2025-10-28@01:50:00 GMT
إجمالي نتائج البحث: 62
«قاموس المقاومة»:
آن الأوان لاستعادة وسائل المقاومة المعطلة لدى الأمة وإعادة تشغيلها وتفعيلها، وعلى رأسها حملات المقاطعة لإسرائيل والشركات الداعمة للكيان من بين الشركات متعددة الجنسيات المتواجدة في كل البلدان العربية، ومقاومة التطبيع بكل أشكاله؛ وفق القاعدة النبوية الذهبية "لا تحقرن من المعروف شيئا"، "واتقوا النار" التزاما "ولو بشق تمرة".. كل ذلك ضمن عملية الغرس المستمرة التي لا يتوانى فيها إنسان موصوف عمله بالكدح الذي تتحرك فيه الأقوال والأفعال؛ التزاما بمنهج الله سبحانه وتعالى "فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها"؛ "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحا فَمُلَاقِيهِ" (الانشقاق: 6)، وأعلى درجات المقاومة الحضارية الشاملة في ابتدائها مسألة الإرادة ومعركتها المستمرة. إن الأسوأ في هذا كله، محاولات كل من المحتل والمستبد صناعة القبول والقابلية لكل من الاحتلال والعدوان، والاستبداد والطغيان، وترويج...
يُقصد بذلك العنوان أن فعل المقاومة لا يقتصر على فعل بعينه، بل هو منظومة من المعارك التي تؤكد على تعدد أشكالها وأساليبها وطرائقها؛ بما يؤكد حركة الأمة الفاعلة التي يتشارك فيها الجميع ليضطلع بدوره في تلك المقاومة الحضارية الشاملة والمتكاملة. صحيح أن معارك المقاومة يقع على رأسها معارك الجهاد والقتال في الميدان؛ إلا أنها في ذات الوقت تجد دعما ومساندة من معارك أخرى؛ لتقدم مع منظومة المعارك تلك أقصى فاعلية ممكنة على مستوى الأمة: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69). الأولى: معركة التحرير من أجل التغيير؛ فلم تكن الحالة السورية التي كانت صفحة أخرى مباركة بعد طوفان الأقصى بعيدة أبدا عن المعاني التي نؤكد عليها في قاموس المقاومة. فبعد أن حدثت معركة الطوفان...
قدمنا في المقال السابق إلى حديث المداخل والإشارات؛ ولا يكتمل هذا البيان إلا بالجمع بينها وبين حُزمة من التنبيهات؛ ومن أهمها: الاستقطاب والفرقة؛ علينا الحذر الشديد من أي استقطاب يفسد علينا عملية التحرير والتغيير، ووجود هذه الفرقة والانقسام سيؤدي بالمتربصين بهذه الحركة التحريرية أن يخرجوا من جحورهم، ولا تحسبن أن هؤلاء لا يخططون من الآن لتطويق هذه الحركة التغييرية من الثورة السورية، ومواجهة ذلك يكون بالوحدة والاعتصام، هو درس الشاطبي في موافقاته الكلية واعتصامه الأكيد، لأنه مع الاعتصام سيكون من الصعب على كل من يريد أن ينفذ أو يتسرب بخبث لمحاولة احتواء هذه الثورة أو محاصرتها أو الانحراف بها سيكون ذلك أمرا غاية في الأهمية، لأنه من أي وضع يقوم فيه المتربص بالتسرب إلى كيانات التغيير، ثم يركب هذا...
نستفتح هذا الموضوع بسوريا الجديدة بمقدمات فاتحة من خلال المدخل المتعلق بالسنن وقوانين الانتظام السنني الملحقة بالمنظومة السننية للتغيير؛ مقدمات فاتحة لأبواب التغيير المشرعة، وهي في ذات الوقت لا تكتفي بالتقديم بين يدي كتاب التغيير في الأمة، ولكنها تؤصل المقومات الفكرية والحضارية في عمليات النهوض والإحياء والانبعاث الحضاري. منظومة التغيير الجامعة تتشكل ضمن أربعة أمور تجمع بين إعمال وتفعيل السنن الحاكمة والقاضية المنظمة للفعل الحضاري المرتبط بالتغيير الاستراتيجي القادم في الأمة مكونات ومكنونات؛ إمكانية وقدرات؛ مقاصد عليا وغايات. إنها سنن التغيير الاستراتيجي القادم الكبير من إعداد واستمداد ضمن النداء الحركي الفعال "وأعدوا"، وفعل الإمداد والاستطاعة "ما استطعتم" ومناحي القوة والمكنة والمكانة؛ قوة صلبة كانت أم قوة معنوية وهي في قلب عمليات الخروج مما نحن فيه: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا...
كان ولا يزال طوفان الأقصى بحق يشكل فرصة حضارية كبرى؛ في أن يتحول نهج الطوفان من غزة إلى طوفان الأمة، ومن ثم فإن تحليل مثل هذا الحدث يحتاج إلى تحليل مناسب له ومن مثل ذلك التحليل الحضاري، وهو الذي يرى الموضوع من مستوياته الكلية، ومن ثم يكون من المهم استعراض الفرص التي يقدمها هذا الطوفان. أولا: الفرصة الحضارية والمقاومة الحضارية الشاملة قدم طوفان الأقصى نموذجا يحتذى لبناء رؤية عقدية متكاملة تتمسك بالمقاومة، وتذود عن المقدسات وتحميها، وترابط عن حياضها، وتراكم فعل الإحياء والتجديد، وكذلك الفرصة القيمية والدعوة لقيم الإسلام مقارنة بتآكل قيم الحضارة الغربية على الأرض وفي الميدان؛ مثل سلوك المقاومين منارة على ما تحمله الحضارة الإسلامية من قيم سامية، وأصول حضارية رفيعة قيمة، في مقابل ما يرتكبه...
يُعد مدخل الفرصة الاستراتيجية والحضارية من المداخل المهمة في علوم الاستراتيجية والسياسة، كما أن نجاح الحركات الاجتماعية والجماعية أو فشلها -ومنها العمل الانتفاضي في نماذجه المختلفة- يتأثر بصورة رئيسة ليس فقط في إدراك تلك الفرص؛ بل بامتلاكها والبناء عليها وفق منطق "لا تدع الفرصة تفلت"، وإذا أتت الفرصة فاهتبلها واستثمرها. وفي المعاجم "اهتبل الفُرْصةَ: اغتنمها"، وتعد الفرصة أفضل طريق للتصدي للتحديات ومحاولة استخدام هذا الوقت المناسب لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي والنهوض بالأمة في طاقاتها واستنفارها. ووفقا للمتخصصين فإن السياق المتعلق بالفرصة بإمكانه أن يؤثر على خمسة أمور؛ أولها الحشد والنظامية، وثانيها طرح مطالب محددة واضحة وجدت الظروف المواتية، وثالثها إقامة تحالفات معينة، ورابعها توظيف سياسات وتكتيكات سياسية معينة بدلا من أخرى، وخامسها التأثير على مجمل البيئة بكاملها على المستوى...
"الانتفاضة كلمة بلون الدم ارتسمت على جدران أيامنا، فأعطتها رائحة الثورة، مشاهد وصور تلهث محاولة اللحاق بواقع المأساة الفلسطينية؛ لعلّها تحمل مِسْك الشهداء وتنثره خيوطا من نور تضيء عتمة الواقع العربي. الانتفاضة إرادة حرّة استطاعت أن تحطّم أغلالها وترفع أكفّها للشمس، صِبية أثارتهم حرارة الوعد، وأشعلت أرواحهم بالتمرّد والاحتجاج على كل مبررات الخنوع، وعلى الصمت العربي المطبق على شفاه الكلام. الانتفاضة الفلسطينية حجر مقابل رصاصة، وجدار مقابل صاروخ، ساعد مقابل مصفّحة، وقلب ثائر مقابل تكنولوجيا حربية بيد ترتعش ولا شيء يطمئنها كالدم!"؛ كما قال أحدهم. الانتفاضة وعي بالحق في الأرض والوعد بالحرية والتحرير، الانتفاضة حركة عزة وكرامة واستنفار؛ ونفض لكل خذلان وهوان. باتت عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والمعروفة باسم "طوفان الأقصى" من الأحداث التي يمكن أن...
تتلازم الظاهرة الانتفاضية مع الظاهرة الكولونيالية، وكلما زادت الكولونيالية شراسة وعنفا كلما اشتدت الظاهرة الانتفاضية وازدادت قوة واستمرارية حتى تحقق أهدافها، وهي متلازمة كذلك مع الظاهرة الاستبدادية في إطار النظام السياسي، تنفجر بقوة مع انتشار الظلم والاستغلال وكبت الحريات وهضم الحقوق. ودائما يحاول الطرف المعتدي في الحالتين إجهاض الانتفاضة أو القضاء عليها؛ حيث يميز "عبد الوهاب الأفندي" في تناوله للظاهرة الانتفاضية في المجتمع الإنساني بين ثلاثة أنواع من الانتفاضات التي عرفها العالم؛ انتفاضات ضد أنظمة وطنية مستبدة، وفيها تكون المواجهة بين الشعب بأكمله وبين السلطة المعزولة وأجهزتها القمعية، وانتفاضات ضد سلطة استعمارية، وانتفاضات لا يواجه فيها الشعب نظاما معزولا أو أجنبيا، بل نظاما له جذوره، كانتفاضة الشعب الفلسطيني ضد نظام الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني، والانتفاضة ضد نظام الفصل العنصري...
أتذكر هنا أحد تلامذتي من أرض فلسطين الحرة الدكتور بشير أبو القرايا، وقد ناقشه أستاذنا المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري وأستاذتنا القديرة المرموقة الأستاذة الدكتورة نادية مصطفى؛ وقد أنجز رسالته حول "النموذج الانتفاضي" باحثا عن ذاكرته وحقائقه اللغوية. فلكل ظاهرة ذاكرة، والظاهرة الانتفاضية في فلسطين أمر لازم الفلسطينيين في كل آن وفي كل مكان؛ ذاكرة حضارية ممتدة تؤشر على أستاذية مبدعة في أشكال المقاومة وأوعيتها، والتي واجهت محتلا متسللا مُكن له من بعد غصب استيطاني وإحلالي بعد انتهاء هذه الظاهرة من كل أنحاء المعمورة. تمثل الظاهرة الانتفاضية في المجتمع الفلسطيني واحدة من أهم الظواهر السياسية والاجتماعية التي عرفتها الأمة الإسلامية خلال الأعوام المئة والعشرين الماضية، وما زالت قائمة تزداد فاعلية وتواصلا بصورة تؤكد نماءها وارتقاءها الحضاري وسعيها المكين لتحقيق...
تقدم المفاهيم الأساسية (المفتاحية) دورا حيويا في عمليتي الإدراك والتلقي والقدرة على ترقية وترشيد الوعي وتفعيل وتسديد السعي، ومن أهميتها ما يلي: 1- فهم أعمق، إذ تساعد المفاهيم الأساسية المتلقي على فهم الموضوعات بشكل أعمق، بدلا من مجرد حفظ المعلومات. 2- توجيه التفكير الذي يسهم في توجيه المتلقي للمفاهيم المفتاحية، حيث توفر إطارا يمكنهم من خلاله تنظيم المعلومات الجديدة وربطها بالمعرفة السابقة والآنية واللاحقة. 3- تعزيز التفكير النقدي: تشجع على التفكير النقدي والتحليلي، مما يساعد المتلقي على تقييم المعلومات وفهم العلاقات بينها، وتحديد الساحات والمساحات لتفعيلها، واتساع البدائل وطرائق خياراتها وإعمالها. 4- تيسير التلقي الذي يجعل عملية التلقي أكثر سلاسة، حيث يمكن للمتلقين الاعتماد على المفاهيم الأساسية كدليل تفكير وتدبير وتسيير وتغيير وتأثير أو بعض من...
استوقفني مشهد عملية البحر الميت وكان دافعا لاختيار عنوان هذا المقال، ويؤكد أننا بين مشروعين، أولهما هو مشروع تطويق المقاومة وحصارها، وثانيهما يتعلق بالشعوب وكسر الطوق عنها وفك الحصار عن مقاومتها.. فاستوقفني هذا المشهد بتسلل ثلاثة من المواطنين الأردنيين إلى الأراضي المحتلة ليشكلوا بذلك عملا متراكما ومتواترا في استهداف العدو وأمنه الذي يزهو به، فإذا به يفقده من كل صوب وحدب، فتأتيه هذه الاختراقات من الأردن تارة ومن مصر تارة ومن لبنان وسوريا تارة أخرى رغم أنف الأنظمة. مثل هذه العمليات هي الرد العملي على مخططات الاستيطان ليس فقط لفلسطين، ولكن للمشاريع المفروضة من الخارج مثل مشروع الشرق الأوسط. وقد كتبنا في مقال سابق عن مفهوم الشرق الأوسط ومفهوم دول الطوق؛ وأكدنا في عدة كتابات أن الشرق الأوسط ليس...
مشهد مهيب ذلك الذي سجلته طائرات العدو الجبان لاستشهاد القائد "أبو إبراهيم"؛ أفاض من أفاض في رسمه "عصا من خشب ترفعها ذراع مصابة مستندة على جسد ستيني أنهكته الجراح، تنال شرف القتال لآخر نفس في العمر، مشهد لا يمكن أن يتصوره إنسان، أو يؤلفه خيال، ولكن إذا أراد الله تعالى بعبد خاتمة شريفة، فتتم مشيئته رغم الأسباب التي لا يحسب أصحابها أن هذا يمكن أن يقع. من لا يعتبر بمشهد كهذا، فهو أعمى البصيرة". وقد تباينت وجهات النظر حول تفسير سلوك القائد أبو إبراهيم برميه عصاه تجاه المسيرة الإسرائيلية، وصاغوا من هذا الفعل الحر الشريف المقاوم جملة في مثل يحكي نهاية مشهد الاستشهاد "رميته بعصا السنوار"؛ فمن قائل إنها تفيد "أديت ما عليّ بآخر ما لدي"، وقائل "استفرغتُ وسعي...
الأهداف من جنس الوسائل، والوسائل من جنس الأهداف، والآثار تابعة لهما، وتدبر المآلات حري بهما. وإذ ينطلق التسميم السياسي من أربعة مفاهيم أساسية؛ الأول منها يشير الى إمكانية خلق التحلل في نظام القيم الجماعية بطريق غير مباشر، والثاني تطويع الإرادة من الداخل من خلال التعامل النفسي المباشر، والثالث التدرج في عملية التوجه من مستوى زرع القيم إلى مستوى تضخيم القيم المزروعة، والرابع جعل مفهوم تفتيت الوحدة في الجماعة الوطنية أساسا مطلقا بوصفه مقدمة لتخطي الصراع العضوي في مواجهة الاستعمار التقليدي؛ فإن عمليات التسميم والهدف الكامن خلفها ترتبط ارتباطا وثيقا بالغزو المعنوي والدعاية المضادة والحرب الإعلامية، كما تقع في قلب الحرب النفسية، لتشكل حالة من التسميم الشامل. إن التسميم في حدود تأثيره في الكيان الاجتماعي الحضاري وكيان الأمة المستهدف يتخذ...
حتى تكتمل منظومات الحروب النفسية من المهم أن نتوقف عند مفهوم "الحرب الإعلامية" وخوضها بما يستوجب من أدوات وقدرات ومقاصد وغايات؛ إذ تعتبر من أهم أنواع الحروب، وذلك لتطور أساليبها ووسائلها المتعددة. وتدور حول معلومات مضللة وشائعات تهدف إلى التلاعب بالرأي العام والمعتقدات، وتهدف إلى نشر الأفكار أو المعلومات أو الادعاءات التي يمكن أن تضر بكيان أو قضية أو ذوات فردية بعينها. الحرب الإعلاميّة هي عبارة عن بث الأفكار، والإشاعات، والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير السويّة بين الناس من خلال الفضائيات، والإذاعات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والجرائد، بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها، وتحقيق التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي والوعي العام. وتعدّ الحرب الإعلاميّة من أخطر أنواع الحروب نظرا لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومة وعمل غسيل دماغ...
إن ما تمر به الأمة في هذه الآونة إنما يعبر بحق عن حال الوهن الذي يشكل بيئة قابلة للافتراس المعنوي للأمة، فتوهن عزمها وتستقيل في عالم الإرادة والفعل، وتفقد كل مسالك الفاعلية. يذكرنا الصحفي النابه عبد الله الطحاوي برؤية أستاذنا الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه، أن "الانكسار الداخلي يحول كل التضحيات إلى مؤشرات هزيمة، وأن الانتصار الداخلي والصمود المعنوي يحول نفس الشواهد المؤلمة إلى رمزيات عزة". شتان بين التحيز للذل والمهانة، والانحياز للشرف والكرامة واستحضار معاني العزة والشهادة والجهاد والصمود والمقاومة. قد يُفقد رأس كيان مقاوم هنا أو هناك حياته؛ فقد استشهد إسماعيل هنية، قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتم استهدافه في طهران، وكذلك حسن نصر الله، قائد المقاومة في لبنان، إلا أن هذا وذاك يجب ألا...
من وحي تصورات أستاذنا الدكتور حامد عبد الله ربيع كان هذا المقال. إن القتال المعنوي ما هو إلا صورة من صور القتال النفسي ولكنه أكثر اتساعا في دلالته من الحرب النفسية، إذ يضم فضلا عنها "التسميم السياسي" الذي يعني إعادة تشكيل القيم التي يؤمن بها العدو أو التلاعب بمواقفه الفكرية. وإذا كانت الحرب النفسية تفترض الصراع بقصد تحطيم الخصم، فالقتال المعنوي هو حركة الصراع، وهو بهذا المعنى قتال لكنه صراع فكري يدور حول المفاهيم والأفكار، ومن ثم فإنه قد يتخذ صورة الحرب النفسية فتغدو عملية يُقصد بها تحطيم الخصم وذلك عن طريق تحطيم معنوياته بوصفها نتيجة للقضاء على التماسك الفكري لقيمه ومعتقداته. ولكن القتال المعنوي أكثر اتساعا من الحرب النفسية؛ إذ قد يأخذ صورة القتال من خلال الفكري والجماعي...
بعد محطات عدة مررنا بها في قاموس المقاومة، يمكننا التعرف على منظومة المفاهيم الإيجابية الدافعة للمقاومة والتحرير، وكذا نتمكن من الكشف والاكتشاف للمفاهيم الخبيثة؛ مفاهيم دافعة تتطلب منا صناعة الرسوخ والتمكين لها، ومفاهيم غازية يطلقها العدو خبيثة في محتواها وتأثيراتها يجب اجتثاثها. وكلتا المهمتين تجب على الأمة كمجال حيوي لإعمال هذه الرؤية والاستراتيجية ضمن صناعة ثقيلة في الأمة؛ ألا وهي صناعة الوعي الممتد فيها على قاعدة ذهبية؛ المقاومة في الأمة والأمة في المقاومة؛ لتتحول الأمة بكل فعاليتها ومكوناتها إلى أمة مقاومة داعية لها ورافعة دافعة معها ولها، فتصير بالفعل وفي الميدان مقاومة لأمة شاملة ومتكاملة ومتكافلة. هنا فقط يمكننا أن نتحدث ونشاهد بحق "أمة الطوفان في مواجهة العدوان والطغيان"، ويتحقق الشعار "من طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة"، فتكون المقاومة...
بعد أن تعرّفنا في مقدمة تأسيسية لأصول الحرب النفسية؛ فإننا نستكمل عناصر وتجليات ومستويات ترتبط بهذا المفهوم. إذ يأخذ مفهوم الحرب النفسية أبعادا متعددة، لكن المتعارف عليه أن للحرب النفسية مفهومين رئيسيين؛ أولهما يعني استخدام الأساليب النفسية من قبل جماعة أو مؤسسة على شريحة أو عدة شرائح من المجتمع للتأثير على أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم واتجاهاتهم ومن ثم سلوكهم بما يخدم تلك الجماعة أو المؤسسة، أما المفهوم الثاني فيختص بفئة معينة من المجتمع وهي المؤسسة العسكرية. ويُعنى مفهوم الحرب النفسية هنا بجميع الأساليب والإجراءات والفعاليات التي تستخدم من قبل المؤسسة العسكرية بما يخدم أهدافها العسكرية، أو أي مؤسسة تستهدف العدو وقدراته المعنوية والنفسية الجماعية بما يفت في عضدها ويضعف فعاليتها؛ وفي ذات الوقت وفي المقابل لا بد أن تستهدف الكيان...
تحدثنا في المقال السابق عن مقدمات للغزو المعنوي والحضاري، وفي هذا المقال نؤكد على الاستراتيجيات والأدوات لمفاهيم تترافق كمنظومة ضمن ما أشرنا إليه آنفا من منظومات التطبيع واستراتيجيات العدو. ويبدو لنا أن مفهوم الحرب النفسية وعملياتها قد اختطها الكيان الصهيوني حتى قبل وجوده، ضمن عمليات متتابعة لخلق حالة من الترويع والتهجير الممنهج والمنظم، وهو ما أتاح له من بعد ذلك -وبمساعدة دول غربية- في استمرار هذه السياسة وتطويرها، ذلك أن مفهوم الحرب النفسية وارتباطه بالغزو المعنوي يقوم على قاعدة مهمة؛ أن للحرب أشكالا كثيرة ومداخل متنوعة، وأن هذه المداخل تسهم في تكاملها في معالم النصر أو الهزيمة. فمفهوم الحرب النفسية يقوم على قاعدة اختلاق لبعض المعلومات أو تهميش بعضها أو التهويل من غيرها في محاولة للنيل من الخصم،...
ضمن قاموس المقاومة لا بد وأن نشير إلى منظومة من المفاهيم تستهدف الأمة في نفسيتها وعقلها، ولعل ذلك المعنى الذي يتعلق بغزو النفوس واحتلال العقول هو من المعاني التي يجب أن نتوقف عندها برويّة وتحديد ضمن هذا القاموس الذي تشكل ذروته فكرة أساسية تتعلق بمعاني المقاومة الحضارية. وفي هذا السياق، كنت وأنا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أستمع من أستاذنا الدكتور حامد ربيع الذي ما فتئ يهتم بالعدو وأدواته في محاولته إيقاع الهزيمة بالإرادة العربية والإسلامية، وقد جاء كتابه "الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني وإرادة التكامل القومي" نموذجا في هذا المقام؛ وهو يحيلنا إلى تلك المقولة الخفية والمخيفة التي تتعلق بالغزو المعنوي والحضاري: "إن ظاهرة الغزو الأجنبي للثقافة العربية هي في الواقع تستقل استقلالا تاريخيّا وكاملا حقيقة عن...
في سياق معالجة الموضوع الخطير "التطبيع بالكلمات"، كان من المهم أن نضع ذلك ضمن عمليات ومفاهيم عدة تحدد الوجه المهم في معركة المفاهيم والمصطلحات، ولعل متابعة هذا الموضوع أدى بي ودفعني إلى مواصلة الكتابة فيه لأمرين، أحدهما تعلقه المباشر بما أطلقت عليه "قاموس المقاومة"، والثاني تعلقه بأحد أهم العمليات التي يجب التنبه إليها ألا وهي "التطبيع" وأهمية الوعي به للقيام بكل ما من شأنه مقاومة التطبيع، وأهم أشكاله التطبيع بالكلمات. إلا أنه وقد شرعت أكتب مقالي السابق صادفنني تقرير مدقق بإخراج محقق وبأرقام واستشهادات موثقة قد نشر في "الجزيرة"، ضمن إعداد موفق قام عليه فريق مؤهل لكتابة مثل هذه التقارير، وأهيب بالمؤسسة إن لم تفعل أن تترجم هذا التقارير إلى لغات عالمية بما يشير إليه من معلومات ونصوص وتصريحات،...
هي محاولة منا للتعرف على مقام الكلمات في تشكيل العقل والوعي إن سلبا وإن إيجابا، دائما نتعامل مع عالم الكلمات مقطوعة عن أوصافها ومفصولة عن نعوتها رغم أن التراث القديم والحديث يعلمنا الكثير حول ضرورات الوصف، بل إن القرآن مصدر مرجعيتنا التأسيسية في أكثر من آية يشير إلى: الكلمة الطيبة، والكلمة الخبيثة، ويحذر من زخرف القول غرورا؛ إننا في حاجة إلى فقه الكلمات ".. يحدد المواقف ويحرر الأحكام ويقدم البدائل.. فهل لنا أن نُكَوِّن معجما في "فقه كلمات الأمة". فهذه كلمة "طيبة" في كينونتها وجوهرها، وآثارها وثمرتها، وتلك كلمة "خبيثة" في مقصدها وأغراضها، فهناك من الكلمات الميتة، والقاتلة والمميتة، والوثن، والمخذولة. وهذه كلمات على ما يصفها البشير الإبراهيمي "كلمات مظلومة"، "كلمات مغتصبة"، و"كلمات المستوطنات" و"كلمات عدوة"، وهذا تصنيف آخر يسوقه...
سكن أبو العبد، إسماعيل هنية"، حروف الجذر اللغوي "شهد" فصار من مبانيه ومعانيه ومغازيه؛ يسكنه بأقواله ومواقفه وأفعاله. ومن جميل ارتباطاتنا باللغة هوية واختصاصا وتميزا؛ أن نتخذ منها في جذورها واشتقاقاتها مدخلا مهما في تحريك المعاني والقيم الساكنة فيها والفاعلية الحركية الكامنة في عمقها، ووجدت أن الفعل "شهد" في امتداداته لا يقل أهمية عن جذور لغوية أخرى أدركت أهميتها في بحوث سابقة مثل "قوم" و"صلح". وقد جاء في مقاييس اللغة: "الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُ علىٰ حُضُورٍ وَعِلْمٍ وإِعْلَامٍ، ويُقَالُ: شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَة. كما يُقالُ: شَهِدَ فُلانٌ عند القاضي، إذا بيَّن وأعلَمَ لمَنْ الحق وعلىٰ مَنْ هو". وفي لسان العرب: "الشَّهادَة خَبرٌ قاطعٌ تقولُ. منه: شَهِدَ الرَّجُلُ علىٰ كذا، وربما قالوا شَهْدَ الرَّجلُ -بسكون الهاء- فالشهادةُ: الإخبارُ بما شاهَدَهُ....
التطبيع العالمي بين الديمقراطية الجوفاء والنازية القاتلة النكراء والتصفيق على الأشلاء.. قاموس المقاومة (37)
على الرغم من تركيب "التطبيع العالمي" غير شائع إلا أنه يشكل دلالة قوية، وبما يمثله هذا الخطاب الأخير لنتنياهو الذي ألقاه في حجر أحد رموز الديمقراطية الغربية (الكونغرس)؛ وقد كشف وفضح هذا المستوى الأعلى من التطبيع تحت عناوين كثيرة، تتوافق مع فعل الصفقات بالمعنى الاقتصادي الرأسمالي وهو له جوانب كثيرة يجب الكشف عنها: أولا: التبني الغربي الكامل والداعم اللامحدود للكيان الصهيوني، مهما كانت ممارساته ومهما كانت عنصريته وأهدافه الاحتلالية والاستيطانية، وهذا الدعم لا يقتصر على الإمدادات العسكرية ولا الدعم البشري والمشاركة في القتال مع الجيش الصهيوني، ولكن يمتد ذلك إلى مستويات عديدة تتمثل في الدعم المالي غير المحدود، والدعم الإعلامي بلا حدود، والترويج للمجازر العسكرية تحت دعاوى زائف بالدفاع عن النفس، والدعم القانوني والتشريعي بشكل غير مسبوق، سواء بقرارات...
كانت النية معقودة في أول الأمر أن أكتب مقالا واحدا حول مقولة "الإبراهيمية وخطورتها في عمليات التطبيع الصهيوني والثقافة المتصهينة"، إلا أن طرق هذا الموضوع جعلني ألتفت إليه التفاتا عظيما لخطورته، وهو لا يقف عند باب التطبيع فحسب، بل تجاوزه بكثير في صورة تحالف قادم يتعاظم البناء عليه والدخول من أوسع الأبواب لفتح ملفات التحالف التطبيعي الذي يوالي الكيان الصهيوني ويدفع الآخرين للدخول إليه تحت غطاء ديني.. وخطورة الأغطية الدينية تلك في فتح أبواب ظلت موصدة وتسُرع من الدخول منها ضمن تحالف يتجاوز مجرد مشاريع مفردة أو منفردة في عمليات التطبيع، وهي خطورة ما بعدها من خطر، فالتعامل مع مثل تلك المقولات بحسن نية لا يجوز ومداخل غفلة وتلبيس لا يجب معها قبول التلبيس والتغرير والتزوير على الحقائق...
من القضايا المهمة أن نلحظ ما أشرنا إليه في المقال السابق من فكرة النماذج الفكرية المرتحلة والتي مارست انتقالا وتحولا من فكرة الى فكرة؛ تصل في بعض صورها الى تحول عقدي ملحوظ، حتى حطت تلك النماذج ورست في النهاية على مرسى الإسلام كمشروع حضاري تعبر عنه كمرجعية تأسيس لرؤيتها، من دون أن يعني أن هؤلاء تحولوا لنمط واحد؛ كلهم حط في تلك المحطة بفهم عميق ونضج عظيم واجتهاد واسع عليم بمكنون هذا المشروع الحضاري، ووضع لبنة فيه اختص بها واختصت به وتشير إلى سعة المرجعية الإسلامية التي انضوى تحتها كل هؤلاء حتى لو دخلوا إليها من أبواب متفرقة؛ سواء في مجال اختصاصه أو اهتمامه أو خبراته المعرفية والفكرية والثقافية والحضارية. كانت عملية الانتقال الفكري تلك تتسم بسمتين؛ أولاهما تطور...
من المهم أن نؤكد وفي ظل الحديث عن المسألة الإبراهيمية؛ على هامش نراه مهما لالتباسه على البعض، ضمن معالجات لاثنين من المفكرين والفلاسفة المعاصرين توفاهما الله منذ حين؛ هما إسماعيل راجي الفاروقي وهو موضوع هذه المقالة، ورجاء جارودي الذي نخصص له المقالة التالية. وقد تحدثا في ضوء ما يسمى المسألة الإبراهيمية حديثا يجب أن يدقق ويعمق في محاولة استبيان حقيقة مواقفهما من تلك المسألة الخطيرة والمخادعة، والتي شقت طريقها لتكون عنوانا لمرحلة جديدة في التطبيع مع العدو الصهيوني. ومن هنا برزت الأهمية العميقة لتناول الرؤية والموقف لكل منهما؛ خاصة أنهما يشكلان وزنا فكريا مرموقا على المستوى الإسلامي والغربي؛ ويحيل كل منهما إلى ضرورة دراسة سياقات الأفكار والمفكرين؛ لأن اعتبار السياق في هذا المقام منهج مأمون ومضمون للتعميمات الموزونة والمواقف...
أشرنا في مقال سابق إلى تأليفات مهمة في كشف الضلالات عن الفكرة الإبراهيمية وعدم الوقوع في شرَك الشبهات التي تحيط بمسألة وحدة الأديان؛ والدور المشبوه التي قامت به وعليه هيئات تبدو في الظاهر كمؤسسات دينية بريئة تعمل في حقل حوار الثقافات والحضارات ثم انتقلت بليل الى حوار الأديان. وبدا الأمر وفي توقيتات معينة أن ذلك هو مدافعة لفكرة "صدام الحضارات" التي اخترعها "صمويل هنتنجتون"، كما بدا لهؤلاء أن يستغلوا هذا الزخم الذي أحدثته تلك الفكرة التي ذاعت وانتشرت ورُوج لها في مؤسسات وإقامة مؤتمرات وندوات؛ ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لتمرير أفكار خطيرة ومداخل خبيثة. وقد بررت فعلها آنذاك بمعزوفة عن الاستقرار الدولي والأمن العالمي؛ ووضعوا سؤالا مغرضا: هل يمكن تحويل الأديان من أداة صراعية؛ إلى أداة تنشر السلام والاستقرار والتعايش؟...
في علوم الجريمة قاعدة ذهبية "ابحث عن المستفيد"، وقصة الإبراهيمية وبما يحفها من ضلالات ودعايات داخلة في هذه القاعدة. ومن هنا قد يكون من المهم أن نتوقف عند تمييز دقيق وعميق أطلقه أستاذنا الدكتور حامد عبد الله ربيع، وفي تفرقة تحمل بصيرة علمية ومنهاجية؛ بين الدعوة والدعوى والدعاية. ذلك أن الدعوة إنما تشير الى معاني دعوة الحق والصدق والعدل "وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا"، أما الدعوى فإنه قد غلب عليها معانٍ قانونية وقضائية، وهي تتعلق بمعنى الدعوى واحتمالها بعد التبين والتحقيق والتدقيق وما قد يرد عليها من أوصاف، فتكون إما دعوى صادقة أو دعوى كاذبة، وقد ترد على القول فيقع عليها التفنيد فيستبان أمرها ووصفها وحكمها. وهي غالبا ما تتعلق بالأدلة والعلامات والقرائن؛ كما تتعلق بإسناد الحجة والبرهان؛...
من مقصود "قاموس المقاومة" أن يذكرنا بمقولات مفتاحية أو كتابات معاصرة أو تراثية؛ فمن المهم تعلم معنى التلبيس ومداخله وطرقه الخادعة ومسالكه أن نتوقف فيه فهما وفطنة عند معاني التلبيس التي رصدها "ابن الجوزي" في كتابه "تلبيس إبليس". وهذا الكتاب يرشدنا إلى مزالق الخلق والأنام؛ ومضلة الأفهام ومزلة الأقدام؛ ومداخل مذلة النفوس وغياب كل معاني المقاومة والإقدام، "فأقبل الشَّيْطَان يخلط بالبيان شبها وبالدواء سما وبالسبيل الواضح جردا مضلا وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرق الجاهلية فِي مذاهب سخيفة وبدع قبيحة.. واستمر على ذلك والناس تعتنقه طوعا لا كرها إلى أن دخل فيه أفراد من اليهود والمجوس وانتسبوا إليه ظاهرا وهم في الواقع يعملون على هدمه وتقويض دعائمه، فأخذوا يوقدون نار الفتنة بين أهله ويدخلون فيه أشياء من التي كان...
من مقصود "قاموس المقاومة" أن يذكرنا بمقولات مفتاحية أو كتابات معاصرة أو تراثية؛ فمن المهم تعلم معنى التلبيس ومداخله وطرقه الخادعة ومسالكه أن نتوقف فيه فهما وفطنة عند معاني التلبيس التي رصدها "ابن الجوزي" في كتابه "تلبيس إبليس". وهذا الكتاب يرشدنا الى مزالق الخلق والأنام؛ ومضلة الأفهام ومزلة الأقدام؛ ومداخل مذلة النفوس وغياب كل معاني المقاومة والإقدام، "فأقبل الشَّيْطَان يخلط بالبيان شبها وبالدواء سما وبالسبيل الواضح جردا مضلا وما زال يلعب بالعقول إِلَى أن فرق الجاهلية فِي مذاهب سخيفة وبدع قبيحة.. واستمر على ذلك والناس تعتنقه طوعا لا كرها إلى أن دخل فيه أفراد من اليهود والمجوس وانتسبوا إليه ظاهرا وهم في الواقع يعملون على هدمه وتقويض دعائمه، فأخذوا يوقدون نار الفتنة بين أهله ويدخلون فيه أشياء من التي كان...
لا تزال الجغرافيا تعطينا الدرس تلو الدرس وتنبهنا إلى خطورة عالم المفاهيم الجغرافية. كان أستاذنا الدكتور حامد ربيع وأستاذتنا منى أبو الفضل يحذران من استخدام تلك المفاهيم الجغرافية وتناقلها في خطاباتنا والتي تحمل في جوفها تسميما وغزوا معنويا، وهي للأسف الشديد مسكونة بقابليات التطبيع الناشئ عن استخدام هذه المفاهيم من دون وعي استراتيجي يمثله عالم المفاهيم؛ ذلك أن مفهوم "الشرق الأوسط" بكل تنوعاته قديما أم جديدا، ضيقا أم موسعا، كبيرا أم صغيرا، فإنما يشكل معنى جغرافيا غربيا يؤسس لمركزية غربية إبان الحقبة الكولونيالية وما بعدها، والتي يشكل عنوانها "الغلبة والهيمنة" وتشكل أحوالها "التبعية وحال التجزئة والفرقة والتفرقة". مفهوم الشرق الأوسط كمفهوم جغرافي واصف للمنطقة يُدخل الكيان الصهيوني (إسرائيل) من أوسع الأبواب، بل قد يكون في سياق اعتباره أداة وظيفية،...
لا زالت الجغرافيا تعطي دروسها في ضرورة المقاومة الحضارية والشاملة للتطبيع؛ بما تؤكده هذه الدروس من نشأة دولة إسرائيل المزعومة والمصطنعة.. أين كانت إسرائيل قبل العام 1948؟ إنها طارئة على جغرافيا المنطقة؛ نسجت منذ قيامها جملة من الأكاذيب المصطنعة بغطاء تاريخي مزعوم وبغطاء ديني مرسوم؛ وفي ظروف تاريخية مشبوهة ووجود يهودي في الحضارة الغربية مأزوم. بدأ الأمر باصطناع دولة تسكنها عوامل فنائها لولا مصالح من اصطنعها ودافع عن وجودها وحمى عربدتها وعدوانها؛ وباسم الدولة القومية التي فرضت رسمها ضمن حدودها؛ فأين حدود دولة الكيان الصهيوني المزعومة؟ إنها تقضم الأرض؛ وتتسع حدودها بمقدار ما تشنه من عدوان ظالم تقره منظومة دولية متواطئة؛ جعلت مستحيلات إسرائيل ممكنات وممكنات العرب مستحيلات. وإنني لأتدبر قول أستاذي المرحوم الدكتور عز الدين فودة؛ في...
لم أكن أقصد على أهمية ذلك؛ أن أتحدث عن جغرافيا التطبيع التي اتسعت فتوسعت لتشمل دولا عدة وأنظمة رسمية عديدة، واتفاقات تطبيع رسمت خريطة تطبيعية مقيتة؛ تسمم كيان الأمة وتمرر مسيرة الهزيمة والهوان وتصنيع بيئة مواتية من الخذلان؛ تحاصر الفعل المقاوم وثقافة ونفسية الجهاد التي تسكن مفهوم الأمة والدفاع عن القدس والأقصى واحتضان القضية الفلسطينية في مواجهة استراتيجيات ما يسمى زورا بالتسوية؛ والتي لا تعني في حقيقة أمرها التصفية للقضية تحت عناوين كثيرة آخرها صفقة القرن والتي يشكل التطبيع أهم أذرع تنفيذ هذه الصفقة المشبوهة. كذلك أتوقف عند اتفاقات تطبيع وُقعت مع إسرائيل بعد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (242) عام1967 الشهير، الذي يدعو إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في حرب 67، والذي شكل الأساس...
من المهم أن نرى تلك الحالة التطبيعية ضمن السياقات التي كشفت عنها معركة طوفان الأقصى، إذ أن تلك القابليات قد شكلت بحق مناخا ولد فيه التطبيع بكافة مستوياته وأشكاله ومداخله التي تطورت للأسف الشديد الى تحالفات، إذ فاقت التطبيع بمفهومه التقليدي الى تحالفات وربما تحالفات استراتيجية كما في الحالة الإماراتية. أما عن الاحتلال والعدوان فشكلت استراتيجيات التطبيع أحد أهم أركان السياسات المتعلقة بالكيان الصهيوني، التي تسللت وبشكل مبكر ضمن مشروعها عبر أشكال ومستويات عدة مما عُرف بـ"الصهيونية المتسللة" لإعلان دولة إسرائيل؛ إنها تريد أن تكسب بالتطبيع واتساعه ما لم تحصل عليه بالحروب المتكررة. في هذا الواقع السياسي، يغدو التطبيع أهم من أي وقت مضى بالنسبة إلى رؤية نتنياهو، وإلى التوقيت الذي هو، على ما يبدو، ملائم للإجهاز كليا...
إن حالة التصهين التي تصاعدت وعمليات التطبيع التي تراكمت؛ تشير إلى الخطورة الكبرى على كيان الأمة؛ وحقيقة الإدراك والتصور لصراعها المصيري والحضاري. وربما هنا عليّ أن أشير الى ندوة مغلقة تعلقت بمستقبل الأمة بعد طوفان الأقصى ضمن تصور لهذا المستقبل في سياق المتغيرات التي ترتبط بالنظام الدولي من جهة والنظام الإقليمي من جهة أخرى؛ ويمتد ذلك الى مستقبل الكيان الصهيوني. وراعني في الحقيقة أن نجد بين نخبة فكرية معتبرة؛ أن يكون فيما بينها أن يحمل تساؤلات أو آراء وربما مواقف تنكر علينا عقدية الصراع كجزء لا يتجزأ من كونه صراعا حضاريا ومصيريا، وكذلك ازداد عجبي أن البعض لا يزال يميز بين الغرب الثقافي والغرب الاستعماري، وتناسى هؤلاء أن الثقافي خاصة فيما يخص علاقة الغرب بقضايانا الكبرى وعلى رأسها الصراع مع...
المقولات التفسيرية أو المفتاحية أو العبارات المرجعية من أهم الأدوات حال توظيفها والاستفادة منها واستثمارها. وفكرة المقولة التفسيرية من أهم إسهامات الدكتور المسيري المعرفية، والمقولة هي الجملة الجامعة لمعانٍ واسعة ومغازٍ عميقة واضحة وهي أقرب ما تكون الى قوانين حاكمة؛ هذه المقولات تقوم بأدوار معرفية فتؤثر في الأفهام والمدركات وتقدم الخلاصات؛ وغالبا ما تقوم بمهام تفسيرية، وهو ما حدا بأستاذنا المرحوم عبد الوهاب المسيري أن يصف المقولة مقرنا لها بوصف التفسيرية؛ عند حديثه عن النماذج المعرفية، وأكد أن هناك مقولات أكثر تفسيرية من غيرها؛ بالتأكيد على كل معاني التفسير لغة واصطلاحا؛ من الشرح، والتوضيح، والبيان، والكشف، ويُقال: فسّر الشيء أي: وضّحه أو بيّن سبب حصوله، وكَشَفَ مواضع اللَبس فيه. أما التفسير اصطلاحا هو الكشف عن المعنى الباطن والحقائق غير...
في خاتمة المقال السابق أكدنا أن التطبيع بهذا الاعتبار "ذاكرة" و"حالة يكمن في خلفها خطط واستراتيجيات" و"عملية، بل وعمليات" و"علاقات تتطور وربما تصير تحالفات" و"سياسات" و"مسارات ومؤسسات وأدوات ومجالات" و"عقبات وتحديات" و"تدافع وتدافعات" و"مقاومة ومواجهات" و"آثار ومآلات"، كل ذلك وضمن هذه الامتدادات التي تتعلق بالفعل التطبيعي؛ فإن الأمر يستحق الدرس والفحص. في ضوء كل هذا فإن التطبيع بأشكاله المختلفة خيانة ومقاومته ومدافعته أمانة؛ كان مقصدنا من تلك الكلمات أن ننبه الى ضرورة النظر الى التطبيع كمنظومة أو منظومات هذا النظر الاستراتيجي والحضاري، حتى تكون المقاومة المكافئة له التي تعادل استراتيجياته وخططه بالمقاومة الحضارية الشاملة. إنها حالة تكمن خلفها خطط واستراتيجيات؛ تهدف الى صناعة حالة من الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات سيادة، وتحويل...
باستعراض الكتابات التي اهتمت بمسألة التعريف والوقوف على عالم المفاهيم؛ يعني التطبيع، اصطلاحا، جعل ما هو غير طبيعي طبيعيا. ولا يعني التطبيع "إعادة الأمور إلى طبيعتها"، كما يظن البعض، فكلمة "طبّع"، تعني جبْل الإنسان، أو المجتمع، أو الحالة المستهدفة مجتمعيا، على طبْعٍ ما، كثيرا ما لا يكون أصيلا في الهدف المراد تطبيعه، حتى يصبح ذلك الطبع "دمغة" أو "طبعة" وربما "صبغة" ملاصقة له، وإلا لما احتاج الأمرُ إلى تطبيعٍ لو كانت تلك الصفة المستجدة من سجاياه الأصلية؛ تبقى المعضلة الخلافية سياسيا في تحديد ما يعد طبيعيا، وما يعد غير طبيعي، ومن وجهة نظر من؟ هل التعامل مع الاحتلال بصورةٍ طبيعية مثلا، أي من دون حواجز ولا عداء، أمرٌ طبيعي؟ لا شك في أن الاحتلال وداعميه يرغبون بشدة في تصوير...
"إنّ قضية فلسطين هي قضية كلّ المسلمين، وهي تتجدّد وتقوى كلما زاد الطمع فيها، والتآمر عليها، والاعتداء على شعبها، والتخطيط للاستيلاء عليها، وهي قضية مستمرة وحية مادامت الصهيونية قائمة بين ظهرانينا، ومادام في العالم من يساندها، ويدعّمها من الشرق والغرب، بل ومادام فينا من يناصرها، ويعلن الولاء لها من (المتصهينين العرب) الذين يسعون لإطفاء جذوة الأمل في استعادتها، ويتسارعون في جعل الكيان الصهيوني دولة معترفا بها، وطرفا تُعقد معه الصفقات، وتحاك معه المكائد والمؤامرات ليس ضد فلسطين وأهلها فحسب بل ضد كل الأمة" . كان ذلك افتتاحا من الكتاب المهم الصادر عن منتدى العلماء الذي عُنوِن "حالة التصهين العربي واقع الانتهاك ومآلات التغيير: دراسة فكرية شرعية"؛ صدر هذا الكتاب في العام 2019. يأتي هذا الاهتمام بهذه الحالة انطلاقًا من...
التصهين هنا، كما عرفه البعض؛ "هو أن يرى المتصهين حقا المعتدي المحتل الغاصب في أرض فلسطين وتبرير عدوانه على الشعب الفلسطيني، وينادي بالسلام معه وموادعته، في ذات الوقت يقذف الضحية، أي الشعب الفلسطيني بأقذع الافتراءات والأكاذيب لا سيما تلك الفرية الممجوجة بأن الفلسطيني قد باع أرضه وتنازل عن حقه تارة، وتارة أخرى بالهجوم على حركة حماس وشتمها بدعوى أنها فرع من الإخوان المسلمين، أو بذريعة أنها على علاقة مع إيران"، وقد وصل الحال بأن يحتفي الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني "أفيخاي أدرعي" بتبني وصف الحركة من بعض العرب بـ(الإرهابية) وهو ذات الوصف المستخدم من أدرعي ودولته، مع كيل المدح الاستفزازي لتطبيع العلاقات مع الصهاينة بحجج تلبس ثوبا دينيا أو سياسيا أو غيرهما. ولا يقتصر هذا المدح للصهاينة الذي وصل حدّ...
ربما الأمر العلمائي لم يعد يتعلق بإعادة تعريف مفهوم العالِم أو الفقيه المجتهد أو مصادر تكوينه، ولكن الأمر انتقل إلى قضية أكبر ألا وهي حال العالِم والعلم الشرعي والفقيه في الدولة القومية، فقد صارت الأمور على أرض الواقع تتحرك في إطار تنازع المساحات التي كان فيها نشاط الفقيه، سواء أكانت مساحات تقليدية تتعلق بتكوينه العلمي أو مساحات تتعلق بمكانته لدى الناس والجماهير فيما يتعلق بمساحة الفعل والأحداث التاريخية. هنا برزت الدولة القومية بنشأتها المشوهة التي ولدت وفي بطنها المركزية والاستبداد فرأت تهميش ومحاصرة هذا الدور الذي يتعلق بالعالم والفقيه؛ وقد قررت ضمن خياراتها أن يتآكل أو يحجم هذا الدور بشكل من الأشكال، وشكلت مجال الإفتاء على نحو يتوافق مع تصوراتها تلك؛ فطرأ تحول كبير على دور العالم والفقيه في...
نفتح اليوم الملف الشامل عن فقه الاحتجاج، سواء على صعيد الأحكام ومناهج الاستدلال الحاكمة لتحرير مناط المسائل السياسية الخاصة بالحريات، وكبح انفلات عناصر الاستبداد والطغيان من جهة والعدو الصهيوني الغاشم في انفلات قواه الغاصبة في الاحتلال والعدوان من جهة أخرى، أو على صعيد ما أسماه "ابن القيم" فقه الحوادث الكلية، أو ما يمكن تسميته في لغة معاصرة أصول الفقه الحضاري الذي يستوعب ويسكن داخله جزئيات الفقه الحكمي، ويرى أن فقه الاحتجاج هو من مكونات فقه الحضارة، ومن العناصر المشكلة لرقابة الأمة على السلطة والسلطان أيا كانت هذه السلطة أو السلطان، ومواجهة الطغيان أو سلطة احتلال غاشمة حرفتها الاستيطان والعدوان، سواء اتخذ ذلك شكلا يتعلق بالإضراب، أو اتخذ شكلا يتعلق بالتظاهر، أو أي شكل يعبر عن معاني الاحتجاج، التي تعتبر أحد...
في مقالنا السابق تبيّن أن واجبات أمة العرب والمسلمين تختلف عن واجبات غيرها، لأن الأرض المسلوبة عربيّة ذات اعتبار إسلامي بالقدس والأقصى، ولأن الشعب المهجّر والمنتهكة حقوقه عربيّ. فكون قضية فلسطين قضية عربية وإسلامية يعني أن العرب والمسلمين ليسوا فيها مراقبين محايدين، أو طرفا ثالثا، بل هم الطرف الخاضع للاحتلال الاستيطاني، وبالتالي واجباتهم ومسؤولياتهم تختلف عن واجبات ومسؤوليات غيرهم. فإن كان أقصى ما يراد من غيرهم هو المقاطعة، فإن هذا الواجب هو أقل ما يراد من العرب والمسلمين. والمقاطعة هي كل نشاط يهدف لنزع الشرعية وعزل العدوّ الصهيوني سياسيا، وثقافيا واقتصاديا وأكاديميا، وغيرها من المجالات المتعددة التي من الممكن أن تكون محلا لفعل المقاطعة الفردي والجماعي الناهض بمواقف الأمة في دحر العدوان وأعوانه ودعم المقاومة في كل أشكالها. ...
أعجبني وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال تعبير قيّم فيما يحمله من معان "العبادة الصامتة"؛ والذي يستصحب مفهوم العبادة الشاملة استنادا إلى الآية "وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ"؛ وإلى المغزى الذي تشير إليه الآية "إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".. العبادة مسيرة حياة مستمرة؛ فالعبادة في اللغة الخضوع وقد تستعمل بمعنى الطاعة، وفي الاصطلاح هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وإذا كانت العبادة شاملة للفعل والترك والواجب والمستحب والمباح، صح أن يقال: إن العبادة تشمل نظام الحياة كله. بهذه النظرة الشاملة تقسم العبادة إلى قسمين: أولا: عبادة شاملة لأعمال الإنسان المشروعة جميعها، فكل عمل دنيوي يلتزم فيه المسلم بتقوى الله وبالإخلاص والصدق والأمانة...
لا أدري لماذا توارد على ذهني ونحن نمر بهذه الأيام المرتبطة بفعل مقاومة الأمة (قطب المقاومة)؛ ذلك المفهوم الذي صكّته الأستاذة القديرة مني أبو الفضل "أم الفضل" حول الأمة القطب. إن تسكين المقاومة القطب في حاضنتها الأمة القطب؛ يعني أنه لا بد لهذه المقاومة أن تستلهم معنى الأمة الموصوفة بالخيرية والوسطية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"؛ الخيرية المشروطة بحق الإيمان والفعل الحضاري المقترن به ضمن فاعلياته الحضارية والعمرانية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"؛ واقتران ذلك بالوصف الثاني "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا". من هذين الوصفين كانت الأمة؛ التي جعلت من قطب المقاومة فيها المفعم بنفسية المجاهد وثقافة الجهاد؛ ذروة سنام...
القرآن العظيم -على الأصح- كما يقول السيوطي في الإتقان؛ نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة. ومعنى نزوله منجما: أنه نزل مفرقا، أي لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجزّءا، حسب الوقائع والأحداث، والعرب تقول للمفرق: منجما. وأما لماذا نزل كذلك، ولم ينزل دفعة واحدة؟ فقد تولى الله جواب ذلك، فقال سبحانه: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَة وَاحِدَة ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ" (الفرقان:32)؛ قال السيوطي: يعنون كما أُنزل على من قبله من الرسل. فأجابهم الله بقوله "كَذَٰلِك" أي أنزلناه كذلك مفرقا...
إن الرؤية التوحيدية المؤسسة للحرية وفعل المقاومة الرافض لكل ظلم وهوان ويقف في وجه الاغتصاب والعدوان ويحرك كل الطاقات لمواجهة الظلم والطغيان؛ لا تقوم فقط على حالة سلوكية ولكنها مسبوقة برؤية معرفية وطاقة فكرية وحضارية ضمن مقاصد النهوض والعمران.. ومن هنا يمكننا أن نتفهم ما يمكن تسميته بجملة النداءات الحركية في القراءان الكريم، فكان هناك مثلث من تلك النداءات يقوم على اقرأ ثم أعدوا ثم سيروا في الأرض.. يترتب على هذه الثلاثية حركة ونظر "قل سيروا في الأرض فانظروا"، إنها الحقيقة الكبرى التي تتأكد فيها هذه النداءات الحركية في علاقتها ببيانات كلية. وتلك الأفعال الحضارية تشير إلى أوامر قرآنية تشير بشكل مباشر إلى ضرورة التوجه للفعل الناجز الواجب والعمل الفعال اللازم لتحقيق مقتضيات هذا النداء القرآني قدرة وفاعلية؛ إعدادا...
التدافع الحضاري حركة فعل ممتد، حركة إيجابية عمرانية فاعلة؛ مانعة لكل أنماط التخريب الكوني والجماعي والفردي، ودافعة إلى تيسير وتحقيق كل الفاعليات الكونية بمقتضى التسخير للعمارة الحضارية الكونية والتيسير لها واستمرارها، وهي رافعة لكل عمل حضاري يشكل إضافة عمرانية إلى الكون وفيه صلاحه وإصلاحه. التدافع الحضاري تحريك للقدرات الإيجابية للإنسان واستثمار للمكنونات الكونية التسخيرية للحفاظ على شرط العمارة الكونية، وهو التكريم الإنساني الذي يضمن لتلك القدرات الإيجابية عملا عميقا ممتدا في الزمان والمكان والإنسان، في عالم الأفكار والأشياء والأشخاص والأحداث. والدفع عمل حضاري مفتوح للعودة بأطر التوازن الكوني والعدل في العمارة الكونية إلى حقيقته وجوهره، "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، بحيث يجعل من حركة الدفع الحضارية غاية هادفة إلى الإحسان الحضاري بكل تنوعاته ومجالاته. ومن هنا تبدو حركة الدفع...
المسألة المهمة التي يمكن أن نشير إليها ضمن قاموس المقاومة هو ذلك التفسير والتأويل لآيات عدة وردت ضمن منظومة الجهاد، ولعل هذا الموضوع طرق أبواب ذاكرة حينما كنا نقوم بعمل بحث جماعي تحت إشراف أستاذتنا "الدكتورة نادية مصطفى"، أستاذة العلاقات الدولية، وكان الأمر يتعلق بمشروع العلاقات الدولية في الإسلام. ولا شك أن هذا المشروع قد اختط له منهجا غاية في الأهمية يتعلق بتأصيل العلاقات الدولية في الأصول، وكذلك تشوّف تلك العلاقات في التاريخ، إضافة إلى تلمّس أمور غاية في الأهمية في الفكر الإسلامي فيما يتعلق بموضوع العلاقات الدولية. وأردنا أن نشرع فيما نحن فيه، ولكن وجدنا أن تفاسير القرآن المتعددة كان لكل منها منحى ينحوه، ومن هنا فإن هذه المناحي المتعددة في التفسير والمدارس المتعددة قدمت كلها إضافات مهمة في...
تعد الوظيفة والدلالة الرمزية وفاعليتها من أهم الأشكال المؤثرة في التصورات والإدراكات؛ وهناك العديد من الرموز الدالة، ومنها الشعار الذي يجمع بين كلمات الشهادة والشهود "لا إله"؛ يستشرف كلمة التوحيد التي تشكل الصبغة الأساسية لهذه الرؤية التوحيدية للعالم؛ والتي تفرز بدورها رؤية متميزة للإنسان والكون والحياة، وبما يعبر عن ساحة حضارية وفاعل حضاري وتفاعلات وأشكال من العلاقات والمسارات يمكن أن تتجلى على صفحة الحياة. ومن هنا فإن الشهادة التأسيسية "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" التي تشكل عقد التوحيد بين الفعل الحضاري والرسالة التي يحملها إنما تكمن في الكلمة الأولى التي تبدأ بها منطوق الشهادة كلمة "لا"، والتي تشكل روح الثورة الحقيقة حينما تثور على شئون الواقع بما يفرضه من موروثات وما يستشرفه من رؤية...
يبدو لنا أن أرض فلسطين المباركة تلد كل يوم من أيقوناتها، رغم القتل والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني المجرم الذي يمارس يوميا قتل الحياة بمجازره والقصف الأعمى العشوائي؛ من خلال امتلاك سلاح الجو الذي يخوض من خلاله ما أسميته بحروب الجبان من أعلى، فنشهد مع هزائمه وخسائره كل يوم تلك الغارات التي لا تتوقف على كل ما يشير إليه ذلك من شواهد حياة الناس، ومن ثم قرر العدو أن يقصف الحجر والشجر والبشر انتقاما من أهل غزة العزة.. أهل فلسطين المباركة يواصلون صمودهم المستمر في كل معاركهم مع الغاصب المحتل، فمن أيقونة شجر الزيتون الذي يشير إلى تلك الشجرة المباركة تتوالى الأيقونات من كل مكان على أرض فلسطين. ما يحدث في فلسطين وفي قطاع غزة تحديدا لا يمكن تجاهله...
إن من أهم النظريات التي تستدعي عملية الدفع الحضاري تكمن فيما يمكن أن تؤديه "نظريات الضغوط" في العلوم المختلفة؛ وذلك بالاعتبار الذي يجعل من تلك النظريات مظلة لكثير من العلوم الفيزيائية والحيوية والإنسانية والكيميائية والهندسية واكتشافات التحريك والدفع مثل طاقة البخار والكهرباء وغيرها؛ بل امتدت نظريات الضغوط الى مجالات الصحة خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية. وفي كل تلك النظريات وفي معظم هذه العلوم ظلت الضغوط المتعلقة بالتحمل والدفع والتحريك؛ من أهم العمليات التي ترتبط بتلك الضغوط وفهم آثارها السلبية والإمكانات الإيجابية فيها في الدفع والتحريك. إلا أن التركيز على فكرة الضغوط على الفعل الحضاري والفعل الإنساني عامة يُعد من أهم الأفكار المهملة والمغفلة في النظر للضغوط من خلال التدبر السنني الواعي عقلا وفهما ومعرفة؛ والساعي عملا وتدبيرا؛ فاعلية وتأثيرا....
اللغة المحققة يمكن أن تكون مقدسة حينما ترتبط بنص مركزي مقدس له أتباع يأخذونه كمصدر لمعرفتهم، وأحكام حياتهم، أو إطار لسلوكهم.. العربية التي بها نزل وكتب القرآن الكريم هي لغة مقدسة، قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِياّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف: 2)، وقال تعالى: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" (الشعراء: 195)، وقال سبحانه: "قُرْآنا عَرَبِياّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الزمر: 28). ولكن المهم أن الوضع بمعنى جعل الألفاظ بإزاء المعاني أمر لا بد منه حتى يتم التفاهم بين البشر، وذلك أن المتكلم يقوم بنقل المعاني التي قامت في ذهنه إلى السامع الذي يحمل هذه الألفاظ على مقابلها من المعاني التي سبق للواضع أن تواضع عليها، وبذلك الحمل من السامع تتم الوظيفة الثانية للغة، وهي وظيفة التلقي. اللغة المشدودة إلى نص مرجعي...
تُعد الخَلايا وحدات البناء الأساسية في الجسم. تتكون جميع الأنسجة والأعضاء من مليارات الخلايا المختلفة، وتختلف الخلايا البشريَّة من حيث الحجم، ولكنَّها كلها صغيرة جدّا، وحتَّى أكبر خلية فيها صغيرة جدّا لا تُرى بالعين المجرَّدة. يتكوَّن الجسمُ من العديد من الأنواع المختلفة للخَلايا، ولكل منها بنيتها الخاصة ووظيفتها. تتحرَّك بعضُ الخلايا، مثل خلايا الدَّم، بحرِّية في الدَّم، ولا ترتبط ببعضها بعضا، ولكن هناك خلايا أخرى، مثل الخَلايا العضلية، ترتبط بقوَّة ببعضها بعضا. وتتكوَّن الخلية من عددٍ من الأجزاء الصغيرة، ولكلٍّ منها وظيفتُه الخاصَّة. ويكون لبَعض الخلايا، وخاصَّة الخلايا الغدية، وظيفتها الأساسيَّة في إنتاج مواد معقَّدة، مثل الهرمونات أو الإنزيمات. والهرمونات هي مراسيل كيميائيَّة تعمل على ضبط وتنسيق النشاطات في أنحاء الجسم. على سبيل المثال، الأنسولين هو هرمون تنتجه خلايا...
تحدثنا في المقال السابق عن فكرة المقاومة الكهربية لفهم حقيقة المقاومة وجوهر الأدوار والوظائف التي ترتبط بها تتكامل تلك الفكرة وترتبط بعلم الإنسان ضمن حقائق علوم الأحياء والفيزياء معا، ألا وهي باب الروافع. والرافعة (الجمع رَوَافِع أو رَافِعَات) هي ذراع طويل يتمحور في نقطة ثابتة عليه تعد نقطة ارتكازه، وهي أُولى الآلات البسيطة الست التي حددها علماء عصر النهضة، وتستخدم لتحويل القوة الداخلة الصغيرة إلى قوة خارجة كبيرة، كما في الشادوف وكسّارة الجوز. وقد عرفها قدماء المصريين في البناء وري الأراضي، وهي أداة تستخدم عند محور أو نقطة ارتكاز مناسبة لمضاعفة القوة الميكانيكية التي يمكن تطبيقها على جسم آخر، ويوصف تأثير الرافعة بالميزة الميكانيكية. فالرافعة إذا هي آلة بسيطة؛ ويعتقد البعض أن الروافع هي أول الآلات البسيطة التي تم اختراعها. درس الروافع هو بكون الرافعة هي آلة...
تأملت في أحد الدروس الفيزيائية ما يتعلق بالأجهزة الكهربائية، ولفتني في الحقيقة حديثا مطولا حول المقاومة الكهربية في تعريفها ووظائفها وأدوارها والأهداف التي ترتبط بها والغايات القاصدة إليها، وهالني تلك المشابهات المهمة بين المقاومة في الجهاز الكهربي والمقاومة في كيان الأمة؛ صحيح أن المقاومة الكهربية هي خاصية فيزيائية تتميز بها الموصلات المعدنية في الدوائر الكهربائية، إلا أن طريقة عملها وتشغيلها تحيلنا إلى قراءتها قراءة اعتبار واستثمار. المقاومة الكهربية تعرف على أنها قابلية المواد لمقاومة مرور التيار الكهربائي فيها، وهي إعاقة المادة لمرور التيار الكهربائي خلالها. تسمى المقاومة (Electrical Resistance)؛ عندما تكون مثالية ألا تتغير قيمتها بتغير الجهد الكهربائي ولا بتغير شدة التيار أو بتغير تردد التيار (في حالة التيار المتردد). وينطبق قانون المقاومة المثالية في جميع قيم الجهد أو...
في هذا المقام ونحن نحدد مفهوم المقاومة، طرأ على ذهني أن مفهوم المقاومة وتوابعه شكل منظومة مهمة ضمن أبنية كثيرة وعلى مستويات متنوعة؛ منها البناء الفيزيائي، والبناء الحيوي العضوي، والبناء الشبكي العصبي والإدراكي. ولعل ذلك دفعني إلى مراجعة بعض هذه الأبواب لأسترشد بها في النظر والبصر لمفهوم المقاومة، والاستفادة من استخداماته في علوم شتى، وبما يتيح لنا نظم هذه الأجهزة المختلفة وفق معجمها اللغوي ومعانيها القاموسي، حتى نتمكن من رسم صورة غاية في الأهمية في بناء هذا المفهوم من المدخل الفيزيائي والحيوي في علمي الطبيعة والأحياء، وفي علوم أخرى تمتد إلى علوم الحركة الميكانيكية وعلوم الحركة الديناميكية، ومن بعد سننتقل إلى مستوى آخر في الكشف عن مكنون المقاومة الحضارية، وكذلك المقاومة والفعل الانتفاضي. ونكمل بناء ذلك المفهوم من مداخله...
في مربع الأركان في صراع الأمة والذي كتبنا فيه عن ركني الزمان والمكان عند البشري وحمدان؛ نواصل الحديث عن ركنين مكملين؛ ألا وهما التدبير والالتزام لدى ربيع والمسيري. حينما كانت عين ربيع على التدبير والتدبر بتضميناتهما الاستراتيجية؛ كان يحدق بمعنى الإرادة والإدارة، الإرادة والعدة. إنه يبث في وعينا أنه لا إدارة بلا إرادة، ولا إرادة بلا إدارة. إن إدارة بلا إرادة هي إدارة تجعل الواقع بوهنه وضعف وعجز الفاعلين فيه هو الأمر المسيطر الذي يجعلها "إدارة الوهن". الإدارة تحت عجز الإرادة ليست إلا إدارة تؤدي إلى معاني الخضوع والاستسلام. ومن هنا كان فيض إدراكه لإدارة الصراع العربي الإسرائيلي؛ إدارة تقود إلى حروب السلام وسلام الحرب لتحقيق الردع اللازم، وحقائق تحقيق الرهبة إلى حال المنعة، والممانعة إلى حال التحدي...
المكان والزمان والتدبير والالتزام في رؤية صراع الأمة مع الكيان الصهيوني هي رباعية الأركان؛ ضمن رباعية حمدان، والبِشري، وربيع، والمسيري. حينما كانت عين حمدان على المكان فلم تره إلا بزمانه، ومعطيات تدبيره، ومقتضيات التزامه. الالتزام بروح المكان (المكان الميت) هو المنظور إليه كجغرافيا، والمكان الحي زمان وتدبير والتزام (إنها جميعا روح المكان)؛ إن حمدان بفعل تخصصه في الجغرافيا الحضارية يذكرنا بفقه عميق بمقتضيات ومتطلبات المكان، بالوعي بالمكان والوعي بزمان المكان الممتد والسعي فيه والحركة بمقتضى فروضه وفرائضه وافتراضاته. المكان بالنسبة لحمدان وعاء الحضارة وحاضنة النظر الحضاري، وهو بذلك إمكانية وإمكان ومُكنة ومكنون ومكانة وتمكين. والصراع العربي الإسرائيلي صراع إمكانية وصراع إمكان وصراع مكنة وقدرة وصراع مكانة وفعل وفاعلية، وصراع تمكين. إنه المكان الذي يتحدث عن نفسه فيقول: أنا لست...
الرؤية الحضارية ليست شعارا يطلق أو موقفا عنتريا يضرب، أو حركة حماسية أو انفعالية تشرع، أو قائمة كلام يلقى، أو بلاغة وفصاحة تلفظ، أو تعبئة الصراع برؤية دينية، بل هي رؤية استراتيجية حضارية تعبر عن وعي المكان، وعبرة الزمان، وسعي التدبير وأصالة الالتزام. حضارية الصراع وعي وسعي؛ وعي بالخصم والعدو والتعرف عليه بدقة، لأن ذلك من ضرورات تعيين المواجهة والتحسب للمقاومة والاستجابة للتحدي. تحديات هذه الأمة مهما كانت جزئية أو متعينة، ممتدة أو متجذرة، هي في مكنونها حضارية الطابع والتكوين، حضارية النظرة والمنظور، وحضارية الاستجابة والتحدي، وحضارية المواجهة شمولا وتكتيلا وتعبئة وتفعيلا. الوعي الحضاري في مكوناته لا يكون إلا بمعرفة الخصوم، ومن الوعي أن تنزل كل خصم منزلته، وأن تعرف أصول منازلته، فمعرفة المنزلة أول خطوة في أصول المنازلة،...
في هذه الأوقات الفارقة والأحداث الكاشفة علينا أن نتابع الدروس التي تعلمنا إياها معركة "طوفان الأقصى"، والتي تتعلق بكيف يمكن لمصطلحات العدو أن تغزونا بشكل أو بآخر أو تتسلل إلى مداركنا وعقولنا؛ وكيف أن المقاومة في ذات الوقت تفرض مفاهيمها الكبرى.. ضمن هذا السياق سنقدم في هذه السلسلة ما تمكن تسميته "قاموس المقاومة"، بما فيها التعرف على العدو وقصة فلسطين وصراع الأمة وتدافعها وهو عمل بحول الله سيكون موضع اهتمام في مجموعة من المقالات في هذه السلسلة التي فرضت نفسها على القلم. تحاول هذه السلسلة أن تجمع كل مفاهيم المقاومة وتؤكد عليها وتصنف تلك المفاهيم ضمن منظومات مهمة، خاصة تلك المفاهيم والأفكار والأحداث بل والأشخاص الذين يرتبطون بصراع الأمة مع الكيان الصهيوني، هذا الأمر إنما طرأ من خلال طوفان...