واشنطن ومحاولات عرقلة الاتفاق الإستراتيجي بين تركيا والعراق
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
يبدو أن هناك حالة من القلق العميق انتابت الإدارة الأميركية على مستقبل حلفائها من عناصر وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني جراء زيارة الرئيس أردوغان لبغداد، والإعلان عن النتائج التي تمخضت عنها، وعلى الأخص المعلومات المتداولة إعلاميًا حول التوصل لاتفاقيات من خلال التوقيع على ستّ وعشرين مذكرة تفاهم في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياحية، بينما يرتبط خمس منهم بالتعاون في المجالات الإستراتيجية والعسكرية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتصنيع الحربي.
إذ تم الإعلان فجأة عن عقد مباحثات ثنائية مكثفة في مقر الخارجية التركية مع وفد أميركي برئاسة إليزابيث ريتشارد منسقة مكافحة الإرهاب بالخارجية الأميركية، حيث تم بحث القضايا المتعلقة بوجهة نظر أنقرة حول آليات مكافحة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة، وأبرزها تنظيم حزب العمال الكردستاني وامتداداته في كل من سوريا والعراق، إلى جانب كل من تنظيمَي داعش، ووحدات حماية الشعب؛ اللذين تصنفهما الدولتان تنظيمات إرهابية، والرؤية التركية للحفاظ على أمنها القومي، ووحدتها الجغرافية.
خلال هذه الاجتماعات أعادت تركيا على مسامع المسؤولة الأميركية رفضها التام التعاون مع تنظيم إرهابي لمكافحة تنظيم إرهابي آخر، أو تعاون دولة حليفة لها مع تنظيمات إرهابية مهما كانت المبررات الأميركية لهذا التعاون، في إشارة واضحة إلى تبريرات واشنطن لما تقدمه من دعم مطلق للتنظيمات الإرهابية، التي تخوض حربًا شرسة ضد الدولة التركية، انطلاقًا من معسكراتها على الحدود السورية والعراقية.
وهي الحجة التي تسوق لها دائمًا الإدارة الأميركية عند أي انتقادات تُوجَّه لها؛ بسبب تعاونها وتقديمها الدعم العسكري واللوجيستي لعناصر وحدات حماية الشعب المتمركزة في شمال شرق سوريا، مؤكدةً على لسان مسؤوليها أن ذلك يأتي في إطار حرب التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، في تجاهل تام لتأثيرات هذا التوجه على العلاقات الإستراتيجية التي طالما ميزت تعاونهما على مدى عقود.
تحرك لحماية حلفائهاالتحرك الأميركي السريع جاء على ما يبدو كمحاولة تستهدف طمأنة حلفائها من عناصر وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، وإزالة مخاوفهم جراء الاتفاق الإستراتيجي التركي – العراقي، وما يرتبط منه بمكافحة الإرهاب.
إضافة إلى مواجهة التداعيات المحتملة للتعاون العسكري والإستراتيجي بين أنقرة وبغداد من بداياته، لما لهذا التعاون من تأثيرات تراها الإدارة الأميركية سلبية على حلفائها من العناصر المسلحة لكل من وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، المتواجدة على طول الشريط الحدودي بين تركيا وكل من سوريا والعراق، حيث تتعاون معها واشنطن في المنطقة.
خصوصًا بعد أن أعلن العراق منتصف الشهر الماضي، حزب العمال الكردستاني تنظيمًا إرهابيًا محظورًا من ممارسة أنشطته على أراضيه، عقب زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركي لبغداد، بصحبة كل من وزير الخارجية، ورئيس جهاز الاستخبارات.
مما فتح الطريق أمام تعاون أعمق في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تم الاتفاق على إنشاء مركز مشترك، مهمته الأساسية، وضع خطط عمليات مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصره، في إطار الحفاظ على الأمن القومي، وتحقيق الاستقرار للبلدين.
أهداف محددةإلى جانب العمل على تطويق نتائج العملية العسكرية التركية المزمع القيام بها داخل الأراضي العراقية، والمقرر لها أن تبدأ في القريب العاجل، حيث تسعى أنقرة من خلالها لتحقيق عدة أهداف تراها مهمة في هذه المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها المنطقة، نتيجة التوترات والمواجهات التي تحدث على أكثر من جبهة، ومن هذه الأهداف:
1 – توسيع حدود المنطقة الآمنة بعمق ثلاثين إلى أربعين كيلومترًا على طول الحدود التركية المشتركة مع كل من العراق وسوريا، وهو ما ترفضه الإدارة الأميركية بشدة.
2 – تطهير المنطقة من جميع العناصر المسلحة، وإبعادها عن المناطق الحدودية التركية، التي تتخذها التنظيمات الإرهابية نقطة انطلاق للقيام بعملياتها الإرهابية التي تستهدف الداخل التركي.
3 – العمل على الانتهاء من البنية التحتية بالمنطقة الآمنة، وتجهيزها بما يسمح باستقبال مليوني لاجئ من السوريين المقيمين على أراضيها، مع التركيز على إنشاء عدد من التجمعات السكنية المناسبة، وتوسيع نطاق الأبنية الخدمية كالمستشفيات والمدارس والمحال التجارية والأسواق، وإقامة عدة مشروعات زراعية وصناعية؛ لاستيعاب الأيدي العاملة، وتوفير احتياجات السكان بها.
أنقرة تتجاهل واشنطنأنقرة وفي سبيل إغلاق ملف الإرهاب الذي تعاني منه منذ عقود، والذي ترى أنه يتم توظيفه لعرقلة مسيرة تقدمها، قرَّرت تجاهل الموقف الأميركي، والاتجاه صوب اتفاقيات إقليمية تخدم رغبتها، وتحقَّق لها أهدافها، حتى وإن اضطرّت لتقديم بعض التنازلات من أجل تحقيق ما تريد.
لذا؛ سعت لإقناع بغداد بضرورة القيام بتأمين خط الحدود الفاصل بينها وبين الأراضي السورية من أجل قطع الطريق أمام التنظيمات الإرهابية، وتحديدًا التصدي لعناصر حزب العمال الكردستاني، وعرقلة أية محاولة لنقل معسكراتها من مناطق جبال قنديل ومخمور وغارا وأسوس إلى الداخل السوري.
يعتقد البعض أن هناك نقاطًا خلافية لا تزال عالقة بين أنقرة وبغداد، قد تؤدي إلى عرقلة ما تم التوافق بشأنه خلال زيارة أردوغان ولو جزئيًا، خصوصًا رؤية كل منهما لنهج مكافحة الإرهاب وآلياته، وفي هذا الإطار تأتي مسألة التوغل التركي داخل الأراضي العراقية؛ لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في مقدمة هذه الخلافات، إلى جانب رغبة تركيا في إنشاء قواعد عسكرية، وأبراج مراقبة في الشمال العراقي، ومسألة عمليات القصف اليومي التي يقوم بها سلاح الطيران التركي هناك.
وهي أمور تثير حساسية الجانب العراقي، حيث ترتبط بصورة مباشرة بمسألتي السيادة واستقلالية القرار، لكن حقيقة الأمر أن بغداد وكردستان العراق قررتا وضع مصالحهما الخاصة نصب أعينهما، وتحديد أولوياتهما المرتبطة بهذا الملف، وهو ما وضح جليًا من قرار العراق حظر أنشطة العمال الكردستاني، واعتباره تنظيمًا إرهابيًا، ورفض استمرار تواجد معسكراته وعناصره على أراضيه، ووضع تحركات عناصره تحت المراقبة الأمنية والعسكرية المستمرة.
إضافة إلى ما أبداه المسؤولون في أربيل من تفهم تام للمخاوف التركية، واستعداد للتعاون مع أنقرة إستراتيجيًا لمكافحة الإرهاب، وإغلاق هذا الملف، وهو الموقف الذي ثمّنته أنقرة، واعتبرته خطوة مهمة في طريق تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
حتى وإن كان لديها بعض المخاوف جراء العلاقات التي لا تزال تربط بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، فإن التعاون الإستراتيجي الثلاثي الذي أصبح يربط بين أنقرة وبغداد وأربيل من شأنه الحد من تداعيات استمرار هذه العلاقة.
مخاوف العمال الكردستانيوالدليل على هذا، حالة القلق البالغ لدى قيادات العمال الكردستاني تجاه حجم الشراكة الإستراتيجية الجديدة التي تم الإعلان عنها خلال زيارة أردوغان لبغداد وأربيل، التي دفعته للجوء لواشنطن. فللمرة الأولى يجد الحزب نفسه وكأنه أصبح لقمة سائغة في فم أنقرة بمساعدة حلفائه السابقين، مما ينذر ببداية مرحلة أفول نجمه، وإمكانية إعلان هزيمته في المنطقة، رغم الدعم الأميركي المطلق الذي يحظى به هو ووحدات حماية الشعب.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات وحزب العمال الکردستانی حزب العمال الکردستانی الإدارة الأمیرکیة وحدات حمایة الشعب مکافحة الإرهاب
إقرأ أيضاً:
ما قصة الكلمات المهينة التي وجهها كوشنر إلى عباس؟ (فيديو)
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو يهاجم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشدة، ويوجه له عبارات اعتُبرت "مهينة" و"استفزازية".
وتتبعت "عربي21" مصدر المقطع، ليتبين أنه يعود إلى مقابلة قديمة جرت ضمن بودكاست أمريكي شهير بعنوان "All In"، شارك فيه كوشنر قبل نحو عام، وتحديداً في تشرين أول/ أكتوبر 2024، حيث أدلى بعدد من التصريحات المثيرة للجدل عن القيادة الفلسطينية.
وخلال المقابلة، شن كوشنر هجوماً لاذعاً على عباس، مشككاً في شرعيته وشعبيته، ومتهماً إياه بإدارة نظام "فاسد للغاية". قال كوشنر إن عباس "في السنة السادسة عشرة أو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من ولاية مدتها أربع سنوات"، في إشارة إلى عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية منذ عام 2005.
وأضاف: "هو غير محبوب على الإطلاق في بلده، بل هو أكثر شعبية في واشنطن والأمم المتحدة".
ووصف كوشنر السلطة الفلسطينية بأنها "فاسدة"، وقال إن الأموال الدولية كانت "تذهب إلى القيادة وعائلاتهم وكبار المسؤولين، وليس إلى الناس"، مما أدى إلى "انعدام الثقة تماماً".
كما سخر كوشنر من نمط حياة عباس، قائلاً إنه كان يسافر إلى واشنطن على متن طائرة خاصة فاخرة من طراز بوينغ بيزنس جيت بقيمة 60 مليون دولار، بينما "نتنياهو، الذي يمثل قوة عسكرية واقتصادية عظمى، كان يأتي على متن رحلة تجارية".
وأضاف في لهجة تهكمية: "كنت أجلس معه، وكان يضع سيجارة في فمه، فيأتي أحدهم ليشعلها له، فأفكر: هل أنا أجلس مع زعيم مجموعة لاجئين أم مع ملك؟".
وتابع كوشنر حديثه باتهام عباس بإقصاء شخصيات فلسطينية غير فاسدة، مثل سلام فياض، الذي قال إنه "أدار الاقتصاد بشكل جيد"، مضيفاً أن عباس تخلص منه لأنه كان "تهديداً لسلطته".
ورأى كوشنر أن الدول العربية بدأت تفقد الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لأنها أدركت أنها "مفلسة أخلاقياً"، قائلاً: "في كل مرة أعطيناه فرصة لفعل شيء أفضل لشعبه، كان يرفض".
وأضاف أن السلطة الفلسطينية كانت "مفلسة تماماً" عندما غادرت إدارة ترامب الحكم في الفترة الأولى، مشيراً إلى أن الإدارة اللاحقة أعادت تمويل الأونروا والسلطة.
ومنذ توليه دور المبعوث الخاص للشرق الأوسط في 2017، تبنى كوشنر موقفاً ناقداً تجاه السلطة الفلسطينية. اعتبر أن خطوات إدارة ترامب مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف التمويل عن الأونروا، كانت تهدف إلى كسر الجمود وتعزيز فرص السلام، رغم ما أثارته من انتقادات.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018، رد متحدث باسم عباس على تصريحات كوشنر، واصفاً إياها بأنها "تعكس جهلاً بالواقع"، وتبرر العقوبات الأمريكية على الفلسطينيين. وفي 2019، اعتبر كوشنر أن مقاطعة السلطة لمؤتمر البحرين كانت "هستيرية"، لكنه أشار إلى أن ترامب كان معجباً بشخصية عباس.
أما في شباط/ فبراير 2020، بعد الإعلان عن "صفقة القرن"، اتهم كوشنر عباس بالتحريض على العنف، قائلاً إن رفضه للخطة "يشجع على أيام الغضب". وفي حديث حديث في جامعة هارفارد عام 2024، وصف كوشنر عباس بأنه "سجل مكسور"، محذراً من أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون "دعماً لعمل إرهابي ضد إسرائيل".
كم من الفوقية والكِبر والتعالي لا توصف. يعتبر فلسطينية الضفة "لاجئين" .
"كنا نلتقي برئيس الوزراء نتنياهو في واشنطن، وكان يأتي على متن رحلة تجارية لشركة “إلعال”. إنه يدير قوة عسكرية واقتصادية عظمى في المنطقة.
أما الرئيس عباس فكان يأتي لزيارتنا في واشنطن أيضًا، وهو يمثل مجموعة من… pic.twitter.com/uXbVc6p6cT