تقبل شهداءها الذين قضوا وهم يدافعون عن مدينتهم وأنفسهم أمام الموجات المتوالية من هجمات الجنجويد والمرتزقة من عدة دول في ظل صمت دولي يرقى الى درجة التواطؤ.
لا نملك إلا أن نسأل الله أن يثبت أبطال الفاشر وهم يواجهون الحصار والموت من كل مكان. لقد صمدوا وقاتلوا ببسالة دفاعا عن الفاشر وعن كل السودان وفعلوا كل ما في وسعهم وزيادة.
أمر محزن أن نرى مدينة الفاشر بأبطالها ومواطنيها وهي تواجه هذا المصير المأساوي. ولكن يجب أن نتذكر ونحن نرى هذه المسأساة بكل قسوتها أن هذه الحرب قد بدأت بضرب مركز الدولة ومؤسساتها وجيشها وهي حرب لكسر السودان وإخضاعه.
لقد قاتل الجيش تحت الحصار في العاصمة الخرطوم في ظل انهيار شبه كامل للدولة وللجيش نفسه. ولم تتعافى الدولة ولا الجيش بشكل كامل من ضربة الحرب الأولى حتى الآن رغم كل الانتصارات التي تحققت بعزم الرجال وتضحيات الشهداء. ولذلك تعثر التقدم في كردفان ولم يتمكن الجيش من الوصول إلى الفاشر.
لقد حاول الجيش التقدم أكثر من مرة في كردفان وفقدنا خيرة الرجال في المعارك. هذا هو الواقع ويجب على الجميع مواجهته.
بقدر حزننا على ما يحدث في الفاشر وما يعيشه مواطنها الأعزل من أهوال يعجز عن وصفها اللسان، يجب أن نفكر في القادم. فهذه الحرب بدأت بمحاولة السيطرة على مقرات الجيش ومؤسسات الدولة وأدت منذ بدايتها إلى شلل الدولة والتي لم تسترد عافيتها حتى الآن برغم كل ما تحقق، وها نحن قد نواجه مرحلة جديدة من الحرب.
فإذا أحكمت المليشيا السيطرة على دارفور، يمكنها أن تتحول من وضعية الدفاع إلى الهجوم مرة أخرى ومحاولة اجتياح كامل السودان بدعم خارجي مضاعف.
حقيقة الفاشر قاتلت نيابة عن كل السودان، وجنودها المحاصرون الآن إنما يدافعون عن كل السودان، لأن المليشيا إن تمكنت من دارفور سينتفتح أمامها المجال لمهاجمة باقي السودان. لقد أدوا واجبهم حتى النهاية، ووضعوا الشعب السوداني أمام المسئولية. فبرغم كل الصعوبات التي تعيشها الدولة بسبب الحرب ورغم كل التضحيات التي قدما ورغم المعاناة التي عاشها ويعيشها الشعب، تبقى هناك مساحة للمساءلة: ألم يكن بالإمكان أفضل مما كان؟
وذلك ليس بغرض التباكي والتلاوم والاتهام ولكن من أجل مواجهة القادم بشكل أفضل.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
غوتيريش: ما يجري في الفاشر تصعيد مروّع ينذر بتقسيم السودان
حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين، من أن المعارك الدائرة في مدينة الفاشر تمثل "تصعيدًا مروّعًا للنزاع في السودان"، بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المدينة التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور غربي البلاد.
وقال غوتيريش، في تصريحات أدلى بها للصحفيين في ماليزيا على هامش قمة إقليمية، إن "مستوى المعاناة الذي نشهده في السودان لا يمكن تحمله"، مشيرًا إلى أن ما يحدث في الفاشر "يعمّق الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم"، بحسب توصيف الأمم المتحدة.
وجاءت تصريحاته بعد إعلان قوات الدعم السريع، الأحد، أنها أحكمت سيطرتها على مدينة الفاشر عقب حصار استمر أكثر من عام، لتسقط بذلك آخر مدينة كبيرة كانت لا تزال تحت سيطرة الجيش في إقليم دارفور، ما اعتُبر تحولاً استراتيجياً في موازين القوى الميدانية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في نيسان/ أبريل 2023، قُتل عشرات الآلاف، فيما اضطر ملايين السودانيين للنزوح أو اللجوء إلى دول الجوار، وسط انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، بحسب تقارير أممية.
ويمهد سقوط الفاشر فعليًا لتقسيم السودان إلى مناطق نفوذ، بحيث يحتفظ الجيش بالسيطرة على الشمال والشرق والوسط، بينما تهيمن قوات الدعم السريع على دارفور وأجزاء من الجنوب، ما قد يُعيد البلاد إلى مشهد الحروب الأهلية المتعددة التي عرفتها في تسعينيات القرن الماضي.
وفي تعليق على الاتهامات المتزايدة بشأن التدخلات الخارجية في الحرب، قال غوتيريش إن "الصراع لم يعد مجرد نزاع سوداني داخلي"، مضيفًا أن "هناك قوى خارجية تزوّد أطراف الحرب بالأسلحة وتغذي استمرارها"، داعيًا المجتمع الدولي إلى "قول كلمته بوضوح، ووقف كل أشكال الدعم العسكري لهذه الأطراف".
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن استمرار تدفق السلاح والتدخلات الإقليمية يقوّضان أي فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أو حل سياسي شامل، داعيًا الأطراف المتحاربة إلى العودة إلى طاولة الحوار تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
وتعود جذور الصراع في إقليم دارفور إلى عام 2003، عندما أطلق الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير ميليشيات الجنجويد لمواجهة تمرد الحركات المسلحة غير العربية في الإقليم، ما أدى إلى مقتل نحو 300 ألف شخص ونزوح أكثر من 2.5 مليون آخرين وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ويُذكر أن عدداً من القادة الحاليين في قوات الدعم السريع كانوا ينتمون إلى تلك الميليشيات التي اتُهمت بارتكاب جرائم حرب وعمليات تطهير عرقي خلال تلك الفترة.
ويواجه السودان اليوم أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع اتساع رقعة القتال وتدهور الأوضاع المعيشية في مناطق واسعة، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن البلاد باتت على حافة الانهيار الكامل ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة تنهي الحرب وتنقذ المدنيين من الكارثة.