في ظل المواجهة مع إسرائيل.. أين وصل تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر؟
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
مع تصاعد المواجهات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، أبدى التيار الوطني الحر تباينا واضحا مع قرار الحزب في المواجهة، ليضاف إلى الخلافات المتراكمة بين الجانبين.
منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، طفت نقاط الخلاف بين الحزب والتيار على السطح أكثر فأكثر.
بدأ الخلاف إثر حضور وزراء حزب الله الجلسات الطارئة لحكومة تصريف الأعمال، برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، والتي يغيب عنها وزراء التيار الوطني الحر كونها غير شرعية حسب توصيفهم.
واعتُبر هذا الخلاف الأول من نوعه منذ تفاهم "مار مخايل" عام 2006، الذي أسس لتحالف متين بين الجانبين، ثم تراكمت هذه الخلافات لتشمل الموقف من الجلسات التشريعية لمجلس النواب، والتمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، ثم ملف رئاسة الجمهورية.
لكن انخراط حزب الله في اشتباك مفتوح مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أجج الخلاف بين التيار والحزب حتى بلغ ذروته.
فقد توالت مواقف مسؤولي التيار الوطني الحر، وعلى رأسهم رئيس التيار النائب جبران باسيل، الرافضة للتصعيد في الجنوب ولمبدأ "وحدة الساحات".
ثم جاء تصريح الرئيس ميشال عون، في مقابلة له على قناة "أو تي في" في 19 فبراير/ شباط الماضي، متوجا لهذه المواقف، حيث صرح بأن لبنان "غير مرتبط بمعاهدة دفاع مع غزة"، وأن "قول حزب الله إنه يخوض حربا استباقية هو مجرد رأي".
في السادس من فبراير/ شباط 2006، وقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر حينها ميشال عون مذكرة تفاهم في كنيسة "مار مخايل" ببيروت.
وقام التفاهم على مصالح متبادلة بين الجانبين، فالحزب اغتنم فرصة الخلاف المتجدد بين قطبي المسيحيين في لبنان، ميشال عون وسمير جعجع، ليضفي شرعية وطنية على مشروعه، وشدد على أنه لا يريد الهيمنة وإلغاء دور المسيحيين في لبنان، بل يعطيهم الضمانات.
كما عزز التفاهم مواقف الحزب في مجلس النواب والحكومة، بتحالفه مع الكتلة المسيحية الكبرى في المجلس حينها، واستثمره في حرب يوليو/ تموز 2006 وبدرجة أكبر في قتاله إلى جانب نظام الأسد في الحرب السورية.
وفي المقابل، مكن تفاهم "مار مخايل" التيار الوطني الحر من الحصول على العديد من الوزارات السيادية الهامة طيلة السنوات الماضية، وصولا إلى فوز العماد عون برئاسة الجمهورية عام 2016.
فالتفاهم في حقيقته قام على مصالح متبادلة بين الجانبين، لكن التيار الوطني في ظل تقويض مصالحه مؤخرا بات يطالب بإعادة مراجعة بنوده وصيغته، خاصة أنه أفقده الكثير من شعبيته داخل الشارع المسيحي وكلفه الكثير على المستوى الخارجي.
فحين وقع التيار الوطني اتفاقه مع حزب الله كان يمثل الكتلة المسيحية الكبرى في مجلس النواب، لكنه في الانتخابات الأخيرة عام 2022 حصل على 18 نائبا فقط، أي 28% من النواب المسيحيين، وهذا تراجع كبير في شعبية التيار بين مسيحيي لبنان.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن وزير الخارجية الأميركي حينها، مايك بومبيو، في تغريدة له على منصة إكس فرض عقوبات على جبران باسيل بتهمة "الفساد"، والتي أرجعها باسيل إلى تحالفه مع حزب الله.
كما يُظهر الحزب امتناعا عن دعم باسيل في ترشحه لرئاسة الجمهورية، متمسكا بالوزير السابق سليمان فرنجية مرشحا للرئاسة، خاصة أن الأخير تربطه بالحزب قناعات مشتركة لا مجرد مصالح كما هو الحال مع باسيل.
مرحلة حرجة
حاول حزب الله والتيار الوطني الحر معالجة الخلافات بينهما قبل عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك عبر تشكيل لجنة حوارية تبحث في النقاط العالقة بين الجانبين، لكن اشتعال جبهة الجنوب أجج الخلافات بين الجانبين من جديد لتصل العلاقة بينهما إلى مرحلة حرجة.
ففي تصريح له على قناة "إل بي سي" اللبنانية في العاشر من مارس/ آذار الجاري، اتهم عضو الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر النائب جيمي جبور حزبَ الله بالخروج عن تفاهم "مار مخايل"، مشيرا إلى أن تعاطي الحزب في الداخل اللبناني "يضرب أسس الشراكة والدستور".
وقال جبور "نعتبر أننا كنا بوقت من الأوقات حلفاء مع الحزب، واليوم نطلب منه وقف عملياته في الجنوب"، ودعا لبدء حوار حول الإستراتيجية الدفاعية للبنان.
وبدوره أكد القيادي في التيار الوطني الحر النائب آلان عون، في تصريح لقناة "إم تي في" اللبنانية في العاشر من مارس/ آذار 2024، أن التجارب السابقة تدفع التيار لخلط أوراقه من جديد، "مما سيؤثر على تموضع التيار ويعيد صياغة الكثير من العلاقات التي باتت من الماضي"، في إشارة واضحة إلى حزب الله وتفاهم "مار مخايل".
أما رئيس التيار النائب جبران باسيل فقد صرح بعد اجتماع الهيئة السياسية للتيار، في 20 فبراير/ شباط، أن التيار ضد مفهوم "وحدة الساحات" وضد تحويل لبنان إلى منصة لمهاجمة إسرائيل، ذاكرا أن "الخطر متمثل بعملية إقصاء المسيحيين بالتدرج عن الحكم".
وفي الثالث من مارس/ آذار 2024، انتقد باسيل حزب الله في كلمة ألقاها خلال العشاء السنوي للمكتب التربوي في التيار، وقال إنه يحاول استغلال الحرب لتمرير سياسات داخلية.
وفي المقابل، لم ينخرط نواب حزب الله ومسؤولوه في أي سجال إعلامي مماثل، بينما زار وفد من الحزب ضم النائب محمد رعد الرئيس السابق ميشال عون في السابع من مارس/ آذار الجاري، لشرح وجهة نظر حزب الله من التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وموقفه من الملفات الداخلية العالقة بين الجانبين.
شد عصب المارونية السياسية
ويستلهم التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية مبادئهما من "المارونية السياسية"، التي حكمت لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.
ويقوم هذا المفهوم على التعاطي مع السياسة اللبنانية من منطلق التمايز عن المحيط العربي والإسلامي، والنظر إليه بعين المخاوف المتَوهَمة، وقد أججت الحرب الأهلية اللبنانية هذا المفهوم، قبل أن يتراجع عقب اتفاق الطائف عام 1989.
لكن منذ بدء الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، عاد مفهوم "المارونية السياسية" للانتعاش من جديد، حيث تمحورت تصريحات التيار حول حماية حقوق المسيحيين ودورهم في نظام الحكم والشراكة الوطنية في لبنان، والمخاوف من الديمغرافيا الإسلامية المحيطة بهم.
لا طلاق بائنا بعديبدو جليا أن العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لم تعد كما كانت من قبل، وأن المرحلة الجديدة ستضع تفاهم "مار مخايل" على المحك في ظل دعوات داخل التيار لمراجعة بنوده وصياغته وفق رؤى وسياسات جديدة.
وقد غرد جبران باسيل على حسابه على "منصة إكس"، في 15 مارس/ آذار الجاري، مؤكدا أن "وثيقة التفاهم لا تسقط وتبقى صالحة بأفكارها، لكنها بحاجة لتطوير وهذا ما لم يحصل بعد".
لكنه عاد ليؤكد حساسية الموقف بأن الذي خرج عن التفاهم هو حزب الله بتخليه عن "بناء الدولة، وبعدها عن الشراكة، وأخيرا تخطى سقف حماية لبنان".
لذا فإنه لا طلاق بائنا بين الجانبين بعد، نظرا لحاجة كل منهما الماسة للآخر في ظل كثرة خصومهما على مسرح السياسة اللبنانية، لكن العلاقة بينهما بلغت مرحلة حساسة من شأنها أن تنعكس بشكل كبير على المشهد السياسي اللبناني، مما سيعزز من الاصطفاف الطائفي ويزيد من تعقيدات المشهد.
ويأتي كل هذا في ظل تهديدات بحرب إسرائيلية على لبنان، وأزمات متراكمة تعصف باللبنانيين على كافة الصعد، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات التیار الوطنی الحر بین الجانبین جبران باسیل میشال عون مار مخایل من مارس
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تكشف: إيران أطلقت 550 صاروخًا باليستيًا وأكثر من 1000 مسيّرة منذ بدء الحرب
أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في تصريح رسمي اليوم الثلاثاء، بأن إيران أطلقت نحو 550 صاروخاً باليستياً منذ اندلاع المواجهة العسكرية المفتوحة بين الطرفين، إلى جانب أكثر من 1000 طائرة مسيّرة هجومية استهدفت مواقع متعددة داخل إسرائيل.
ويعكس التصريح تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق في تاريخ التوترات بين طهران وتل أبيب، إذ يعتبر العدد المعلن من الصواريخ دليلاً على دخول الصراع مرحلة جديدة من المواجهة الشاملة، تتخطى حدود الضربات المحدودة أو الردود التكتيكية.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وعلى رأسها منظومة "القبة الحديدية" ومنظومة "مقلاع داود"، تمكّنت من اعتراض عدد كبير من هذه الصواريخ، إلا أن بعضها أصاب أهدافًا مباشرة في مناطق الجنوب، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل والمنشآت الصناعية، دون الإعلان عن خسائر بشرية جسيمة حتى اللحظة.
ترامب يؤكد: لا خرق للهدنة وطائرات إسرائيل ستؤدي التحية لإيران.. ونتنياهو يحرجه
تسبب التطور بحالة من الاستنفار الأمني الكبير داخل إسرائيل، حيث فُعلت صفارات الإنذار في حيفا وتل أبيب والنقب، وانتقل المدنيون إلى الملاجئ.
ويبدو أن هذا الهجوم المكثف لم يكن مجرد رد فعل على تحرك إسرائيلي، بل جزء من استراتيجية محسوبة من الجانب الإيراني، تهدف إلى فرض معادلة ردع جديدة على الأرض، وإرسال رسالة واضحة للداخل والخارج، بأن طهران تملك القدرة على التأثير عسكريًا في العمق الإسرائيلي.
ولم تستبعد مصادر عسكرية إسرائيلية أن يكون هذا الهجوم بداية لحملة أوسع تنفذ على مراحل، وتضع المنظومات الدفاعية الإسرائيلية تحت اختبار غير مسبوق.
وبينما يلتزم المسؤولون الإسرائيليون بنوع من التكتم حول طبيعة الرد المرتقب، تشير التحليلات إلى أن التصعيد الحالي قد يدفع بالأزمة نحو أفق أكثر خطورة، إذا لم يتم احتواؤه سريعًا من خلال قنوات دبلوماسية أو ضغوط دولية. ولا تزال الأنظار متجهة إلى رد الفعل الأمريكي، ومدى انخراط القوى الكبرى في محاولة ضبط إيقاع المواجهة. أما في الداخل الإيراني، فقد رحّبت وسائل الإعلام الرسمية بما وصفته بـ"الرد الرادع"، معتبرة أن ما جرى هو "رسالة تأديب" حاسمة لإسرائيل.
وحتى الآن، لا توجد مؤشرات واضحة على قرب التهدئة، خاصة في ظل استمرار التوترات على جبهات أخرى في المنطقة، ما يُنذر بإمكانية انزلاق الوضع نحو حرب إقليمية واسعة ما لم تُتخذ خطوات عاجلة نحو التهدئة وضبط النفس من الجانبين.