احتفلت مجلة نزوى الأسبوع الماضي بمناسبة مرور ثلاثين عاما على بدء إصدارها.. لكنّ المناسبة تحولت من احتفال بالزمن الذي قطعته المجلة بكثير من النجاح إلى احتفال بالمنجز، واحتفال بالثقافة نفسها؛ ولذلك كان للاحتفال معنى مغايرا تماما عن الاحتفالات الأخرى التي نصادفها في أي مكان.. فطرحت المناسبة الكثير من الأسئلة الكبرى المتعلقة بالصحافة وتلك المتعلقة بالثقافة وتلقيها وبالكتابة الإبداعية في عام الذكاء الاصطناعي الذي يعيد الكثير من أسئلتنا إلى العتبات الأولى.
وفي الحقيقة فإن مجلة نزوى منذ عددها الأول الصادر في عام 1994 قامت على فكرة البحث وراء الأسئلة، أسئلة الوجود وأسئلة الإبداع وكل الأسئلة التي تبحث عن معنى مختلف يحمي حياتنا من التشظي والانكسار، وفي الحقيقة كان ذلك أحد التزامات المجلة منذ البداية كما أوضح رئيس تحريرها الشاعر سيف الرحبي الذي أكد التزام المجلة بمناقشة الأسئلة المعرفية والثقافية العمانية والعربية التي تتشابك مع أسئلة الإنسان أينما كان في هذا العالم الكبير... ولذلك نجحت المجلة في اجتياز الكثير من التعقيدات والتحديات التي واجهت الكثير من المجلات الثقافية وأكملت ثلاثة عقود من عمرها المديد وهي في لحظة قوة وعنفوان، والمدهش أكثر أنها في ذروة قدرتها على طرح أسئلة اللحظة الراهنة على المستوى الثقافي والإبداعي والفكري.
ولعبت نزوى دورًا فعالًا في تعزيز ثقافة عُمان والثقافة العربية؛ حيث كانت بمثابة الجسر الذي يربط الكتّاب والمثقفين العرب بعضهم ببعض ويربط القارئ العربي بالمنجز الإبداعي والفكري العالمي عبر وسيط الترجمة.. وبهذا المعنى يمكن القول: إن المجلة أثرت المثقف العربي عبر منصة للخطاب الثقافي والإبداعي والتحولات في الأنماط الإبداعية خلال عقود المجلة الثلاثة، كما أسهمت المجلة في تعريف القارئ العربي على مفردات الثقافة العمانية وشعرائها عبر القرون الماضية، ولذلك كانت بحق سفيرة الثقافة العمانية في العالم العربي وسفيرة الثقافة العالمية في العالم العربي.
ويحتفي ملحق جريدة عمان الثقافي بالمجلة عبر نشر متابعة ثقافية موسعة للندوة المصاحبة التي رافقت الاحتفائية كما ينشر ورقة بحثية قدمها الدكتور محسن الكندي تقرأ تجربة المجلة عبر ثلاث مراحل منذ لحظة التأسيس وحتى اللحظة التي أسهمت فيها المجلة في إرساء دعائم الثقافة العمانية والعربية.
وإضافة إلى الاحتفاء بمجلة نزوى بوصفها مشروعا ثقافيا عمانيا كبيرا لا يزال في عنفوان عطائه يطرح الملحق الكثير من المقالات والدراسات والحوارات التي تناقش أسئلة الراهن عبر كتابات فكرية عميقة ومثرية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
أسئلة في بريد د. كامل إدريس
أسئلة في بريد د. كامل إدريس
عمر الدقير
???? الملاحظة الأبرز في الخطاب الذي ألقاه، أول أمس، الدكتور كامل إدريس – رئيس الوزراء المُعيّن – هي تجاهله للحقيقة الأكثر حضوراً والأشدِّ قسوةً وإيلاماً في السودان: الحرب المشتعلة منذ أكثر من عامين، والتي تسببت في كارثة إنسانية تُصنَّف بأنها الأسوأ في العالم.
تغييب الإشارة للكارثة الإنسانية يعني خذلاناً لضحاياها من اللائذين بمعسكرات النزوح والواقفين في طوابير التكايا والحاملين ذاكرة الوجع والحزن جراء مصائب الموت والانتهاكات والتشريد والتدمير، أما تجاهل الحديث عن الحرب واستراتيجية التعامل معها، فإنه ينسف واقعية الوعود التي حواها الخطاب .. إذ كيف يمكن أن تُرسَم سياسات لجلب الرفاه والاستقرار، والبلاد تغرق في أتون حرب مدمرة لم يُطرَح لها حل، ولم تُذكَر بكلمة في “خطاب الأمل”؟!
هل يطمح الدكتور إدريس أن يبادر المجتمع الدولي أو الإقليمي بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار، بينما الحرب لا تزال مستعرة ولا تلوح لها نهاية؟! وهل يمكنه استقطاب الاستثمار الخارجي – كما وعد – في هكذا ظروف؟ وهل يَتوقّع أن تُفرِج مؤسسات التمويل الدولية عن المساعدات المجمدة منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر، والمخصصة لدعم قطاعات الخدمات الأساسية والبنية التحتية – ناهيك عن الدخول في مفاوضات لإبرام اتفاقيات تمويل جديدة – في ظل غياب رؤية واضحة لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار؟!
???? بدا خطاب رئيس الوزراء المُعيّن وكأنه كُتِب ليُناسِب دولةً أخرى أو لحظةً قادمة، لا السودان في هذه اللحظة التاريخية الرّاعِفة .. فالخطاب يقدم تصوراً لحكومة تكنوقراط تعمل في ظروف دولة مستقرة، تمتلك مؤسسات فاعلة، وبيئة آمنة، وتحظى فيها الحكومة بشرعية غير مُختلَف عليها وسيطرة كاملة على أراضيها مع حرية حركتها فيها.
استخدم الخطاب مفردات علمية: حديث عن الشفافية، الكفاءة، الرؤية، الرسالة، الخطط القابلة للقياس ومؤشرات الأداء. لكن كل ذلك يفترض وجود دولة متماسكة بسلطة موحدة، وهو ما لا ينطبق على السودان في لحظته الراهنة. فالحكومة التي يتحدث باسمها رئيس الوزراء لا تسيطر على كامل أراضي البلاد – بسبب الحرب التي تجاهلها في خطابه – ما يعني عدم قدرتها على بسط سلطتها وتنفيذ سياساتها في عموم ولايات البلاد، وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق “العيش الرغيد لكل سوداني”، حسب الوعد المركزي في الخطاب .. وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الموعودة، فإن أعداداً كبيرة من المواطنين يكابدون شظف العيش ويعتمدون على التكايا ويعانون من تدهور الخدمات الأساسية، بينما يبدو الحديث عن “العيش الرغيد” ترفاً لا يمتُّ إلى واقعهم بصلة؛ إذ أن أولويتهم المُلِحّة هي تأمين الحد الضروري من الاحتياجات التي تُقيم أوَدَهم وتحفظ كرامتهم.
???? من جانبٍ آخر، وصف الدكتور كامل إدريس حكومته المزمعة بأنها تجمع بين “الحُسنيَيْن”: فهي من جهة حكومة تكنوقراط تعتمد على الكفاءة والخبرة؛ ومن جهة أخرى خالية من الحزبيين .. صحيح أن هناك دعوات واسعة، تستند إلى بعض المبررات، تطالب بأن تكون الحكومة في ظروفٍ بعينها من غير الحزبيين. لكن تصوير الانتماء الحزبي كسيئة – عبر التصريح بأن استبعاد الحزبيين يُمثِّل إحدى “الحُسنيَيْن” – هو وصم غير عادل للممارسة السياسية المُنظّمة، وتعدِّي عل مبدأ التعددية السياسية. فالحزبية ليست سُبّة ولا منقصة، وهي أحد ركائز البنية الديمقراطية التي تُنظِّم المشاركة في الشأن العام.
ثم إن هذا الطرح يصطدم بواقع معلوم: فالحكومة الموعودة، وفق التوقعات والتسريبات، ستضم شخصيات تنتمي إلى الحركات المسلحة والقوى الأخرى المُوقِّعة على اتفاق جوبا للسلام، وهي النهاية أطراف ذات انتماءات سياسية حزبية. فهل شرط عدم الانتماء الحزبي – الذي أعلنه إدريس – يُفسَّر حسب الطلب؟ أم أنه لم ينجح في إقناع أطراف اتفاق جوبا به؟ .. هذا التناقض يوحي بأن هذا الشرط لا يُطرَح كمبدأ عام، بل يُوظّف كأداة انتقائية.
???? في نهاية خطابه تَحدّث الدكتور كامل إدريس عن الحاجة إلى “رجال دولة” قادرين على النهوض بالبلاد، وأغلب الظن أنه يقصد من يمتلكون الكفاءة والخبرة والأمانة من الرجال والنساء على حدٍّ سواء .. ومع ذلك، فإن اللغة تظل حاملة للمعنى وكان الأوفق أن تشمل النساء صراحةً، خاصة في بلدٍ لعبنّ فيه أدواراً مشهودة في النضال من أجل التغيير، ولا يزال يُنتظَر منهنّ الكثير.
???? من اللافت أن الدكتور كامل إدريس كان قد تحدث في خطابه الأول – عقب أداء القسم – عن أهمية الحوار السوداني “الذي لا يستثني أحداً” كوسيلة لحل الأزمة الوطنية، غير أن هذا التوجه غاب تماماً عن خطابه الأخير – مثلما غابت الإشارة إلى الحرب – ولم يرد أي ذكر للحوار، ولا لأي مسار سياسي جامع يُفضي إلى حل تفاوضي يعالج جذور الأزمة.
هذا الغياب يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل تَراجَع رئيس الوزراء المُعيّن عن طرحه السابق، أم أن صلاحيات حكومته قد جرى تقليصها ومُنعِت من الاقتراب من ملف الحرب والتعاطي مع مسار الحل السياسي؟ وإذا كان الأمر كذلك – لا سيما في ظل تعديلات الوثيقة الدستورية التي جعلت إدارة السياسة الخارجية والبنك المركزي والأجهزة الأمنية تحت مسؤولية مجلس السيادة – فما الذي تبقّى لـ”حكومة الأمل” كي تفعله؟! أم هي مجرد واجهة إدارية محدودة الصلاحيات؟!
???? نقطة الضعف – القاصِمة لظهر “الأمل” – في خطاب الدكتور كامل إدريس لا تكمن في وفرة الوعود أو سقف الطموحات، وإنما في الهروب من الحديث عن الحرب وعدم طرح أية رؤية للتعامل معها؛ ما يهدم الأساس الذي تقوم عليه تلك الوعود، ولا يُبقي للأمل منفذاً .. فالأمل لا يصنعه التغافل عن واقع الحرب وأسبابها وتداعياتها، بل الاعتراف بهذا الواقع ومواجهته باستراتيجية واعية.
???? أخيراً: لسنا في مقام السخرية أو إطلاق الأحكام السلبية تجاه أشخاص أو نوايا، بل نبحث – مثل كثيرين غيرنا – عن طريق يخرج بلادنا من أزمتها المستفحلة .. لا نزعم أننا الأشد حرصاً على المصلحة العامة، وإنما ننظر بتقدير إلى مساهمات الآخرين ونؤمن بأن رؤية الخلاص ينتجها عقل وطني جماعي.
ما يهمنا – اليوم وكل يوم – هو أن تتجه البوصلة نحو ما ينفع الناس، وأن تُبذَل الجهود من الجميع في سبيل إيقاف الحرب، والتوافق على عقد اجتماعي يصون وحدة بلادنا ويحشد طاقات شعبها للبناء الوطني على أسس جديدة تضمن تحقيق شروط الحياة الكريمة للجميع بلا تمييز.
* رئيس حزب المؤتمر السوداني
21 يونيو 2025
الوسومالحرب السودان الكارثة الإنسانية حزب المؤتمر السوداني حكومة تكنوقراط د. كامل إدريس رئيس الوزراء عمر الدقير