الدكتور بنطلحة يكتب: الاتحاد المغاربي من مجرد شعار إلى ضرورة مجتمعية
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
لقد ظل تشييد الاتحاد المغاربي مطلبا يقترب إلى الطوبى أكثر منه إلى الحقيقة، يعكس رغبات وأحلام الخيال الجمعي المغاربي ولا يعدو كونه شعارا سياسويا يضفي عليه الكثير من الأشياء التي لا تصب في صلبه.
إن بناء الاتحاد المغاربي، الموحد سياسيا والقوي اقتصاديا يتطلب تحولا في الفكر والعقليات وضرورة الايمان الصادق بوجاهة هذا المشروع، ولا يمكن تحقيقه تلقائيا او فقط بالدعوة إليه، بل يجب أن نستشرف المستقبل وطرق التسيير والتخطيط، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علم المستقبليات كعلم قائم بذاته، يتعامل مع المستقبلات (Les Futurs) وليس مع المستقبل، ويعتمد على السيناريوهات والاحتمالات وعلى التيارات الكبرى (Tendances Lourdes)، وينطلق من دراسة للواقع والمعطيات الحالية لاستشراف ما يمكن أن تؤول إليه مستقبلا.
إن العالم يسير نحو الاتحادات والتكتلات، ولا مجال للكيانات القزمية، والعولمة تتطلب التعامل مع كيان مغاربي موحد.
تشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن «اللامغرب» يكلف البلدان الخمس خسارة بالنسبة للمبادلات التجارية بملايير الدولارات، فيما يتسبب عدم تفعيل مؤسسات الاتحاد في تضييع ما يقارب 2 إلى 3 نقطة نمو سنويا.
على أرض الواقع لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المشكلة للاتحاد سوى 2 في المائة من قيمة معاملاتها الخارجية، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية.
إن بناء هذا الصرح، لن يتحقق إلا بتوفير سبل الجهوية في بلدانه الخمس، إذ شهدت الدولة الحديثة تغيرا في مستوى أسلوب ونمط اشتغالها المؤسساتي من تسيير سياسي يعتمد على مركزة السلطة، إلى ممارسة سياسية جديدة تدار بواسطة بنيات عملية ذات تمثيل ذاتي، تمنح لها الوثيقة الدستورية صلاحية ممارسة التشريع محليا، مع اعتماد أسلوب التسيير الذاتي والمالي المستقل.
وتعتبر الدينامية الداخلية للتطور أن عملية البناء الجهوي لا يمكن فصلها عن عملية البناء الوطني الدولتي، لذا فهي مرتبطة بإقامة حكومة ديمقراطية وترسيخ مسلسل اللامركزية الترابية وتحديث آليات عمل الدولة، وإلى تحولات فكرية وايديولوجية.
ولتكن لنا من التجربة الإسبانية خير دليل على الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، فقد حققت دولة الجهات في اسبانيا تطورا وتنمية شاملة بالمجتمع الاسباني. إن شعار مهندسي الدولة الاسبانية الحديثة التي تضمنها دستور 1978 وطورته القوانين التنظيمية اللاحقة، كان يؤكد على الشعار التالي: «التنمية المحلية أساس التنمية الوطنية، والتعددية الوطنية أساس الدولة الوطنية».
ويجب إعادة هيكلة الأجهزة على قاعدة مبادئ تستمد مقوماتها من القيم الجوهرية للحكامة، مع ضرورة الانتباه إلى أن صناع القرار بأغلب الديمقراطيات العريقة التي استقرت فيها أركان الدولة، يعتبرون أن الحكم هو البرمجة، بما يعنيه ذلك من رسم للاستراتيجيات وفق برنامج زمني لا تخطئ ساعته مواعيدها.
كما يجب علينا أن نزرع ثقافة الثقة بين مختلف المكونات المغاربية، ويجب بناء العنصر البشري المغاربي لأنه يعتبر هدف العملية التنموية وهو شرط مقوم لحصولها، ويجب أن ننتصر لخيار الوحدة، ما دمنا نتوفر على البنيات الاستقبالية لتدعيمه: «وحدة اللغة والدين والتاريخ المشترك».
ويجب تحويل «المغاربية» Maghrebinité من مجرد شعار إلى ضرورة مجتمعية، مع العلم أن التحولات مجهود بيداغوجي طويل الأمد تشارك فيه كل أطياف المجتمع، لأن التكتل المغاربي لا يستمد مقوماته من الآليات والمناهج فقط وإنما يحتاج الى خلفية فكرية وسياسية ترسم الأهداف والغايات والآفاق… كما يجب على النخبة المثقفة المغاربية أن تحاول تفسير وفهم تمثلات الجماهير المغاربية للاندماج المغاربي، وتحاول الإجابة عن السؤال المحوري: لماذا هذا الغموض والاضطراب والالتباس على مستوى الفكر والتصور لبناء أفق مغاربي كبير وموحد؟ أيعود ذلك الى ما سماه عبد الله العروي «غياب الأدلوجة»؟ باعتبارها ما يستوعبه المواطن ويترجمه بعد حين إلى ولاء فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة.
إنه للحديث عن وجود أدلوجة دولتية ldéologie étatique لابد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي والوجداني والفكري بين المواطنين، هذا الإجماع – الذي نراه نحن مغاربيا- وليد التاريخ وفي نفس الوقت تعبيرا عن مصلحة حالية. إلى أي حد يمكن تحقيق هذا الشرط؟ أو بالأحرى ما مدى تمكن النخبة المغاربية من تحقيق هذا الشرط الإيديولوجي الموحد بالنسبة للدول المغاربية؟
إن النخب تلعب دورا كبيرا في حياة مجتمعاتها، فالقرارات التي تشارك في صنعها، والسلوك الذي تنتهجه في إصدار هذه القرارات وفي تنفيذها، يؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة تاريخ المجتمعات وتحديد مسارها.
إنها كما حددها «Raymond Aron» تلك الأقليات الاستراتيجية التي توجد في مواقع استراتيجية من المجتمع، وتتحكم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص، ولكن أيضا في مجال القضايا العامة.
بناء على ذلك كان من الطبيعي أن تتوافر لكل مجتمع من المجتمعات، بغض النظر عن درجة نمائه وتطوره، نخبة تحظى بأهمية كبرى على مستوى قيادة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
إن هذا يدعونا إلى البحث في موضوع القرار العام، لأنه من أهم الإشكالات التي أصبحت تثير اهتمامات البحث في مجال علاقة السلطة السياسية وبنية النظام السياسي.
إن الرهان سيكون على اللحظة التي تشكل قطيعة مع الجيوسياسة الميتافيزيقية التي ترتكز على الأوهام وإذكاء النعرات، وتضخيم الأنا وتمجيد الذات وتهديد السيادة والجري وراء سراب الزعامة الاقليمية.
إننا بحاجة للعمل على مفهوم «العمل المشترك» الذي يستمد مقوماته من الجيوسياسة الواقعية، والذي تطبع لغته ومقاصده، مقومات من قبيل التدرج في البناء، والواقعية في الإنجاز والاعتراف المتبادل بسيادة كل دولة وسلامة أراضيها.
إن لنا موعدا مع الزمن، يجب ألا نخطئه، والتاريخ فرص تستغل أو تهدر، وليس مجرد وقت يمر، وموقفنا المشترك وحده يصنع قوتنا…
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
برلماني: مواجهة ظواهر التنمّر والعنف في المدارس مسؤولية مجتمعية
أكد الدكتور علي مهران، عضو مجلس الشيوخ، أن ظواهر التنمّر والعنف والتحرش، خاصة داخل البيئة المدرسية، تمثل تهديدًا مباشرًا لتماسك المجتمع واستقراره النفسي والتعليمي، مشددًا على ضرورة أن تكون مكافحة هذه الظواهر أولوية وطنية وتربوية، تتطلب تضافر الجهود بين الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الإعلامية، والمجتمع بأسره.
وأشار في كلمته بالجلسة العامة اليوم لمجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، إلى أن هذه السلوكيات السلبية تؤثر بشكل بالغ على السلامة النفسية للطلاب، حيث تفقدهم الثقة بالنفس، وتدفعهم إلى العزلة والقلق، ما يؤدي إلى تراجع في الأداء الدراسي وغياب الإبداع، فضلًا عن خلق بيئة تعليمية غير آمنة تُعيق التنمية الشخصية وتضعف فرص التكوين السليم للطلاب في المراحل العمرية المختلفة.
وأضاف الدكتور علي مهران: "انطلاقًا من هذه الحقائق، أرى أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني يقع على عاتقها دور محوري في مواجهة هذه الظواهر، من خلال مؤسساتها التعليمية المنتشرة في ربوع مصر ويجب أن تقوم تلك المؤسسات بترسيخ ثقافة الاحترام والتسامح داخل المدارس، سواء من خلال تطوير المناهج، أو عبر الأنشطة التربوية والتوعوية، التي تعزز القيم الإنسانية، وتُشجع على الحوار وقبول الآخر".
وشدد على أهمية تدريب المعلمين والإداريين على كيفية رصد السلوكيات السلبية داخل المدارس، والتعامل معها بشكل تربوي حكيم يضمن الإصلاح لا العقاب فقط، لافتًا إلى أن بيئة التعلم يجب أن تكون مساحة آمنة ومحفّزة للنمو الشخصي والمعرفي.
وأكد الدكتور علي مهران على أن هذه الجهود تأتي ضمن رؤية الدولة الشاملة لبناء الإنسان المصري، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي تضع التعليم في قلب استراتيجية التنمية المستدامة، معتبرًا أن توفير بيئة تعليمية آمنة وسليمة هو أساسٌ لتنشئة أجيال قادرة على المساهمة الإيجابية في مستقبل الوطن.