الحرب والموت جوعا في السودان
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
في يناير الماضي، أطلق مركز «فكرة» للدراسات والتنمية نداء يدعو فيه الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية إلى الإعلان عن حالة المجاعة الكارثية من المستوى الخامس على الصعيد القومي في السودان.
وجاء في النداء أنه ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في 15 ابريل/نيسان 2023، تضافرت وتداخلت جملة من العوامل في تركيبة كارثية ومميتة من جراء الاقتتال المباشر اشتملت على النزوح والتشرد وشح المدخلات الزراعية والدمار الذي حاق بالبنية التحتية للصناعات الغذائية والخدمات الصحية في السودان، لتضع أكثر من 24 مليون سوداني (حوالي 60٪ من التعداد الكلي للمواطنين) في حاجة مباشرة للمساعدات الإنسانية، وحوالي 19.
والجدير بالذكر أن النسبة المتعارف عليها عالميا والتي بموجبها يتم إعلان المجاعة في بلد ما، هي عندما يصل تأثير المجاعة إلى 20 في المئة من تعداد السكان. وجاء في النداء، أن مساحة الأراضي التي تم زراعتها هذا العام تناقصت الي 37 في المئة بالمقارنة مع الأعوام السابقة. كما أن هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، منع زراعة مليون فدان في الموسم الزراعي الحالي، والتي كان من المفترض زراعتها بالمحاصيل الغذائية، فيما أدى تعطيل سلاسل الإمداد بالمدخلات الزراعية الي نقصان المساحة المزروعة بالقمح بنسبة 70 في المئة على الأقل. أيضا، لم تسلم مخازن صندوق الغذاء العالمي من عمليات النهب المتعددة خلال هذه الحرب، وكان آخرها في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، 2023، عندما قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، ونهب مخزون الأغذية التي كان من المخطط لها أن تغطي الحاجة الغذائية لمليون ونصف المليون مواطن سوداني لمدة شهر، بالإضافة الى معالجة أوضاع سوء التغذية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
وتزايدت حالات الوفاة نتيجة لانعدام الغذاء في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في المناطق المحاصرة والمتأثرة بالصراع بشكل مباشر مثل الخرطوم ودارفور، فيما ألقت أوضاع الحرب ايضاً بآثارها على الأوضاع الإنسانية في المناطق خارج سيطرة الجيش والدعم السريع، في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وهي مناطق كانت تشهد بالأساس أوضاعا إنسانية صعبة. أما العجز في تمويل احتياجات المعونة الغذائية التي يحتاجها الوضع في السودان فقد بلغ 75.9 في المئة.
ومن المؤكد أن الوضع الغذائي والصحي في البلاد يتدهور يوميا مع استمرار القتال، حيث ترصد تقارير المنظمات العالمية وفاة طفل كل ساعتين في دارفور، وأن 5 في المئة فقط من السكان يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم، كما ترصد أن أعدادا كبيرة من المزارع الصغيرة والكبيرة قد هجرها أصحابها بسبب فرارهم من القتال، وخاصة في قرى ولاية الجزيرة التي اجتاحتها قوات الدعم السريع. ان هذه الأرقام ليست أعدادا مجردة، بل هي تعكس معاناة حقيقية ومتزايدة وسط السودانيين، مقابل ضعف الاستجابة من منظومات المجتمع الدولي، وتقصير العالم في أن يولي هذه المعاناة ما تستحق من إهتمام، وهو أمر معيب وغير مقبول.
ومن ناحيته، في فبراير/شباط الجاري، حذر السيد بيتر غراف ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان من أن شعب السودان يواجه الموت بسبب استمرار العنف وانعدام الأمن ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، مشيرا إلى أن الأمل ضئيل في التوصل إلى حل سياسي في الأفق القريب.
وكان التقرير التنفيذي لمؤتمر القضايا الإنسانية في السودان، والذي عقد في القاهرة خلال الفترة من 18 إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم، بتنظيم من مركز «فكرة» وعدد من المنظمات الحليفة، قد أشار في إحدى فقراته إلى تأثيرات الحرب المدمرة على الاقتصاد السوداني، حيث تجاوزت الخسائر المقدرة، حتى تاريخ إنعقاد المرتمر، 15 مليار دولار، ما يعادل 48 في المئة من الناتج المحلي بحلول نهاية العام 2023، وانخفض متوسط دخل الأسرة بنحو، 40 في المئة وفقد حوالي 50.3 في المئة من القوى العاملة السودانية وظائفهم، بينما تقلص الاقتصاد إلى نصف حجمه في فترة ما قبل الحرب. كما أبان التقرير أن نداء الأمم المتحدة المنقح لخط الاستجابة الإنسانية في السودان لم يتم تمويله إلا بنسبة 39 في المئة فقط حتى ديسمبر من العام الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير اشتمل على مقترح بخطوط عامة لخطة عمل واسعة النطاق لتنفيذ توصيات المؤتمر، ويجري الآن التشاور مع المنظمات الوطنية والعالمية حول آليات التنفيذ المناسبة.
إن المطلوب من وكالات الأمم المتحدة ومنظومات الإغاثة العالمية، ليس الارتقاء بجهود الإغاثة المتعلقة بالكارثة الإنسانية في السودان على المستوى الذي تعكسه هذه الأرقام ومعاناة السكان التي تتضاعف يوميا فحسب، وإنما المطلوب أن تعلن الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية حالة المجاعة الحادة في السودان على المستوى القومي، والتعامل مع الوضع في البلاد على هذا الأساس. فكل المؤشرات والأرقام تتطابق مع معايير حالة المجاعة الكارثية في السودان من المستوى الخامس كما تصنفها الأمم المتحدة. وكون العالم لا يضع هذا الأمر في مقدمة أولوياته، فهذا خلل يقترب من حد الجريمة. لكن المسؤولية بالأساس تقع على عاتق القوى المدنية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن آثار المجاعة، والتي من المفترض أن تتوحد، ولو حول هذه القضية فقط، لتستثير حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت جوعا.
نقلاً عن صحيفة القدس العربي
الوسومد. الشفيع خضر سعيد
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ولایة الجزیرة الأمم المتحدة الإنسانیة فی فی السودان فی المئة
إقرأ أيضاً:
الما عندو حمدوك يشتريلو حمدوك!
*مرة أخرى يكرر حمدوك مرافعته عن الإمارات، وكالعادة في كل مرة جديدة ينزل مستواه أكثر، ويظهر تواطؤه أكثر. إذ لم يقدم حجة واحدة متينة، بل حيلاً هروبيةً شديد الضعف، وضعفها يأتي من ضعف موقف الإمارات، ومن ضعف الموقف الذي اختاره حمدوك من عدوانها:
١/ عبد الله حمدوك: (هناك محاولة متعمدة لشيطنة الإمارات كأنو الإمارات دي عندها قوات على الأرض في السودان)؛
* اعتبر أن إدانة العدوان “شيطنة”، واحتج على الاحتجاج على دور الإمارات في الحرب. ولم يحدد نوع ودرجة الاحتجاج الذي يقبله من الآخرين ولا يعتبره شيطنة. الأمر الذي يمكن تفسيره برضاه عن دورها.
* استخدم مغالطة ساذجة تقوم على أن الإدانة مرتبطة فقط بوجود الجنود على الأرض! وهذا يدل على ضعف موقفه. وأنه لم يجد حيلة دفاعية قوية.
٢/ يقول: (نحن عارفين كويس جداً إنو حربنا دي “ما الإمارات بس”، في دول عندها طيران عديل يضرب. ودول أرسلت سلاح، كتار ما واحدة ولا إتنين.).
* قوله “ما الإمارات بس” يعني اعترافه بوجود عدوان إماراتي. لكنه حاول إزاحة مركز النقاش من العدوان الإماراتي. حيث ساوي، كعادته، بين العدوان الإماراتي وشراء الجيش للسلاح من الخارج، ولم يذكر القانون الذي يخالفه هذا الشراء.
* حجته هذه تفتح الباب على مصراعيه لكل الدول للاعتداء على السودان، فطالما أن هناك جيش يتسلح من الخارج، فمن حق جميع الدول أن ترسل السلاح والمرتزقة لمقاتلة الجيش!
* وردد حرفياً حديث قائد التمرد عن طيران أجنبي يشارك في الحرب ضد الميليشيا. واستخدم في ذلك كلمات تحمل الاستنكار القوي على عكس حاله مع الإمارات التي استنكر انتقادها.
* الملاحظة الدالة أنه في حديثه عن دول كثيرة أخرى، لم يترك مجالاً للظن بأنه يقصد، من بين ما يقصد، الدول الأخرى التي تدعم الميليشيا بالمرتزقة وتمرير السلاح، وهذا يكشف عن انحيازه الصارخ.
٣/ (وطوالي الكلام عن إنو حمدوك قاعد في الإمارات، أنا طبعاً موجود في الإمارات من قبل الحرب.)
* حجة الوجود في الإمارات قبل الحرب حجة فارغة لمن يقدم نفسه قائداً للشعب السوداني، فببساطة كان بإمكانه الخروج بعد ثبوت عدوانها على السودان. خاصةً وأن وجوده هناك لم يسهم في وقف العدوان، بقدر ما أسهم في محاولات تبريره وتلطيفه لغوياً، وتشويه إدانته.
٤/ يقول: (الإمارات بها أكثر من ٢٥٠ ألف سوداني. فيهم أعداد كبيرة جداً من الإسلاميين.السودانيون الموجودون في الإمارات يتم التعامل معهم أحسن من أي حتة تانية في العالم. أدوهم إقامة كوارث، عفوهم من الرسوم. دا لازم نشيد به):
* حاول، مرة ثانية، إحالة مركز النقاش من العدوان إلى حسن معاملة الجالية. بينما لا يوجد قانون أو منطق يدعم فكرة أن عدم مضايقة الجالية يغطي على العدوان.
* وحديثه هذا يفتح الباب، أيضاً، على مصراعيه للدول للاعتداء على السودان. والقاعدة هي: لديك جالية سودانية ولا تسيئين معاملتها إذن من حقك أن تعتدي على السودان، ولن تستحقي سوى الإشادة!
٥/ يقول: (أنا هسي قاعد في الإمارات، وبقول رأيي: أنا في صمود، نحن عندنا رأينا الواضح جداً في الحرب، وإنو مافي حل عسكري، يوم تمنعنا الإمارات إنو نقول رأينا دا بنخليها، مافي زول تكلم معانا في المسألة دي .. “تصفيق من الحاضرين”)
* هناك سودانيون، يعلمهم حمدوك جيداً، عبروا عن آراء لا ترضي الإمارات، ودخلوا المعتقلات، ولم يتحدث عن أي مساعِ له لإطلاق سراحهم.
* تشديده على أنه يقول ( مافي حل عسكري)، ولا تمنعه الإمارات من قوله، لكي يؤدي غرضاً دفاعياً حقيقياً يجب أن يتضمن الافتراض بأن (الإمارات مع الحل العسكري)، وهذا في المحصلة يحمل إدانة للإمارات لا إشادة. ببساطة لأن الخلاصة ستكون هي: الإمارات مع الحل العسكري، لكنها لا تمنع حمدوك من أن يقول (مافي حل عسكري). أي: تحارب السودان وتتسامح مع حمدوك! ولا يوجد منطق يجعلها تخرج من هذه المعادلة بإشادة من عامة السودانيين!
* ما يثير غضب الإمارات هو توجيه تهمة العدوان إليها، وإدانتها، والوقوف ضد الميليشيا، وهو ما لا يفعله. فجملة حديثه سبب كافٍ لرضا الإمارات عنه، وتشجيعه على المزيد من الأحاديث من هذا النوع.
* هذا يذكرنا بنكتة الصحفي الأمريكي الذي قال لأحد الرؤساء السوفيتيين (أنا أستطيع أن أن أنتقد الرئيس ريغان، وإدارة ريغان، داخل البيت الأبيض) فرد عليه الرئيس السوفييتي: (ذات الشيء يحدث عندنا، إذ يمكنك أن تنتقد ريغان، وإدارة ريغان داخل الكرملين!)
*يقول مثلنا الشعبي (الما عندو كبير يشتريلو كبير) ويحق لنا أن نقول (الطامع في السيطرة على السودان وما عندو حمدوك يشتريلو حمدوك!).
إبراهيم عثمان