دور المؤسسات التربوية في تربية الأجيال
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
أثناء تصفحي لأحد مواقع التواصل الاجتماعي، انتبهت إلى مقطع مرئي يستحق التحليل والنقاش بما أنني مُربٍ، وأحببت أن أشرحه وأناقش أدواره والجوانب الإيجابية والسلبية التي قد تنبعث منه، وذلك في سبيل نشر المعرفة والفائدة للجميع.
عند طرحي للموضوع، يمكن أن يتفق معي البعض ويختلف البعض الآخر، ولكن هذا التباين في الآراء يساعد في توضيح الصورة للقارئ أو المربي، بما يتناسب مع أسلوبهم الشخصي في التربية وتفضيلاتهم.
وقبل الخوض في تفاصيل المؤسسات التربوية لا بُد من توضيح مصطلح التربية حيث يقصد بها: تنمية الشخصية وصقلها من جميع النواحي الاجتماعيّة، والنفسيّة، والعقليّة، بما يتناسب مع قيم المجتمع الذي نعيش فيه والذي يتأثر به الفرد ويؤثر فيه، وهو مصطلح كبير لا يعتمد على جهة واحدة أو مؤسسة بعينها بل يتمّ حيثما وُجد متعلّم ومعلم وموقف تفاعلي بين الطرفين في جميع المؤسسات التربوية.
عملية التربية تعد عملية مستمرة ومتكاملة تتضمن التفاعل بين الفرد وبيئته المحيطة. تبدأ هذه العملية في المنزل (الأسرة)؛ حيث تتحمل مسؤولية كبيرة في تنمية الطفل وتشكيل شخصيته وسلوكه. تختلف أساليب التربية من أسرة إلى أخرى، ولكن الأسرة تظل النواة الأساسية لبناء المجتمع، مكونةً من الآباء والأمهات والأبناء وغالبًا ما تشمل أيضًا الجدات والأجداد.
دور الأسرة في التربية يتمثل في تعليم الطفل القيم والتقاليد وتعزيز السلوك الإيجابي والتعامل الصحيح مع الآخرين. كما يجب على الأسرة توفير الفرص المناسبة لكل فرد لتحقيق طموحاته وتلبية احتياجاته، مع احترام حقوق الأفراد داخل الأسرة.
وتبدأ التربية منذ ولادة الطفل في البيت وهي تعتبر مرحلة تعليمية وتوجيهية وتستمرّ معه طيلة حياته، حيث يبدأ الطفل بتلقي التعليم بداية من الحركة والنطق والعادات والتقاليد والصلاة واستمرارًا بالمسموح والممنوع والخطأ والصواب، حيث يبدأ الطفل يجالس والدة والبنت تجالس والدتها، كما ان الاجتماع الأسري أو جميعًا يؤدي الى تعلم كلًا منهم ما يود الوالدين غرسه في أبنائهم من صفات حميدة وسلوكيات طيبة، إلا أن واقعنا الآن يختلف بنسبة كبيرة عما كنا نحن نعيشه سابقًا، رغم المستوى التعليمي لأولياء الأمور عما عليه الآن والتزاماتهم الوظيفية وبعدهم عن أبنائهم حيث يقضي كلٌ منهم ما يقارب 8 ساعات خارج المنزل إضافة إلى 8 ساعات نوم، ليكون المجموع 16 ساعة، ويتبقى من اليوم 8 ساعات، طبعًا بها زيارات وتقضية حاجات المنزل وغيرها، وهذا وقت غير كافٍ ليتعلم الأبناء من والديهم كل ما يحتاجونه من أساسيات التربية، تاركين هذا الدور للعاملة بالمنزل التي تختلف في كل القيم والعادات والتقاليد والصفات والدين ربما والتي تؤثر بها على النشء، ناهيك عن من يعمل في أماكن يتطلب فيها غياب الآباء عن أبنائهم بالأسابيع والأشهر كالعسكريين وغيرهم ممن يتشابه أعمالهم بتلك الفئة إذاً هنا تكون المشكلة الأكبر إذا نستطيع في ختام الحديث عن هذه المؤسسة أنها مترهلة.
أما المؤسسة الثانية في التعليم، وهي المدرسة، نجد أنها تلعب دورًا بارزًا في تكوين شخصية الطفل، على الرغم من أنه قد يسبقها دور رياض الأطفال والحضانة. يمتاز دور المدرسة اليوم بالتنوع والتطور، حيث يتفاعل الطفل مع معلميه وزملائه والتكنولوجيا التي توفرها المدرسة، مما يسهم في تنمية مهاراته الاجتماعية وزيادة نشاطه الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، تساهم المدرسة في توسيع دائرة تفاعلات الطفل الاجتماعية وتعليمه قيم التواصل الفعَّال والاحترام لآراء الآخرين، إضافة إلى تعريفه بالجوانب الإيجابية والسلبية للاستخدام الصحيح وغير الصحيح للأجهزة الإلكترونية والإنترنت.
ومع ذلك، يُعد دور المدرسة اليوم، من وجهة نظري الشخصية، محدودًا فيما يتعلق بتقديم المحتوى العلمي فحسب، خاصةً مع تزايد التحديات التي تواجه بيئة المدرسة مثل الازدحام في الصفوف وتعقيد المناهج، بالإضافة إلى قضايا الكفاءة والانشغال الشخصي لبعض أعضاء الهيئة التعليمية. هذا بالإضافة إلى ارتفاع مصاريف المعيشة، والتزامات الأسرية التي قد يكون لها تأثير على القدرة على التركيز على العملية التعليمية. لذلك، يتطلب تحسين دور المدرسة جهودًا جادة ووقفات متعمقة لإيجاد حلول فعّالة.
المؤسسة الثالثة، وهي المجتمع (الشارع)، هي بيئة يقضي فيها الأطفال الكثير من الوقت، حيث يتعلمون ويكتسبون الصفات والعادات سواء كانت صحيحة أو سيئة. يقضي الأطفال وقتًا طويلًا مع أقرانهم في هذه البيئة، ويعد هذا الأمر بغاية الأهمية للآباء ليكونوا على علم بما يتعلمه أطفالهم ويتابعون تفاعلاتهم؛ فالأقران قد يؤثرون على الطفل إيجابيًا، حيث يمكن أن يتعلم منهم آداب الحديث والاهتمام بالهوايات المفيدة مثل القراءة والسباحة وتعلم القرآن وآداب الدين. ومن جهة أخرى، قد يؤثرون سلبًا، مثل تعلم الأطفال الكلام البذيء أو ممارسة التدخين وسلوكيات سلبية أخرى. لذا.. يجب أن يكون الانتباه موجودًا من قبل الآباء لهذه البيئة، لئلا تصبح مؤسسة غير فعّالة ومترهلة.
المؤسسة الرابعة: المسجد، وقد بدأت المساجد تأسيسًا لتعليم النشء الصلاة وشؤون العبادة والتعاليم الدينية والقيم الإسلامية، وفي بعض الأحيان تحولت إلى مدارس لتعليم القرآن الكريم، كما كانت الحال في الأجيال السابقة. ومع أن هذا الدور قد بدأ يتراجع في الكثير من الأماكن، فإنه ما زال مهمًا في توجيه الأطفال لأداء الصلوات الخمس وتعليمهم القيم الدينية. تتحدث بعض الآباء في صراع مع أبنائهم لتوجيههم نحو أداء الصلاة في المسجد، حيث يميل بعض الأطفال إلى إهمال الصلاة مقابل الأعمال الدنيوية، وهو ما يعتبر بعيدًا عن الممارسات الدينية. وبذلك، فإنَّ المؤسسة الرابعة قد أصبحت تعاني من تراجع في دورها وفاعليتها.
أما المؤسسة الخامسة، فهي وسائل الإعلام، وهي من الجوانب الحيوية في التربية ونقل القيم الإنسانية والدينية. كانت الوسائل الإعلامية تلعب دورًا فعّالًا في تقديم مواد تعليمية وثقافية متنوعة، بما في ذلك السينما والمسرح، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة مثل الإذاعة والصحف. كانت هذه الوسائل تسهم في تطوير المجتمع من الناحيتين الثقافية والدينية والتربوية.
ومع ذلك، فإنَّ ما نراه اليوم في الوسائل الإعلامية ليس سوى جوانب ترفيهية تعرض محتوى لا يخدم التربية أو النشء. تواجهنا ثورة إعلامية مترهلة يقودها برامج ومواقع التواصل الاجتماعي، تبتعد عن التربية والأخلاق والعادات والتقاليد. يشاركني القراء جميعًا الرأي في هذا الصدد بناءً على ما يشاهدون ويسمعون.
لذا.. ينبغي على الأهل والجهات الرسمية في الدولة توجيه جهودهم نحو وضع آليات للرقابة على هذه الوسائل الإعلامية، بهدف تشكيل جيل واعٍ ومؤهل قادر على التفاعل بشكل إيجابي في مختلف المجالات. إذا استمر هذا التراخي في المؤسسة الإعلامية، فإنه قد يؤدي إلى تدهور كبير أو حتى انهيارها، وذلك يعتمد على نوعية المحتوى الذي تقدمه وتأثيره على المجتمع.
وفيما يتعلق بالمؤسسة السادسة، وهي المكتبات، فهي مؤسسة ثقافية وفكرية تهتم بتعليم الشباب مبادئ دينهم وتعزيز ثقافتهم، وتنمية قدراتهم الفكرية وزيادة حبهم للقراءة والمطالعة. ورغم أن وجود الكتب كان قليلًا في الماضي بسبب عدم توفرها وعدم انتشار المدارس في السابق قبل النهضة التي قادها الراحل السلطان قابوس، إلّا أن مع التطور في التعليم وزيادة انتشار المعارض والنشر، شهدنا في الوقت الحاضر اهتمامًا كبيرًا بالكتب، خاصةً في المعارض الأخيرة؛ حيث شهدت إقبالًا كبيرًا من الطلاب والطالبات على كتب المشاهير والإصدارات المثيرة؛ مما يجعل هذه المؤسسة في حالة تراجع. ينبغي على الجهات المعنية بالتربية والتعليم إعادة التأكيد على أهمية الكتب في تنمية المعرفة والثقافة، ويجب على أولياء الأمور مراقبة وتوجيه أبنائهم لاختيار الكتب التي تتناسب مع مراحلهم العمرية وتحتوي على محتوى مفيد وقيمي.
في الختام.. أرغب في مشاركة مقولة مستمدة من إحدى منصات التواصل الاجتماعي، تقول: "تربية الابن أشق وتربية البنت أدق، فعليك بالصبر مع الأشق وتوخي الحذر مع الأدق. كيف يمكنني تربية أطفالي وسط كثرة الفتن وسهولة الضلال؟"، قيل له: "ابن على تربية نفسك أولًا، واحرص على أن تكون قدوة حسنة لهم. احرص على أداء صلاتك بإحسان، واحترس من اللغو والباطل، واعتن برقابتك على الله في كل موضع توجه نظرك إليه. وتذكر أن الكرم ينتج عنه الخير، وحب الخير يمتد وينمو. لا تتناقض أفعالك مع أقوالك؛ فأنت مثل ثوب أبيض، يظهر فيه أدنى الشوائب. كانت الصحابة - رضوان الله عليهم - قلة في النصح وكثرة في العمل، فعلموا أولادهم بأفعالهم الجميلة ما لا يُعلمونهم بأقوالهم. ولو علم الآباء مدى الأجر العظيم أو الوزر الثقيل الذي سيلاحقهم في قبورهم، لما انحرفوا عن الطريق المستقيم. جعلنا الله وإياكم قدوةً حسنةً، وسدد خطانا".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“النشاط الثقافي المدرسي…من الهامش إلى قلب الفعل التربوي”
تتحدث الأستاذة والخبيرة التربوية في قطاع التربية في هذا الحوار، عن أهمية دمج النشاط الثقافي ضمن المناهج التربوية لما لها من أهمية كبيرة تعكس بالايجاب حب التلميذ للتعلم وتعزيز قدراتع ومساعدته على ابراز مواهبه وتطويرها. في البداية من هي أسية عثمانية؟
أسية عثمانية هي أستاذة، مربية و خبيرة تربوية بخبرة ميدانية تمتد لأكثر من عشرين سنة في قطاع التربية الوطنية، متخصصة في تنشيط الحياة المدرسية. وتطوير الأنشطة اللاصفية، وباحثة مهتمة بقضايا التربية والثقافة المدرسية.
حاملة لشهادات جامعية وعضو فاعل في عدة ورشات تربوية إصلاحية. على المستوى المحلي والجهوي.
ساهمت في تأطير عدد من الفعاليات المدرسية والتظاهرات الثقافية الوطنية. وتُعرف بدفاعها المستمر عن ضرورة دمج البعد الثقافي ضمن المناهج التعليمية.
صدر لها مؤخرًا كتاب بعنوان: “النشاط الثقافي المدرسي: من الممارسة إلى الرؤية”، وهو عمل توثيقي وتوجيهي يُعد الأول من نوعه. في رصد وتطوير الممارسة الثقافية داخل الوسط المدرسي الجزائري.
أشكر لكم هذا السؤال الجوهري. في الحقيقة، ما حفزني لتأليف هذا الكتاب هو قناعتي الراسخة بأن المدرسة ليست مجرد فضاء لتحصيل المعارف الأكاديمية. بل هي بيئة لبناء الإنسان في أبعاده المتكاملة. وقد لاحظت من خلال تجربتي الميدانية أن النشاط الثقافي “رغم أهميته البيداغوجية والتربوية. ” لا يزال يُمارس في الكثير من المؤسسات على الهامش، وبشكل موسمي، أو يُنظر إليه على أنه ترف أو فائض تربوي. لذلك، جاء هذا العمل في محاولة لإعادة الاعتبار لهذا المجال الحيوي. ختى يضعه في سياقه الحقيقي كمكوّن أساسي في المنهاج التربوي .
ما هي المقاربة التي اعتمدتموها في معالجة موضوع النشاط الثقافي في مؤلفكم؟اعتمدت مقاربة مزدوجة: أولًا، تأصيل علمي يعتمد على المرجعيات التربوية الحديثة والتشريعات الوطنية والدولية. وثانيًا، استثمار الممارسة الميدانية التي راكمتها في قطاع التربية والتعليم، سواء في تأطير الأنشطة أو في تقييم أثرها… حاولت أن أجعل من الكتاب مرجعًا عمليًا لا يُخاطب فقط أهل الاختصاص. بل أيضًا الفاعلين التربويين من معلمين، مكونين، مدراء، ومفتشين، وحتى أولياء الأمور.
ما هي الإضافة التي جاء بها الكتاب مقارنة بما هو متوفر في الساحة التربوية؟في الحقيقة الاضافة الأولى هي توفر هذا النوع من المؤلفات على مستوى مكتباتنا اماالإضافة الأساسية للكتاب. فتتمثل في كونه يدمج بين الجانب النظري والبعد التطبيقي. لم أكتف بعرض الإطار العام للنشاط الثقافي. بل ذهبت إلى تقديم نماذج ملموسة لتخطيط الأنشطة، آليات التقييم، استراتيجيات الإدماج البيداغوجي. ودور التنسيق بين الفاعلين. كما سلطت الضوء على العلاقة بين النشاط الثقافي والتحصيل الدراسي.الصحة النفسية، ترسيخ القيم الوطنية، وبناء شخصية التلميذ. وهي أبعاد غالبًا ما يتم تجاهلها في مراجعنا التربوية التقليدية.
ورد في الكتاب إشارات إلى انسجام النشاط الثقافي مع التوجهات العليا للدولة، هل يمكنكم التوضيح؟بالطبع. إذا عدنا إلى الخطابات الرسمية، لا سيما برنامج رئيس الجمهورية، نلاحظ تأكيدًا واضحًا على إعادة الاعتبار للمدرسة الجزائرية. وبناء مدرسة الجودة والمواطنة. والنشاط الثقافي هو أحد الأذرع الأساسية لتحقيق هذه الرؤية، لأنه يساهم في تعزيز الانتماء، وتطوير المهارات الناعمة، وبناء مواطن فاعل ومنفتح. كما أن الوزارة الوصية. من خلال استراتيجيتها الجديدة. أولت أهمية خاصة للأنشطة اللاصفية كجزء من العملية التربوية المتكاملة، وهو ما حاولت ترجمته بشكل ممنهج في فصول الكتاب.
في تصوركم، ما الشروط الضرورية لترقية النشاط الثقافي داخل المدرسة الجزائرية؟أولًا، يجب أن يُدرج النشاط الثقافي ضمن المشروع البيداغوجي للمؤسسة، وأن يُعامل بنفس الجدية التي تُعامل بها المواد الدراسية. ثانيًا، لا بد من توفير التأطير المتخصص، أي تكوين المعلمين والمشرفين على تنشيط الفعل الثقافي داخل المدرسة. ثالثًا، منح الحرية البيداغوجية لممارسة هذا النشاط دون قيود إدارية خانقة. وأخيرًا. خلق شراكات محلية مع المجتمع المدني، دور الثقافة، البلديات. والمكتبات العمومية، حتى تتحول المدرسة إلى مركز إشعاع ثقافي حقيقي.
إلى أي مدى تؤمنون بأثر النشاط الثقافي على تحسين النتائج الدراسية للتلاميذ؟أؤمن به إيمانًا عميقًا. الدراسات الحديثة، سواء في الجزائر أو عالميًا، أثبتت أن التلاميذ المشاركين في الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية يحققون نتائج أفضل. ويتمتعون بصحة نفسية أكثر استقرارًا. والسبب بسيط: هذه الأنشطة تخلق نوعًا من التوازن النفسي والاجتماعي. وتُنمي مهارات التواصل، وتكسر الرتابة، وتُحفز الإبداع. كما أنها توفر فرصًا للتعبير الذاتي والتفوق خارج القاعة الصفية، مما يعزز الثقة بالنفس والانتماء للمدرسة.
ما الرسالة التي يحملها كتابكم، وما الذي تطمحون لتحقيقه من خلاله؟???? الرسالة الأساسية أن الثقافة ليست هامشًا، بل قلب المدرسة النابض. وأن كل تلميذ يحق له أن يجد فضاء يعبر فيه عن ذاته. ويكتشف مواهبه، ويُبني شخصيته المتفردة. أطمح من خلال هذا الكتاب إلى إحداث تغيير حقيقي في نظرتنا للنشاط الثقافي.بدءًا من الإدارة المركزية، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى الأسرة. وأرجو أن يكون هذا المؤلف أداة عملية بيد الفاعلين التربويين، ودعوة صريحة للمسؤولين إلى تخصيص موارد أكبر ودعم مؤسساتي أوضح لهذا المجال.
هل من مشاريع مستقبلية في هذا الإطار؟نعم، أفكر في إعداد دليل تربوي تطبيقي موجه لمدراء المدارس ومنشطي النوادي الثقافية، يتضمن نماذج جاهزة قابلة للتكييف حسب السياقات الميدانية كما أطمح إلى تنظيم ملتقى وطني بالشراكة مع هيئات أكاديمية ومجتمع مدني. لفتح نقاش واسع حول هذا الموضوع. وأتمنى أن أُمنح فرصة أكبر على مستوى المؤسسات التكوينية للمساهمة في تطوير هذا الجانب الذي أؤمن بأنه مفتاح الإصلاح التربوي الحقيقي.
كلمة أخيرة تخاطبون بها القارئ وصناع القرار؟أقول للقارئ: لا تنظر إلى المدرسة كجدران وصفوف فقط، بل كمجتمع حيّ يُفترض أن يصنع الإنسان. ولصنّاع القرار، أقول: إن الاستثمار في الثقافة داخل المدرسة ليس ترفًا. بل هو صمام أمان لمستقبل الوطن. كل دينار يُنفق على النشاط الثقافي هو دينار يُوفر لاحقًا في مكافحة العنف، والتسرب. والتطرف، والانحراف. فلتكن مدرستنا بيتًا للعلم، والهوية، والجمال.