المحاكم.. فأعراف المجتمع مقدرة وموزونة وهي نتاج تفاعلات المجتمع وفهم ثقافته.
وفي العصر الحديث مع تعقد الحياة وكثرة تحدياتها ومع تزايد القضايا التي تأخذ طريقها إلى أبواب المحاكم رأت الدولة أن تشجع المجتمع على تفعيل أدواته في هذا الجانب فكانت القضايا، وما زالت، تعرض على الصلح قبل أن ينظرها القضاء، ومن ثم أنشئت لجان معنية «بالتوفيق والمصالحة» تنظر القضايا قبل أن ينظرها القاضي ويأخذ ما تصل إليه قوة حكم القاضي. وهذا الأمر ساهم في حل آلاف التحديات الناتجة في الأساس عن سوء فهم وتحكم الغضب وعن عدم قدرة الأفراد على الاستماع إلى بعضهم البعض بعيدا عن التأثيرات الخارجية.
لكن لا يجب أن ينظر إلى «الصلح» باعتباره بديلا عن المحكمة، لأنه في الحقيقة هو سياسة اجتماعية ووقائية لم تقحم على المجتمع إنما نشأت منه، وما زالت تساهم في تقوية المجتمع وحمايته من التفكك والتشظي نتيجة التحديات التي تواجهه ونتيجة تعقيدات الحياة المعاصرة.
ويرى الكثيرون أهمية تفعيل دور مكاتب المحاماة في شكلها الحديث من أجل أن لا تكتفي بدور «وكيل الخصومة»، وممارسة دور المستشار الذي يوازن بين الحق القانوني والمصلحة العملية وأن يشرح لموكله الكلفة الاجتماعية لكل قضية خاصة إن كانت منطلقة من خصومة اجتماعية يمكن احتواؤها.
إن المجتمع القوي هو الذي تسوده قوة التسامح ويكون قادرا على أن يقيم حوارات بين المتخاصمين فيه من أجل تجاوز أي سوء تفاهم، فأغلب القضايا ناتجة عن فهم ملتبس فيمن هو صاحب الحق وهذا يحتاج دائما طرفا ثالثا موثوقا في المجتمع.
وهذا الدور لا يقصي أبدا القضاء، ولكن يقيم معه شراكة حقيقية؛ فالمحكمة هي الملاذ الأخير للمتخاصمين عندما لا تفلح أدوات المجتمع في احتواء الخلاف، وهي حارس العدالة.. لكن لا ينبغي أن تكون بوابة الدخول الأولى لكل نزاع. والمجتمع الذي يحسن إدارة خلافاته هو مجتمع قوي، متحاب وقادر على التعاون والبناء. ولا بد أن يعمل الجميع من أجل تحويل أدوات الصلح وتقريب وجهات النظر بين الناس إلى ثقافة وسلوك فرد ومؤسسي أيضا.