فورين أفيرز: لمن تكون الغلبة في حروب التجسس الجديدة بين أميركا وروسيا والصين؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2023 GMT
لم تضع الحرب الباردة أوزارها في يوم من الأيام على الأقل في نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب اعتقاد مؤرخ وباحث أميركي مهتم بعوالم الاستخبارات والجاسوسية.
ولعل أوضح مؤشر على ذلك أن قصر الكرملين ما فتئ يواصل صراعه المرير ضد الغرب حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو ما يتجلى في أنشطة أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية، وفقا لكالدر والتون مساعد مدير مشروع التاريخ التطبيقي ومدير بحوث الاستخبارات بكلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد.
ويقول والتون -في مقاله بمجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأميركية- إن المخابرات الروسية انخرطت في أنشطتها من حيث توقفت الاستخبارات السوفياتية، وظلت منذ عام 1991 مدفوعة بإستراتيجية "انتقامية" تهدف لجعل روسيا دولة عظمى مرة أخرى والانقلاب على النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة.
ويعتقد الكاتب أن حرب بوتين ضد أوكرانيا ما هي إلا محصلة لتلك الإستراتيجية.
تحالف بلا حدود
أما الصين فتسعى هي الأخرى إلى قلب النتائج التي تمخضت عنها الحرب الباردة بإعلانها "تحالفا بلا حدود" مع روسيا غداة الحرب الروسية على أوكرانيا، ويعول الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ بشدة على أجهزة مخابراتهما من أجل الوصول لتلك الغاية.
وقد فعلت المخابرات الروسية والصينية ذلك لتعزيز أهدافهما مع استغلال "انشغال الولايات المتحدة بالحرب على الإرهاب للإضرار بالأمن القومي الأميركي، وتقويض الديمقراطيات الغربية، وسرقة أكبر قدر ممكن من الأسرار العلمية والتكنولوجية"، على حد تعبير الكاتب.
وطبقا لمقال فورين أفيرز، فإن الاستخبارات الروسية تعتبر نفسها الوريث المباشر لجهاز المخابرات السوفياتية -التي كانت تُعرف في السابق باسم "كي جي بي" (KGB)- حيث انتقل إليها العديد من ضباطه، واستحوذت منه على جميع الملفات وحتى عملائه في الغرب.
وتناول المقال بشيء من التفصيل الأساليب التي استخدمتها الاستخبارات الروسية في إدارة عملاء "كي جي بي" السابقين في الدول الغربية.
وأشار أيضا إلى الدور الذي اضطلع به بوتين عندما كان ضابطا في فرع المخابرات الخارجية السوفياتية، وكيف أن الأمر لم يتطلب جهدا كبيرا لإقناعه بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) -بكل تأكيد- هو "العدو الرئيسي" لموسكو.
عملاء روس
على أن المخابرات الأميركية لم تقف مكتوفة الأيدي بطبيعة الحال، فإثر تدهور الاقتصاد الروسي أواخر تسعينيات القرن الماضي تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) من تجنيد بعض العملاء الروس المهمين الذين "خانوا" رؤساءهم من أجل المال وأعاقوا عمليات للمخابرات الروسية ضد الغرب.
لكن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن، تعاونت أجهزة الاستخبارات الروسية في بادئ الأمر مع نظيرتها الأميركية في مكافحة "الإرهاب"، إلا أنه وفقا لمسؤولين في "سي آي إيه"، فإن شهر العسل بين الطرفين لم يدم طويلا بعد 11 سبتمبر/أيلول، مما أفسح المجال لحقبة من عداء روسي "مكتوم".
ويمضي المؤرخ الأميركي في مقاله إلى الزعم بأن "عبقرية" بوتين تمثلت في إيهام القوى الغربية بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 أنه يتعاون معها في مكافحة الإرهاب، بينما كان يستغل مخابراته لتكريس سلطة نظامه "الاستبدادي"، وجعل روسيا قوة عظمى مرة أخرى، وفي سبيل ذلك ظل يدير بلاده على نمط "المافيا العسكرية" مما أحال أجهزته الأمنية والاستخباراتية إلى دولة "فعلية" داخل الدولة.
وعلى الرغم من أن بوتين ظل يروج لنفسه على أنه "جاسوس بارع" -حسب وصف المقال الذي نحن بصدده- فإنه كان مسؤولا في الواقع عن سلسلة من الإخفاقات الاستخباراتية المتلاحقة، ولعل أبرزها فشله في إدراك أن المخابرات الأميركية والبريطانية كشفت خططه الحربية للعالم قبل إقدامه على "غزو أوكرانيا".
مصالح
وعلى غرار روسيا، استغلت الصين أيضا الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على ما يسمى الإرهاب لتعزيز مصالحها. وينقل الكاتب عن ضباط في الـ"سي آي إيه" -ذوي دراية عميقة بالصين- قولهم إن جهاز المخابرات المدنية الرئيسي في بكين المتمثل في وزارة أمن الدولة أعلن الحرب على الاستخبارات الأميركية عام 2005.
ويرى والتون -في مقاله- أن الصين في عهد زعيمها الحالي باتت "اللص الإلكتروني الرئيسي في العالم"، على حد تعبيره، زاعما أنها "سرقت" بيانات شخصية وتجارية من الأميركيين أكثر من كل الدول الأخرى مجتمعة، وفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" (FBI).
واستطرد الكاتب قائلا إن مهمة المخابرات الصينية تتمحور حول تنفيذ الإستراتيجية الكبرى للرئيس شي جين بينغ الرامية لجعل الصين القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، وتغيير المشهد التكنولوجي الراهن بما يجعل الدول الأخرى تعتمد على التكنولوجيا الصينية بدلا من الأميركية.
ويعتقد المؤرخ الأميركي أن أجهزة المخابرات الصينية تتبنى نهجا يقوم على تسخير المجتمع برمته لجمع معلومات استخباراتية باستخدام البالونات وربما قاعدة للتنصت في كوبا.
حرب باردة جديدة
ويمضي المقال ليؤكد أن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبل انهياره قاما -إبان الحرب الباردة- بجمع معلومات استخباراتية صناعية باستخدام أجهزة الكمبيوتر لاستهداف أنظمة التشفير الخاص ببعضهما بعضا، وانتقلت عمليات التجسس من الأرض وأعماق البحار إلى طبقات الجو العليا (الإستراتوسفير)، ثم إلى الفضاء.
واليوم، تخوض الحكومات الغربية -حسب والتون- حربا باردة جديدة مع روسيا والصين بغية تغيير طبيعة التجسس مرة أخرى.
إن ما تحتاجه الحكومات الغربية أكثر من أي شيء هو الخيال عندما يتعلق الأمر بجمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالدول البوليسية "المنغلقة"، كما يرى كاتب المقال.
فيرى والتون أن الخيال هو ما دفع الـ"سي آي إيه" إلى تطوير طائرات "يو-2" (U-2) قادرة على التحليق عاليا واستطاعت التجسس خلف الستار الحديدي للدول المنغلقة عندما تعذرت طرق الجاسوسية الأخرى.
ويخلص المقال إلى تأكيد الحاجة إلى خيال مماثل اليوم في مناطق تعد في طليعة اهتمامات الأمن القومي، بما في ذلك جمع معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، واستخدام التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، "وهذه ستكون أسلحة الحرب الباردة في هذا القرن والتي من شأنها أن تحدد نتائجها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاستخبارات الروسیة الولایات المتحدة الحرب الباردة سی آی إیه
إقرأ أيضاً:
وسط رفض أوكراني للتخلي عن بعض الأراضي.. روسيا تبحث الخطة الأميركية للسلام
نصت النسخة الأولى من خطة السلام الأميركية على تنازل كييف عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك لموسكو، وهو ما اعتبره كثيرون في أوكرانيا بمثابة استسلام، قبل تعديل النص بعد مشاورات مكثفة مع كييف التي أكدت أن التخلي عن الأراضي يمثل "خطاً أحمر".
قال الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إن روسيا تلقت من الولايات المتحدة النسخة النهائية لمسودة خطة السلام التي تم التوصل إليها خلال مفاوضات جنيف مع أوكرانيا.
وأضاف أن موسكو ستبدأ الأسبوع المقبل مفاوضات موسعة حول الخطة، لتحديد الفروقات المتعلقة بالاعتراف الدولي بقرارات عملية التسوية في أوكرانيا.
وأكد بيسكوف أن الجميع يفضل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الأوكراني، لكنه أشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "يواجه مشكلة تتعلق بشرعيته وعدم رغبته في إجراء انتخابات داخل أوكرانيا والالتزام بالدستور".
كييف ترفض التخلي عن أراضيهامن جهته، شدد أندريه يرماك، مدير مكتب زيلينسكي وكبير المفاوضين الأوكرانيين، على أن الرئيس لن يوافق على التنازل عن أي أراضٍ لروسيا مقابل السلام، وفق ما نقلته مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية.
وأوضح يرماك أن أي اتفاق على التخلي عن الأراضي يعد مخالفاً للدستور، مؤكداً أن الخطوة الواقعية الوحيدة حالياً هي تحديد خط التماس بين الطرفين. كما وصف المقترح الذي تم التوصل إليه في مفاوضات أبو ظبي بأنه "لا يتعارض مع مصالح أوكرانيا ويراعي خطوطها الحمراء".
وقد نصت النسخة الأولى من خطة السلام الأميركية على تنازل كييف عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك لموسكو، وهو ما اعتبره كثيرون في أوكرانيا بمثابة استسلام، قبل تعديل النص بعد مشاورات مكثفة مع كييف التي أكدت أن التخلي عن الأراضي يمثل "خطاً أحمر".
Related هل تستطيع أوكرانيا مواصلة القتال إذا انسحبت واشنطن؟.. خمسة عوامل تحدد قدرتها على الصمود"لا نحمل نوايا عدائية تجاه أوروبا".. بوتين يُعلن شروطه لوقف القتال في أوكرانياتقارير عن قبول أوكرانيا بوقف الحرب والبيت الأبيض: القضايا العالقة قابلة للحل.. هل حانت لحظة القرار؟ بوتين يضع شروطاً للتهدئةفي قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في بيشكيك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس إن موسكو مستعدة لوقف العمليات العسكرية فور انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي تطالب بها روسيا في الشرق، مؤكداً أن "هذا الشرط يمثل الأساس لأي خطوة للتهدئة".
ولم يحدد بوتين ما إذا كان يشير فقط إلى منطقتي دونيتسك ولوغانسك، أم يشمل أيضاً منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب. وأضاف أن مسودة خطة السلام الأميركية تعكس بعض المواقف الروسية، لكنها بحاجة إلى إعادة صياغة بلغة دبلوماسية واضحة. وأكد أن وفداً أميركياً سيزور موسكو الأسبوع المقبل لاستكمال المباحثات، مشيراً إلى أن كل بند من بنود المقترح يحتاج إلى جلسة نقاش جادة.
واعتبر بوتين أن القيادة الأوكرانية الحالية "لا يمكن الوثوق بها" لتوقيع أي وثائق ملزمة، معتبراً أنها ارتكبت "خطأً استراتيجياً" بسبب مخاوفها من الانتخابات الرئاسية.
وأشار إلى أن وقف القتال يبقى مرهوناً بقرار أوكرانيا الانسحاب الكامل من مناطق دونباس، مؤكداً أن روسيا "ستحقق أهدافها عسكرياً إذا لم يتحقق ذلك سياسياً".
التوتر العسكري مستمر على الأرضميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم أن وسائط الدفاع الجوي أسقطت 136 طائرة مسيرة أوكرانية فوق الأراضي الروسية خلال الليل، توزعت على مقاطعات روستوف وساراتوف وكريميا وبريانسك وفولغوغراد وفورونيغ وموسكو وكالوغا، إضافة إلى البحر الأسود وبحر آزوف، وفق وكالة "سبوتنيك".
كما نشرت وزارة الدفاع الروسية لقطات لقيام طاقم طائرة من دون طيار من طراز "غيران-2" بتدمير منشأة للطاقة تستخدم لتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالقرب من بلدة دوبروبوليه.
في المقابل، أعلن الجيش الأوكراني أن قواته قصفت الليلة الماضية مصفاة ساراتوف النفطية الروسية وقاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا، في خطوة تعكس استمرار التوتر العسكري بين الطرفين رغم المباحثات السياسية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة