هل اليهود عرق؟ وما أصوال كراهية اليهود؟ سؤالان أجاب عنهما البروفيسور "الإسرائيلي" شلومو زَند، في كتابه "عرق مُتَوَهَمُ: تاريخ مُوجَز لكراهية اليَهود"، نقله إلى العربية: يحيى عبد الله وأميرة عمَامرة، (ط1، مدارات للأبحاث والنشر، مصر/ 2024).

يوضح المترجم في مقدمته أهمية الكتاب البالغ عدد صفحاته 132 صفحة من القطع المتوسط، من "تفنيده، بالحُجة والدليل العلمي، أساطير مؤسسة للصهيونية وأكاذيب مروُجة لها، منها: أكذوبة "نفي" اليهود من فلسطين على يد الرومان في القرن الأول للميلاد، وأكذوبة "نقاء العرق اليهودي"؛ مشيرًا إلى أن أكثر يهود أوروبا لا يمتُّون لـ"الساميين" بصلة.

كما يكتسب الكتاب أهميته من تفريقه بين كراهية اليهود من ناحية، ومعاداة الصهيونية، ومناهضة الممارسة الوحشية لـ"دولة إسرائيل" ضد الفلسطينيين وانتهاجها نظامًا للفصل العنصري من ناحية أخرى.

وأخيرًا يكتسب الكتاب أهميتة من إشارته إلى انحسار الكراهية ضد اليهود في أوروبا ـ بعد التخلص منهم بطبيعة الحال ـ وإلى حلول كراهية الإسلام والمسلمين محلَّها، رغم أنه لم يُدِنها ولم يُشر إلى دور الصهيونية العالمية في إذكاء أوارها".

دلف المؤلف بعدها، إلى عدة عناوين، خصص الأول منها لـ"كبح التهوُد"، فينقل عن ريمون أرون، مقولة معروفة في أوساط علماء الأنثروبولوجيا، وهي، أن "السواد الأعظم ممن يُطلق عليهم اليهود؛ لا ينحدرون، بيولوجيًّا، من نسل أسباط سامية".

ويشير إلى تفسير أوريجينس، أحد المفسرين الأصلاء للتوراة ـ في بداية القرن الثالث للميلاد، للاسم يهودي بالقول:  "ليس اسم عرق وإنما اسم اختيار (أسلوب حياة)؛ فإذا قبل إنسان ما، أجنبي ليس من أمة اليهود، منهاج اليهود وتهود، فإن هذا الإنسان يسمى يهوديًا بشكل واضح". ويؤكد ذلك بجزم تيودور مومسين، المؤرخ الأبرز لروما القديمة، في حينه بأن "اليهودية في العصور القديمة لم تكن منغلقة على نفسها على الإطلاق؛ وإنما العكس هو الصحيح، لقد كانت مُشبعة بتعصب في مسألة التهويد ليس بأقل من النصرانية والإسلام من بعدها".

العنوان الثاني ""شعب عِرق" مُشتت أم جماعات دينية؟"، يعود بنا المؤلف إلى مصطلح الـ"عرق" في العهد الجديد. فقد وُلدت "أسطورة "نفي" اليهود إذا، بوصفها أسطورة أصل وهوية، في أحضان النصرانية المتبلورة". يؤكد زند حقيقة، أنه ليس بين أيدينا حتى اليوم ـ أي بداية القرن الحادي والعشرين ـ أي دليل، أو إثبات على استئصال الرومان لسكان يهودا استئصالًا مؤثرًا، أو على هجرتهم طوعًا أو قسرًا من أرضهم، كما لا يوجد كتاب بحثي واحد في هذا الموضوع!". وهذا ما ذهب إليه، في كتابه "اختراع الشعب اليهودي"، من خلال نفي ما يسمى بالشتات اليهودي الذي تقف وراءه فكرة طرد الرومان لليهود سنة 70 للميلاد بعد تدمير الهيكل، بقوله: "فإننا لن نجد في التوثيق الروماني الغني ولو إشارة واحدة إلى حدوث أيه عملية نفي من أرض يهودا".

ويدحض زند الادعاء بأن الدين اليهودي لم يكن ديناً تبشريياً بل بقي محصوراً في العرق الذي اعتنقه منذ بداياته، ويشير إلى تهود حَديب، في الربع الأخير من القرن الرابع للميلاد، وتهود حمير، التي دُحرت عام 525 للميلاد على يد مملكة أكسوم، وتهود بعض القبائل الكبرى في شمال أفريقيا، ما أدى إلى إقامة مملكة متهودة في جبال الأطلس بلغت ذروتها في القرن السابع للميلاد. ووصل التهود إلى شمال الحبشة الحالية أيضًا، وتهود مملكة الخزر في منتصف القرن الثامن للميلاد.

ليس من قبيل المصادفة أن يجزم مع بن تسيون دينور، أبو فلسفة التاريخ "الإسرائيلي" الذي شغل منصب وزير التعليم في "إسرائيل" بـأن "مملكة الخزر كانت "أم الجاليات"، أم إحدى الجاليات الكبرى، جالية بني إسرائيل في روسيا، وليتوانيا وبولندا".

وهذا ما ذهب إليه، في العام 1976؛ آرثر كوستلر، في كتابه "القبيلة الثالثة عشرة"، والذي أوضح فيها أثر الخزر في تكوين اليهود المعاصرين.

فالعنوان الثالث، "بداية العلاقات اليهودية ـ النصرانية في أوروبا"، يتطرق المؤلف إلى صورة اليهودي التي بدأت تتخلق في المخيلة الأوروبية ـ النصرانية، هذه الصورة الذي "يُصب الثراء من الإقراض بالربا"، فقد نشرت الكنيسة رسالتها، "اليهودية صنو الربا، والربا أمر مستنكر". ويشير المؤلف إلى عمليات طرد اليهود من المناطق الأوروبية في مناسبات مختلفة.

سرد المؤلف في العنوان الرابع، "غُرباء في الإنسانية: من إيراسموس إلى فولتير"، وأشار إلى أن كراهية إيراسموس ولوثر وفولتير لليهود "تعلمنا أن عقيدة معاداة اليهود لم تكن قط إرثًا للجموع. تشارك العقيدة المهيمنة مثقفون لامعون أيضًا". كانت تقول: إن "اليهود ليسوا غرباء فقط؛ وإنما متهمون بشيء ما".

العنوان الرابع، "ثورة، انعتاق، وقومية"، ينقل زند، وصف كانط، الذي يعد في نظر عديدين أكبر مفكري العصر الحديث، لليهود، "بأنهم غرباء غير أوفياء إلى أوروبا من قارة أخرى". ومن أجل الحفاظ على العداء تجاه اليهود، "أسهمت حقيقة أن أوروبا أيضًا، التي باتت قومية أكثر فأكثر، أصبحت في الوقت نفسه أكثر رأسمالية أيضًا. وحيث أن بعض الأسر اليهودية، قلة قليلة من يهود أوروبا، برزت في هذا التنافس الكبير في تركيز رؤوس الأموال المصرفية الضخمة سواء في بريطانيا، أم في فرنسا أم في ألمانيا، فإن هذا البروز قد اقترن جيدًا بتراث العداء النصراني للإقراض بالربا منذ عصر ما قبل الحداثة".

يتطرق العنوان الخامس "اليهود بين الرأسمالية والاشتراكية"، إلى أعمال المفكر الفرنسي الكبير شارل فورييه، وملاحظاته اللاذعة المعادية لليهود، "اقترح مرارًا وتكرارًا إعلاق أبواب فرنسا في وجوههم إلى الأبد"، ووجد حلًا للمشكلة اليهودية، بـ"إعادة اليهود إلى الأرض المقدسة". لم تتعارض "صهيونية" فورييه مع كراهيته لليهود، وإنما أكملتها بقدر ما.

رصد العنوان السادس "تصنيف عرقي، دَمَقراطة وهجرة"، عدة مؤلفات حول الأعراق البشرية صدرت منذ القرن التاسع عشر، حتى غدت العنصرية "أمرًا بديهيًّا، وعقيدة "علمية" وشعبية على حد سواء، وبقيت كذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على أبعد تقدير".

يتساءل الكاتب في العنوان الثالث عشر "معاداة الصهيونية.. هل هي معاداة جديدة للسامية؟"، يري زند أنه في الخمسين سنة الماضية، "ازداد النقد والعداء تجاه دولة "إسرائيل" وممثليها". وبحسب زند، "سيكون من السخف أن نطالبهم [الفلسطينيين] بألا يكونوا معادين للصهيونية، وهم يعيشون تحت احتلال واستيطان متواصل يُنفذ باسم الرؤية الصهيونية، ويُرَى في الأماكن التي يقيمون بها "وطنًا لـ"الشعب اليهودي".فقد شرعت المعاداة السياسية لليهود في التعمق على أعتاب نهاية القرن التاسع عشر، "كان أحد العوامل المحفزة لتحويل كراهية اليهود إلى صرعة في دوائر اليسار واليمين هو عملية التحول إلى الديمقراطية التي مر بها العالم الغرب ـ أوروبي". فـ "ظهر التحريض ضد اليهود في البرامج الحزبية". انتشرت الدعاية المعادية للأجانب واليهود سواء في دوائر اليمين التقليدي أو في دوائر الوسط الليبرالي واليسار الراديكالي، ودعت إلى طردهم من أوروبا.

وفي العنوان السابع "قضية درايفوس وولادة الصهيونية"، يقول زند: "انتهت قضية درايفوس الأولى بميلاد حركة قومية جديدة [يقصد الصهيونية]". ويبين ردود فعل بعض اليهود على ظهور الصهيونية، ويُعرج على وعد بلفور 1917، وتأسيس دولة "إسرائيل"، ويرى أن "الاستعمار البريطاني الذي وضع الحركة الصهيونية على خارطة الدبلوماسية الدولية، فإن عملية الإبادة النازية هي ما مكن الحركة الصهيونية من تحقيق حلمها بصورة جزئية".

ألقى المؤلف في العنوان الثامن حزمة من الأضواء على "إبادة "شعب العِرق" اليهودي"، الحقيقة، بحسب المؤلف، أن هتلر لم يرد قتل اليهود في البداية، لكن عندما أدرك أنه "لا يملك أي وسائل لإزاحتهم من أوروبا قرر إبادتهم". ليس معنى هذا أن الألمان كرهوا اليهود بشكل أكبر من كراهية البولنديين أو الأوكرانيين لهم؛ "لكن لم تُخترع في أوساط البولنديين أو الأوكرانيين آلة إبادة فعالة كل هدفها هو محو أناس أحياء بشكل ممنهج معتمدة على إنجازات تكنولوجيا القرن العشرين".

خصص العنوان التاسع لـ "انبعاث "شعب العرق" اليهودي؟"، فقد حاول معظم مفكري وقادة الصهيونية، في بداية مسيرتهم الفكرية أن ينتموا إلى الدول الأوروبية؛ فقد انحازوا تمامًا إلى الأفكار القومية التي تبلورت في مختلف الدول، وسعوا للانضمام إلى الأمم الناشئة. لكن كراهية اليهود جعلتهم يبحثون، في مرحلة حاسمة من تطورهم الفكري، عن هوية أخرى مغايرة. يركز زند على الكتابات الرئيسية للصهيونية ومؤلفيها، "إذ كان تيودور هرتسل قد دفع بالفكرة الصهيونية في 1897، فإنه لم يكن المخترع الحصري لها؛ فقد سبقه بضع شخصيات يهودية اقترحوا سيادة ذاتية قومية كرد محتمل على الكراهية المتعاظمة تجاه اليهود".

بينما يرصد العنوان العاشر "من هو اليهودي؟ من بصمات الأصابع حتى الحمض النووي"، التغير في رؤية ماهيوية اليهود، وكيف أصبحت التوراة هي المعيار الوحيد للهوية اليهودية؟! فكل يهودي يأتي إلى إسرائيل، يتجنس بصورة تلقائية. ويري زند أن "تصنيف اليهود عرقيًا عن طريق اختلاق أصل جيني يهودي متوهَّم"، هو، احتيال علمي زائف. ويواجه "معضلة "علمية" محرجة، وهي أنه: لا يمكن حتى الآن تحديد من هو اليهودي ومن هو غير اليهودي بناءً على نتائج الحمض النووي".

ناقش العنوان الحادي عشر "حرب 1967: "حق الآباء""، مسألة تجند جميع آليات المعرفة "الإسرائيلية" التأريخية، والأثرية، والبيولوجية، لـ "إثبات أن أصل يهود العالم مشترك، وأنهم يشكلون أمة واحدة، نُفيت قبل ألفي عام وأن حقها في "أرض إسرائيل" لا جدال فيه". ومنذ العام 1967 غدا أي انحراف عنها كفرًا بواحًا في أحسن الأحوال، وموقفًا "معاديًا للسامية" في أسوئها.

استعرض المؤلف في العنوان الثاني عشر "هل انحسرت الكراهية التقليدية لليهود؟"، ولادة كراهية اليهود في حوض البحر المتوسط ثم نشأتها في قارة أوروبا حتى العصر الحديث. وفي الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. والانحسار الكبير في كراهية اليهود أيضًا.

يتساءل الكاتب في العنوان الثالث عشر "معاداة الصهيونية.. هل هي معاداة جديدة للسامية؟"، يري زند أنه في الخمسين سنة الماضية، "ازداد النقد والعداء تجاه دولة "إسرائيل" وممثليها". وبحسب زند، "سيكون من السخف أن نطالبهم [الفلسطينيين] بألا يكونوا معادين للصهيونية، وهم يعيشون تحت احتلال واستيطان متواصل يُنفذ باسم الرؤية الصهيونية، ويُرَى في الأماكن التي يقيمون بها "وطنًا لـ"الشعب اليهودي".

يشير المؤلف إلى أنه من الصعب إنكار حقيقة أن كارهي الإسلام من الأوروبيين يَرَونَ "في "دولة إسرائيل" حصنًا متقدمًا للعالم "اليهودي المسيحي" الذي يقف بكل قوة في مواجهة المد الاسلامي".

وفي الختام يعبر زند، عن مخاوفه من انتشار "كراهية متجددة لليهود، ليس فقط في أوساط اليمين الراديكالي، ولكن في أوساط الضحايا الجدد للكراهية أيضًا".

*مؤرخ فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتابه فلسطين احتلال احتلال فلسطين كتاب عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کراهیة الیهود المؤلف إلى فی العنوان الیهود فی فی أوساط یهودی ا

إقرأ أيضاً:

تحوّلات المشهد الجيوسياسي جنوب اليمن.. الصهيونية تهندس معركة البقاء في الإقليم

 

 

إعادة هندسة الأدوات مرتبط بإعداد مسرح العمليات ضد صنعاء.. تقسيم اليمن بأكبر مما يبدو هدف لاحق

تقرير/ إبراهيم الوادعي

خلال أسبوع واحد تحولت الخريطة الجيوسياسية الجامدة منذ 2019م، موعد آخر صراع بين الأدوات الإماراتية والسعودية في جنوب اليمن المحتلة 180 درجة كما يقال وتمكن الانتقالي من إزاحة الإصلاح عن الجنوب بشكل تام.
رجال أبو زرعة المحرمي والذي عين نائبا لعيدروس الزبيدي هم من قادوا عملية الاستلام للأراضي في جنوب اليمن من يد الإصلاح في شبوه وحضرموت والمهرة، وخاضوا المعارك في مواضع أراد الإصلاح فيها التمرد والاحتفاظ بالسيطرة، وتوّج ذلك التحول بالمشهد الختامي، العليمي آخر أقمشة الشرعية على الأراضي اليمنية، غادر قصر معاشيق وعاد إلى الرياض ليخوض مواجهة ضد تمردين الآن، وليس تمرد صنعاء وفق يافطة السعودية المرفوعة من 2015م
وفي ساعات بدا الإصلاح هشا على عكس المتوقع وتهاوت سيطرته المستحكمة على المحافظات الجنوبية المتحكم بها منذ 94 م، باستثناء مثلث عدن وأبين والضالع وهو لم يكن يهتم بها لعدم احتوائها على الثروات التي تهم قادته ورجاله، عوضا عن تشبع أبنائها بالفكر الاشتراكي الذي حد من التغلغل الوهابي إلا في أماكن محدودة كانت القرب إلى الفكر القاعدي السلفي منها إلى الوهابية السعودية كما في جيوب لحج وأبين..
وما كان يبدوا ضبابيا خصوصا بالنسبة إلى حضرموت والمهرة، أخذ في الوضوح مع تسليم قوات سعودية مطار الغيضة للانتقالي، وبقاء قوات أخرى مدعومة من الرياض أو محسوبة عليها تمسك بزمام الأمور في مناطق الثروة بحضرموت وتراجع قوات الانتقالي بعيدا عن منابع الثروة هناك، وهذا له تفصيله الذي سنأتي عليه في هذا التقرير الذي يجيب على أسئلة جوهرية حول حقيقة وأهداف ومرامي ما جرى في المناطق الجنوبية، وهذه المناطق موطئ قدم التحالف الأمريكي السعودي ومؤخراً العدو الإسرائيلي في إطار المواجهة مع صنعاء كهدف أساسي، يأتي تقسيم اليمن وإنهاء اليمن بسماه وشكله الحالي كهدف لاحق للخطر الطارئ على القاعدة الغربية في المنطقة المسماة إسرائيل من قبل اليمن خلال طوفان الأقصى، ومثلت خطراً لم يكن متوقعا ولا محسوباً، لعدة عوامل في الظاهر منها البعد الجغرافي والذي عالجته صنعاء عبر الذراع الطويلة القوة الصاروخية والمسيرات التي استطاعت النيل من القوة العسكري الأمريكية ومصدر فخرها وهيبتها القوة البحرية وحاملات الطائرات والتي مثل اقترابها في أزمنة سببا كافية لخضوع دول وانهيار أنظمة .
أجبرت معركة البحر الأحمر الأمريكيين على تغيير استراتيجيتهم القتالية وابتكار قوات « سترايك» والتوجه نحو إنتاج أسلحة رخيصة الثمن ومسيّرات للمواجهة وذلك في حد ذاته نجاح أن تجر عدوك ليلعب بأدواتك وتحيّد مصادر تفوقه بما في ذلك التكنولوجيا والتي أظهرت خطورتها في جرح اطراف في محور المقاومة تعمل حاليا على ترميم نفسها للجولة المقبلة القادمة بقوة أكبر من الجولتين التي خاضهما الطوفان واستطاع في الثانية أن يمتص إنجازات المحور الأمريكي في الجولة الأولى، وكان لليمن ثم ايران الإسلامية دور كبير في امتصاص إنجازات العدو في الجولة الأولى، ومن هنا تنبع أهمية ومحورية المواجهة مع اليمن وإعادة ترتيب المسرح اليمني الموالي لإسرائيل « الشرعية « قبيل انطلاق المواجهة المقبلة التي قد تنطلق اليوم أو غدا إنما ليست ببعيدة مالم يكن هناك تدبير الهي يعطلها .
جذور المشهد الجنوبي المستحدث
بدأت المواجهات العسكرية المباشرة والكبيرة بين القوات التابعة لـ حزب التجمع اليمني للإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس 2019، بعد استهداف قيادي في «الحزام الأمني» المدعوم من الإمارات (الذي يمثل الذراع العسكري للانتقالي)، استغل المجلس الانتقالي الغضب الشعبي وسيطر على القصر الرئاسي ومفاصل الدولة في عدن، في انقلاب فعلي على الحكومة الشرعية التي كان «الإصلاح» جزءاً منها، وحينها تدخلت الإمارات وقصفت طائراتها تعزيزات الإصلاح عند نقطة العلم المدخل الشرقي لعدن موقعة نحو 300 قتيل بين عناصر الحزب.
وفي أغسطس 2020 (مواجهات أبين)، تجددت المواجهات العنيفة بين الطرفين في محافظة أبين
استمر التنافس العسكري والسياسي بين الطرفين للسيطرة على محافظات جنوبية وشرقية أخرى مثل شبوة وحضرموت والمهرة.
وطالما كانت هذه المواجهات جزءاً من صراع أوسع على النفوذ والسلطة في جنوب اليمن، مدفوعاً بتباين الأجندات السياسية والتحالفات الإقليمية، خاصة بين الدعم الإماراتي للانتقالي الجنوبي وارتباط «الإصلاح» بالسعودية. وقد أدت هذه التوترات إلى تعقيد المشهد العسكري والسياسي في المناطق المحتلة من اليمن..
يحمّل الانتقالي الإصلاح مسؤولية حرب 94 بشكل، ومع ان الخائن طارق صالح يمثل رأس النظام والشريك الأساسي الذي قاد حرب عام 94م والمناهض لقيام دولة مستقلة في جنوب اليمن ويقبع طارق على حدود الجنوب الشمالية الغربية لمناطق لعدن وجنوب البلاد، إلا أنه لا يصطدم به، بل ساعده وعمل تحت لوائه في عملية السيطرة على الساحل الغربي لليمن، وهب للدفاع عن وجوده مرات عدة في وجه صنعاء، وهذه الحقيقة وميكانيزم يحكي جزءا من خلفية الترتيبات الحاصلة في الجنوب.. حيث الارتباط بالعمالة للإمارات يجمع الفصيلين برغم ما يفترض أنها عدواة بين الجانبين على خلفية حرب 94 والخلاف في توجهات مفصلية ومتصادمة تتعلق بالوحدة والانفصال..
وفقا لمسؤول أمريكي في الرياض أدلى بتصريحات لأحد إعلاميي المرتزقة بأن ما يجري في جنوب اليمن هو بمثابة إعداد لمسرح العمليات، في إشارة إلى المواجهة الإسرائيلية الأمريكية المرتقبة مع صنعاء..
ووفقا لمسؤول عسكري يمني فإن طائرات الشحن الأمريكية نقلت في الأسابيع الماضية شحنات عتاد كبيرة إلى قواعدها في جيبوتي على القرن الأفريقي المقابل للسواحل اليمنية..
حديث وزير الحرب الصهيوني عن التطورات الجارية في جنوب اليمن ووعده للصهاينة بسماع أنباء سارة قريبا، سبق ذلك تهديده لصنعاء بانها لن تفلت من العقاب يوحي بحتمية المعركة والمواجهة وبالتالي جولة ثالثة من طوفان الأقصى..
ترتيب إسرائيلي
وهنا سؤال يطرح، هل تستدعي المواجهة مع صنعاء إعادة تشكيل واقع المرتزقة.. وهل الإسرائيليون حاضرون بقوة في ترتيب المشهد جنوبا..
قبل الإجابة عن هذا السؤال تنبغي الإشارة إلى أن المواجهة المقبلة بين العدو الإسرائيلي واليمن تتراجع السعودية عن كونها مشغلا إلى مجرد أداة إقليمية تنفذ ما يطلب منها في سياق إدارة عسكرية إسرائيلية أمريكية للحرب، وهذا الأمر يفسر حنقها أو محاولة إبقاء حضرموت والمهرة خارج سياق التقسيمات الأمريكية للأراضي اليمنية ومنح الإمارات مناطق نفوذ شاسعة على حسابها، فدخلت قواتها مطار الغيضة، وأمنت قوات تابعة لها منابع النفط في حضرموت.
كشف صنعاء عن غرفة عمليات إسرائيلية أمريكية مباشرة في الرياض لإدارة خلايا التجسس في إشارة إلى تراجع موقع الرياض من منفذ عام للخطط الأمريكية في اليمن إلى ممول فقط وتصدر تل أبيب المشهد باعتبار الخطر دهمها حاليا، وهو خطر فشلت الرياض في لجمه على مدى 10 سنوات من الحرب والحصار، بل وتضاعفت خلالها قوة صنعاء..
وبالعودة إلى إجابة السؤال ينبغي العودة إلى فترة قريبا خلال الجولة الثانية من طوفان الأقصى والهدنة التي سبقتها، ومع بزوغ نجم اليمن كفاعل إقليمي في الطوفان وعلى المسرح الدولي في الاشتباك الحاصل، وفود إعلامية إسرائيلية حضرت إلى جنوب اليمن وتحدثت عنها القنوات الإسرائيلية علنا وجرى استقبالها علنا من قبل ممثلي المجلس الانتقالي.
ووفود عسكرية واستخباراتية إسرائيلية أتيح لضباطها زيارة جبهات في الضالع ونشرت صورة لأحد الضباط الصهاينة في هذه الجبهة..
وفي الساحل الغربي، حيث تسيطر قوات الخائن طارق عفاش تواجد ضباط إماراتيون وإسرائيليون، أداروا من هناك معركة بالمسيرات ضد القوات المسلحة اليمنية وهاجموا أهدافا في الحديدة ومناطق أخرى، وتوقفت عملياتهم من المخا مع توقيع اتفاق إطلاق النار الذي التزمته صنعاء ولايزال ساريا في غزة.
وبالعودة سنوات يبدو أن الإسرائيليين والأمريكيون المشرفين حاليا على المسرح اليمني مع تحول اليمن إلى جبهة مواجهة رئيسية بالنسبة للكيان الإسرائيلي والأمريكيين، ارتأوا إعادة ترتيب مسرح العمليات وفقا لتصريح المسؤول الأمريكي تمهيدا لإطلاق المعركة داخليا بقدر كبير من النجاح وفقا للرؤية الأمريكية..
خلال عام مضى من الطوفان، كانت الأنباء تتوارد عن تحول عدن إلى ورشة عمل كبيرة لإطلاق معركة ضد صنعاء، يبدو أن أرضيتها قد مهدت بإنجاز التقسيم الحالي، وجرى توزيع المكافئات كتحفيز قبيل إطلاق المعركة التي يمكن أن تنطلق اليوم أو غدا..
جرى تقريب الانتقالي من حلمه في الانفصال وأرض خالية من خصومه في مقدمهم الإصلاح، تبقى عفاش في المخا وعلى باب المندب، المخا لطارق عفاش.
الإصلاح أكبر الخاسرين من إعادة الهندسة الحالية وأكبر الخاسرين في سياق التحالف السعودي الأمريكي بالنظر لحجم تضحياته لصالح السعودية منذ 2015م، جرى حصره في مارب كنقطة أخيره يراد دفعه فيها للقتال المستميت، تبقى جيب صغير له في محافظة تعز أعلن حاليا عن إعادة حقوق وتسليم منازل منهوبة وصرف مكافئات وفقا لمصادر هناك في محاولة لفرض بقائه هناك وعدم حصره بمارب فقط، وتلك نقطة إيجابية، إذ أن الأمريكيين والإسرائيليين يضعون في حساباتهم توقعات بفشل الأدوات الأخرى وعجز الترتيب الحالي عن تحقيق الانتصار..
كما أن أهمية مارب الجيوستراتيجية لا تسمح لهم بالمغادرة والركون على أدوات لم تختبر بعد في ظروف صعبة وخارج بيئتها كحال الإصلاح الذي يسيطر على مارب رغم كونها لا تنتمي لها كحاضنة ..
صحيح أن هذا الترتيب وهذه العملية من إعادة هندسة الأدوات قضت على ما يسمى بالشرعية التي جرى سحب رئيسها العليمي إلى الرياض والطلب منه إطلاق تصريحات مناهضة لماجري كخط رجعة إذا ما تطورت الأمور بغير ما تشتهيه واشنطن وتل أبيب ..
لماذا لم تفتح الجبهات قبلاً.. خلال جولتي طوفان الأقصى ؟
سؤال آخر يطرح هنا، لماذا لم يشترك المرتزقة في القتال، رغم إعلان موقفهم الواضح والرافض لعمليات الإسناد التي قامت بها صنعاء نصرة لغزة وضد العدو الإسرائيلي
باستثناء إدارة خلية إسرائيلية أمريكية لعمليات مسيرات جوية من المخا، بقي وضع المرتزقة خاملا على الجبهات، ويعود ذلك إلى سبب رئيسي منع الدفع بالمرتزقة في القتال وفتح جبهات الداخل مساندة إسرائيل..
وفي الحقيقة، فإن المرتزقة في اليمن قدموا خدمة لإسرائيل دون اشتراكهم عمليا في القتال عبر إجبار صنعاء على تفريغ خطوط إنتاج عسكرية تحسبا لأي مغامرة من قبل الأمريكيان بفتح الجبهات الداخلية..
والسبب الآخر يعود إلى أن قيادة صنعاء أدركت مبكرا أهمية التعبئة الشعبية في وقت لم يكن واضحا فيها موقف المرتزقة بالنسبة إلى كثيرين، وظن البعض أن اندلاع المعركة في فلسطين قد يدفع بفصائل في المرتزقة إلى الانشقاق والانضمام إلى صنعاء، أو أقله تأييد صنعاء في عملياتها ضد العمق الصهيوني وهو مالم يحدث، بل شاهدنا من مارب حيث يسيطر الإصلاح والذي جمع أموالا طائلة من وراء إعلان الجهاد في فلسطين يصطف وراء الموقف الأمريكي، وشخصيات ظهرت من مارب على الإعلام الإسرائيلي تدين عمليات الإسناد وتعلن الوقوف ضد انصار الله، وبدا الأمر أشبه بتنافس على التقرب من إسرائيلي بين فصائل المرتزقة بين من يستضيفهم في عدن ويفتح معسكراته في المخا وبين من يؤيدهم في مأرب ..
وأمام هذا الوضع ظهر صوابيه عمليات التعبئة وبناء القوات الشعبية المساندة والتي تجاوز قوامه المليون عنصر، وهو رقم كبير جدا في ميزان أي مواجهة داخليه أجبرت المرتزقة ومشغليهم على الانكفاء، انكفاء لن يكون له محل في مواجهة مفصلية كالتي يرتقبها الجميع في الإقليم والعالم..
حوافز الأحلام والأراضي والبقاء
وفقا لإعادة هندسة الأدوات المحلية والتي نضجت أو قاربت النضج في الجنوب اليمني المحتل، فقد جرى إعطاء كل فصيل مبتغاه أو هكذا ظنوا، فالانتقالي منح أرض الجنوب صافية، وليس من المرجح أن يمنح حلم الانفصال أو الدولة الآن قبيل المعركة حتى يتبقى لديه الدافع للقتال
ولدى الخائن عفاش أراض يسيطر عليها في الساحل الغربي وأجزاء من تعز، لا يعلم مصير الجيب الإصلاحي في تعز، إذا مان سيبقى على حاله أو يسلم للخائن عفاش، يعمد الإصلاح إلى محاولة تثبيت أقدامه هناك عبر مصالحات أعلن عنها بين الأهالي وإعادة المنهوبات..
وجرى حصر الإصلاح في مارب لتكون بمثابة معقله الأخير وبالتالي يقاتل عنها قتال المستميت كما أشرنا، ووضعه الحالي أشبه بالمعاقب من تبقت له فرضة أخيرة يدافع فيها عن بقائه ونجاعته بالنسبة لمشغليه وإلا فأن مصيره النهاية على يد مشغليه قبل خصومه..
الشرعية التي تمسكت بها السعودية طويلا جرى تجنيبها في الوقت الحالي أو تجميدها مؤقتا والتعامل مع كل فصيل لديه أرض مستقلة يقاتل منها، يطلب منه التقدم، تحسب له انتصاراته فيكافأ وفي المقابل يعاقب على هزائمه ..
وفي الهندسة الجديدة للأوراق والأدوات اليمنية تفهم الخطة الأمريكية الإسرائيلية بإدخال المرتزقة إلى جولة القتال المرتقبة على أساس فصائلي وليس تحت راية «الشرعية» لقتل الأعذار التي تكررت على مدى عشر سنوات فشلوا خلالها في تقزيم خطر صنعاء الذي تطور واحرق أمريكا في البحر الأحمر بنهاية المطاف وأشعل قلب المشروع الصهيوني بنيران لم تكن متوقعة..
خطر التقسيم
هل تحمل الهندسة الجديدة للتقسيم الجغرافي والفصائلي بداخل المرتزقة خطرا على وحدة اليمن؟
بالتأكيد الخطة الأمريكية الإسرائيلية الحالية هي نموذج غير مكتمل من خطة تقسيم اليمن، إذا ما انتصر المعسكر الأمريكي الصهيوني في المواجهة المقبلة لا سمح الله، فاليمن بشكله الحالي لن يبقى، وسيذهب إلى التقسيم بما يتجاوز إقليمين وحتى ثلاثة أقاليم..
ودخول قوات سعودية إلى حضرموت والمهرة مؤشر على أن التقسيم.. قد يذهب إلى ستة أقاليم، والدولة التي يحلم بها الانتقالي لن يحصل عليها ولا يمكن لها أن تتجاوز المثلث الفقير عدن لحج الضالع أبين، ناهيك عن انفجار الوضع من جديد نتيجة التوليفة غير المستقرة برأسيها « الزبيدي والمحرمي» وأطماع كل منهما.
كما أن الإصلاح لن يقبل أن يبقى محصورا بمارب وعلى بعد ناظريه ثروات شبوة وحضرموت والمهرة.
حضرموت هي الأخرى يجري دغدغة عواطفها من قبل السعودية بدولة مستقلة، وشاهدنا خلال اليومين الماضيين تحرك قوات النخبة الحضرمية لتأمين منابع النفط وسيئون من يد قوات الانتقالي والعمالقة.
مؤشرات الصراع السعودي الإماراتي قائمة وواضحة في الترتيبات الأمريكية الجديدة، والصراع البيني للمرتزقة حاضر تبعا للتجاذب والتنافر السعودي يزداد مداه أو ينقص قليلا.
ووفقا لشواهد التاريخ في البلدان التي دخلتها أمريكا وتمكنت منها فقد جرى شهدت الصراعات ازدهارا بشكل كبير، يتلذذ الأمريكيون دوما بغدارة الصراعات في البلدان المختلة والإمساك بالخيوط جميعا في أيديهم.
متى تقع المعركة؟
هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر طرح في أوساط العامة وهو أن الأمر بدأ في الجنوب أشبه بعملية استلام وتسليم؟
وهذا التقدير صحيح للغاية، فالإصلاح في مناطق حضرموت ليس هشا إلى الدرجة التي يمكن للانتقالي فيها أن يغلبه، وبالعودة إلى العام 2019 م فلولا تدخل الطيران الإماراتي في المعركة بين الجانبين آنذاك لكانت قوات الإصلاح تحت عباءة الشرعية أبادت ما يسمى الانتقالي..
لقد أجبر الإصلاح خصوصاً في حضرموت على ابتلاع السم الذي ظل يطبخه لغيره، وتحول جل همه كما حصل في منطقة العبر على سحب السلاح إلى مارب وتذخير نفسه استعداداً للمواجهة التي يراد إقحامه من جديد فيها ضد صنعاء..
ناشطوا الإصلاح المصدومين تحت وقع ما حصل في الجنوب، واندفع بعضهم إلى الطلب من الحزب أن يتحالف مع صنعاء بدعوى نجاة اليمن، اصطدموا بتصريحات المرتزق العرادة الذي عادة من معتقله بالرياض ليسعر الحزب للحرب من جديد ضد صنعاء وضد أنصار الله والى صف جرّعوه سم الإهانة على يد الانتقالي مرات ومرات، رغم ضعف الأول وضيق قاعدته الشعبية مقارنة بالأخير ..

وبالإجابة على السؤال الجوهري.. متى تندلع المعركة؟
يمكن فهم هذا التحول السريع في الميدان وتجميد الشرعية لصالح فصائل منفصلة تقاتل على ارض مستقلة لكل منها.
وفقا لمصادر عسكرية، فالاستعدادات الأمريكية والإسرائيلية اكتملت تقريبا، وارتباط ساعة الصفر وفقا لتقديرات عسكرية منوط بالعمل الاستخباري اللاهث وراء هدف دسم تنطلق بعده العمليات العسكرية بالتزامن للمرتزقة والإسرائيليين ومن ورائهم الأمريكان وإقليميا بات مؤكدا تورط الإماراتيين كمشغلين إقليميين للانتقالي والمحرمي وعفاش .
السعوديون يواصلون تحصين أنفسهم رغم إجرائهم مفاوضات في عمان مع صنعاء، وسير المعركة على جبهة مارب وفي البحر الأحمر قد تحدد مدى انخراطهم في المعركة.
وتجميد الشرعية في الجنوب والساحل الغربي واستحضارها في مارب حيلة لن تمر على صنعاء التي ترصد وتراقب على امتد الجزيرة العربية وصولا إلى فلسطين..
ثمة ما يقلق المعسكر الأمريكي وهو أن صنعاء لن تكون محايدة إذا ما قرر الصهاينة شن عدوان على لبنان، حزب الله يرمم قواته سريعا والغارات الصهيونية لا تفلح في ردعه أو تعطيل تعافيه كما ينبغي، وتلك ساعة صفر بيد صنعاء لا بيد خصومها..
ومن أي ميدان تنطلق ساعة الصفر للجولة الثالثة من طوفان الأقصى والمعركة الحاسمة لا يهم، فصنعاء تواصل استعداداتها بشكل مكثف، ويعد عسكريون فيها العدو بمفاجئات غير متوقعة، ولا يعلم بعد اذا ما كانت ستخوضها وحيدة أم يقرر محور المقاومة أن يخوض جولة موحدة ويتجاوز خطأه القاتل في الجولة الأولى وقاد إلى خسارة قادة كبار في محور المقاومة وتطاول العدو الإسرائيلي في اكثر من ميدان كانت بعيدة المنال عليه إلى وقت قريب، يعزز ذلك فقدان أمريكا سلاحها المرعب المتمثل بحاملات الطائرات، وتضرر هيبة بحريتها بشكل يمنعها من خوض معركة في المنظر القريب دون تغييرات حذرية تحتاج عقودا
حصار مطبق
في خضم معاناة أستراليا من تهرب البشر إلى أراضيها عبر إندونيسيا، تفتقت ذهنية أحد الجنرالات عن خطة وصفت حينها باللامعة لخلق حاجز جيوسياسي يفصل بين إندونيسيا وأستراليا غير العائق الطبيعي البحر، فجرى دعم انفصال مقاطعة تيمور الشرقية التي ضمتها إندونيسيا إليها في عام 76م، ونالت الأخيرة استقلالها في 2002م، ولعبت دور الحاجز أمام الإندونيسيين الراغبين بالتهرب إلى أستراليا..
وخلال السنوات الأخيرة علق المرتزقة والأدوات الإقليمية فشلهم في مواجهة صنعاء على استمرار عمليات التهريب، التي قالوا إنها تكثفت عبر المناطق المحتلة جنوب اليمن.. يرمي الانتقالي بالتهمة على أبناء المناطق الشمالية، وتتهم القوى المناوئة للإصلاح الأخير بانخراط عناصره في عمليات التهريب
يريد الأمريكيون الآن خلق حاجز جيوسياسي أمام مواطني الشمال المتهمين بتشكيل جسر تهريب لصنعاء.
والمتابع اليوم لكثير من الفيديوهات القادمة من المناطق الجنوبية يلمس التعامل العنصري القائم هناك، كما أن الحدود الإدارية بين المحافظات تحولت إلى أشبه بحدود دولية تستقبل أبناء المناطق الشمالية.. ما يعني وضع عوائق جديدة وأكبر من السابقة في وجه عمليات التهريب إلى المناطق المحاصرة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى
والأيام القادمة كفيله بإظهار الأمور بشكل أكثر وضوحا..
… وفي الخلاصات
النظر إلى المشهد اليمني وماجرى في جنوبه بمعزل عن المشهد في المنطقة، والمواجهة القائمة والموازين التي أفرزتها معركة البحر الأحمر يعطي انطباعا خاطئا تجاه ما يجري في الجنوب وفي كثير ميادين المنطقة التي غدت اليوم مترابطة، وفي انتظار نتيجة المعركة الحاسمة بين المعسكر الأمريكي ومعسكر المقاومة ..
تشاء الأقدار الإلهية أن تكون اليمن ميدان انطلاق هذه المواجهة الحاسمة باعتباره البلد الذي مس بالهيبة الأمريكية رأس المعسكر الغربي والمشروع الصهيوني في المنطقة عالمياً حيث الانعكاسات الارتدادات لن تتوقف عن حدود بلد بعينه أو إقليم معين..
المعركة واقعة حتما بين مشروعين التلاقي بينهما صفر، ولا يمكن تجنبها وقد تندلع اليوم أو غدا.. معركة مفصلية بامتياز بين مشروع الإسلام والصهيونية في الشرق الأوسط، ستصنف لاحقا كأهم المعارك التي دكت مسامير الفناء في الإمبراطورية الأمريكية المهيمنة على العالم منذ 1945م
معركة اليمن بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمشروع الصهيوني معركة تحدد بقائها في المنطقة أو زوالها، وستسخر لها جميع الأدوات إقليمية ومحلية ودون اختيارها، يحسب لبراك المبعوث الأمريكي إلى سوريا صراحته في تسميته الدول الإقليمية الحليفة لواشنطن بالأدوات، والسلام بعملية خضوع لطرف مهمين في إشارة إلى ” إسرائيل ”
وكما كان انتصار طالوت مدويا بوجه طغيان جالوت رغم قلة العدة والعتاد وفرار كثر عند النهر، سيكون النصر الإلهي بجانب أنصار الله أينما كانوا، وقد اثبتوا لله ولرسوله صدقهم منذ 2015م، وحين وقفوا بباب المندب يواجهون العالم انتصاراً لله وتنفيذا لأوامره بنصرة المستضعفين ..
وما سيتبع المواجهة المفصلية في اليمن من معارك على مستوى الإقليم بما فيها إزالة “إسرائيل” وتحرير القدس ستغدو مجرد تفصيل..

مقالات مشابهة

  • أوروبا تقترب من صفر الانبعاثات.. اتفاق تاريخي لخفض التلوث 90% بحلول 2040
  • ماذا ينتظر الأقصى خلال عيد الأنوار اليهودي الوشيك؟
  • تحوّلات المشهد الجيوسياسي جنوب اليمن.. الصهيونية تهندس معركة البقاء في الإقليم
  • بلاغ رسمي يسلط الضوء على اتهامات التحريض في قضية الفنان سعيد مختار
  • «أسبوع ابوظبي المالي» يسلط الضوء على التكنولوجيا المالية والشؤون القانونية وحل النزاعات
  • إلا اليهود الإشكناز والصينيين.. تحقيق أمريكي موسع في قتل لقاحات كوفيد لــ10 رضع
  • تشكيلات الفرق: ريال مدريد - مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا 2025-26
  • معرض فوتوغرافي يسلط الضوء على 70 عامًا من شراكة الأردن والأمم المتحدة
  • أكبر ترقية ذكاء اصطناعي في تاريخ كروم.. 10 مزايا جديدة مدعومة بـ Gemini
  • كيف واجه ميلانشون اتهامه بمعاداة السامية والتحيز للمسلمين؟