الجزيرة:
2024-06-11@23:05:41 GMT

الحرب والسلام في زمن الروبوتات والذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT

الحرب والسلام في زمن الروبوتات والذكاء الاصطناعي

هل أضعت ثقتك بالإنسانية؟.. تقفز هذه الجملة إلى الأذهان وكأنها تحمل عبئا كبيرا من الشك والتساؤل، فمع تصاعد الأحداث والمآسي في العالم، ومع انكشاف الحقائق المريرة، بدأت ثقتنا بالإنسانية تتلاشى تدريجيا.

ففي قطاع غزة، يواجه أكثر من 2.3 مليون شخص معاناة الإبادة والجوع. ومع توقف بعض الحكومات عن دعم وتمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تظهر حقيقة قاسية، وهي أن الإنسانية قد خذلت الإنسان بجدارة، وحان الوقت كي نزرع آمالنا في أجسام غير بشرية تسمى اليوم الذكاء الاصطناعي.

في ظل هذه الأحداث المأساوية، يبرز لنا الذكاء الاصطناعي كموضوع مثير للجدل، إذ تتقاطع الأفكار بين خوف ورجاء، وتبرز الحاجة الماسة إلى فهم طبيعة الذكاء الاصطناعي وكيفية عمله. فعبر هذا الفهم فقط، يمكننا معرفة ما إذا كان سيتخذ زمام المبادرة يوما ما لقيادة البشرية نحو مستقبل مشرق، أم أنه سيكون الآلية التي تعجل زوالنا.

التكنولوجيا أم الإنسان؟

لعب دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية دورا محوريا في النزاعات الأخيرة، وأدى إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين.

إن عسكرة الذكاء الاصطناعي لها آثار خطيرة على الأمن العالمي، بما في ذلك تطوير ونشر أنظمة الأسلحة الفتاكة التي يمكن أن تعمل دون تدخل بشري، مما يزيد من الهيمنة العسكرية للدول المتقدمة تقنيا على دول العالم الثالث.

فالأسلحة التقليدية التدميرية أصبحت أكثر ذكاء بواسطة الذكاء الاصطناعي، والذي يُستخدم -على سبيل المثال لا الحصر- في تحليل لقطات الطائرات بدون طيار، وغيرها من مصادر المعلومات الاستخباراتية لتحديد الأهداف، والصواريخ الموجهة، وأنظمة التجسس المتقدمة.

وهذا ما فعلته إسرائيل لاختيار وتوسيع أهدافها في الحرب على غزة، فقد استخدمت نظام ذكاء اصطناعي يسمى "حبسورا" الذي سرّع وتيرة الاستهداف، إذ يعمل النظام على استخراج كميات كبيرة من المعلومات من مصادر مختلفة مثل بيانات الاتصالات ولقطات الطائرات وبيانات المراقبة، ومن ثم تحليلها وإنتاج توصيات للأهداف.

ويثير هذا التحول تساؤلات عميقة عن تأثير التقدم التقني على جوهر الإنسانية وتقديرها للحياة، فاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب يعد قضية معقدة تتطلب دراسة متأنية لآثارها الإنسانية والقانونية والأخلاقية والأمنية.

وهو ما يعيد التساؤل عن تأثير التكنولوجيا المدمرة على إنسانيتنا، فهل هي التي تشوه إنسانيتنا، أم أن التشوه متأصل فينا والتكنولوجيا مجرد مرآة تعكسه؟

إسرائيل استخدمت نظام ذكاء اصطناعي يسمى “حبسورا" سرع وتيرة الاستهداف في حرب غزة  (غيتي) بناء آلة أخلاقية

ترى الأستاذة المشاركة في مركز بيركمان كلاين للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفرد الدكتورة باولا ريكورتي، أن الذكاء الاصطناعي المهيمن أصبح قوة قادرة على ارتكاب العنف من خلال ثلاث عمليات معرفية هي: تحويل البيانات عبر الاستخراج وانتزاع الملكية، والخوارزمية عبر الوساطة والحوكمة، والأتمتة عبر العنف وعدم المساواة وإزاحة المسؤولية.

ووجدت باولا أن هذه الآليات المعرفية المفصلة تؤدي إلى تطوير أنظمة تصنيف عالمية تعزز عدم المساواة المعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بين شعوب العالم المختلفة.

ومع أن هذه الأمور تمثل تحديا أمام تبني الإنسان للذكاء الاصطناعي، إلا أنه يبدو في المقابل أن هناك فرصة للتقدم والتحسين في جميع جوانب الحياة البشرية بنظر عالم الحاسوب والمخترع راي كورزويل الذي اشتهر بعمله في مجال الذكاء الاصطناعي وتوقعاته عن مستقبل التكنولوجيا.

فكورزويل -وهو أحد المتفائلين بمستقبل الذكاء الاصطناعي- يرى أن هذه التكنولوجيا ستكون المفتاح لمواجهة التحديات العالمية الكبرى التي تهدد الإنسانية، كما يرى كورزويل أن الاندماج مع هذا الذكاء الاصطناعي سيفتح أبوابا لا محدودة من الإمكانيات، مما يسمح لنا بتجاوز القيود البيولوجية التي تعوقنا على تعزيز قدراتنا بشكل هائل.

ويعتقد كورزويل أنه من خلال التحسينات المستمرة في الذكاء الاصطناعي، ستصبح الإنسانية قادرة على تحقيق إنجازات لم يسبق لها مثيل، وذلك عبر توظيف القدرات العقلية الفائقة التي يمكن أن يوفرها هذا النوع من التكنولوجيا.

لا شك في أن تنبؤات كورزويل تبعث الأمل في مستقبل الخلاص البشري، غير أن المعادلة الحتمية في زيادة القدرة البشرية تقابلها زيادة في الضرر وقوة التدمير. لكن تبقى القيم الأخلاقية هي الرادع الأكثر فعالية لتجنب الصراعات المدمرة، لهذا يجب أن يكون هناك وعي بماهية القيم الإخلاقية.

هل هناك آلة واعية؟

شهد الذكاء الاصطناعي تطورا كبيرا في السنوات الماضية في مجالات كثيرة مثل تطوير الصناعات، ومعالجة اللغة الطبيعية، وتشخيص الأمراض وإنتاج العلاجات، وصناعة الروبوتات.. ومع ذلك لا تزال هذه التطورات ضمن خارطة الذكاء الاصطناعي الضيق، ومفهوم الوعي يظل موضوعا معقدا ومثيرا للاهتمام.

وكان الفيلسوف جون سورل وضع أساس حجته الفكرية التي تسمى "الغرفة الصينية" لتحدي الادعاء بأن الآلة التي تستطيع تشغيل برنامج من خلال أوامر معينة ستمتلك "عقلا" أو "وعيا" مشابها للإنسان، والهدف من التجربة هو تفنيد الآراء الداعمة لإمكانية وجود ذكاء اصطناعي قوي وواع.

في الغرفة الصينية يُفترض وجود شخص لا يفهم اللغة الصينية داخل غرفة مغلقة، ولكن من خلال قواعد مكتوبة، يستطيع الشخص الرد بالصينية بحيث يجزم الشخص الموجود خارج الغرفة أن الشخص الذي في الغرفة يفهم الصينية.

وكما هو الشخص في داخل الغرفة لا يعرف الصينية حتى لو استطاع الإجابة على أسئلة بهذه اللغة، فإن الحاسوب الذي يستخدم برنامج محادثة ذكية بالصينية أيضا لا يفهم المحادثة، ويستنتج إجاباته بناء على قواعد وبرمجيات لا تمنح القدرة على فهم الصينية أو إضفاء العقل أو الوعي على الحاسوب.

وبغياب الوعي يفتقد الذكاء الاصطناعي الحالي القدرة على قيادة البشرية أو القضاء عليها، وتعتبر مهمة تطويرها إلى الأفضل صعبة.

ويوافق عالم الذكاء الاصطناعي يان ليكون هذا التوجه، فيرى أن الذكاء الاصطناعي ليس ذكيا حتى مثل الحيوانات الأليفة، وأن الأنظمة الحالية بعيدة عن الوصول إلى بعض مظاهر الوعي التي تجعلها ذكية.

فالآلة ليس لها إدراك بماهية العنف، وليس لديها الأسباب لممارسته، لكن الإنسان وظفها لتخدم مصالحه العاثرة بطرق قد لا تعي الآلة نفسها أنها تمارس عنفا تجاه آخرين. فإذا كنا خائفين من محاربة الذكاء الاصطناعي للبشر، ألا يجب علينا أن نتوقف نحن بدورنا عن ممارسة هذا العنف؟

ولكن حتى لو تمكن الذكاء الاصطناعي الحالي من الحصول على الوعي، فهناك أمر أهم يجب أن يمتلكه حتى يتمكن من التفوق على البشر والسيطرة عليهم؛ وهو الدافع.

دوافع الآلة

الدوافع ويعبر عنها بالإنجليزية بالكلمة (motivation) وهي كلمة لاتينية مشتقة من كلمة (mover) وتعني التهيؤ للفعل أو الحركة، وهي عملية فسيولوجية تهيئ الجهاز العضوي إلى العمل النفسي وتلبيه الحاجات والرغبات والدوافع، وهي محركات لسلوك الكائن الحي تجعله يتحرك وينشط باتجاه هدف ما. وبحسب شدة الدافع قد تجعله يستمر في ذلك النشاط أو يوقفه أو يزيد من فاعليته.

في كتابه "لماذا تحارب الأمم.. دوافع الحروب في الماضي والمستقبل"، يحدد ريتشارد نيد ليبو أربعة دوافع أساسية لبدء الحروب بين الدول، وتشمل هذه الدوافع الخوف من تهديد آخر، أو المصلحة الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، أو الرغبة في الحفاظ على المكانة وتعزيزها، أو الانتقام من الظلم. وتعتبر هذه الدوافع عوامل مهمة في تشكيل الديناميكيات السياسية الدولية اليوم.

والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له تأثير في تشكيل السياقات السياسية التي قد تؤدي في النهاية إلى النزاعات أو الحروب، لكنه لا يمتلك دوافع بحد ذاته، حيث يعتبر مجرد أداة تقنية تعتمد على البرمجة والبيانات لتنفيذ المهام واتخاذ القرارات.

فعلى الرغم من أنه يمكن تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة قادرة على ترشيح القرارات في السياقات العسكرية، فإن القرار النهائي يظل خاضعا للإرادة البشرية.

الروائي الأميركي إسحاق أوزيموف وضع مبادئ أخلاقية للذكاء الاصطناعي تُختصر بـ3 قوانين سميت شريعة أوزيموف (غيتي) أنسنة الآلة

في سعيهم الدؤوب لتطوير التكنولوجيا، حاول العلماء جعل الروبوتات تشبه الإنسان، وبحثوا عن طرق لتجسيد الحركات والسلوكيات العضوية للبشر في هذه الآلات. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققوه، فإن التحديات لا تزال تواجههم في محاولات أنسنة الروبوتات.

فقد عملوا على وضع صفات بشرية في هيئتها بغرض تقريب مظهرها من المظهر البشري حتى وإن كانت لا تخدم وظيفتها، مثل حركة رمش العين. ولكن رغم الجهود المبذولة، فإن الروبوتات لا تزال تفتقر إلى الدقة والنعومة في تقليد تلك الحركات.

وقد بذل الكتاب والفلاسفة محاولات مستميتة لزرع العواطف البشرية في الروبوتات في كتاباتهم، بحيث يصبح لها قلب ينبض بالحياة. وبينما عجزت هذه المحاولات عن إدخال شرارات الحب والغضب والانتقام في دواخل هذه الآلات، فإنها رسمت تصنيفا غريبا في مخيلة البشر لهذه الآلات بين آلات خيرة وآلات شريرة.

إن تطور التكنولوجيا قدم خطوات كبيرة، لكن الروبوت الذي لا يستطيع حتى رفع عينه كالبشر، يبقى بعيدا عن القدرة على خلق جميع تلك التفاعلات الكيميائية الغامضة التي تولّد المشاعر الإنسانية.

شريعة أوزيموف

وعلى سبيل الفلسفة الروائية، وَضعت قصص الروائي الأميركي وأحد أشهر مفسري العلوم إسحاق أوزيموف؛ المبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، والتي اختصرها في ثلاثة قوانين أساسية:

الأول: أنه لا يجوز للروبوت أن يؤذي إنسانا أو يسمح للإنسان أن يصاب بأذى. الثاني: أنه يتحتم على الروبوت أن يطيع الأوامر التي يعطيها له البشر إلا إذا كانت هذه الأوامر تتعارض مع القانون الأول. الثالث: يجب أن يحمي الروبوت وجوده طالما أن هذه الحماية لا تتعارض مع القانون الأول أو الثاني.

وعلى الرغم من أن شريعة أوزيموف للروبوتات هي تعليمات مدمجة في قصصه وليست قوانين علمية، فإنها كانت ذات أهمية كبيرة في المناقشات المتعلقة بالتكنولوجيا، وقام العديد من العلماء البارزين في الذكاء الاصطناعي بمناقشتها ومنهم راي كورزويل ، ومؤسس شركة "آي روبوتس"، ورودني بروكس، وعالم الروبوتات دانيال ويلسون.

واليوم بدأنا نشهد ونلمس الضرر الفعلي للذكاء الاصطناعي وخصوصا في مجال الأعمال العسكرية. ومع تزايد هذه التحديات، يصبح من الضروري تبني إطار قانوني وأخلاقي صارم للتحكم في استخدامات الذكاء الاصطناعي وضمان استخدامه بطريقة تضمن العدالة واحترام الحقوق الأساسية للأفراد؛ كل الأفراد.

لا شك في أن الآلات أصبحت تشبهنا أكثر فأكثر، ليس فقط في شكلها، بل أيضا في طريقة تفكيرها. وهنا ربما مكمن الخطر، إذ يصعب تمييزها عنا وعن أفكارنا ورغباتنا.

فربما الخوف من الآلات لدى البشر ليس بسبب رغبتها الظاهرة في إيذاء البشرية، ولكنه بسبب محاولاتنا لجعلها تشبهنا أكثر. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن البشر يخافون بشكل أكبر من تلك الكيانات التي تشبههم، والتي -بسبب تعقيداتها- قد تنطلق في مسار لا يمكن التنبؤ به، إما للخلود أو للفناء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی ذکاء اصطناعی من خلال أن هذه

إقرأ أيضاً:

السيسي شجَّع على الالتحاق به.. أبو هشيمة يستعرض تقرير الشيوخ بشأن الشباب والذكاء الاصطناعي

كتب- نشأت علي:

بدأ مجلس الشيوخ، خلال جلسته العامة اليوم الأحد، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، في مناقشة ملف الذكاء الاصطناعي، من خلال تقرير لجنة الشباب والرياضة، عن موضوع "الشباب والذكاء الاصطناعي.. الفرص والتحديات".

واستعرض النائب أحمد أبو هشيمة، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ، تقرير اللجنة، مؤكدًا أهمية الدراسة المتخصصة التي تناولت موضوعًا يتعلق بالمستقبل وبنائه والخوض في غماره، مؤكدًا أن موضوع الذكاء الاصطناعي وتطوراته وانعكاساته بإيجابياته وسلبياته إنما يمثل ركيزة النظر إلى المستقبل وكيفية الاستعداد له والتعامل مع متطلباته واستحقاقاته.

ولفتت اللجنة، في تقريرها، إلى مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية في أبريل الماضي، أولياء أمور الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة؛ ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية، أن يشجعوا أبناءهم على الالتحاق بالمجالات التكنولوجية الحديثة التي تدر على ذويهم وعلى الدولة مليارات الدولارات سنويًّا، وكان يقصد بهذا مجال الذكاء الاصطناعي.

وقالت اللجنة في التقرير: الحقيقة إن هذه الكلمات لم تكن الأولى من نوعها؛ وإنما سبق وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كثير من كلماته وتصريحاته أهمية أن يكون عملنا صوب المستقبل، وأن يكون استعدادنا لكيفية التعامل مع استحقاقاته وتطلعاته، وهذا المستقبل مرتبط بالتطورات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ كونه المجال الأكثر ارتباطًا بعصر المعرفة التي أضحت المهارة الأكثر ضرورة في اكتسابها؛ لتمكين شبابنا من العيش في العالم المتجه صوب الافتراضي.

وكشف التقرير أن الدراسة التي تتناول الشباب والذكاء الاصطناعي، جاءت في ضوء الالتزام الدستوري المحدد في المادة 82 منه بأن تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.

وتابع تقرير اللجنة: هذا يستوجب أن نضع الرؤى والأفكار والمقترحات التي تعالج مختلف قضايا المستقبل في حياة الشباب والنشء؛ حيث إنه من غير المقبول أن نغفل في ظل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية الولوج إلى تناول قضايا الذكاء الاصطناعي وانعكاساته على حياة الشباب ومستقبلهم.

وأكد التقرير أن موضوع الذكاء الاصطناعي من الموضوعات المتشعبة ذات الأبعاد المتعددة؛ حيث يرتبط بجميع جوانب الحياة، إذ لا يمكن أن نغفل دوره في الاقتصاد أو الصناعة أو التجارة أو التعليم أو الصحة أو الفضاء أو التسليح أو الثقافة أو الزراعة وغيرها، إلا أنه من الصحيح كذلك أن ما ارتأته اللجنة هو أن كل هذا يرتبط بالمستقبل، وأن المستقبل مرتبط بالشباب وتمكينهم وإعدادهم الإعداد القادر على جعلهم مؤهلين للولوج في المستقبل، متسلحين بأدواته وآلياته، مدركين متطلباته واحتياجاته.

ولفتت اللجنة إلى حرصها على جملة من المفاهيم الأساسية والأفكار الرئيسية وتطرح المقاربات والرؤى العملية والعلمية التي تهدف إلى مساعدة أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع بمختلف تكويناتها وأشكالها، في تقديم رؤاهم وتركيز جهدهم في كيفية التعامل مع قدوم الوافد الجديد المتمثل في الذكاء الاصطناعي، بما يفرضه من تحديات وما يتيحه من فرص.

وأكدت اللجنة أن الدراسة تلقي الضوء بشكل دقيق ومحدد على جوهر انعكاسات الذكاء الاصطناعي على فرص العمل لدى الشباب؛ حيث استعرضت بشكل تفصيلي التمييز بين مرحلتين من مراحل التطور التكنولوجي، وهما مرحلة التحول الرقمي ومرحلة الذكاء الاصطناعي.

وأوضحت اللجنة أن هناك خلطًا في الدراسات بينهما وكأنهما مرحلة واحدة، في حين أن ثمة تمايزًا بينهما، وهذا التمايز لا يعني التباين أو الاختلاف، بقدر ما يعني التكامل بينهما، في ظل ما تفرضه كل مرحلة من تحديات على المجتمع والفرد.

وكشف التقرير أن الدراسة خلصت إلى أن التحول الرقمي مرحلة سابقة لمرحلة الذكاء الاصطناعي، وإن ترك كل منهما تأثيرًا كبيرًا على مجال سوق العمل وفرصه أمام الشباب؛ حيث أدى كل منهما إلى اختفاء العديد من الوظائف والمهن التي كانت سائدة في المجتمع، الأمر الذي قلَّص من عدد الفرص أمام الشباب في سوق العمل، إلا أنه على الجانب الآخر فتحت كل مرحلة فرصًا أخرى واعدة وإن تطلب اغتنامها اكتساب مهارات متطورة ومعارف محددة، وهذا هو جوهر هذه الدراسة وغايتها.

وجاء في التقرير أن الدراسة حاولت البحث في تأثيرات الذكاء الاصطناعي على فرص العمل لدى الشباب؛ لوضع الحلول والمقترحات والتوصيات التي يمكن أن تُسهم في التخفيف من حدة أزمة البطالة المتصاعدة في ظل ضعف الإمكانات والمهارات المتاحة لدى الشباب إذا لم يدرك استحقاق هذا القادم مع الإشارة إلى الجهود الحكومية المبذولة في هذا الخصوص.

وأوصت اللجنة بتوجيه المزيد من الاهتمام إلى تطوير رأس المال البشري عبر المزيد من التركيز على العملية التعليمية والبحوث العلمية؛ بما يضمن المواءمة بينها وبين متطلبات وحاجات سوق العمل من حيث الأهداف والمنهج والمحتوى والخبرات العملية والمشاركة الإيجابية، لرفع كفاءة مخرجات المؤسسات التعليمية؛ خصوصًا مؤسسات التعليم العالي.

وشددت اللجنة على أهمية استكمال تحسين المناخ الاستثماري، وإرساء مبدأ الشفافية والعمل على توفير البيانات عن النشاط الاقتصادي والمتغيرات الكلية القومية ونشرها، والإعلان عن توجهات الحكومة وسياساتها بشكل واضح، جنبًا إلى جنب مع حصر التشريعات التي تشكل تحديًا للاستثمار، وإعداد التشريعات اللازمة لتعديلها وسرعة حسم المنازعات الاستثمارية، فضلًا عن ضرورة توحيد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في هذا المجال، وفقًا للمتبع عالميًّا.

ودعت اللجنة إلى إطلاق برنامج تحفيزي للحفاظ على فرص العمل والمشروعات، مشيرةً إلى أن العديد من الدول ذات الدخل المتوسط والمرتفع، اتخذت بشكل صريح حماية العمال والمشروعات، مع احتواء حالات الإفلاس والفقر عبر السماح بارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وأكدت اللجنة ضرورة أن ينطوي برنامج الانتعاش على ما هو أكثر من تعزيز الطلب الإجمالي قصير الأمد، من خلال مزيج من الأدوات النقدية والمالية لمعالجة التحديات طويلة الأمد في مصر؛ مثل العجز في العمل الماهر والتعليم الفني، أو الابتكار والبحث والتطوير، أو فاتورة الطاقة.

ونوهت اللجنة بأهمية إعداد الدراسات المستمرة بشأن خريطة وظائف المستقبل؛ لبناء كوادر شابة تغطي احتياجات سوق العمل في المستقبل القريب، من خلال تصميم برامج تدريبية ودورات مكثفة معتمدة على الوصف الوظيفي الدقيق للوظائف الجديدة المحددة للخريجين بسوق العمل، بالإضافة إلى تطوير المناهج والسياسات التعليمية، بما يتناسب مع متطلبات مستقبل الوظائف، في إطار التحول نحو تحسين مهارات العاملين وإعادة تأهيلهم للتكيف مع الأدوار الجديدة التي يمكن أن تخلقها تقنيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي سيتطلب مزيجًا من المهارات الفنية والمهارات الشخصية.

وأكدت اللجنة ضرورة أن ترتكز استراتيجية التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في مصر على العنصر البشري ومدى تمتعه بالإمكانات اللازمة للمواءمة مع قدرات الذكاء الاصطناعي.

واقترحت اللجنة في تقريرها أهمية التفاعل مع كيانات التصنيع المتقدمة التي تعد روادًا في تبني الأتمتة والروبوتات، من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي للصيانة التنبؤية وتحسين سلسلة التوريد، ويمكن لهذه الكيانات عرض الوفورات الكبيرة في التكاليف والمكاسب في الكفاءة، مشجعةً على التبني الأوسع في الصناعة.

وأوصى تقرير اللجنة، بالتعاون مع شركات السياحة الرقمية الناشئة التي تستخدم تحليلات البيانات التجارب العملاء الشخصية، موضحةً أنه يمكن لهذه الشراكات دفع التبني للذكاء الاصطناعي في تعزيز تجربة السائح، من التوصيات السياحية الشخصية إلى خدمة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، محددة معيارًا جديدًا للقطاع.

مقالات مشابهة

  • المحلل هال براندز: هكذا سيقودنا الذكاء الاصطناعي إلى الحرب العالمية الثالثة
  • بعد إحالتها لرئيس الجمهورية.. 10 توصيات لـ "الشيوخ" بشأن دراسة الشباب والذكاء الاصطناعي (تفاصيل)
  • محلل أمريكي: الذكاء الاصطناعي يهدد بعصر جديد من الصراعات الدولية
  • الشيوخ يستكمل مناقشة فرص وتحديات الشباب والذكاء الاصطناعي
  • فيبي فوزي: جذب الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية ما زال يحتاج مزيدا من التشريعات
  • مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة دراسة تحديات الشباب والذكاء الاصطناعي
  • السيسي شجَّع على الالتحاق به.. أبو هشيمة يستعرض تقرير الشيوخ بشأن الشباب والذكاء الاصطناعي
  • الشيوخ يناقش دراسة حول «الشباب والذكاء الاصطناعي.. الفرص والتحديات»
  • اليوم.. مجلس الشيوخ يناقش تقريرًا حول الذكاء الاصطناعي
  • صانع ChatGPT يتجاهل التهديد القاتل الذي يشكله الذكاء الاصطناعي