«موائد عشاق بهية 2» بيرم التونسي والصيام بدون إفطار في باريس
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
وهذا البيرم التونسي العظيم صاحب اللقب الشهير الذي أطلقه على مصر «بهية المحروسة»، شاعر العامية الذي خشيتِ العربية على سحر بيانها من فصاحة عاميته، وهو المناضل القومي الذي خلَّد بأشعاره مغزى القيمة الوطنية للنضال في دفتر الطرب الوطني. كانت مائدة بيرم أثناء ثورة 19 يحضرها نجيب الريحاني ومولانا الشاعر يونس القاضي والشيخ سيد درويش.
وكان لبيرم مائدة بائسة أخرى على قهوة أم كلثوم بعماد الدين، وقبل عيد الفطر بيومين كان عمنا بيرم على باب الله لا يجد حتى حق الدخان، فعلم أستاذ الجيل لطفي بك السيد ما يمرُّ به بيرم وعزَّ عليه حاله فقرر أن يعطي سائقه مائة جنيه كي يعطيها لبيرم، الذي يجلس على القهوة في انتظار مدفع الإفطار، القهوجي كل شوية يطلب الحساب، وبيرم يرد: اصبر شوية النهاردة أم كلثوم جاية هنا، طبعًا القهوجي سخر من بيرم ولم يصدقه.. .بعد دقائق تقف سيارة فخمة وينزل منها سائق مبجل بثياب رسمية يقول: من فضلكم فين أستاذ بيرم؟ فيقول له: نعم، يرد السائق كما فهم من لطفي بك السيد: هذه فلوس من السيدة أم كلثوم جاية لك من الإذاعة. يهلل بيرم من الفرح وطلب تحضير فطار ملوكي كيلو طَرْب وكباب بالسلطات والمخلل والطحينة، فيردّ القهوجي: لو حضرت كوكب الشرق يبقي كل مشاريب حضرتك مجانًا لغاية ما تموت ببلاش.
وبروح مرحة يحضر لطفي بك السيد ويجلس مع بيرم يفطر معه في انتظار حضور الشيخ سيد درويش، وحضور كوكب الشرق. أخفى لطفي بك أنه مَن أرسل النقود، ثم طلب من السائق اصطحاب أم كلثوم لمائدة بيرم، وخلال دقائق وصلت كوكب الشرق فوقف بيرم يبكي من الفرح والسعادة، وحضر الناس في شارع عماد الدين أكبر مائدة حدثت بالصدفة البحتة وكانت تاريخية بمعنى الكلمة.. .. .
فلاش باك.. هكذا يتذكر بيرم حياته في مصر التي يحبها بحنون.. .ثمانية عشر عامًا في باريس كان يفطر وحده على خبز فرنسي عفن كما حكى في مذكراته: سعيت بنفسي إلى (ليون) مدينة صناعة الصلب في فرنسا، تلك المدينة التي لأهلها قلوب مثل الصلب لا تعرف الرحمة أو الشفقة، وهي أيضًا مدينة مشهورة عند الفرنسيين أنفسهم بأنها مدينة معتمة.. وصلت لهذه المدينة في عز الشتاء ولأن جيوبي كانت شبه خاوية فقد أخذتُ المسألة من أقصر طرقها، وذهبت إلى أفقر أحيائها، واستأجرت فوق سطوح أحد المنازل شيئًا يسمونه حجرة، كانت من الخشب الذي حوَّلته مياه الأمطار إلى مكان له رائحة من نوع خاص، إنها رائحة قريبة من العفن، وداخل تلك الثلاجة كنت أنام الليالي القاسية البرودة، وفي النهار كنت أسعى مع الفجر في البحث عن عمل قبل أن يتبخر آخر مليم في جيبي ولا أجد ثمن وجبة الإفطار.
والتحق بيرم بالعمل في أحد مصانع الحديد والصلب، ولكنه تركه بعد أن سقطت على فخذه قطعة حديد كبيرة، إلا أنه استطاع أن يحصل على شهادة حُسن سير وسلوك، وهي الشهادة التي سوف تسهل له العمل في فرنسا. والواقع أن بيرم لم يستطعِ الحصول على عمل جديد في مدينة ليون بسهولة، فهي مدينة لا تحبذ اشتغال الأجانب، ولهذا بدأ يقتصد في وجبات طعامه، فجعلها وجبة واحدة في اليوم، ثم اختصرها إلى وجبتين في الأسبوع، وكان كلما أراد أن ينسى آلام بطنه الخاوية، جلس ليستجمع ذكرياته عن مدينة الإسكندرية، وحياته في مصر بين الأهل والأصدقاء، وحفلات الإفطار مع الشيخ سيد درويش في كوم الدكة. وتنضب جيوب بيرم من النقود، وهو مازال يبحث عن عمل في المدينة التي لا تمنح طعامها إلا لمَن يعمل، ويدخل في مرحلة الجوع الكامل، إنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام، والجوع في مدينة درجة حرارتها تحت الصفر شيء قاتل لا يستطيع أن يصفه لنا إلا مَن ذاق قسوة التجربة بكل ما فيها من ألم وعذاب.. هكذا كان شهر رمضان في باريس: صيام بلا إفطار.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: سيد درويش بيرم التونسي نجيب الريحاني سید درویش أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
السجن 22 عامًا للرئيس التونسي الأسبق المرزوقي ومستشاره الكيلاني
أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب في المحكمة الابتدائية بتونس حكمًا غيابيًا بالسجن لمدة اثنين وعشرين عاما مع النفاذ العاجل بحق الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي.
كما أصدرت الدائرة ذاتها الحكم نفسه على كل من عماد الدائمي، المستشار السابق للمرزوقي، وعبد الرزاق الكيلاني، عميد المحامين سابقا.
وشمل الحكم ذاته متهمين اثنين آخرين.
وكانت دائرة الاتهام المختصة في قضايا الإرهاب بمحكمة الاستئناف بتونس قد قررت سابقًا إحالة المرزوقي والدائمي والكيلاني والمتهمين الآخرين، وهم في حالة فرار، إلى الدائرة الجنائية المتخصصة بقضايا الإرهاب في المحكمة الابتدائية بتونس، وذلك لمحاكمتهم بتهم وجرائم ذات طابع إرهابي.
جدير بالذكر أن القضية تتعلق بتصريحات وندوة صحافية عقدها المرزوقي خارج تونس، واعتُبرت هجوما على مؤسسات الدولة وبعض القضاة، من خلال "نسبة أمور غير صحيحة إليهم"، و"المساس بسمعتهم والتحريض ضدهم بما يعرّض حياتهم للخطر".
يشار إلى أن المنصف المرزوقي، وهو طبيب وسياسي تونسي من مواليد 7 يوليو 1945، شغل منصب الرئيس الرابع للجمهورية التونسية، وتولى الرئاسة بصفة مؤقتة بين عامي 2011 و2014 خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي التي أعقبت سقوط نظام زين العابدين بن علي.