أوقفتُ سيارتي أمام شقق كمبنسكي في الخليج الغربي بالدوحة، وطلبت من موظف الاستقبال أن يوصلني إلى الطابق الخامس، من أجل إجراء حوار مع الكاتب والإعلامي عارف حجاوي، الذي قضى نحو نصف قرن في مجال الإعلام المكتوب والمرئي، وألّف 25 كتابا في الإعلام واللغة والشعر العربي.

عمل وهو ابن الثامنة عشرة في صحيفة محلية بالقدس، وحين جلس ليكتب عنوانا لزيارة حافظ الأسد إلى موسكو كتب "الرئيس حافظ الأسد يزور غدا العاصمة الروسية موسكو"، أمسك رئيس التحرير بالورقة وشطب العنوان ذهابا وجيئة، وكتب أربع كلمات "الأسد إلى موسكو غدا"، تعلّم الفتى الدرس، وسيعيش ليؤسس مدرسة في محاربة ما يسميها "الثرثرة" في الكتابة الصحفية.

بعد عدة عقود، سلّم له مديره في إدارة ضبط الجودة في شبكة الجزيرة كومة هائلة من دليل للكتابة الصحفية لتحريره، وعاد بعد يومين بملزمة متوسطة الحجم، كان قد حذف 50% من المادة الأصلية، ونُشر الدليل.

بعد رنّة واحدة للجرس، فتح لي الباب، عارفٌ معروفٌ بدقته في المواعيد، كل زملائه وأصحابه يشهدون له بأنه يصل قبل موعده ببضع دقائق، ظهر من خلف الباب يلبس بنطالا أسود وقميصا كحليا، شيخٌ في الثامنة والستين، وُلد في عام العدوان الثلاثي على مصر 1956، وعاش ليرى تواطؤ دول العالم الأول مع إسرائيل على إبادة قومه وتصفية قضيتهم بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي يصفه عارف "بالهجوم المظفّر".

"نستطيع أن نتناول الفلافل في مطعم أباجور أو أبو شريحة أو العكاوي" قلتُ له محاولا إغراء الرجل لإجراء الحوار خارج الشقة بوجبة الفلافل التي يحبها، والتي تناولنا الكثير من أقراصها خلال علاقتنا ذات الأعوام الستة، أجابني بكلمتين "اجلس وسنرى"، جلست وأنا أعرف أني لن أهزم نزعته "للبيتوتيّة".

"بالمناسبة ما سر حبك للفلافل، هل وجدت فيها بديلا آمنا؟"، سألته، يتجنب عارف أكل اللحوم اتقاء نوبات النقرس (يصاب المرء بالنقرس نتيجة ارتفاع حمض اليوريك في الدم، وتعد اللحوم الحمراء من أبرز حوافزه).

أجابني وهو يلفُّ سيجارته بإتقان لافت "هذا جزء من حبي لها، لكنه حبٌّ مكتسب، لم أرَ أمي أو أبي يأكلان الفلافل قط!".

"لماذا؟" سألته.

"كانوا يعدونها من طعام السوق، لكني وأسرتي نأكلها اليوم أكلا ذريعا، لقد سرق الإسرائيليون الفلافل بفحش، في القدس وتل أبيب لا تحتاج أن تبحث عن مطاعم للفلافل، فهي تحيط بك، وتقابلك في كل زقاق، وعند كل زاوية، إذا ذهبت إلى أمستردام، ستجد الفلافل المصريّة التي تصنع بالفول في مطاعم المصريين، وستجد الفلافل "الإسرائيلية" التي تصنع من الحمّص، لقد انتشر الإسرائيليون في العالم فلافليا"، تتردد مسألة أصول الفلافل بين الشام ومصر، وتشير بعض الدراسات أنها كانت من طعام المصريين قبل 1000 عام، وأنهم أطلقوا عليها اسم "فلافل" والتي تعني "المليئة بالفول"، وتتخذ إسرائيل اليوم من الفلافل طبقا قوميا لها، وتقدمه للعالم على أنه طبق من المطبخ اليهوديّ، مضيفين الفلافل إلى قائمة طويلة من الأشياء التي أسْرَلوها (أضاف قاموس إيربان الشعبي urban dictionary مؤخرا مفردة "أسْرَلَ" ومعناها ادعاء ملكية شيء ليس لك).

وضع عارف سيجارته في صحن أبيض صغير مليء بالرماد، كان حوّله إلى مقر لمخلفات السجائر، وقام إلى المطبخ المقابل لغرفة جلوسنا، قلت له وقد سرتُ خلفه "كيف وجدتَ تغطية مؤسستك القديمة هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي التي عملت فيها 11 عاما، للعدوان الإسرائيلي على غزة؟" (عمل حجاوي صحفيا ثم مديرا للبرامج في البي بي سي العربية بين عامي 1988 – 1998).

قال بدون أن يلتفت إليَّ "الآن أظهرت البي بي سي أسوأ ما عندها. في حرب العراق 1991 كانت البي بي سي الإنجليزيّة على قدر لا بأس به من الانحياز، أما البي بي سي العربية، فكان فيها توازن معقول، لأن العرب شاركوا في تحرير الكويت، كانت هناك مساحة لإذاعة البي بي سي العربيّة في متابعة الحدث، لقد غطينا جرائم الجنود البريطانيين في البصرة. في الانتفاضة الفلسطينية غطت البي بي سي الأحداث بحياء شديد، دائما ما يغضون النظر عن دولة احتلال. مؤخرا في حرب غزة أدهشتني البي بي سي الإنجليزية بانحيازها للرواية الصهيونيّة"، لم يكن الموظف القديم وحده من أدهشه هذا التحيّز الإعلامي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتهم صحفيون يعملون في البي بي سي مؤسستهم بالتحيّز لإسرائيل، وجاء في رسالة إلى الجزيرة الإنجليزية وقّع عليها 8 صحفيين يعملون في البي بي سي أن الهيئة البريطانية تتبنى معايير مزدوجة في التعاطي مع ضحايا العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وضحايا الحرب الروسية الأوكرانية.

بعد أن صرنا في المطبخ مدّ حجاوي يده إلى الثلاجة وأخرج منها زجاجة صفراء متوسطة الحجم "صنعتُ اليوم سمنا من زبدة عمانية" قال وهو يقرّب الزجاجة من أنفي بعد أن نزع عنها غطاءها، "هل تجد رائحة السمن؟"

"ليس واضحا" 

"ما رأيك أن نقلي بيضة ونختبر طعمها؟" قال مقترحًا. عرفتُ وقتها أنه قام بتصفية فكرة العشاء في الخارج، وأن هذه طريقته المهذبة ليقول إنه لا يرغب في الخروج.

"حسنا، ما قائمة العشاء الليلة؟" سألته باستسلام.

"البيض بالسمن العماني العظيم، وعندي "طون" (معلبات سمك التونة) وماذا تحب أيضا؟"

"إذا كان عندك طماطم، سأتولى أنا قلّاية البندورة" لا يثق عارف كثيرا بالناس في مطبخه، وسماحه لي بالطبخ شهادة بأني أصنع طعاما يصلح للاستهلاك البشري.

بعد أن أخذ كل منا موقعه في المطبخ، وقرّب لي عدة القلّاية، سألته، وأنا أقطّع الطماطم "لماذا لم تلتحق الضفة بالسابع من أكتوبر؟ لماذا لم تتصاعد الأحداث باتجاه انتفاضة ثالثة؟"

"لعدة أسباب، لقد استطاعت السلطة تجهيز قوى أمنيّة قادرة على ضبط الحركة في الضفة، هذه واحدة، ثم إن التوحّش الإسرائيلي وسياسية "صوِّب لتقتل" كبحت نشاط الناس، أضف إلى ذلك خروج جماعات مسلحة في الضفة ونابلس، وحين تنشط الجماعات ينحسر المدّ الشعبي، لقد كممت إسرائيل الأفواه، دلال أبو آمنة مثلا، اعتقلوها لأنها كتبت على حسابها في مواقع التواصل "لا غالب إلا الله" واعتقلوا الآلاف غيرها".

"هل تحتاج إلى البصل؟" اقترح عليّ وهو يفتح أحد الأدراج ليناولني إياه، "لا، البصل ينحو بها إلى الكشنة اليمنية، سأكتفي بالثوم" قلتُ معتذرا، ولم أرد قطع تدفق أفكاره الذي بدا لي من جوابه السابق، فبادرتُه: بالمناسبة يخطر ببالي سؤال، لا أريد حكما أخلاقيا على أداء السلطة الفلسطينية، يهمني أن أعرف منطقها التي تعمل به، كيف تفكر؟

"تدافع عن أوسلو، يقولون جاءت أوسلو بـ300 ألف فلسطيني من الشتات، وأوسلو تضمن أمانا نسبيا للفلسطينيين، قبل السلطة كانت إسرائيل مسؤولة عنا، الآن أعانتها السلطة، بالمناسبة كانت أوسلو إنقاذا للمنظمة، وليس للقضية! فقد كانت المنظمة في أسوأ أحوالها، كان وجودها يكاد ينعدم، القيادة في تونس بدؤوا بتصفيتها، ولم يبقَ لها دور سياسي، حين بدأت المفاوضات بعد الانتفاضة، استغلت المنظمة تورع المفاوضين عن التوقيع بالنيابة عن جميع الفلسطينيين، ووثبت على مقعد التمثيل الفارغ. لم تصنع المنظمة الانتفاضة حسب زعمها، في الواقع، كانت تلاحق الانتفاضة وتحاول أن تحصّلها. رحّب الإسرائيليون بهذا الوضع بمنطق "فليدخلوا في الخيمة وليبولوا نحو الخارج، بدلا من أن يكونوا في الخارج ويبولوا صوب الخيمة!"، فلتأتِ المنظمة ولنروّضها في الداخل، وقد نجحت خطتها" صمتَ قليلا وفتح باب الثلاجة: سنقلي بيضة لنجرّب هذا السمن عديم الرائحة، حتى لا نتورط، فإذا أعجبنا قلينا به البقية" قلتُ له نعمَ الرأي، ولكن لم تكمل حديثك عن أوسلو. وضع ملعقة من السمن في المقلاة وفقس بيضة، واستأنف:

"إسرائيل لم تحترم أوسلو، وألحقته باتفاق اقتصادي في باريس، استشارت خبراءها لتقييد الفلسطينيين بحيث لا يتنفسون. لقد ربطونا بالاقتصاد الإسرائيلي ربطا لا فكاك منه، في الضرائب والاستيراد والتصدير وفي كل شيء" وقعت السلطة الفلسطينية على اتفاقية باريس 1994 التي منحت إسرائيل حق التحكم في الاقتصاد الفلسطيني من خلال سيطرتها المطلقة على الموانئ والمعابر، وربط الموافقات الاقتصادية بالإذن الأمني، ووضعت الاتفاقية قيودا مشددة على حركة الصادرات والواردات بحيث يمنع التاجر الفلسطيني من التعامل مع دول لا تقيم علاقات سياسية أو تجارية مع إسرائيل، هذه التعقيدات المتعمدة حدت بالتجار الفلسطينيين إلى اللجوء إلى التعامل مع البضائع الإسرائيلية لتسيير تجارتهم.

"ولكن لماذا يتحمل سكان الضفة هذه السلطة؟" سألته وأنا أضع الغطاء على قلّايتي.

"عندنا أكبر عدد موظفين بالنسبة إلى عدد السكان. السلطة تقوم على نظام ريعي، ولا ريع، فهي تستلم ميزانيتها من المساعدات الأميركية والخليجيّة، وتصرفها رواتب للموظفين، هذا النظام يجعل قاعدة القوة في يد السلطة على حساب المجتمع. "نضجت بيضتنا، وتذوقناها فوجدناها طيّبة. بدت المائدة قريبة، فانشغلنا بتحضير الطاولة، بسطنا ورقة من جريدة الأمس ووضعنا عليها عشاءنا".

أثناء العشاء سألته: ماذا سيحدث لو استيقظ أبو مازن (محمود عباس) غدا وقرر عدم الالتزام بأوسلو؟

"عدم الالتزام يعني تسليم المفتاح، وهي كلمة قالها أبو مازن ذات مرة، "بدهم نسلم المفتاح بنسلم المفتاح!"، قالها بصوت عالٍ محاكيا طريقة أبي مازن في التذمر، وأردف "تسليم المفتاح يعني تحميل الاحتلال مسؤولية السكان" أسند ظهره إلى الكرسي مبتعدا عن الطاولة، وأشعل سيجارته الثالثة "لما جرت الانتخابات على خلافة عرفات، عملنا برنامجا تلفزيونيا وقابلنا المرشحين السبعة، قلت لأبي مازن وقتها: أنت بتحرد كثير، بتزعل وتغضب وتنسحب، حين كنت تختلف مع عرفات تضجر وتغادر الاجتماعات، وهذا منصب لا يناسبه هذا السلوك، وحين استلم المنصب بدا سعيدا به، ولم يحرد، يبدو أنه استجاب أخيرا لنصيحتي ولم يضجر أو ينسحب" قالها بنبرة سخرية واضحة.

في هذه الأحداث تذكرت روايتك التي كتبتَها في 12 يوما، "إعصارٌ في الهلال الخصيب"، كانت أحداثها تدور في الأردن، وتتحدث عن المستقبل، ما الذي سيحصل لإسرائيل في المستقبل، هل ستزول؟ سألته وقد رفعتُ يدي عن السفرة.

"هذه رواية كتبتها وكان ينبغي أن أسميها "الممكن" لأنها تتحدث بمنطق الممكن السياسي، أحداثها تبدأ في 2050، وفيها تتحول إسرائيل إلى دولة صغيرة، زوالها غير واقعي مع الموقف العربي الراهن، ولكني حجّمتها وجعلتها دولة لليهود، ولم أُنهِ دولة إسرائيل، قلصتها، كما يجب أن تتقلص".

بما أننا نتحدث عن الرواية والكتابة، قل لي يا أبا مريم، ما الذي ينقص الصحافة العربية التي أفنيت فيها عمرك؟

"الصحافة العربية ينقصها القارئ! اعمل نيويوركر عندنا ولن يشترك فيها أكثر من خمسين قارئا. مستوى الثقافة هابط عندنا" ثم استطرد "عندنا إشكالية في كتابتنا لتاريخنا أيضا، الطبري وابن الأثير كتبوا تاريخهم، كتّاب التاريخ اليوم يكتبون للتمجيد. عندنا استسهال. ليس لدينا رهبنة في العلم"، حين قال كلمته الأخيرة انقدح في ذهنه بيت المتنبي في وصف الأسد، فأنشد بصوته الفخم:

"في وحدة الرهبان إلا أنه.. لا يعرف والتحريم والتحليلا"، التفت إليّ بنظرة حادة أعطني ديوانا واحدا لم يسبقنا إليه المستشرقون؟"

لأن مخطوطاتنا عندهم يا سيدي!

"صحيح لكنهم يسمحون بالوصول إليها" وهمَّ بالوقوف، ففهمت أنه يريد صناعة الشاي، فبادرتُ بالوقوف "مكانَك!"، أعرفُ مكان السكر والشاي، ولكن "أخبرني عن قصة برنامجك سيداتي سادتي الذي يُبث على التلفزيون العربي؟" سألته وقد صرت في المطبخ وأخذت أرفع صوتي ليسمعني وهو جالسٌ في مكانه.

"في 2020 كنت متقاعدا في الضفة، جاءني اتصال من صديق لي يعرض عليّ عملا في التدقيق بالتلفزيون العربي، فقبلت، وفي فبراير/شباط حملت حقائبي إلى لندن، وحين استقبلني السائق قال لي: إلى الفندق أم القناة؟ كنت قد سئلت السؤال نفسه من سائق البي بي سي قبل ثلاثين سنة حين جئت للندن، وأجبت بالجواب نفسه: خذني إلى القناة! استقبنلي مدير القناة، وقال لي ما رأيك أن تعمل برنامجا معنا تتحدث فيه عما لديك من معارف ومعلومات. فقلت له: يصلك تصور للحلقة الأولى بعد يومين. وقد كان. وعملت 50 حلقة في لندن".

ألم تعمل مدققا في البي بي سي؟ سألته وأنا أناوله كأس الشاي.

"في البي بي سي كان يعمل سبعون شخصا، كلهم سيبويه! لم نحتج لمدقق".

لكنك تميل دائما إلى التسهيل في اللغة ومذهبك واسع.

"أهم شيء ألا يثرثر المذيع، وألا يسأل أسئلة طويلة"

وإذا وقع في لحن؟ سألتُه مستفزا.

"فليقع، لن يكون أفضل من الوليد بن عبد الملك!".

"كم قطعة سكر؟" سألني، وهو يأخذ مكعبين من السُكريّة التي على الطاولة.

"أشربه بدون سكر" أجبته، وعلى ذكر السكر لديك شيء تسميه الحاسّة النمليّة، وهي تتعلق بدأبك في الجمع والتأليف. موسوعة المختارات الشعرية التي أصدرتها تحت عنوان "زبدة الشعر" والتي تقع في خمسة مجلدات ضخمة تجمع فيها شعر الشعراء من امرئ القيس وانتهاء بالبردوني، أكانت نتيجة لهذه الحاسة؟

"نعم أنا لا أرمي شيئا، مجنونة الجارة عندنا تجمع العلب والبرطمانات حتى يغصّ بها بيتها، أنا مثلها. حين جمعت المختارات كنت أكتبها لنفسي في دفاتر كبيرة، وجمعتها على مدى 13 عاما، ولم أكن أفكر في طباعتها".

حسنا، ألم يحن الوقت لتكتب مذكراتك؟

"عندي شيء أسميته ورقة تأريخ شخصي، ولو جُمِع وطبع لكان أفضل من المذكرات، أكتب فيها على امتداد 30 عاما، وفيها انطباعاتي عن الأشياء".

تفكر في طباعته؟ سألته بحماسة.

أجاب ببرود: "ليس مستحيلا، وليس على جدول الأعمال".

عُد بنا إلى برنامجك، ماذا تريد أن تقول للناس فيه؟ ما خلاصاتك في الحياة؟

اعتدل في جلسته وكأنه ارتاح للسؤال: "أريد من قومي الناطقين بالعربية أن يكونوا أمة ناجحة، العربيةُ طريق للنجاح، وبوابة النجاح التعليم، أريد أن نستثمر في الكتاب المدرسي، الناس لا تقرأ إلا المفروض عليها، والمفروض يجب أن يكون جيدا، وأريد أن يكون مع الكتاب المدرسي كتاب رديف يغري الطلاب بالقراءة، مثل ما فعلت معنا دائرة التربية والتعليم مرة، حين طبعت كتاب قصة الميكروب ترجمة العالم أحمد زكي، وهو كتاب عن الجراثيم، وكان فتحا بالنسبة لي".

أقبلت بعده على القراءة؟

"استفدتُ من مكتبة بلدية نابلس التي كنت أسكنها، كان فيها في ذلك الوقت 30 ألف كتاب وانتقيت منها".

هل كنت تقرأ بالإنجليزية؟

"في الثانوية قرأت قصة الحضارة لويل ديورانت، كانت الجامعة العربية قد ترجمت 8 مجلدات منه، ولم تصل إلى الجزء الذي يتكلم عن عصر فولتير، أخذت الكتاب بالإنجليزية، وقطعته حبوا رفقة القاموس، لقد دمرت عددا لا بأس به من القواميس، كانت تهترئ بين يدي"، قام متجها إلى المطبخ لغسل الأطباق، يمكن لعارف أن يشارك في بطولة دوليّة في سرعة غسل الأطباق، فسرعته مذهله، نمت لديه هذه الموهبة من عمله في غسل أطباق المطاعم حين كان طالبا في ألمانيا في سبعينيات القرن الماضي.

نظرتُ إلى ساعتي، بدا الوقتُ قد تأخر، قبل أن أستأذنك، كنت قد حدثتني عن انشغالك بتتبع المتصهينين العرب منذ أشهر، ما آخر ما ظهر لك منهم؟

"لقد قضيت ساعات كثيرة في متابعتهم، لديهم فهم غريب للحضارة الإسلامية، وتبعيّة مطلقة للغرب. يقول الغرب إن إسرائيل دولة ديمقراطية، فيقولون بقوله، لكن الذي يثير استغرابي تمجيدهم للغرب وحقدهم على الإسلام وفتوحاته، رأيت بعضهم يمجّد الدولة الرومانية. يوليوس قيصر حين فتح المدن كان يقتل جميع الذكور ويسبي النساء والأطفال!".

قال هذا وهو عائد إلى مقعده بعد أن فرغ من غسل الصحون، ثم أردف "بينما العرب حين خرجوا من جزيرتهم، خرجوا بالسيف والقبيلة والقرآن، لقد أخذوا دستورهم معهم للفتوحات، وكان هذا مهمًا للغاية. الفتح الإسلامي كان مختلفا. الصهاينة العرب لا يريدون أن يفهموا هذا!"

هل تراهم ظاهرة حقيقية أم موجة مفتعلة؟

"ليست موجة مفتعلة. هؤلاء حاقدون وليسوا مرتزقة، وحالة الانهيار العربية الحالية، جعلتهم يقولون كنا دائما منهارين ومتخلفين، وهذا خطأ وكذب على التاريخ"! قال هذا ورشف آخر رشفة من كأس الشاي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فی البی بی سی بعد أن ة التی

إقرأ أيضاً:

الصحافة ونماذج الأعمال الجديدة

يخطئ كثيرا من يظن أن صناعة الصحافة بمنصاتها التقليدية والرقمية تعيش أيامها أو سنواتها الأخيرة في ظل تنامي أدوات الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية التي أدت إلى عزوف قطاعات واسعة من الجمهور في كل دول العالم تقريبا عن مطالعة الصحف ومشاهدة المحطات التلفزيونية والاستماع إلى المحطات الإذاعية.

ففي ظل كل هذه التحولات غير المبشرة بالخير، تشهد الصحافة محاولات جادة لإعادة اختراع نفسها من خلال ما يطلق عليه الباحثون «تبني نماذج جديدة للأعمال» قادرة على إبقاء منصات الصحافة المختلفة في الساحة الإعلامية لسنوات قد تطول وتمكينها من توليد إيرادات جديدة تُعينها لا على البقاء في السوق فحسب، بل على تحقيق الأرباح، ومن ثم الازدهار مرة أخرى.

لعل ما يؤكد ما قلناه أن صناعة الصحافة على امتداد تاريخها ومنذ معرفة العالم بها في مطلع القرن الثامن عشر كانت تعاني مع كل تقنية اتصالية جديدة وتدخل في صراع ومنافسة غير متكافئة معها في البداية، ثم لا تلبث أن تخرج منتصرة، لتعيد تقديم نفسها، من خلال توظيف تلك التقنيات والاستفادة منها، بل والمشاركة في تطويرها، حدث هذا مع اختراع التلغراف، الذي استغلته الصحافة في نقل الأخبار وتطوير طرق الكتابة الصحفية، ثم مع المذياع والتلفزيون والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت وأخيرا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي ألقى بظلاله الجيدة والسيئة على المنتج الصحفي في السنوات الأخيرة، وفي تقديري فإن الصحافة، مثلما نجحت في مواجهة التحولات التقنية السابقة فإنها قادرة على مواجهة تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في تعزيز مكانتها في المجتمعات المعاصرة، وهي مكانة لا تزال تحظى بالاعتراف العام رغم التحديات.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تستطيع الصحافة العُمانية، مواكبة الصحافة العالمية على صعيد مواجهة التحولات الرقمية المتسارعة؟ علينا للإجابة عن هذا السؤال أن نعترف في البداية أن صناعة الصحف العالمية تشهد تحوّلًا هيكليًا عميقًا، تقوده تقنيات التحول الرقمي، وتجزئة الجمهور، والانهيار السريع في إيرادات المنصات الصحفية والإعلامية.

وفي مختلف السياقات الوطنية، دفعت هذه التغيرات المؤسسات الصحفية إلى إعادة تشكيل نماذج أعمالها، وتجريب نماذج جديدة، وإعادة تعريف علاقتها بالجمهور، وهو ما أتاح لها فرصًا جديدة للحياة بعد أن كان بعضها قد أوشك على الخروج من السوق. عندما ننتقل إلى الصحافة في سلطنة عُمان، نجد أن هذا التحوّل ما زال في بداياته، ومن ثم يمكن التحكم فيه وتسخيره لما فيه صالح المؤسسات الصحفية والإعلامية.

المختلف في التجربة العُمانية في التحول الرقمي للصحافة، هو أن الصحافة تعمل في إطار نظام إعلامي يتسم بالخصوصية سواء على صعيد التطور التاريخي الذي مرت به الصحافة أو على صعيد العلاقة الوثيقة التي تربط الصحافة بالحكومة، وتصبغ مجمل علاقاتها بالسلطة السياسية من جانب وعلاقتها بالجمهور من جانب آخر، وهو نظام يتميز بالمركزية، والنزعة الوطنية التنموية، والتبني الحذر للتحول الرقمي.

منذ تأسيس صحيفة «الوطن» عام 1971 عقب تولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الحكم بفترة وجيزة، شهدت الصحافة العُمانية نموًا مستمرًا سواء على مستوى عدد الصحف الناطقة بالعربية والإنجليزية أو في تنوعها، ومضامينها. وقد شكّلت صحف مثل «عُمان»، و«عُمان أوبزرفر»، و«الشبيبة» و«الرؤية»، و«تايمز أوف عُمان» أدوات رئيسة في خدمة الدولة، وتعزيز التماسك الوطني، ورفع الوعي العام، وعلى الرغم من مساهمتها الكبيرة في تأسيس البنية الأساسية الإعلامية في عُمان، فإن تطورها تم في إطار يولي أهمية قصوى لاستقرار النظام الإعلامي، والانسجام مع السياسات الوطنية، وتقديم الدور التنموي على ما عداه من أدوار للصحافة.

واقع الأمر هو أن صناعة الصحف في عُمان لم تتطور إلى سوق تنافسي تجاري بالمعنى الليبرالي، ومنذ نشأتها وحتى الآن تواصل العمل في إطار اقتصاد إعلامي ونموذج أعمال تقليدي يعتمد على الدولة، ويقوم على ثلاثة مصادر رئيسة للإيرادات، هي: الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، والإعلانات من الهيئات المرتبطة بالدولة والقطاع الخاص، والاشتراكات المؤسسية الجماعية من المؤسسات العامة والخاصة.

ورغم أن هذا النموذج يوفّر نوعًا من الأمان المالي، إلا أنه في الوقت ذاته يرسخ ثقافة الاعتماد على الدولة ويعزل الصحف عن الضغوط السوقية التي قد تكون محفّزًا على التغيير، ويحد بالتالي من الرغبة في تجريب نماذج أعمال جديدة، كما يحد من تنويع مصادر الدخل، ويزيد من المخاطرة التمويلية التي تعاني منها المؤسسات الصحفية، خاصة مع توقف الدعم الحكومي، وانخفاض حصة الإعلانات لحساب المنصات الرقمية الجديدة، إلى جانب انخفاض الاشتراكات أو إلغائها في السنوات الأخيرة.

من المؤكد أن الاعتماد الكبير على مصادر تمويل مرتبطة بالدولة في ظل الواقع الإعلامي الحالي أصبح نموذجا غير فعال، خاصة أنه قد يكون له تبعات على استقلالية السياسات التحريرية للصحف واستدامة المؤسسات الإعلامية على المدى الطويل، فعندما تكون الحكومة هي الممول الرئيسي، فإن الصحف غالبًا ما تتردد في اتباع سياسات تحريرية قد تتعارض مع الروايات الرسمية.

من هنا، لا يمكن فهم التحول الرقمي في الصحافة العُمانية بشكل صحيح دون ربطه بالاقتصاد السياسي للإعلام والبنية السياسية والاقتصادية التي تتحكم فيه، على عكس الدول الغربية، حيث أدت التحولات الرقمية إلى دفع الصحف إلى ابتكار نماذج أعمال جديدة تقوم على إضافة أنظمة الدفع الجديدة، ومؤشرات التفاعل، وتخصيص المحتوى، ما زالت الصحف العُمانية ضمن نظام إعلامي يرتبط فيه بقاء المؤسسات الإعلامية بعوامل غير إعلامية.

وعلى الرغم من انتشار المنصات الرقمية، فإن معظم الصحف العُمانية لم تستثمر بشكل فعّال في فرص تحقيق الدخل التي يتيحها الفضاء الرقمي. الإعلانات الرقمية لا تزال قليلة، سواء على مستوى التطور التقني أو على مستوى اختراق السوق الإعلاني. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها صغر حجم سوق الإعلانات الرقمية، وهيمنة المنصات التقنية العالمية مثل «جوجل» و«فيسبوك» على هذا السوق.

لم تطور الصحف العُمانية حتى الآن نموذج أعمال آخر أصبح شائع الاستخدام في الصحافة العالمية، وهو نموذج «ادفع لتستخدم» والذي يتيح للجمهور الحصول على خدمات صحفية مميزة في مقابل الاشتراك في النسخة الرقمية، ويرجع ذلك في تقديري إلى اعتقاد سائد لدى إدارات الصحف العُمانية -ربما يكون خاطئا- بأن الجمهور العربي بوجه عام لم يعتد بعد على الدفع مقابل الأخبار والخدمات الصحفية التي تقدمها تلك المنصات، وأنه، أي الجمهور، يتوقع عادة أن يكون المحتوى الرقمي متاحًا مجانًا، ما يجعل من الصعب تطبيق نماذج الدفع أو الاشتراكات.

والواقع أن خشية الصحف من تجريب هذا النموذج الذي نجح مع الآلاف من الصحف في مختلف دول العالم، يعود في الأساس إلى ضرورة توفير الموارد لإنشاء مواقع ومنصات صحفية متميزة تدفع الناس إلى الاشتراك فيها، والدليل على ذلك أن هناك قطاعات من الجمهور العربي تدفع بالفعل لمواقع صحفية عالمية للحصول على الأخبار والخدمات الصحفية .من الضروري في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ الصحافة العُمانية أن نعيد النظر في استراتيجيات التحول الرقمي ونماذج الأعمال لضمان بقاء صناعة الصحافة واستدامتها. علينا أن ندرك أن مستقبل الصحافة العُمانية لن يبنى فقط على الدعم الحكومي بل على القدرة على التكيف مع نماذج أعمال رقمية مستدامة.

مقالات مشابهة

  • عبد اللطيف البوني: حاطب ليل
  • ذكرى النكبة الـ 77.. الجامعة العربية تُدين رفض ‏إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة ‏
  • الجامعة العربية تدين رفض إسرائيل الانصياع لقرارات مجلس الأمن بشأن غزة
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • مغردون يرحبون بصواريخ الحوثي التي ضربت إسرائيل
  • وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية لـ سانا: نشكر أشقاءنا وأصدقاءنا، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية تركيا، وغيرهم، الذين وقفوا وساهموا في القرار الأمريكي، كما نشكر الإدارة الأمريكية على تفهمها للتحديات التي تواجهنا، والشكر موصول ل
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً، على الجهود الصادقة التي بذلتها في دعم مساعي رفع العقوبات الجائرة عن سوريا، هذه الخطوة تمثل انتصاراً للحق وتأكيداً على وحدة الصف العربي
  • الصحافة ونماذج الأعمال الجديدة
  • الصحفيون العراقيون شركاء في انجاح القمة العربية
  • غواي… حين تكون الخطيئة مرآة الروح