لماذا يتدهور الجنيه أمام العملات الأجنبية… وهل من خطة لكبح الجماح ؟ بعضا من نصائح وروشتة مجرب لمن يهمهم الأمر.من الملاحظ أنه خلال فترة الحرب هذه (11) شهر قد فقد الجنيه السوداني أكثر من نصف قيمته الشرائية ، فقد كان متأرجحاً امام الدولار في العام الماضي وفي هذا الوقت في حدود ال (570) جنيه ولكن الان تضاعفت لحوالي (1300) امام الدولار.

ما الذي جرى وما الذي تغير ؟ هذا سؤال جوهري يطرأ على الاقتصاديين والمستثمرين والمستهلكين والمهتمين .على الفور تذهب بعض التحليلات الكسولة نحو الحرب الذي تسبب في ذلك وافقد البلاد اكثر من ثلاث ارباع اقتصاده ومداخيله .وعن الحرب اقول لا يجب أن نضع كل حملنا على الحرب فهو احد العوامل ولكنه ليس بأكبرها ، وهو بقدر ما افقد الإيرادات فإنه قلل المنصرفات أيضاً.اذن ماذا فعلت الحرب بالاقتصاد الوطني؟ هذا هو السوال الذي ينبغي أن نغور في ثناياه ونحلل أبعاده ونفككه طوبة طوبة ، حد قول صديقنا دكتور محمد جلال هاشم .حسب ملاحظتنا اللصيقة بهذا الجانب ودون إحصاءات دقيقة فقد افقدت الحرب البلاد اكثر من 80% من ايرادات البلاد وخاصة الضريبية ، حيث كانت ولايتي الخرطوم احد اكبر الولايات التي تشهد أنشطة اقتصادية تدر بالإيرادات الضريبية للديوان وبعدها تأتي ولاية جنوب دارفور وولاية الجزيرة والقضارف وشمال كردفان وهكذا، ولكن هذه الايرادات مهما كان حجمها فليس لها اثر مباشر او أضرارها كبيرة على سعر الصرف وقوة الجنيه الشرائية، قد تتضرر الخزينة بفقد الايرادات ولكن إذا لم يطبع البنك المركزي السيولة (دون تغطية) فان سعر الصرف سيظل ثابتا نوعا ما او متحرك ولكن ليس بهذا المستوى، وحسب علمي أن البنك المركزي يتخذ سياسة صارمة تجاه هذا الأمر.فالنذهب إلى المنتجات المحلية قبل الصادرات ، فالحرب قد اخرجت اكثر من 90% من مصانع البلاد التي كانت تعمل وكانت محصورة في ولاية الخرطوم ، او أوقفتها من العمل ، وبالتالي اصبح الاعتماد على السوق الخارجي والاستيراد لما يقارب لكل السلع حتى الكمالية منها ، وهو ما يتطلب توفير السلع النقدية للصادر لتغطية الحوجة للعملة الصعبة، او بالمقابل سيضطر المستوردون إلى اللجوء للخيارات الغير مشروعة.وأما الصادرات وفق اخر تقرير للبنك المركزي للتجارة الخارجية قبل الحرب ، نجد أن الذهب تصدر أعلى القائمة حيث بلغ اكثر من (47%) من اجمالي قيمة الصادرات في البلاد ولثلاث أعوام متتالية ، يليه السمسم والثروة الحيوانية والصمغ والفول السوداني والنفط وهكذا وفق التسلسل يمثلون حوالي (53%) من الباقي، وهذا مؤشر مهم يعزز الثقة في العملة الوطنية ، ولم يرد في التقرير او غيره من تصدير للخدمات إذا كانت كهرباء او مياه او غاز وغيرها.نجد أن أغلب الصادرات المبوبة في (53%) قد اصابها فعلا الأضرار إلا القليل بسبب الحرب وشلت سلاسل إمدادها ، إذا كان في الانتاج او النقل او التصدير ، ولكن الذهب لا اعتقد قد تضرر كثيرا بسبب الحرب ، فبسبب اللا مركزية في إنتاجه وكذلك ادارته فإنه مازال له الدور الذي يمكن أن يلعبه في تماسك العملة المحلية.في سلاسل إمداد الذهب (Supply Chain) لم يتاثر قطاع الانتاج (Up-Stream) كثيرا وهو المهم سيما وان مناطق الصراع بعيدة جدا عن دائرة الحرب، وبل حسب تصنيفنا تدور في ولايات الدرجة الثالثة والرابعة الميئوس منها ، فقط ولاية واحدة من ولايات الدرجة الثانية خرجت عن الانتاج وأخرى من ولايات الدرجة الثالثة متعطل الانتاج بعض الشيء ، ولكن لحسن الحظ ان الولايات الأكثر اضطراباً بالأمن هي في الأصل ميئوس منها ، حسب تصنيفنا الذي عملنا به في القطاع منذ الاربعة أعوام الماضية ( لأسباب أمنية لن اذكر مسمى الولايات بوضوح).حسناً ، إذا كان الأمر كذلك فماهي هي المشكلة اذن ؟ بالنسبة لي ومن خلال التجربة السابقة نرى أن قطاع المصب او التصريف (Down-Stream)هو الذي يجب أن يصان ، وهذا القطاع يشترك فيه ويعزف على إيقاعه كل شركاء المنظومة الاقتصادية، في القطاع الخاص أو القطاع العام الحكومي بدءا بمجلس السيادة والوزراء ووزارة المالية وبنك السودان المركزي ووزارة التجارة والاستثمار والمعادن والنفط والغاز وهيئة الجمارك والضرائب وشركة الموارد المعدنية والمواني وجهاز الأمن الاقتصادي والقوات المسلحة والشرطة التعدين ومكافحة التهريب، واتحاد المصارف واتحاد المصدرين واتحاد المستوردين واتحاد المعدنين واتحاد شركات التعدين، وهذه حرب اخرى تحتاج لدفاعات وخطط وعمليات ، فالحرب الاقتصادية اكثر ضررا من الحرب المسلحة، هذه المنظومة المذكورة أعلاه اغلب نشاطها هو تخطيط السياسات واتخاذ القرارات لإصلاح بعض ضروريات حركة الصادر ومعاقبة المخالفين وتحفيز الملتزمين وتتمثل هذه السياسات في الآتي :اولا: تشكيل آلية مشتركة مثل (لجنة الطواري الاقتصادية) للمتابعة الدائمة وتنسيق الجهود واتخاذ ومتابعة القرارات المشتركة المرتبطة بمصلحة انسياب الصادر.ثانيا : الاتفاق على شكل الحصائل وكيفية توريدها وسعرها (وهو الأهم)ومدة بقائها وكيفية مصادرتها من البنك المركزي.ثالثا : تحديد أوجه صرف حصائل الذهب تحديدا مع عدم الإخلال بسياسة السوق الحر او مبادئ الاقتصاد الليبرالي.رابعاً: فصل المصدر من المورد حتى لا يستغل مستوردي السلع الكبيرة مثل البترول والغاز والفيرنس والقمح يستغلوا صغار المصدرين، ويجعلونهم عرضة لابتزاز السعر، ومن ناحية يجعل المنافسة شريفة ويعزز المخاوف لدى كبار المستثمرين وهو مبدأ مهم في استقرار الأسعار.خامسا: ازالة كل التشوهات البيروقراطية والإجرائية التي تعيق حركة الصادر وتؤخره .سادسا : تحفيز المميزون وتكريمهم بمزيد من الحوافز والتسهيلات الحكومية .سابعا: أن يقوم البنك المركزي بعد فترة وجيزة ومن احتياطاته إن وجدت او بعد تراكم الحصائل باقامة مزاد للعملة الأجنبية (الدولار) للبنوك التجارية والصرافات حتى لا يضطر المستورين بالذهاب للسوق الموازي .ثامنا: إصدار مناشير من البنك المركزي وقرارات من الوزارات وانعقاد هذه الهيئة كل وقت لقياس الأداء العام وتقييم اثر القرارات في السوق وعلى العملة الوطنية.اخيرًا لا يسعنى إلا ان اشكر القائمين على امر الاقتصاد طيلة الفترة الماضية خاصة وزراء القطاع الاقتصادي ومحافظ البنك المركزي وكذلك الاخوة في القطاع الخاص الوطنيين اكرر الوطنيين لما لعبوه من ادوار رغم كل شي.مبارك أردولعضو لجنة الطوارئ الاقتصادية السابق٢٤ مارس ٢٠٢٤م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: البنک المرکزی اکثر من

إقرأ أيضاً:

الجنيه السوداني يواصل الهبوط والأسعار تتصاعد.. غذاء الفقراء يتحول إلى ترف

شندي- في بلد يزخر بالأراضي الخصبة والثروة الحيوانية، أصبح الحصول على وجبة غذائية متكاملة حلمًا بعيد المنال لغالبية المواطنين، الذين يرزحون تحت وطأة حرب طاحنة وانهيار اقتصادي شامل. في الأسواق يطغى الركود، وفي البيوت يقاتل الناس من أجل وجبتين في اليوم بالكاد تكفيان لسد الرمق، في حين تتدهور قيمة الجنيه السوداني بلا توقف، وسط غياب حلول حقيقية أو أفق سياسي واضح.

وفي آخر تقاريره، كشف البنك الدولي عن انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة إضافية بلغت 13.5% خلال عام 2024، وذلك بعد أن تقلّص بنحو الثلث في عام 2023. التقرير ذاته توقّع أن تصل نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 71%، في ظل استمرار النزاع وغياب الدولة. هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل تعكس واقعًا يعيشه المواطن يوميًا بين الجوع والعجز ودوامة البقاء.

"أعمل 12 ساعة في اليوم لأجمع أقل من 10 دولارات بالكاد تكفيني لوجبتين لأسرتي المكوّنة من 6 أفراد"، تقول إقبال محمد، فنية مختبر في شندي شمال الخرطوم. وتضيف: "قبل الحرب، كنت أحتاج إلى نحو 5 آلاف جنيه فقط لتغطية نفقاتنا اليومية، أما الآن فهناك سلع تضاعف سعرها بأكثر من 1000%". إقبال ليست وحدها. ملايين السودانيين يواجهون واقعا مشابها، حيث تحوّلت المواد الغذائية الأساسية إلى سلع نادرة المنال، وتحوّلت المائدة اليومية إلى تحد مستمر.

ركود الأسواق وتراجع الزراعة

الأسواق في المدن والقرى تشهد حالة من الشلل. يقول بدر الدين أحمد، بائع خضروات في شندي: "الناس لا تشتري. كل شيء تضاعف سعره، ومعظم الزبائن يكتفون بالنظر أو الاكتفاء بالحاجات الضرورية فقط".

السوق المركزي للخضروات بشندي يكاد يخلو من المارة الجزيرة (الجزيرة)

ويرجع بدر الدين هذا الركود إلى تقلّص الرقعة الزراعية، خصوصًا في ولاية الجزيرة التي كانت تُعدّ سلة غذاء رئيسية للبلاد. ووفقًا لمنظمة الفاو، تراجع الإنتاج الزراعي بأكثر من 40%، وهو قطاع يشكّل 35% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر وظائف لأكثر من 40% من القوة العاملة.

إعلان

ويعاني التجار بدورهم من آثار الغلاء. يقول محمد عبد الحميد، تاجر يبلغ من العمر 60 عامًا: "توقفت عن بيع المعلّبات والمشروبات المستوردة لأن الناس لم تعد تشتريها. المبيعات تراجعت كثيرًا، واقتصر الطلب على العدس والسكر والزيت والمنظفات". الجميع خاسر في هذه المعادلة، من المنتج إلى المستهلك.

وفي ظل هذه الظروف، تزداد الصعوبات مع المرض أو الحوادث. عبد الله وراق، عامل بناء، يقول: "أحيانًا نعيش على وجبة واحدة في اليوم. لا نشتري اللحم ولا الخضروات، وأصعب ما نواجهه حين يمرض أحد أفراد الأسرة، فتكاليف العلاج لم تعد في متناول اليد، والطب البديل هو الملاذ الأخير".

انهيار الجنيه وتآكل الأجور

أحد أبرز مظاهر الانهيار الاقتصادي هو تدهور سعر صرف الجنيه السوداني. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، تراجع الجنيه من 600 جنيه مقابل الدولار إلى 2679 جنيهًا في السوق الموازية، في حين سجّل في البنوك الرسمية نحو 2100 جنيه منتصف عام 2025.

هذا الانهيار انعكس مباشرة على الأجور، وقدرت دراسة أجرتها لجنة المعلمين في يوليو/تموز الجاري أن تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة مكوّنة من 5 أفراد تتراوح بين 354 ألف جنيه في المناطق المستقرة، وتصل إلى 2.8 مليون جنيه في الولايات المتأثرة بالحرب. ومع ذلك، فإن أجور العاملين في القطاع العام لا تغطي سوى 8% من هذه التكاليف، بحسب الدراسة، مما يعني أن أكثر من 90% من الموظفين يعيشون تحت خط الفقر.

سمية عبد الرحمن، ممرضة وأم لـ4 أبناء، تقول: "أعمل في عيادة ومختبر، ومع ذلك لا يغطي دخلي سوى ثلث احتياجاتنا. اثنان من أولادي يدرسون في الجامعة، وأنا أستدين كل شهر لأتمكن من الاستمرار". هذا النمط يتكرّر مع آلاف الأسر، حيث لم تعد وظيفة واحدة، ولا اثنتان، قادرتين على توفير الحد الأدنى من الكفاف.

وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن معدلات البطالة ارتفعت من 32% في عام 2022 إلى 47% في 2024، بفعل الإغلاقات الواسعة النطاق للشركات والانهيار الكلي في سوق العمل.

رؤى اقتصادية.. وحلول مؤجلة

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور حسين القوني أن تدهور قيمة الجنيه مرتبط بـ3 عوامل رئيسية: تراجع الإنتاج، غياب الصادرات، والطلب الكبير على الدولار نتيجة سفر السودانيين للخارج.

ويشير إلى أن غياب الجهاز التنفيذي جعل من الدولار سلعة نادرة، وأن غموض المشهد السياسي يمنع أي دعم خارجي حقيقي. "الدمار الذي لحق بالاقتصاد كبير، ولا أحد يريد المجازفة بدعم اقتصاد لا يملك صورة مستقبلية واضحة"، يقول القوني.

غلاء الأسعار أصاب الأسواق بالركود (الجزيرة)

أما البروفيسور كمال أحمد يوسف، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة النيلين، فيرى أن "الزراعة تمثل أملًا سريعًا لعائدات نقدية، لكنها تحتاج إلى كهرباء وطاقة شمسية، وأراضٍ آمنة، وبنية تحتية قائمة". ويطالب بإعادة إعمار الطرق والجسور، وتوفير الخدمات الأساسية كالماء والصحة والتعليم كشرط رئيسي لعودة الناس إلى مناطقهم. كما يدعو إلى تشجيع الاستثمار المحلي، وخفض الدولار الجمركي، وتوقيع اتفاقيات مع دول الجوار لتسهيل استيراد السلع الضرورية.

ويلفت إلى استمرار بعض الولايات في استخدام العملة القديمة رغم قرار الاستبدال قبل أكثر من عام، محذرًا من أن ذلك يفتح الباب أمام الفساد ويزيد من تعقيد الأزمة النقدية في البلاد.

إعلان

وبينما يواجه السودانيون معركة يومية مع الغلاء والجوع والمرض، يبقى الأمل معقودًا على موسم زراعي واعد، وتوافق سياسي يعيد للدولة حدًّا من الفاعلية والهيبة، قبل أن ينهار ما تبقى من اقتصاد البلاد ويصبح الجوع هو القاعدة لا الاستثناء.

مقالات مشابهة

  • خبير اقتصادي يكشف أسباب قرار البنك المركزي بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير
  • سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنك المركزي اليوم
  • لماذا قرر البنك المركزي تثبيت أسعار العائد الأساسية؟
  • لماذا ثبت البنك المركزي سعر الفائدة في اجتماع اليوم
  • خفض أم تثبيت؟.. ترقب نتائج اجتماع البنك المركزي اليوم
  • قبل اجتماع البنك المركزي.. خبيرة أسواق المال تكشف تأثير قرارات سعر الفائدة على البورصة
  • هل يُخفض البنك المركزي سعر الفائدة للمرة الثالثة خلال اجتماع اليوم؟
  • ڤاليو تحصل على الموافقة المبدئية من البنك المركزي الأردني لمزاولة نشاطها في الأردن
  • الجنيه السوداني يواصل الهبوط والأسعار تتصاعد.. غذاء الفقراء يتحول إلى ترف
  • اليوم.. البنك المركزي المصري يحسم أسعار الفائدة للمرة الرابعة في 2025