مع تصاعد المواجهات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، أبدى التيار الوطني الحر تباينا واضحا مع قرار الحزب في المواجهة، ليضاف إلى الخلافات المتراكمة بين الجانبين.

منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، طفت نقاط الخلاف بين الحزب والتيار على السطح أكثر فأكثر.

بدأ الخلاف إثر حضور وزراء حزب الله الجلسات الطارئة لحكومة تصريف الأعمال، برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، والتي يغيب عنها وزراء التيار الوطني الحر كونها غير شرعية حسب توصيفهم.

واعتُبر هذا الخلاف الأول من نوعه منذ تفاهم "مار مخايل" عام 2006، الذي أسس لتحالف متين بين الجانبين، ثم تراكمت هذه الخلافات لتشمل الموقف من الجلسات التشريعية لمجلس النواب، والتمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، ثم ملف رئاسة الجمهورية.

لكن انخراط حزب الله في اشتباك مفتوح مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أجج الخلاف بين التيار والحزب حتى بلغ ذروته.

فقد توالت مواقف مسؤولي التيار الوطني الحر، وعلى رأسهم رئيس التيار النائب جبران باسيل، الرافضة للتصعيد في الجنوب ولمبدأ "وحدة الساحات".

ثم جاء تصريح الرئيس ميشال عون، في مقابلة له على قناة "أو تي في" في 19 فبراير/ شباط الماضي، متوجا لهذه المواقف، حيث صرح بأن لبنان "غير مرتبط بمعاهدة دفاع مع غزة"، وأن "قول حزب الله إنه يخوض حربا استباقية هو مجرد رأي".

نصر الله (يسار) خلال اجتماع سابق مع عون (رويترز- أرشيف) مار مخايل على المحك

في السادس من فبراير/ شباط 2006، وقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر حينها ميشال عون مذكرة تفاهم في كنيسة "مار مخايل" ببيروت.

وقام التفاهم على مصالح متبادلة بين الجانبين، فالحزب اغتنم فرصة الخلاف المتجدد بين قطبي المسيحيين في لبنان، ميشال عون وسمير جعجع، ليضفي شرعية وطنية على مشروعه، وشدد على أنه لا يريد الهيمنة وإلغاء دور المسيحيين في لبنان، بل يعطيهم الضمانات.

كما عزز التفاهم مواقف الحزب في مجلس النواب والحكومة، بتحالفه مع الكتلة المسيحية الكبرى في المجلس حينها، واستثمره في حرب يوليو/ تموز 2006 وبدرجة أكبر في قتاله إلى جانب نظام الأسد في الحرب السورية.

وفي المقابل، مكن تفاهم "مار مخايل" التيار الوطني الحر من الحصول على العديد من الوزارات السيادية الهامة طيلة السنوات الماضية، وصولا إلى فوز العماد عون برئاسة الجمهورية عام 2016.

فالتفاهم في حقيقته قام على مصالح متبادلة بين الجانبين، لكن التيار الوطني في ظل تقويض مصالحه مؤخرا بات يطالب بإعادة مراجعة بنوده وصيغته، خاصة أنه أفقده الكثير من شعبيته داخل الشارع المسيحي وكلفه الكثير على المستوى الخارجي.

فحين وقع التيار الوطني اتفاقه مع حزب الله كان يمثل الكتلة المسيحية الكبرى في مجلس النواب، لكنه في الانتخابات الأخيرة عام 2022 حصل على 18 نائبا فقط، أي 28% من النواب المسيحيين، وهذا تراجع كبير في شعبية التيار بين مسيحيي لبنان.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن وزير الخارجية الأميركي حينها، مايك بومبيو، في تغريدة له على منصة إكس فرض عقوبات على جبران باسيل بتهمة "الفساد"، والتي أرجعها باسيل إلى تحالفه مع حزب الله.

كما يُظهر الحزب امتناعا عن دعم باسيل في ترشحه لرئاسة الجمهورية، متمسكا بالوزير السابق سليمان فرنجية مرشحا للرئاسة، خاصة أن الأخير تربطه بالحزب قناعات مشتركة لا مجرد مصالح كما هو الحال مع باسيل.

مرحلة حرجة

حاول حزب الله والتيار الوطني الحر معالجة الخلافات بينهما قبل عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك عبر تشكيل لجنة حوارية تبحث في النقاط العالقة بين الجانبين، لكن اشتعال جبهة الجنوب أجج الخلافات بين الجانبين من جديد لتصل العلاقة بينهما إلى مرحلة حرجة.

ففي تصريح له على قناة "إل بي سي" اللبنانية في العاشر من مارس/ آذار الجاري، اتهم عضو الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر النائب جيمي جبور حزبَ الله بالخروج عن تفاهم "مار مخايل"، مشيرا إلى أن تعاطي الحزب في الداخل اللبناني "يضرب أسس الشراكة والدستور".

وقال جبور "نعتبر أننا كنا بوقت من الأوقات حلفاء مع الحزب، واليوم نطلب منه وقف عملياته في الجنوب"، ودعا لبدء حوار حول الإستراتيجية الدفاعية للبنان.

وبدوره أكد القيادي في التيار الوطني الحر النائب آلان عون، في تصريح لقناة "إم تي في" اللبنانية في العاشر من مارس/ آذار 2024، أن التجارب السابقة تدفع التيار لخلط أوراقه من جديد، "مما سيؤثر على تموضع التيار ويعيد صياغة الكثير من العلاقات التي باتت من الماضي"، في إشارة واضحة إلى حزب الله وتفاهم "مار مخايل".

أما رئيس التيار النائب جبران باسيل فقد صرح بعد اجتماع الهيئة السياسية للتيار، في 20 فبراير/ شباط، أن التيار ضد مفهوم "وحدة الساحات" وضد تحويل لبنان إلى منصة لمهاجمة إسرائيل، ذاكرا أن "الخطر متمثل بعملية إقصاء المسيحيين بالتدرج عن الحكم".

وفي الثالث من مارس/ آذار 2024، انتقد باسيل حزب الله في كلمة ألقاها خلال العشاء السنوي للمكتب التربوي في التيار، وقال إنه يحاول استغلال الحرب لتمرير سياسات داخلية.

وفي المقابل، لم ينخرط نواب حزب الله ومسؤولوه في أي سجال إعلامي مماثل، بينما زار وفد من الحزب ضم النائب محمد رعد الرئيس السابق ميشال عون في السابع من مارس/ آذار الجاري، لشرح وجهة نظر حزب الله من التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وموقفه من الملفات الداخلية العالقة بين الجانبين.

شد عصب المارونية السياسية

ويستلهم التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية مبادئهما من "المارونية السياسية"، التي حكمت لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.

ويقوم هذا المفهوم على التعاطي مع السياسة اللبنانية من منطلق التمايز عن المحيط العربي والإسلامي، والنظر إليه بعين المخاوف المتَوهَمة، وقد أججت الحرب الأهلية اللبنانية هذا المفهوم، قبل أن يتراجع عقب اتفاق الطائف عام 1989.

لكن منذ بدء الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، عاد مفهوم "المارونية السياسية" للانتعاش من جديد، حيث تمحورت تصريحات التيار حول حماية حقوق المسيحيين ودورهم في نظام الحكم والشراكة الوطنية في لبنان، والمخاوف من الديمغرافيا الإسلامية المحيطة بهم.

لا طلاق بائنا بعد

يبدو جليا أن العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لم تعد كما كانت من قبل، وأن المرحلة الجديدة ستضع تفاهم "مار مخايل" على المحك في ظل دعوات داخل التيار لمراجعة بنوده وصياغته وفق رؤى وسياسات جديدة.

وقد غرد جبران باسيل على حسابه على "منصة إكس"، في 15 مارس/ آذار الجاري، مؤكدا أن "وثيقة التفاهم لا تسقط وتبقى صالحة بأفكارها، لكنها بحاجة لتطوير وهذا ما لم يحصل بعد".

لكنه عاد ليؤكد حساسية الموقف بأن الذي خرج عن التفاهم هو حزب الله بتخليه عن "بناء الدولة، وبعدها عن الشراكة، وأخيرا تخطى سقف حماية لبنان".

لذا فإنه لا طلاق بائنا بين الجانبين بعد، نظرا لحاجة كل منهما الماسة للآخر في ظل كثرة خصومهما على مسرح السياسة اللبنانية، لكن العلاقة بينهما بلغت مرحلة حساسة من شأنها أن تنعكس بشكل كبير على المشهد السياسي اللبناني، مما سيعزز من الاصطفاف الطائفي ويزيد من تعقيدات المشهد.

ويأتي كل هذا في ظل تهديدات بحرب إسرائيلية على لبنان، وأزمات متراكمة تعصف باللبنانيين على كافة الصعد، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات التیار الوطنی الحر بین الجانبین جبران باسیل میشال عون مار مخایل من مارس

إقرأ أيضاً:

تلويح إيراني بانخراط حزب الله في المواجهة.. هل اقتربت الحرب الإقليمية؟

يبدو أن الحرب الدائرة منذ نحو أسبوع بين إسرائيل وإيران أصبحت قريبة جدا من التحول إلى حرب إقليمية علنية بعدما تزايدت التهديدات الإيرانية بضرب مصالح الولايات المتحدة في المنطقة في حال تدخل الأخيرة بشكل مباشر في المواجهة.

ففي حين واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء التلويح بالتدخل المباشر في الحرب لمساندة إسرائيل، زاعما رغبة الإيرانيين في التفاوض والذهاب إلى البيت الأبيض، أكدت طهران أنها لن تتفاوض كمهزوم وأنها ستضرب المصالح الأميركية ردا على أي تدخل صريح في المواجهة التي شنتها عليها إسرائيل فجر الجمعة الماضي.

لكن مسؤولا رفيعا في الخارجية الإيرانية نفى لمدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز مشاركة بلاده بأي مفاوضات خارجية، ولا طلبها الذهاب للبيت الأبيض لعقد مناقشات.

ولم ينف المسؤول الإيراني وجود اتصالات دولية وإقليمية مع طهران لتحقيق اختراق على طاولة السياسة، لكنه أكد أن طهران أبلغت كل من تواصل معها أنها غير معنية بوقف إطلاق النار ما لم توقف إسرائيل هجماتها على المدن الإيرانية.

وقال المصدر لمدير مكتب الجزيرة أيضا إن إيران لن تجلس على طاولة المفاوضات لتوقيع استسلام أو إعلان هزيمة، وإنما لتحقيق مصالحها العليا، وإنها مستعدة لأن تكون جزءا من أي مفاوضات عقلانية وتراعي مصالحها العليا.

كما نفى وزير الخارجية عباس عراقجي في اتصال مباشر مع فايز أن يكون قد سافر لأي بلد للمشاركة في أي تفاوض.

نعم واحدة وكثير من اللاءات

ويعني هذا الكلام -حسب فايز- أن المفاوضات لا تزال جزءا من خيارات كافة الأطراف وإن كان الشق العسكري في هذه الأزمة يحتل مساحة كبرى من تلك التي يحتلها الشق السياسي.

وتشي هذه المعلومات -وفق مدير مكتب الجزيرة بطهران- بأن الإيرانيين يصوغون الموقف من خلال قول نعم واحدة مع كثير من اللاءات الكبيرة، بمعني أنهم يقولون "نعم للدبلوماسية والتفاوض العقلاني المقبول، ولا للإذعان والاستسلام والراية البيضاء التي يريدها ترامب".

إعلان

ليس هذا فحسب، فقد أكد مسؤول إيراني رفيع للجزيرة أن بلاده ستتحرك بحريا ضد الأهداف الأميركية، وأن مواجهة تموضع من أسماهم الأعداء بالمنطقة "سيكون خيارا"، وإن حزب الله سيدخل إذا دخلت واشنطن على خط الحرب.

حرب إقليمية

ويعني هذا الكلام -حسب فايز- أن الحرب ستنتقل من الضربات الثنائية إلى صراع إقليمي مباشر، لاسيما أن المسؤول الإيراني الرفيع أكد للجزيرة أن حزب الله لديه قدرة التحرك على الأرض رغم ما تلقاه من ضربات، وأنه قد يذهب باتجاه هذا الخيار.

وسيعني تدخل حزب الله -في حال حدوثه- أن دائرة النار الأولى التي كانت تواجه إسرائيل من المسافة صفر والتي يفترض أنها أُوقفت، قد تنتعش مجددا وقد يصبح لبنان واحدة من جبهات الحرب، كما يقول فايز.

وإضافة إلى ذلك، فإن كلام المسؤول الإيراني يعني -وفق فايز- أن القواعد وحاملات الطائرات والقطع البحرية الأميركية الموجودة في الخليج وبحر عمان وباب المندب وصولا للمحيط الهندي، ستكون في دائرة التهديد، وأن إيران دولة وشعبا ليست معنية بتهديدات ترامب التي لن تخيف الإيرانيين، كما قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في وقت سابق اليوم الأربعاء.

في غضون ذلك، نقلت وكالة رويترز عن سفير إيران بالأمم المتحدة أن طهران أبلغت واشنطن أنها سترد بحزم إذا تدخلت بشكل مباشر في الحملة الإسرائيلية عليها.

ومع تزايد حالة عدم اليقين التي تسيطر على مستقبل هذه المواجهة، أكد مسؤول أميركي للجزيرة أن طهران ستضرب مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بقوة، وأنها سترد بطريقة غير مسبوقة، وأن حزب الله سينخرط في القتال.

وقال المسؤول الأميركي أيضا إن خيار توجيه ضربة عسكرية لمنشأة فوردو الإيرانية يتطلب دراسة التداعيات وردود فعل إيران، وأكد أن "لدى إيران ووكلائها بالمنطقة القدرات لمهاجمة قواتنا إذا دخلنا الحرب".

وترجح التقديرات في واشنطن -حسب المسؤول- أن "إيران ووكلاءها سيهاجمون القوات الأميركية في حال توجيه الولايات المتحدة ضربة لإيران". في حين لا أحد يعرف ما سيفعله ترامب بشأن إيران.

وفي وقت سابق اليوم الأربعاء، قال ترامب إن الإيرانيين يريدون إبرام صفقة مع الولايات المتحدة، وإنهم اقترحوا القدوم إلى البيت الأبيض لأجل ذلك الغرض، مضيفا "لا يزال هناك وقت لوقف الحرب".

وكان ترامب أحجم في حديثه اليوم عن الإدلاء بإجابة حاسمة عن انضمام الولايات المتحدة إلى الضربات التي توجهها إسرائيل إلى إيران، مؤكدا أنه أعطى طهران مهلة نهائية وأن الأسبوع المقبل سيكون حاسما في هذا السياق.

وقال للصحفيين في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض "قد أفعل ذلك وقد لا أفعل، لا أحد يعلم ما سأقوم به"، في إشارة إلى احتمال انخراط الولايات المتحدة في المواجهة.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تقصف موقعا لحزب الله وتحذره من القتال مع إيران
  • إسرائيل تعلن مقتـل عنصر من حزب الله في غارة جوية جنوب لبنان
  • الرئيس اللبناني يعلق على إمكانية دخول بلاده الحرب ضد إسرائيل
  • إسرائيل تغتال قائدًا ميدانيًا لحزب الله في جنوب لبنان.. من هو محمد خضر الحسيني؟
  • تحالف العامري يطالب باصدار فتوى لمهاجمة إسرائيل لنصرة إيران
  • بيان لـ الوطني الحر في البترون: نرفض التصويت بأوراق من خارج القائمقامية
  • إسرائيل تُعلن عن اغتيال قائد في حزب الله.. هذه هويته
  • إسرائيل تستهدف حزب الله مجددًا في النبطية رغم اتفاق وقف إطلاق النار
  • تلويح إيراني بانخراط حزب الله في المواجهة.. هل اقتربت الحرب الإقليمية؟
  • مسؤول إيراني: دخول أمريكا المواجهة سيقابل بتهديد السفن وتحريك حزب الله