لجريدة عمان:
2025-05-14@21:13:46 GMT

الذكاء الاصطناعي ضدّ غباء البشر

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

منذ عودتي من اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، سُئِلت مرارا وتكرارا عن أكبر ما خرجت به من نتائج هناك. بين القضايا التي نوقشت على نطاق واسع هذا العام كان الذكاء الاصطناعي ــ وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي («GenAI»). مع تبني نماذج اللغات الضخمة مؤخرا (مثل النموذج الذي يقوم عليه ChatGPT)، تنشأ آمال عريضة -ويعلو الضجيج- حول ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي في المستقبل.

للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نضع في الحسبان أن عالمنا يهيمن عليه الغباء البشري بدرجة أكبر كثيرا من خضوعه للذكاء الاصطناعي. ويؤكد انتشار التهديدات الجسيمة -والتي يشكل كل منها عنصرا في «الأزمة المتعددة» الأوسع- أن سياستنا مختلة بدرجة كبيرة، وأن سياساتنا مضللة إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن معالجة حتى المخاطر الأشد فداحة ووضوحا التي تهدد مستقبلنا، والتي تشمل تغير المناخ، الذي سيخلف تكاليف اقتصادية ضخمة؛ والدول الفاشلة، التي ستجعل الموجات من لاجئي المناخ أكبر؛ والجوائح المرضية الخبيثة المتكررة التي قد تكون أشد ضررا على المستوى الاقتصادي من جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).

ما يزيد الطين بلة أن منافسات جيوسياسية خطيرة تتطور لتتحول إلى حروب باردة جديدة ــ كتلك بين الولايات المتحدة والصين ــ أو حروب ساخنة محتملة الانفجار، كتلك الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط. وفي مختلف أنحاء العالم، تسبب اتساع فجوات التفاوت في الدخل والثروة، المدفوع جزئيا بالعولمة المفرطة والتكنولوجيات الموفرة للعمالة، في إشعال شرارة ردة فعل عكسية ضد الديمقراطية الليبرالية، وخلق الفرص للحركات السياسية الشعبوية والاستبدادية والعنيفة.

كما تهدد مستويات غير مستدامة من الديون الخاصة والعامة بالتعجيل باندلاع أزمات الديون والأزمات المالية، وربما نشهد عودة التضخم وصدمات العرض الكلي السلبية المسببة للركود التضخمي.

ويسير الاتجاه الأعرض على مستوى العالم نحو سياسات الحماية، وإلغاء العولمة، وفك الارتباط، ومحاولات الاستغناء عن الدولار. علاوة على ذلك، نجد أن ذات تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الجديدة الشجاعة التي قد تسهم في النمو ورفاهة البشر تنطوي أيضا على إمكانات مدمرة عظمى. فهي تُستَخدَم بالفعل للدفع بالمعلومات المضللة، والتزييف العميق، والتلاعب بالانتخابات إلى مستويات مفرطة، فضلا عن إثارة المخاوف بشأن البطالة التكنولوجية الدائمة، بل وحتى فجوات التفاوت الأشد اتساعا. ولا يقل عن ذلك شؤما صعود الأسلحة الذاتية التشغيل والحرب السيبرانية المعززة بالذكاء الاصطناعي.

في انبهارهم ببريق الذكاء الاصطناعي، لم يركز الحاضرون في دافوس على أغلب هذه التهديدات الجسيمة. ولم يكن هذا مفاجئًا. فمن خلال خبرتي، تشكل الروح السائدة في المنتدى الاقتصادي العالمي مؤشرا مضادا للاتجاه الذي يسلكه العالم حقا. الواقع أن صناع السياسات وقادة الأعمال متواجدون هناك لبيع كتبهم وتبادل العبارات المبتذلة. إنهم يمثلون الحكمة التقليدية السائدة، التي تستند غالبًا إلى رؤية عبر نافذة خلفية للتطورات العالمية وتطورات الاقتصاد الكلي.

ومن ثم، فعندما حذرت في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2006 من أن الأزمة المالية العالمية قادمة، انصرف الناس عني باعتباري من المتشائمين. وعندما توقعت في عام 2007 أن تواجه دول عِـدّة في منطقة اليورو قريبًا مشكلات الديون السيادية، اكـفَـهَـرَّ وجه وزير المالية الإيطالي ونَـهَـرَني لفظيا. وفي عام 2016، عندما سألني الجميع ما إذا كان انهيار سوق الأوراق المالية الصينية ينذر بهبوط حاد من شأنه أن يتسبب في تكرار الأزمة المالية العالمية، زعمت -وكنت محقا- أن الصين سوف تواجه هبوطا وعرا لكنه مُوَجّه.

خلال الفترة من 2019 إلى 2021، كان الموضوع المساير للموضة في دافوس فقاعة العملات الرقمية المشفرة التي انهارت ابتداء من عام 2022. ثم تحول التركيز إلى الهيدروجين النظيف والأخضر، وهو بدعة أخرى بدأت تتلاشى بالفعل.

عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، لا يخلو الأمر من احتمال كبير للغاية أن تعمل التكنولوجيا على تغيير العالم بالفعل في العقود القادمة. لكن تركيز المنتدى الاقتصادي العالمي على الذكاء الاصطناعي التوليدي يبدو في غير محله بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار أن تقنيات وصناعات الذكاء الاصطناعي في المستقبل سوف تذهب إلى ما هو أبعد من هذه النماذج.

لنتأمل هنا على سبيل المثال الثورة الجارية في مجال الروبوتات والتشغيل الآلي، والتي سَـتُـفـضي قريبا إلى تطوير روبوتات تحمل سِـمات شبيهة بالبشر وقادرة على التعلم والقيام بمهام متعددة على غرار البشر. أو تخيل ما قد يفعله الذكاء الاصطناعي للتكنولوجيا الحيوية، والطب، وفي نهاية المطاف صحة الإنسان ومدى حياته.

ولا تقل عن ذلك إثارة للاهتمام التطورات التي يشهدها مجال الحوسبة الكمومية، والتي ستندمج في نهاية المطاف مع الذكاء الاصطناعي لإنتاج تطبيقات متقدمة لكتابة الشفرة وتعزيز الأمن السيبراني. ينبغي أيضا تطبيق ذات المنظور البعيد الأمد على المناقشات التي تتناول المناخ.

لقد بات من المرجح على نحو متزايد ألا تُـحَـلّ مشكلة المناخ بالاستعانة بمصادر الطاقة المتجددة ــ التي تنمو ببطء أشد من أن يسمح لها بإحداث تغيير كبير ــ أو التكنولوجيات الباهظة التكلفة مثل احتجاز وعزل الكربون والهيدروجين الأخضر.

بدلا من ذلك، قد نشهد ثورة في مجال الطاقة الاندماجية، شريطة أن نتمكن من بناء مفاعل تجاري في غضون السنوات الخمس عشرة المقبلة. هذا المصدر الوفير للطاقة النظيفة الرخيصة، إلى جانب تحلية المياه غير المكلفة والتكنولوجيا الزراعية، من شأنه أن يسمح لنا بإطعام عشرة مليارات من البشر الذين سيعيشون على كوكب الأرض بحلول نهاية هذا القرن.

على نحو مماثل، لن تتمحور ثورة الخدمات المالية حول سلاسل الكتل اللامركزية أو العملات الرقمية المشفرة. بل ستتميز هذه الثورة بنوع من التكنولوجيا المالية المركزية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تعمل بالفعل على تحسين أنظمة الدفع، والإقراض وتخصيص الائتمان، والاكتتاب في التأمين، وإدارة الأصول.

وسوف يقودنا علم المواد إلى ثورة في المكونات الجديدة، وتصنيع الطباعة الثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيات النانو، والبيولوجيا التخليقية. كما سيساعدنا استكشاف الفضاء واستغلاله في إنقاذ الكوكب وإيجاد طرق لإنشاء أنماط حياة خارج الكوكب.

الحق أن هذه التكنولوجيات وغيرها كثير من الممكن أن تغير العالم نحو الأفضل، ولكن فقط إذا تمكنا من إدارة آثارها الجانبية السلبية، وفقط إذا استُـخـدِمَـت لحل كل التهديدات الجسيمة التي نواجهها. لا يملك المرء إلا أن يأمل أن يتغلب الذكاء الاصطناعي يوما ما على غباء البشر. لكنه لن يحظى بالفرصة أبدا إذا دمرنا أنفسنا أولا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المنتدى الاقتصادی العالمی الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

«كجوك»: 3 أولويات للسياسات المالية لدفع النشاط الاقتصادي وخفض مديونية الحكومية

نعمل على توسيع مساهمات القطاع الخاص في الاقتصاد المصري بحزم طموحة للتسهيلات الضريبية والجمركية

بدأنا تنفيذ 20 إجراءً بالضرائب و30 إجراءً آخر بالجمارك فى مسار محفز للاستثمار نستهدف تبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية وخفض تكاليف الإنتاج فى مصر نتوقع نتائج طموحة جدًا لمسار الثقة والشراكة والمساندة لمجتمع الأعمال تدفع جهود توسيع القاعدة الضريبية حققنا أعلى زيادة فى الإيرادات الضريبية منذ 2005 بنسبة 38٪ خلال العشرة أشهر الماضية دون فرض أى أعباء جديدة لدينا مساحة هائلة لتذليل تحديات ضريبية وكثير منها لا يحتاج لتعديلات تشريعية نستهدف خلق مساحة مالية كافية لزيادة الإنفاق على دعم تنافسية الاقتصاد والتنمية البشرية وخفض الدين

القطاع الخاص يتحرك بسرعة ويستحوذ على نحو 60٪ من إجمالي الاستثمارات خلال النصف الأول من العام المالى الحالى بمعدل نمو سنوي 80٪

مضاعفة مخصصات الحزم التحفيزية لمساندة الأنشطة الاقتصادية بالموازنة الجديدة 78 مليار جنيه أكبر مساندة استثنائية لتشجيع الأنشطة الصناعية والتصديرية والسياحية نعمل على أدوات تمويلية جديدة فى إطار استراتيجية خفض المديونية الحكومية ندرس طرح صكوك محلية.. وسندات تخاطب المواطن.. وأخرى للمصريين بالخارج حجم الدين الخارجى لأجهزة الموازنة تراجع بنحو 3 مليارات دولار العام الماضى ونستهدف خفضه خلال العام المالى الحالى بما يتراوح بين 1 إلى 2 مليار دولار

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أننا نعمل على 3 أولويات للسياسات المالية، لدفع النشاط الاقتصادي وخفض المديونية الحكومية، لافتًا إلى أننا نعمل أيضًا على توسيع مساهمات القطاع الخاص في الاقتصاد المصري بحزم طموحة للتسهيلات الضريبية والجمركية.

وقال "كجوك"، فى المؤتمر السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إننا بدأنا تنفيذ 20 إجراءً بالضرائب و30 إجراءً آخر بالجمارك فى مسار محفز للاستثمار، موضحًا أننا نستهدف تبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية وخفض تكاليف الإنتاج فى مصر.

أضاف أننا نتوقع نتائج طموحة جدًا لمسار الثقة والشراكة والمساندة لمجتمع الأعمال تدفع جهود توسيع القاعدة الضريبية، لافتًا إلى أننا حققنا أعلى زيادة فى الإيرادات الضريبية منذ عام 2005 بنسبة 38٪ خلال العشرة أشهر الماضية دون فرض أى أعباء جديدة.

أشار إلى أننا لدينا مساحة هائلة لتذليل تحديات ضريبية، وكثير منها لا يحتاج لتعديلات تشريعية، مؤكدًا أننا نستهدف خلق مساحة مالية كافية، لزيادة الإنفاق على دعم تنافسية الاقتصاد والتنمية البشرية وخفض الدين.

وقال الوزير، إن القطاع الخاص يتحرك بسرعة، ويستحوذ مؤخرًا على نحو 60٪ من إجمالي الاستثمارات خلال النصف الأول من العام المالى الحالى بمعدل نمو سنوي 80٪.

أكد كجوك، أنه تمت مضاعفة مخصصات الحزم التحفيزية لمساندة الأنشطة الاقتصادية بالموازنة الجديدة للعام المالي المقبل، موضحًا أنه تم تخصيص 78 مليار جنيه أكبر مساندة استثنائية لتشجيع الأنشطة الصناعية والتصديرية والسياحية.

أضاف: نعمل على أدوات تمويلية جديدة فى إطار استراتيجية خفض المديونية الحكومية، حيث ندرس طرح صكوك محلية، وسندات تخاطب المواطن، وأخرى للمصريين بالخارج، لافتًا إلى أن حجم الدين الخارجى لأجهزة الموازنة تراجع بنحو 3 مليارات دولار العام الماضى، ونستهدف خفضه خلال العام المالى الحالى بما يتراوح بين 1 إلى 2 مليار دولار

مقالات مشابهة

  • المجلس الاقتصادي: ضعف التأطير والإرشاد الفلاحي من أهم الاكراهات التي تواجه الفلاحة العائلية
  • «المالية» تنظم خلوة حول الذكاء الاصطناعي
  • «كجوك»: 3 أولويات للسياسات المالية لدفع النشاط الاقتصادي وخفض مديونية الحكومية
  • عندما يتحدث البشر.. هل يفهم الذكاء الاصطناعي ما بين السطور ؟!
  • هل الذكاء الاصطناعي يصبح أكثر تشابهًا مع البشر؟ اكتشاف مفاجئ يغير كل شيء!
  • التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي
  • الإفتاء تُنهي استعداداتها لعَقد مؤتمرها العالمي العاشر حول "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"
  • مسؤول بهيئة قطر للأسواق المالية مسودة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في سوق المال القطري.. قريبا
  • دار الإفتاء تُنهي استعداداتها لعقد مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»
  • الإفتاء تستعد لمؤتمر “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”