بوابة الوفد:
2025-08-02@17:51:51 GMT

الإمام والتّصوُّف (4)

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

تكاد الحرية فى فقه الاصطلاح الصوفى أن تكون أعلى مراتب الولاية تحقيقاً؛ وهى ألا يكون العبد بقلبه تحت رق شىء من المخلوقات، لا من أعراض الدنيا ولا من أعراض الآخرة؛ فإنَّ الاسترقاق لشىء دون الله قادحٌ على الجملة، فضلاً عن التفصيل فى الولاية عموماً، فضلاً عن قدحه على التعميم فى العبوديّة وفى الدين. 

والرجل الذى يملك الشجاعة ويستوفيها إلى غايتها مع قوة التبتل وقدرة التوجه إلى الملأ الأعلى، ويملك الزهادة فى الدنيا فلا يبالى نعيمها بل يستخف به، ويعرف الحقيقة الدينية معرفة الباحث المنقب المتحقق؛ لهو هو الرجل الذى يخاطب الدنيا خطاب المتعالى عنها العارف بحقيقتها ومصيرها، المتحرر غاية التحرر من آفاتها وغرورها فيقول مع الاستخفاف بها بمثل ما قال (رَبَّانيُّ الأمة): «يا دنيا غُرى غيرى.

. غيرى غيري»!

وهو بلا شك خطاب الذى امتلك الحرية فى أوسع آفاقها وأكمل معطياتها، فلم يعد هنالك شىء ما يسترقه من مطالبها إلا أن تكون مطالب الحق الذى يعرفه بقلبه، فيمضى على لسانه ويجريه واقعاً فى الحياة قابلاً للتنفيذ الفعلى: شجاعة لا تبالى الحياة، وزهادة لا تخشى النعيم، وجراءة على الدنيا من طالب الحقيقة الكبرى؛ لتكون مبلغه إلى الغاية التى من ورائها. 

فهى إذن لن تغرَّه فى شىء ولن يغرَّه منها شىء، وقد غرَّت حوله كل إنسان فى زمن تدفقت فيه الأموال من الأمصار على نحو لم تعهده الجزيرة العربية قط فى تاريخها، وأقبل الناس على الدنيا العريضة، بل هرولوا إليها، وإذا بخليفة عرف الحقيقة، وملك الشجاعة كما ملك الزهادة، ودانَ للحرية الأسمى كما دانت له الحرية كأرقى ما تدين لإنسان، يصدُّهم عنها كما يصد الطوفان وهو مندفع من وراء السدود، أو يصد الطبيعة الإنسانية وهى منطلقة من عقال التقوى، فهو مستشهد لا محالة ولو مات على سريره؛ فإنّ الإنسان قد يعيش عيشة الشهداء، ولا يلزم بعد ذلك أن يموت ميتة الشهداء كما قال العقاد، طيَّب الله ثراه، فى عبقريّة الإمام.

روحُ التصوف وعمق التبتل فى الإمام عليّ رضوان الله عليه، خصالٌ بادية فى جلاء، لا تخطئها النظرة العابرة، بمجرَّد أن تقرأ كلامه فى نهج البلاغة أو تنظر أوصافه كما جاءت على ألسنة أحبابه وصفاً لأعدائه؛ فقد دخل أحد تلاميذه الذين أخذوا العبادة عنه وأحبوه باعتباره عابد المسلمين الأول، وساروا على طريقته، دخل على معاوية فيطلب منه أن يصف علياً فيقول التلميذ لمعاوية فى أجمل وصف لأجمل عابد زاهد: (كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّرُ العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله عزيز العبرة طويل الفكرة، يقلب كفَّه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جَشب. كان والله كأحدنا يُدْنِينا إذا أتيناه، ويُجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرَّبُه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإنْ تبسم؛ فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله، لقد رأيته فى بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل فى محرابه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين؛ فكأننى أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرّعُ إليه، ثم يقول للدنيا: إليّ تغرَّرتِ، إليّ تشوّقتِ، هيهات هيهات، غُرى غيرى، قد بتتك ثلاثاً، فعمرك قصير ومجلسك حقير). هذا وصف لربَّانى الأمة الأمام عليّ، وتلك بعض أوصافه التى لا تخرج عن وصف حقيقى للزاهد الإسلامى المتقلب فى القرآن الكريم يعيش فيه ويرى الدنيا من خلاله. 

وما من عجب؛ فإنَّ الذى تحرَّر من عبادة السِّوى وتحقق من الحرية، وهى أعلى مقامات الولاية، لهو الذى تتلمذ لربِّه وعاش القرآن وتقلب فيه، وتربى فى حجر نبيه ليصبح إماماً للأولياء من بعده، وإماماً لكل من لم تغرّه الدنيا بغرورها وإنْ غرت غيره. ولم تكن للولاية علامة وهو أمام الأولياء وربانيُّ الأمة غير هذا التحرر من عبادة السَّوى وقد بلغ فيه الاعتماد على وحى البصيرة الهادية، كما بلغ فيه الاجتهاد مبلغه الذى يرجع بالحكمة إلى رياضة النفس على سنة النُّسَّاك وتمحيص الفكر على سنة العلماء الربانيين المستبصرين. (وللحديث بقيَّة)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم

إقرأ أيضاً:

بسمة وهبة: تظاهرات تل أبيب من إحدى عجائب الدنيا.. فيديو

وصفت الإعلامية بسمة وهبة المظاهرات التي نظمها عناصر من جماعة الإخوان الإرهابية أمام السفارة المصرية في تل أبيب بأنها “مشهد خيانة بامتياز مع سبق الإصرار والترصد”، مؤكدة أن ما حدث لا يمكن اعتباره سوى إحدى عجائب الدنيا السبع في هذا التوقيت الحرج من تاريخ المنطقة.

وقالت وهبة، في بث مباشر عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن تلك التظاهرات - التي جاءت بتصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتحت حماية أمنه - ترفع علم إسرائيل، التي لا تزال تغرق قطاع غزة في الدماء، وتقصف المدنيين، وتجوّع الأطفال.

وتساءلت الإعلامية: “أين كان هؤلاء حين كانت الإبادة تحدث يوميًا في غزة؟ وأين كانوا من الأطفال الذين يموتون جوعًا وحصارًا؟”.

وأضافت وهبة أن ما يجري هو امتداد لمخطط أكبر أسمته “مخطط 48 أ”، يستهدف زعزعة الدولة المصرية والتشكيك في قيادتها ودورها الثابت في دعم القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن من يقف وراء هذه المظاهرات هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، “لكن أدواته اليوم ترتدي عباءة الإخوان”، على حد تعبيرها.

وأكدت الإعلامية أن مصر كانت ولا تزال هي الداعم الأول لفلسطين وقضيتها، وأن من يحاولون الآن الطعن في هذا الدور، لا يملكون الشجاعة ولا القدرة على تنظيم مظاهرة واحدة لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، بل اكتفوا بالتظاهر أمام سفارة مصر، في مشهد وصفتْه بأنه “مهزلة وعجب يخلي الواحد يخزن”.

وشدّدت وهبة على أن الشعب المصري لا يُخدع بمثل هذه الأفعال، وأن وعيه هو السد المنيع أمام تلك الحملات المشبوهة، مؤكدة أن المصريين يدافعون دومًا عن فلسطين بكرامة وشرف، ويقفون خلف قيادتهم السياسية، التي تخوض معركة صعبة لحماية الفلسطينيين على أكثر من جبهة.

واختتمت بسمة وهبة بتأييد بيان نقابة الصحفيين المصرية، التي أدانت بدورها هذه المظاهرات بشدة، واعتبرتها “خيانة لدماء الشهداء ومحاولة مرفوضة لتشويه الموقف المصري”، مضيفة: “مصر لا تُهان، ومن يتحدث عنها يجب أن يقف احترامًا لتاريخها وشهدائها ودورها”.

مقالات مشابهة

  • محافظ أسوان يقرر توقيع غرامة مالية لأحد الفنادق بسبب الأشجار
  • أسبوع من الدنيا في لبنان
  • يسري جبر: هكذا نفرق بين علماء الدنيا والآخرة
  • ما معنى نزول الله الى السماء الدنيا؟.. الدكتور يسري جبر يجيب
  • تعرف علي موعد عودة مصابين الأهلي للتدريبات
  • بسمة وهبة: تظاهرات تل أبيب من إحدى عجائب الدنيا.. فيديو
  • نصب الحرية يتشح بـالوعد الصادق.. تظاهرات في بغداد لفك الحصار عن غزة (صور)
  • عاملونا كمجرمين.. شهادات صادمة من ناشطي أسطول الحرية بعد احتجازهم من قبل الجيش الإسرائيلي
  • بعد وصية أحمد عامر بحذف أغانيه.. رنا سماحة: لا يوجد نص صريح يحرم الغناء.. فيديو
  • 80 ألف مواطن حملوا تطبيق الوطنية للانتخابات تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 25 سنة