الإعراض عن اللغو من صفات «عباد الرحمن»
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
إبراهيم سليم
أخبار ذات صلةالإعراض عن اللغو من صفات عباد الرحمن، والخوض فيه من مساوئ الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يربأ بنفسه عنها، فلا يخوض في كلامٍ يعيبه، أو فعلٍ يشينه، خاصةً في شهر رمضان، موسم الطاعة والغفران، فنقبل فيه على طاعة ربنا، وما فيه الخير لنا ولأسرنا ومجتمعنا، عملاً بقوله: «وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ».
واللغو: هو كل ما لا يجمل من القول والفعل، وقد جاء في وصف عباد الرحمن: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، ونفى النبي عن المؤمن صفة الخوض في اللغو، فقال: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعّانِ ولا اللَّعّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ»، فلا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَشْغَلَ سَمْعَهُ وَلُبَّهُ بِمَا لَا جَدْوَى لَهُ، وَبِالْأَوْلَى يَتَنَزَّهُ عَنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ ذَلِكَ، خاصةً في شهر رمضان المبارك فلا يضيعه فيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «وإذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ». وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أن الْإِعْرَاض عَنِ اللَّغْوِ يُثاب عليه المسلم مرتين ويضاعف له الأجر والثَّوَاب، قال سبحانه: (أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) أَيْ: لَا يُخَالِطُونَ أَهْلَ اللغو وَلَا يُعَاشِرُونَهُمْ فإِذَا سَفه عَلَيْهِمْ سَفيه، وَكَلَّمَهُمْ بِمَا لَا يَليقُ بِهِمُ الجوابُ عَنْهُ، أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِمِثْلِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ، وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ إِلَّا كَلَامٌ طَيِّبٌ.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة، فعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو أنه ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا»، وكان من دعائه: «اللهمَّ اهدني لأحسنِ الأعمالِ وأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ وقِني سَيِّئَ الأعمالِ وسَيِّئَ الأخلاقِ لا يقِي سيئَها إلا أنتَ».
الأمن والاستقرار نعم تستوجب الشكر
يقول الله سبحانه وتعالى: (... وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، «سورة النحل: الآية 114»، ويقول عز من قائل: (... فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الأعراف: الآية 69». وقال الله تبارك وتعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، «سورة قريش: الآية 3 - 4»، وقال الله - عز وجل - على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام في دعائه لبلده وأهله: (... رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا...)، «سورة إبراهيم: الآية 35».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». (سنن الترمذي، 2346).
ويتوجب شكر الله تعالى على جميع نعمه، ونعمة الاستقرار والازدهار من أعظم النعم التي يجب علينا المحافظة عليها، والبر والوفاء والولاء للوطن وقيادته الرشيدة، حماية للمكتسبات وحفاظاً على الخيرات، فالوطن أمانة في أعناق الجميع، وعلى كل فرد تحمل مسؤولياته. وقد أمرنا الله تعالى أن نشكره على نعمه، ومن صور شكر نعم الله أن نذكرها ونتحدث بها، وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك: (وأما بنعمة ربك فحدث)، «سورة الضحى: الآية 11».
وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - ذكر النعم شكر، (شعب الإيمان للبيهقي، 9874). ومن أعظم النعم التي نعيش فيها وينبغي التذكير بها دائماً نعمة الاستقرار والازدهار، فيا لها من نعمة عظمى، يتفيأ الناس ظلالها، ويا لها من غاية كبرى يسعى الإنسان إلى تحقيقها لينعم بالعيش الرغيد والاستقرار المديد، وقد بين القرآن الكريم أثر الاستقرار على الحضارة والازدهار، فقال عز وجل: (... أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، «سورة القصص: الآية 57». ومن عوامل الاستقرار: التآلف بين الناس، والترابط الاجتماعي الذي أمر الله تعالى به بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا...)، «سورة آل عمران: الآية 103». وإن ما ننعم به في هذه الدولة المباركة، من استقرار وازدهار هو ثمرة العدل والجهود المتواصلة والرؤى الصائبة، فقد امتن الله علينا بقادة نحبهم ويحبوننا، ندعو لهم ويدعون لنا، قال صلى الله عليه وسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم»، (صحيح مسلم، 1855).
وقد حققت قيادتنا الرشيدة الاستقرار والازدهار لشعبها، ونجحت في تحقيق سعادة مواطنيها، فعززت قيم التلاحم والمحبة بين الشعب وقيادته، وارتقت إلى أعلى المستويات في رعاية الناس وإسعادهم وإدخال السرور على قلوبهم، لتنال رضا وحب الله تعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم»، (الطبراني في المعجم الكبير، 861)، ونتيجة لهذا الاستقرار، فقد تصدرت الإمارات قائمة الدول العربية للسعادة والرضا بين الشعوب، وهذا يحتم القيام بواجب البر والوفاء، فنعزز الثقة والولاء لهذا الوطن المعطاء، ونقف جبهة واحدة متماسكة خلف ولاة أمورنا، مبتعدين عن الولاءات المتنافرة، والأحزاب المتناحرة. ومن أهم حقوق هذا الوطن تأصيل الانتماء إليه، ومحبته والحرص عليه، ويقتضي ذلك أن يشارك الجميع في بنائه، وأن يعمل كل إنسان ما استطاع من أجل حماية مكتسباته وصيانة خيراته ومقدراته، فالوطن هو تواصل وامتداد لحياة الآباء والأجداد، وهو أمانة في أعناقنا جميعاً، فعلينا أن نغرس في نفوس أبنائنا حب وطنهم والتمسك بهويتهم، وأن نربيهم على التفاني والإخلاص في المحافظة على مكتسبات هذا الوطن وخيراته، والقيام بمسؤولياتهم تجاه وطنهم بكل صدق وأمانة، من خلال الحرص على العلم والتعلم، والإتقان في الوظيفة والعمل، والتعاون فيما بينهم في بذل الخير والمعروف لأهلهم ومجتمعهم، ومقابلة الإحسان بالإحسان، قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، «سورة الرحمن: الآية 60».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الله تعالى
إقرأ أيضاً:
فضل قراءة سورة يس بعد صلاة العصر.. 5 أسباب تجعلك لا تضيعها
لاشك أنه من الأهمية معرفة فضل قراءة سورة يس بعد العصر ، لما فيه دلالة إلى نفحات وبركات هذه السورة في ذلك الوقت المبارك، حيث إنه إذا عُرف فضل قراءة سورة يس بعد العصر فربما يزيد الحرص ومن ثم الاغتنام، لذا ينبغي معرفة فضل قراءة سورة يس بعد العصر باعتبارها أحد هذه الكنوز من الدعاء عامة و قراءة القرآن بعد صلاة العصر وهي إحدى الصلوات المكتوبة كما أن فضل قراءة سورة يس بعد العصر أي الصلاة الوسطى وثوابها العظيم، وحيث إن القرآن هو كلام الله ، كما أن الوقت بعد العصر من الأزمنة المباركة ، فإن قراءة يس بعد العصر قد جمعت بين فضلين، وهذا ما يبين أهمية الحرص على اغتنام فضل قراءة سورة يس بعد العصر .
ورد في السنة النبوية المطهرة الحث على ذكر الله تعالى بعد الصلاة ؛ وبناء عليه قراءة يس بعد العصر أو بمعنى آخر بعد الصلوات المكتوبة تعد من أعظم الذكر ،حيث إنها قراءة القرآن الكريم.
وقد ورد الأمر الشرعي بقراءته مطلقًا، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فامتثاله يحصل بالقراءة فرادى أو جماعات، سرًّا أو جهرًا، ولا يجوز تقييده بهيئة دون هيئة إلا بدليل.
وبناء على ما سبق فلا مانع من قراءة يس بعد العصر ، ولا بأس بالمواظبة على قراءة يس بعد العصر ، ولكن بشرط أن يتم ذلك بشكل ليس فيه تشويش على بقية الذاكرين وقُرّاء كتاب الله تعالى؛ استرشادًا بالأدب النبوي الكريم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمام مالك في "الموطأ" والإمام أحمد في "المسند".
سورة يستعدّ سورة يس من سور القرآن الكريم المكية، وعدد آياتها ثلاث وثمانون آية، وهي سورة عظيمة تركز على قضية البعث والنشور، كما تتطرق إلى مواضيع مهمة، سورة يس كالسور المكية تتناول قضية توحيد الربوبية والألوهية وعذاب من لا يؤمن بها، كما أنّ فواصل سورة يس قصيرة ولها إيقاع عجيب في نفوس المؤمنين، وقد وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- سورة يس بأنها قلب القرآن.
فضل قراءة يسورد فضل قراءة يس ورد في الشرع وعِظَمِ ثواب قراءتها؛ في نحو ما أخرجه الدارمي والترمذي -واللفظ له- والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس، وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ».
وورد أنّ أقوى ما جاء في فضل قراءة يس ما رواه ابن كثير في تفسيره، قال –صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورًا له»، كما وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَةِ يس كُلَّ لَيْلَةٍ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ شَهِيدًا».
قد روى الناس حديثًا في فضل قراءة سورة يس أنّها لما قرئت له، وقصدوا في ذلك أنّ قراءة سورة يسفيها قضاء للحوائج وتسهيل لها، والحقيقة أنّه لا يجوز نسبة ذلك إلى السنة النبوية، وأقوال العلماء والتابعين لإنكارهم هذا الحديث، ومثال عليهم العلامة السخاوي الذي قال إنّه لا أصل للحديث بهذا اللفظ.
وقال ابن كثير في تفسيره أنّ من خصائص فضل قراءة سورة يس أنها ما قرئت لشيء أو أمر عسير إلا يسره الله، وهذا القول لا يمكن نسبته إلى الله تعالى أو رسوله –صلى الله عليه وسلم- إنّما ينسب إلى قائله فيقع الصواب والخطأ عليه.
فضل قراءة القرآن بعد العصرورد أن الدعاء بعد صلاة العصر مستجاب، كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرص وداوم عليه، بل وأوصى باغتنام فضل الدعاء بعد صلاة العصر ، فلذلك كان الدعاء في ذاته عبادة، فإن الدعاء بعد صلاة العصر ، وهي إحدى الصلوات المكتوبة يعد من أسباب المغفرة وتكفير الذنوب، كما أن من فضل الدعاء بعد صلاة العصر كذلك، أن به تنفرج الكروب ويقضي الله الحاجات، وبه تستغفر لك الملائكة مادامت في مصلاك، وتؤمن على دعاء بعد صلاة العصر ، وبه يوسع الله الرزق.