صحيفة البلاد:
2025-10-28@02:27:58 GMT

الإسقاط

تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT

الإسقاط

الإسقاط هو أحد أكثر الآليات النفسية، التي نمارسها دون وعي، حين ننسب للآخرين ما لا نريد الاعتراف به داخل أنفسنا. هو طريقة دفاع خفية يستخدمها العقل ليحمي صورة الذات من الانكسار، فنرى في الناس ما نخشى أن نراه فينا. من ينتقد الآخرين بأنهم متكبرون قد يخفي في أعماقه شعورًا بالنقص، ومن يتهم الناس بعدم الوفاء قد يكون هو من خذل نفسه أولًا.


تبدأ عملية الإسقاط حين يواجه الإنسان مشاعر لا يحتملها؛ كالغضب أو الغيرة أو الضعف، فيرفض الاعتراف بها في ذاته، فيُسقِطها على من حوله. بهذه الطريقة، يتخفف من ثقل الإحساس المؤلم، لكنه في الوقت نفسه يبتعد عن الحقيقة. فبدلًا من أن يرى نفسه بوضوح، يرى مرآة مشوشة من صنعه.
الإسقاط لا يحدث في العلاقات فقط، بل في كل مواقف الحياة. نراه في طريقة تقييمنا للناس، في أحكامنا السريعة، وحتى في فهمنا للأحداث. كل ما نحكم به على الآخرين قد يكون انعكاسًا لما نخاف مواجهته في داخلنا؛ لذلك.. الوعي بالإسقاط هو بداية النضج النفسي، لأنه يكشف لنا ما نجهله عن أنفسنا.
ولكي نتحرر من الإسقاط، علينا أن نتعلم التوقف لحظة قبل الحكم، وأن نسأل أنفسنا:” هل ما أراه في هذا الشخص يعكس شيئًا فيَّ؟” هذه المساءلة البسيطة قادرة على تحويل علاقاتنا، لأننا سنبدأ بفهم دوافعنا قبل أن نحاسب غيرنا. فالإسقاط يتلاشى حين يحلّ الصدق مع الذات.
كما أن الوعي بالإسقاط ليس اعترافًا بالضعف، بل شجاعة لفهم النفس. أن نرى ما في داخلنا بوضوح يعني أن نتحرر من إسقاطاتنا على الآخرين، وأن نبني علاقات تقوم على الفهم لا الدفاع. فكلما تصالح الإنسان مع ذاته، قلّ ما يُسقِطه على العالم من حوله.

fatimah_nahar@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

هل تستحق عُمان خيانة الأمانة؟!

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

"من ضيّع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة"، الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.

*****

لا يوجد شيء يتسبب في تعطيل خطط التنمية ويوقع الدول في التخلف عن ركب التقدم والازدهار أكثر من خيانة الأمانة؛ فهذه المسألة هي الباب الرئيسي للفساد، وهي النافذة التي يتمكن من خلالها أصحاب المصالح من الولوج إلى مآربهم التي يسعون خلفها، وتفعل خيانة الأمانة في الدول ما لا تفعله الحروب، حيث ينعكس أثرها بشكل مباشر على جميع الشرائح في المجتمع فتسوء الخدمات، وتنحدر العلاقة بين الحكومة والمجتمع وتنعدم الثقة بين أفراد المجتمع، إلى أن تفضي بهذه الدول إلى العنف والفوضى والتخلف.

يقول المولى عزَّ وجلَّ "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الأحزاب: 72)، هذه هي الأمانة كما وصفها الله سبحانه وتعالى وأخبر بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنها ثقيلة على السموات والأرض، فكيف بالإنسان الذي لا طاقة له، ولكنه ظلوم جهول على نفسه، ومن شدة ظلمه لنفسه لم يبالِ بما حمل فراح يعيث في الأرض الفساد، ويعتدي ويظلم ويُسيء إلى ربه سبحانه وتعالى وإلى الناس، فيأكل الحرام، ويستحله بكل إصرار وتكبر.

وربما هي طبيعة النفس البشرية التي جبلت على حب المال والغنى، تلك الطبيعة التي لو تركت على هواها لغلبها السعي للوصول إلى الغايات دون مبالاة بالوسيلة، حتى إن كانت هذه الوسيلة هي خيانة الأمانة والإفساد والانحراف، وهذه هي التي تدفع الإنسان إلى عدم النظر فيما يفعله، وتحمله على البحث عن الفرص المناسبة واغتنامها وتنفيذ كل ما يرغب فيه من كسب غير مشروع، وفي سبيل ذلك لا يتورع عن أي فعل مهما كان ظانًا أن ذلك تميزًا منه وذكاءً، "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران: 14).

لقد جاء تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة والذي عرض الجهاز منه نسخة للمجتمع، صادمًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فالمجتمع ينتظر من كل مسؤول نال ثقة القيادة ونال شرف الوظيفة أن يصون الأمانة، وأن يضع خدمة الناس نصب عينيه، وأن يحفظ المال العام حفظ النفس والروح، ولكن المجتمع صعق وصدم في بعض من ظن فيهم الخير، والذي ظن أن لا رقيب عليه، وأنه بلغ من الحنكة والذكاء ما يمكنه من الوصول إلى غاياته دون أن يكشف أمره، ونسي رقابة الرقيب القدير عليه، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ونسي أن هناك من يذل نفسه للحفاظ على موارد الوطن ومكتسباته.

هل جزاء هذه الثقة هو الخيانة؟ وهل تستحق هذه البلاد الطيبة أن يرد لها الجميل بالنكران؟ هل يليق بهذا الوطن العزيز أن يخان ويعتدى على موارده؟ هل وطن مثل عُمان تُخان أمانته وتُنهب خيراته، وهو الوطن الذي لم يضن على أبنائه بشيء؟ يقول السلطان الخالد قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- "إن الوظيفة أمانة ومسؤولية قبل أن تكون سلطة ونفوذًا"، كما كانت أولى كلمات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأبقاه- يوم تولى مقاليد الحكم "إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه". ولا أعلم كيف يستغل الموظف أو المسؤول سلطته ومنصبه الذي من المفترض عليه من خلاله أن يخدم الناس، فإذا به يستولي على المال العام، ويسعى لتحقيق مكاسب غير مشروعة، أو ان يسهل لفاسد قام برشوته لتحقيق غايته، ويجد المواطن نفسه وقد تحطمت اماله نتيجة هذا الفساد.

إنَّ خيانة الوطن من خلال هدر أمواله والاعتداء عليه تستوجب المحاسبة الشديدة، والتعامل الحازم دون تهاون أو رأفة، وحتى يرتدع من سوَّلت له نفسه القيام بذلك لابد من تطبيق القانون عليه بشكل مباشر، وما إشراك المجتمع في هذا الشأن إلّا تعزيزًا لمبدأ الشفافية والنزاهة التي انتهجتها الحكومة في هذا العهد، وما هو إلّا انعكاس لفكر القائد المفدى- حفظه الله- وإيمانه بأن هذا السرطان هو الخطر الأكبر على الأمة، ولذلك يجب علينا جميعًا أن نقف صفًا واحدًا في مواجهة من ينحرف عن المسار، ومن تسول له نفسه مد يده إلى المال العام؛ فالمواطن هو الحارس الأول على مكتسبات الدولة، وهو صاحب الحق في مراقبة المال العام، وهذا واجب إلزامي لا مناص منه حتى يظل هذا الوطن شامخًا ساميًا نزيهًا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مراد مكرم ينصح جمهوره بالالتزام بأدب الجلسة واحترام الآخرين في الحديث
  • بعد 75 عاما: ما زال الاحتلال عاجزا عن حماية نفسه
  • هل يطبق صلاح ما يعظ به الآخرين؟
  • السيسي: لم نظلم ولم نتعد على حقوق الآخرين (شاهد)
  • الرئيس السيسي: اتخاذ القرار مسئولية وقضيتنا عادلة ومصر لا تتعدى على حقوق الآخرين
  • الذكاء والغباء
  • تشديد العقوبات ضد الفاسدين
  • هل تستحق عُمان خيانة الأمانة؟!
  • الإفتاء توضح حكم إخفاء أغراض الآخرين وعمل مقالب على سبيل المزاح