خمسون عاما على معزوفة نصر رمضان أكتوبر 1973.. الانتصار العسكرى والسياسى والقانونى

 

 تتقارب ذكرى المناسبات الوطنية، لتتناغم مع ذاكرة النضال الوطنى المصرى، فها نحن نحتفل بمناسبتين عظيمتين فى تاريخين متتاليين، فى العاشر والتاسع من رمضان الحالى 1445(20 و19 مارس2024 )،  فالأول يواكب ذكرى افتتاح نصر أكتوبر 1937 العظيم، والثانى يواكب ذكرى إتمام تحرير طابا، فالتاريخان يحتضنان بينهما سيناء الحبيبة من أقصاها إلى أقصاها، فمن اقصاها غربا حيث بدأ التحرير باقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف، إلى أقصاها شرقا حيث نهاية المعركة القانونية لتحرير آخر حفنة رمال من أرض الفيروز أرض الوطن المُقدًس، وفيما بينهما كان نضالا شاقا من أجل تحقيق السلام الذى بنى على نصر رمضان أكتوبر المجيد.

وقد واكب المناخ العسكرى القتالى لحرب رمضان أكتوبر، مناخ روحانى رمضان، حيث طلب الفريق الشاذلى بديلا جديدا لصيحة النصر، وحينها أُذن لصلاة العصر فى قيادة الجيش الثالث الميدانى، وفى حينها تم التيمن بـ “الله اكبر” وهو ما نُفذ منذ الضربة الجوية وكسر الصمت طوال الحرب، وخاض الرجال الحرب واستشهد من استشهد وأغلبهم صائمون بما فيهم إخوانهم المسيحيين، فيا لها من حرب تحريرعظيمة مقدسة. 

 أولا: الإعداد الشامل

بدأت تلك المرحلة بنهاية هزيمة حرب 67 مباشرة، ورفض الشعب المصري لتلك الهزيمة ورفض تنحي الرئيس عبد الناصرعن موقعه ورفض هزيمة جيشه فى حرب غير متكافئة لم يخضها، ورفع الشعب والجيش شعاري تلك المرحلة، أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، بما يعني أن الحرب التحرير قادمة لا محالة، وأن الإعداد لها له الأسبقية المطلقة.

1- الإعداد التسليحي والقوة البشرية المقاتلة:

 وكان اولها استعواض خسائر حرب عام 67 وخاصة من الطائرات والدبابات والدفاع الجوى، ثم زيادة دعم تلك القوات تباعا طبقا لما سمح به الاتحاد السوفيتى.

كما تم الإعداد للقوى البشرية تحت السلاح  العاملة والاحتياطية  مع زيادة نسية المجددين المؤهلات العليا لتطوير التعامل مع الأسلحة المعدات  الحديثة، وتم استحداث الضابط المحارب من ضباط صف المؤهلات العليا لزيادة نسية الضباط صغار الرتب إلى الجنود حيث بلغت 18: 1، وكذاك تطوير بنك الدم ليفى بالاحتياجات الطبية خلال الحرب.

وبرزت أهمية التدريب الشاق للقوات والقيادات نهارا وليلا على كافة مراحل القتال بما فيها اقتحام وعبور قناة السويس واجتياز مناطق البحيرات المرة والتمساح بالقوات البرمائية الميكانيكية والمدرعة.

2- إعداد مسرح العمليات

حيث تم إعداد شامل تضمن أعداد الطرق والسكك الحديدية والموانىء البحرية والجوية وأعداد مناطق وخطوط دفع الاحتياطيات وكذلك أعداد المناطق الإدارية، وكان من أهم مراحل الإعداد وأصعبها، إعداد خطة “خدمة القائد” لتفي باحتياجات السيطرة والتحركات التكتيكية المنضبطة لمئات الآلاف من القوات وعشرات الآلاف من المركبات المختلفة ومئات الدبابات عبر الطرق ومحاور التقدم، مع عبور كبارى الاقتحام المتنوعة  لقناة السويس والمعديات المختلفة نهارا وليلا مع السيطرة بالتوقيتات والخطوط، وتعتبر تلك الخطة من أكبر وأدق الخطط النوعية العالمية خلال مراحل الحرب وخاصة مراحل العداد والعبور لقناة السويس كأكبر وأصعب مانع مائى فى التاريخ حتى الآن.

ثانيا: التخطيط الدقيق

وشمل كافة التفاصيل التكتيكية والفنية، ودراسة جميع المصاعب والعوائق المنتظرة والتغلب عليها وحلها بدقة وهدوء دون أن تشعر قوات العدو، وتزاوج العديد من تلك الإجراءات مع خطة الخداع الإستراتيجى، ولكن تمت المعالجة بمهارة، مثل التغلب على أنابيب النابالم، وتدبير مضخات مياه فتح السواتر الترابية بأعداد كبيرة من بريطانيا وألمانيا دون أن يشعر أحد وتسلق الأفراد للساتر الترابى بارتفاع متوسط 20 مترا “7 طوابق” بمعداتهم وأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، علاوة على التنسيق الدقيق مع هيئة قناة السويس لاستخدام امكانياتها فى إعداد وتجهيز منازل ومصاعد الكبارى والمعديات وتوفير بعض قوارب العبور.

كما شمل التخطيط كيفية استقبال قوات الدعم العربية لكل من مصر وسوريا رغم تقدير وصولها متأخرة لأنها ستبدأ بالفتح الاستراتيجى بعد معرفتها بتوقيت بدء الحرب سعت 1405 ظهر يوم السادس من أكتوبر وذلك حفاظا السرية وتحقيق المفاجأة ضد القوات الإسرائيلية.

اختيار موعد وتوقيت الحرب:

وتم بعد دراسة مستفيضة لاختيار الشهر والأسبوع واليوم والساعة كالآتي:

شهر أكتوبر:

 قبل هبوط الجليد على الجولان، كما سيواكب معظم شهر رمضان كدافع روحي، وبه العديد من الأعياد اليهودية وأهمها يوم الغفران “كيبور”.

الأسبوع الأول:

 الجزء الأول من الليل مُقْمِر لتركيب الكباري بأقل مد وجزر لأن القمر لم يكتمل بدرأً، والجزء الثانى مظلم لعبور الدبابات وللاخفاء عن طيران العدو.

السادس من أكتوبر

  يوافق يوم “كيبور”، حيث تتوقف الحياة فى إسرائيل،بما فى ذلك بث الإذاعة والتلفزيون، عدا إذاعة الجيش التى تبث دقائق كل ساعتين، مما أخًروأربك خطة التعبئة الإسرائيلية، وفي الثانية ظهرا يكون نصف النهار بما يسمح بتوجيه ضربة جوية وإمكانية تكرترها، وعبور الأنساق الأولى للقناه بالقوارب والمعديات، وإدارة نيران المدفعية، وتجهيز مواقع مناسبة للقوات شرق القناة استعدادا لصد احتياطيات العدو القريبة.

 

ثالثا: خطة الخداع الاستراتيجي التي نالت مساحة أكبر نظرا لأهميتها

كانت مفتاح النصر بحق حيث من خلالها تم تحقيق المفاجاة الكاملة لإسرائيل بل والولايات المتحدة بكل امكانيات استخباراتهما، وكانت خطة شاملة تمت على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكانت محصلتها الهامة،هى خداع العدو عن وقت بدء الحرب، مما أفقده عنصرى المبادءة والمفاجأة، والنتيجة هى شلل وإرباك خطة تعبئة قوات الاحتياط الاسرائيلية الهامة التى تشكل حوالى 60-70% من إجمالى القوات الإسرائيلية  التى يجب أن يتم استدعائها خلال 72 ساعة  أي 3 أيام، وكان أهم ما احتوته الخطة ما يلي:

 

1- على المستوى السياسي

إرسال ممثل للرئيس السادات إلى الولايات المتحدة للتباحث بناءً على طلبها، حيث تم التنسيق مساء يوم 5 أكتوبر بين نائب كيسنجر والسفير المصري فى واشنطن أشرف غربال، وقبل أن يرد السفير في التاسعة صباح اليوم التالي 6 أكتوبر بتوقيت واشنطن، الثالثة ظهرا بتوقيت القاهرة كانت الحرب قد بدأت بالفعل.

 قبول زيارة وزير الدفاع الروماني لمصر فى 8 أكتوبر:  وتم ذلك بناءً على طلبه فى أول كتوبر، وإرسال برنامج مقترح للزيارة، ويوم الحرب 6 أكتوبر تم الاعتذار وتفهم الموقف، وكان يحمل مقترحات للوساطة بين مصر وإسرائيل بواسطة الرئيس شاوشيسكو.

 الإجتماع السرى لمجلسي الدفاع الوطني لمصر وسوريا فى الإسكنرية،  وكان للتنسيق النهائى وعقد فى قيادة القوات البحرية في رأس التين برئاسة الرئيسين، من 22-23 أغسطس 73.

 

2- على المستوى الاقتصادي

تأخير إغلاق المجال الجوي فوق مصر لآخر لحظة،  بما يسمح للطيران الدولي بتغيير مساراته إلى مسارات بديلة قبل الدخول إلى الأجواء المصرية كمنطقة حرب.

تأخير إطفاء شعلات حقول الغاز فى خليج السويس والبحر الأحمر لآخر لحظة،  حتى لا تكون قرينة  فى حالة الإطفاء الجماعي المتزامن والمبكر.

استيراد ماكينات ضخ مياه فتح السواترالرملية من بريطانيا ثم من ألمانيا  تحت ستار مشروعات زراعية  بجوازات سفر ووظائف من وزارتي الزراعة والرى.

3- على المستوى الإعلامي والاجتماعي:

 ساهم الإعلام مساهمة فعالة بالتنسيق مع إعلام القوات المسلحة، بالتركيز على المراد توصيله إلى العدو مثل إعلانات الحج والعمرة فى بداية رمضان للضباط والمتطوعين وأسرهم والتركيزعلى الصحف التى تحصل عليها السفارات الإسرائيلية فى أوروبا وخاصة لندن وباريس.

 وكان النشاط الاجتماعى لا تخطأه العين المتابعة، بالفرحة الأسرية بعودة أبنائهم من التعبئة، فى الظروف المتوترة منذ سبتمبر73 من الاستدعاء التدريبي السنوي لمناورات الخريف من سلسلة"تحرير".

4- على المستوى العسكري

وتشمل العديد والعديد من الأنشطة نذكر منها تكرار أعمال التعبئة والتسريج  والتدريب على العبور خارج مراقبة العدو، وتحريك الكباري إلى منطقة القناة، وكانت من أصعب المراحل نظرًا لضخامة الكوبري، وتم نقلها بعد تفكيكها ليلا وإخفائها، مع إعادة بعض الأجزاء المجمعة نهارا للرصد وهكذا،مع إنشاء الكباري الخفيفة والهيكلية، والتخطيط للهجوم على طول مواجهة قناة السويس ظهرًا  بمواجهة حوالي 170 كم “بما فيها عيون موسى” وبقوات النسق الأول المحتل لغرب القناة مباشرة والدارس للعدو مع بدء الحرب ظهرا عكس كل المتبع وكل التوقعات. 

وكانت محصلة التخطيط والتنفيذ للمفاجأة الاستراتيجية:

 ونجحت نجاحًا كبيرًا وخدعت المستوى  السياسي والعسكري الإسرائيلى والعالمي بما فيه الولايات المتحدة بل والاتحاد السوفيتى أيضا، وتعتبر آخر مفاجاة استراتيجية يصعب أن تكرارها، نظرا للتقدم التكنولوجي فى مجالات الاتصالات والتنصت والأقمار الصناعية، ولكن تبقى المفاجأة التكتيكية واردة، بفكرة جديدة او سلاح جديد.

رابعا التنفيذ الشجاع:

كانت الدوافع الوطنية والقتالة والروحية قوية للغاية، كما كان نجاح المفاجأة وتأخر وارتباك خطة التعبئة الإسرائيلية خلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب أثر كبير لمقدمات النجاح والنصر المرتقب، وكان وقت التعبئة هو ذات الوقت الحرج الذى احتاجته القوات المسلحة المصرية لتنفيذ المراحل الأولى  وتحقيق المهام الصعبة مثل الفتح الاستراتيجى واقتحام قناة السويس،  وبدأ قتال الضارى لتدمير خط بارليف الحصين وقتال الاحتياطيا المدرعة الإسرائيلية القريبة بالقوات المصرية الخفيفة من المشاة والمظلات والصاعقة منفردة قبل فتح الساتر الترابى وتركيب الكبارى وعبور الدبابات المصرية مع بدء اليوم الثانى للقتال، فى السابع من أكتوبر.

كما شهدت مرحلة التنفيذ الشجاع العديد من البطولات نذكر منها تدمير النقاط الحصينة لخط بارليف المنيع تبعا ورفع الأعلام المصرية عليها تحرير مدينة القنطرة شرق، واستسلام مواقع إسرائيلية فى القنطرة ولسان بور توفيق، والاستيلاء عل مركز قيادة تبة الشجرة شرق الاسماعيلية ومواقع المدفعية الثقيلة 155مم فى عيون موسى “أبو جاموس كما أسماه الجنود، وتغلل قوات اللواء البرمائى فى أعماق تمادا بسيناء قبل الارتداد نظرا لعدم وجود فاع جوى مصرى متحرك ”مميكن". 

القوات الجوية المصرية:

نجحت الضربة الجوية الافتتاحية،وعرقلة وصول القوات الجوية الإسرائيلية  المتفوقة إلى قناه السويس بتوجيه قياتهم بالابتعاد عن “غابة الصواريخ” المصرية.

القوات البحرية: 

تم إغلاق مضيق باب المندب فى وجه الملاحه الإسرائيلية لقرابة أربعة أشهر. 

 حقيقة معركة الثغرة:

تعتبر أكبر أكذوبة إسرائيلية عن حرب أكتوبر 73، فهى إحدى 8 معارك برية، وطبقا لآراء الخبراء فقد كسبت مصر 6.5 معركة بينما كسبت إسرائيل 1.5 معركة وهذا النصف هو الجزء الأول من معركة الثغرة حيث تسللت القوات غربا وحاصرت مدينة السويس وهاجمتها يوم 24 أكتوبر بهدف إسقاطها  كهدف إستراتيجى سياسى، ومنيت بهزيمة كبيرة وفشلت فى دخولها ولم تستطع معاودة الهجوم حتى وقف اإطلاق النار فى 28 أكتوبر.

 بينما كان النصف الثاني من التقييم لصالح مصر بجدارة، حيث تم تكثيف حصار الحصار بفرقة ميكانيكية وبقوات المظلات والصاعقة والحرس الجمهورى ولواء مدرع جزائرى ولواء ميكانيكي مغربى، مع تعديل موجهات قتال من الشرق إلى الغرب من قوات الجيش الثالث الميدانى، تمهيدا لتصفية الثغرة، مع تخطيط تدمير الكوبرى الإسرائيلى المتاح للانسحاب “فكانوا كفأر فى مصيدة” لذلك احتفلوا بفض الاشتباك طوال الليل بإطلاق الألعاب النارية. 

خامسا: النتائج وأهم الدروس والعبر المستفادة

لقد حاربت مصر بما توفر لديها من الاتحاد السوفيتى، وليس بما كانت تريد أن تحوز، ليس من حيث الكم فقط بل من حيث الكيف والتطور التكنولوجى الذى امتلكه الجانب الإسرائيلى من خلال الولايات المتحدة قبل وأثناء الحرب، خاصة فى مجال القوات الجوية والدفاع الجوى المتحرك “المميكن” والدبابات والحرب الإلكترونية. 

ورغم ذلك حقق الجيش المصرى نجاحات وانتصارات من خلال أعمال قتال مبهرة، بحسن الإعداد والتخطيط والتنفيذ واستغلال نقاط الضعف الإسرائيلية وتعظيم نقاط القوة المصرية وأهمها الكفاءة والروح القتالية، وندلل بمثال على ذلك  باستسلام الموقع الإسرائيلى الحصين فى لسان برور توفيق بعد 4 ايام قتال، وفى المقابل لم يستسلم الموقع المصري بكبريت بعد أكثر من 100 يوما.

سادسا: السلام والانتصار السياسي

بلا شك أن الانتصار العسكرى المصرى فى حرب أكتوبر - بكسب أكبر عدد من المعارك مع تحقيق الهدف من الحرب- كان وراء نجاح خيار السلام، الذى سبق ورفضت إسرائيل كل مبادراته على كافة المستويات قبل حرب رمضان أكتوبر 1973، ولكن الموقف قد تغير بعد الحرب وأصبح لنداء السلام آذان صاغية، حيث يقود السلام إلى التنمية الشاملة فى مناخ صحى خال من الإرهاب وعدم الاستقرار، بدءا بتنمية سيناء ميدان الحرب والتحرير والسلام والاستقرار. 

سابعا طابا والانتصار القانوني

كان الانتصار القانونى فى طابا، هو الانتصار الثالث فى مثلث الانتصارات العسكرية والسياسية، واستغرق بضع سنوات من التحدي والصراع خلال التحكيم الدولى، واستخدمت فيه الوسائل المصرية  القانونية والتاريخية والعسكرية والمساحية والطبوغرافية والجغرافية، والوثائقية، لنصل فى النهاية إلى أن طابا مصرية ورغم محدودية تلك البقعة من الأرض “مثل قرية ياميت الإسرائيلية  فى العريش”،  فقد أصر الرئيس السادات ومن خلفه مصر، على حرية تراب الوطن المقدس الذى لا يَقبل المساومة.

خاتمة:

بعد خمسة عقود من الانتصار، تهل علينا نسمات ذكرى العاشر من رمضان السادس من  أكتوبر المجيد، لتكتمل ذكرى  ثلاثية الانتصارات العسكرية والسياسية والقانونية، والتى حققتها عزيمة الشعب والجيش المصرى، ولم يكن أيا منهم من السهولة بمكان، فالنصر العسكرى احتاج إلى إعلاء العقيدة القتالية والروحية، والنصر السياسى احتاج إلى المثابرة، والنصر القانونى احتاج إلى الحُجة، ونجحت مصر فى كل تلك التحديات، التى تقود الى إعلاء كلمة الوطن ودعم أمنه القومى الشامل.

 عاشت مصر حرة.. قوية.. آمنة.. منتصرة.

 

لواء أح دكتور محمد قشقوشمستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجيةمستشار المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: نصر العاشر من رمضان ذكرى العاشر من رمضان إنتصار العاشر من رمضان رمضان أکتوبر قناة السویس على المستوى العدید من

إقرأ أيضاً:

قصة مدينة ومعركتين.. ماذا حدث بين إيران والعراق في “المحمّرة” قبل 43 عاما؟

تحتفل إيران في 25 أيار/مايو من كل عام بذكرى السيطرة على مدينة المحمّرة (إيرانيًّا تُسمّى خرمشهر) من القوات العراقية، وهي الواقعة في محافظة خوزستان الغنية بالنفط، التي تضمّ مدينة الأحواز وغيرها من المدن الرئيسية، وذلك بعد معركة طويلة ودامية استمرت في الفترة ما بين 1980 حتى 1982.

ونشأت التوترات الحدودية بين إيران والعراق منذ العهد العثماني والصفوي، وتفاقمت حول مياه شط العرب؛ فقد اعتبرت بغداد أن خطّ الحدود يجب أن يمرّ على الشاطئ العراقي، بينما رأت طهران أن العبرة بالخطّ الأوسط وسط القناة.

وكانت العلاقات بين الحكومتين العراقية والإيرانية مستقرة إلى حدّ ما بسبب اتفاقية الجزائر عام 1975، وهي معاهدة صلح توسطت فيها الجزائر، قضت بتثبيت الحدود عند منتصف شطّ العرب وانسحاب القوات العراقية من الضفة الشرقية للمجرى المائي، وذلك مقابل اعتراف إيران بسيادة العراق على الضفة الغربية. كما تعهّد الطرفان بعدم التدخّل في شؤون بعضهما ووقف دعم أي حركات معارضة، وبذلك أنهت الاتفاقية النزاع الحدودي بين البلدين حتى قام العراق بغزو إيران عام 1980.

تحريض متبادل
بعد مجيء الحكومة الإيرانية الجديدة بقيادة روح الله الخميني، تمّت مساعدة الحراك الكردي في شمال العراق، وجُعلت الأراضي الإيرانية نقطة انطلاق لقوات هذا الحراك داخل الحدود العراقية.


وفي ذات الوقت، شعر العراق بتهديد استقرار حكم حزب البعث، ما دفع صدام حسين إلى توجيه ضربة استباقية لمنع “انتقال الثورة” إلى داخل العراق وإحكام السيطرة على حدوده الجنوبية واحتلال الشطر الإيراني من المجرى المائي، بحسب ما ورد في مقال حمل عنوان “الأصول الجيوسياسية للحرب العراقية–الإيرانية” للكاتب ويل د. سويرنجن.

وتصاعد الخلاف بين نظامي صدام حسين وإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حيث أراد كلا الطرفين إثبات قوتهما الإقليمية. ورأت طهران في مقاومة العراق فرصةً لترسيخ شرعية النظام الإسلامي داخليًا، بحسب دراسة لكيفن وودز بعنوان “الحرب العراقية–الإيرانية: تاريخ عسكري واستراتيجي”.

وتضمّ خوزستان (المعروفة عربيًا بالأحواز أو عربستان) أهمّ حقول النفط الإيرانية وميناء خرمشهر الاستراتيجي. ورأى صدام أن ضمّ هذه المنطقة يؤمّن للعراق منفذًا مزدوجًا على شطّ العرب ويعزّز قدرته التصديرية، فكانت السيطرة عليها هدفًا رئيسيًّا للحملة العسكرية التي أصبحت لاحقًا تُعرف بالحرب العراقية–الإيرانية أو حرب الخليج الأولى.

ومثّلت خوزستان حينها 80% من صادرات نفط إيران عبر خطوط الأنابيب والموانئ الواقعَة على شطّ العرب، كما أن موانئ آبادان وخرمشهر تعدّان شريانًا اقتصاديًّا حيويًّا، ما جعل المنطقة هدفًا للعراقيين الذين سعوا إلى تقويض قدرات طهران الاقتصادية والعسكرية.

معركة المحمّرة
انطلقت أولى مراحل الحرب الجوية العراقية على نقاط دفاعية إيرانية في ضواحي المحمّرة في 22 أيلول/سبتمبر 1980، تلتها هجمات مدرعة في تشكيل هلالي يهدف إلى تطويق المدينة من جهاتها الثلاث.

ورغم تفوق العراق العددي بما يزيد على 20 ألف مقاتل ودبابات تشيفتن (دبابة القتال الرئيسية لبريطانيا خلال السبعينيات) ومدرعات ثقيلة، واجهت القوات العراقية مقاومة عنيفة من وحدات الحرس الثوري والجيش النظامي الإيرانيين، الذين استخدموا صواريخ مضادة للدبابات ورشّاشات ثقيلة ورمّانات يدوية لإبطاء التقدم، فضلًا عن غمر مستنقعات ضفاف نهر كارون، بحسب ما ذكرت قناة “هيستوري”.


وبعد تكبّد العراق خسائر فادحة في الدبابات والمدرعات، أعاد تنظيم صفوفه وأطلق دفعة ثانية من الهجمات الليلية في 11 تشرين الأول/أكتوبر، مدعومًا بقصف مدفعي مكثّف وضربات جوية لتقويض دفاعات المدينة. ونجحت القوات العراقية في اقتحام بعض الأحياء الجنوبية، لكنها اصطدمت بتصدي قوي من متطوعي الباسيج (قوات شعبية شبه عسكرية تتكوّن من متطوعين) وتكاوار البحرية (قوات خاصة)، ثم عادت بغداد لتوسيع خطوطها الدفاعية حول المحمّرة.

في 16 تشرين الأول/أكتوبر، شنّ هجومًا ثالثًا استخدمت فيه القوات المدرعة والمشاة المساندة بفعالية، وتمكّنت فرق كوماندوز عراقية من احتلال الميناء ومحطة شرطة المرور، ثم توغّلت ألوية المدرعات على طريق سوق تاجيكاني وصولًا إلى أطراف المدينة. ودارت معارك شوارع ضارية في المدينة حتى أُجلي نحو 300 من المتبقّين الإيرانيين عبر نهر كارون في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، وأُعلن يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر سيطرة العراق التامة على المحمّرة بعد 50 يومًا من القتال.

وأصبحت المدينة فعليًا “مدينة أشباح”، ونظرًا للخسائر البشرية العالية والظروف المناخية القاسية التي تلت المعركة، لم تستطع القوات العراقية شنّ أية هجمات أخرى ضد إيران.

المعركة الثانية
ظلت المدينة تحت سيطرة القوات العراقية حتى نيسان/أبريل 1982، عندما أطلق الإيرانيون عملية “بيت المقدس” لاستعادة محافظة خوزستان. ورأت القيادة الإيرانية أن تحرير المحمّرة مفتاح لكسر شوكة العراق، فأطلقت في 24 نيسان/أبريل 1982 عملية متزامنة عبر نهر كارون، بمشاركة نحو 70 ألف جندي من الجيش النظامي والحرس الثوري وقوات الباسيج، مدعومة بقصف جوي ومدفعي كثيف.

ونجحت الدروع الإيرانية في تأمين الجسور المؤقتة، ثم اجتاحت ألوية المشاة الأحياء الشمالية، مما أرغم العراقيين على الانسحاب السريع وأسر 19 ألف جندي عراقي خلال 48 ساعة فقط، وأُعلن التحرير رسميًّا في 24 أيار/مايو 1982.

وتصف المصادر العراقية الهجوم الإيراني بأنه استخدم “كتلًا بشرية كبيرة” من الحرس الثوري، مما أدّى إلى فوضى وانسحاب غير منظّم للقوات العراقية، وحُمل بعض القادة العسكريين مسؤولية الهزيمة، فتمّ إجراء محاكمات أُعدم على إثرها عدد منهم.


وأوقع القتال خلال معركتي السيطرة العراقية ثم الإيرانية عشرات الآلاف من القتلى والجرحى بين الطرفين، ودُمرت ما يقرب من 80% من مباني المدينة. شكّلت إعادة السيطرة الإيرانية على المحمّرة نقطة تحول أوصلت إيران إلى موقع المبادرة العسكرية، وأفضت إلى رفض طهران التهدئة التي عرضها العراق، فاستمرت الحرب حتى عام 1988 دون حسم قاطع.

ورغم السيطرة الإيرانية النهائية على المدينة، استمر القتال حتى 1988، ولم تُحسم الحرب بتوازن؛ فقد رفضت طهران إنهاء العمليات ما لم يُخلَع صدام حسين ويُدفع تعويضات.

وأُعيد بناء ميناء المحمّرة جزئيًّا في أوائل التسعينيات، إلا أن مصالحات سياسية حقيقيّة لم تُحقّق إلا بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، عندما بات للإقليم دور اقتصادي حيوي في تصدير النفط وتجاوز تبعات الحرب.

مقالات مشابهة

  • الخارجية المصرية: مسألة مرور السفن الأمريكية دون رسوم عبر قناة السويس مغلقة ومستنفدة
  • القوات اليمنية تربك الحسابات الأمنية الإسرائيلية .. أبعاد استراتيجية متقدمة
  • لواء البراء بن مالك وفداحة التهم
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: مياه حي الصفا تنتظر القرار
  • الجيش الإسرائيلي : الحرب على غزة ليست بدون نهاية
  • قصة مدينة ومعركتين.. ماذا حدث بين إيران والعراق في “المحمّرة” قبل 43 عاما؟
  • القوات المسلحة تفتتح نادى وفندق " 6 أكتوبر الحلمية " بعد إنتهاء أعمال التطوير الشامل
  • القوات المسلحة تفتتح نادى وفندق 6 أكتوبر الحلمية بعد انتهاء أعمال التطوير
  • القوات المسلحة تفتتح نادي وفندق 6 أكتوبر الحلمية بعد انتهاء التطوير الشامل
  • الطاهر ساتي يكتب: رؤية كمبالا ..!!