أفكار ثورية غريبة في خطط كرة القدم
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
تمتاز كرة القدم الحديثة بسرعة الإيقاع والقوة البدنية، مع خطط تدريبية تهتم بأدق التفاصيل، والتزام صارم من اللاعبين بالتعليمات، ما جعل المباريات في الدوريات الأوروبية الرائدة -الإنجليزي تحديدًا- بمثابة تنافس تكتيكي مفتوح ووجبة دسمة للمحللين والصحفيين والجماهير على حد سواء، وباتت أرض الملعب حقل تجارب تدريبية بامتياز، بمقادير منضبطة ودراسات مستفيضة.
ومع ذلك، لم تسلم كرة القدم من بعض الأفكار الثورية التي توحي بالعشوائية والتهوّر، والتي قد لا تتناسب مع التحوّل الجذري في خطط اللعبة، واتجاهها إلى الدقّة والآليات المادية البحتة، وكانت آخرها من المدرب البرتغالي الشهير جوزيه مورينيو، صانع نهضة تشيلسي الحديثة، وصاحب 24 لقبا في مسيرته.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4شاهد.. سيتي يستعرض برباعية أمام برايتون في الدوري الإنجليزيlist 2 of 477 موهبة تتنافس على جوائز كرة القدم الإسبانية 2024list 3 of 4(0-4) نتيجة وملخص أهداف مانشستر سيتي ضد برايتون في الدوري الإنجليزيlist 4 of 4إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغend of list كرة قدم من دون حارس مرمى؟مورينيو المعروف بولائه المطلق للانضباط التكتيكي ناقض ما دأب عليه خلال مسيرته واقترح، في مقابلة يومية مع تلغراف البريطانية، إلغاء مركز حراسة المرمى في أواخر المباريات عندما يكون الفريق منهزما، وإشراك لاعب في الميدان بدلا من الحارس، لخلق زيادة عددية في الأمام وخنق الخصم في مناطقه، بهدف التسجيل وقلب نتيجة المباراة.
"لماذا تلعب بحارس مرمى -حتى لو يجيد اللعب بقدميه- في حين أنّه يمكن إقحام لاعب وسط مثلا واللعب بلاعب إضافي؟ المدرب الذي يطبق ذلك سيُعتبر عبقريا. عندما يكون الخصم متراجعا في منطقة جزائه ومتبقٍ 10 دقائق على النهاية، دعونا نجربها".. كان هذا تعقيب مورينيو عن فكرته التدريبية الجديدة، التي قد تعيد اللعبة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حينما لم يكن هناك حارس مرمى مُحدد من بين لاعبي الفريق.
المثير أن مورينيو نفسه أطلق العنان لخياله عام 2015 حينما كان مدربا لتشيلسي، وقال عن المستويات المميزة لحارسيه -آنذاك- بيتر تشيك وتيبو كورتوا "لو أن مباريات كرة القدم عبارة عن 9 لاعبين وحارسي مرمى، فلن يستطيع أن يوقفنا أي أحد، سنكون ظاهرة". وفيما يبدو أنّ لديه هاجس دائم بشأن حراسة المرمى.
لم يمارس مورينيو كرة القدم الاحترافية، وكانت بداية علاقته باللعبة عندما عمل مترجما للمدرب الإنجليزي بوبي روبسون بالتسعينيات، شأنه شأن الإيطالي ماوريسيو ساري الذي كان مصرفيا في مقاطعة توسكانا قبل الاتجاه للتدريب.. والآن أحزر أي مركز اختار مورينيو عندما شارك في مباراة خيرية عام 2017 بلندن؟ اختار حراسة المرمى!
تبدو فكرة مورينيو "مُقامرة ومُغامرة" فحال انقطعت سيرد الخصم بهدف في الشباك الفارغة، وستتأكد الهزيمة، كما أنّها ليست مناسبة للفرق التي تعتمد على الاستحواذ وبناء اللعب من عند حارس المرمى.
حارس المرمى ونظرية اللاعب الإضافيتصريحات مورينيو ستأخذنا إلى مُنحنى آخر، وهو تطوّر أدوار حارس المرمى في كرة القدم الحديثة، إذا ما نظرنا إلى أغلب الفرق الكبرى سنجدها تحظى بحارس يجيد اللعب بقدمه، مثل إيدرسون في مانشستر سيتي، وأليسون في ليفربول، وأونانا في مانشستر يونايتد، فهم يمثلون بالفعل لاعبا إضافيا عند حيازة الكرة.
أصبح الاعتماد متزايدا في عموم أوروبا على حارس المرمى في عملية بناء اللعب من الخلف، والمساهمة في عملية الاستحواذ واستدراج الخصوم، قبل كسر الضغط والضرب بالمرتدات، بل وفي صناعة الأهداف عبر الكرات الطولية، فقد صنع أليسون 3 أهداف منذ التحاقه بليفربول، وفي الموسم قبل الماضي كان أكثر حراس المرمى في الدوري الألماني لمسا للكرة في مباراة واحدة حارسي بوروسيا مونشنغلادباخ يان سومر (101 لمسة ضد فرايبورغ)، وجوناس أوملين (96 لمسة ضد كولن)، وهذا العدد لا يصل إليه لاعبو وسط في أغلب الأحيان.
غوارديولا.. استخدامات متعددة لقلب الدفاعالإسباني بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، قدّم فكرة غير مألوفة بالمرّة، وهي الاعتماد على قلب الدفاع في مراكز هجينة ووظائف متشابكة، أبرز مثال على ذلك هو السويسري مانويل أكانجي الذي لعب هذا الموسم في 4 مراكز مختلفة، كل مباراة على حدة بمركز مُعيّن وفق مقتضاها.
لعب أكانجي في قلب الدفاع والظهير الأيسر والظهير الأيمن ولاعب الوسط، ومن حيث الوظائف، وقد منحه غوارديولا وظائف متعددة ومتشابكة في آن واحد -وقد فعلها أيضا مع الإنجليزي جون ستونز- ورأينا أكانجي يقوم بصناعة اللعب في عمق الملعب أمام مناطق جزاء الخصم بصورة متكررة، فيما يبدو أنه صانع ألعاب كلاسيكي يربط بين خطوط الملعب، ويحاول خلق ثغرة للتمرير بين خطوط الخصم بل ويسجّل أيضا، وفي حالة فقدان الكرة يرتد إلى الخط الخلفي ليقوم بدور المدافع.
ربما منحت هذه الفكرة الثورية مانشستر سيتي مزيدا من الصلابة الدفاعية والقوة البدنية، ما أسهم في بلوغه نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في المواسم الثلاثة الأخيرة، لكن عيبها الوحيد أنه لا يمكن تطبيقها مع أغلب الفرق، فهي تناسب فقط قلب الدفاع الجيد مع الكرة، والمتمرس في أسلوب اللعب المتوضعي أمثال أكانجي وستونز وغفارديول.
يُعد مركز المهاجم الصريح الأهم في تشكيلة أي فريق، فهو بطبيعة الحال الأقرب للتسجيل وحسم المباريات، التي بدورها تجلب الألقاب والكؤوس، تأسيسا على ما تقدّم، المهاجم هو الأعلى راتبا في أي فريق، ولبيان مدى أهميته، فإن بعض الفرق في الوقت الحالي تلعب بمهاجمين اثنين في الأمام بالخطة التكتيكية (4-4-2) ومشتقاتها.
إن كان غوارديولا يُكثر من المدافعين، فهناك مدرب آخر انعدم ارتباطه بالمهاجمين، فإن فيسينتي دل بوسكي، مدرب منتخب إسبانيا بين 2008 و2013، نسف هذه القناعات تماما، وخاض بطولة كأس أمم أوروبا 2021 بخطة (4-6-0) برباعي دفاعي، أمامه 6 لاعبين وسط، بدون مهاجم، والمفارقة أنّه حصد الكأس باكتساح كل منافسيه، ليحافظ على الكأس في خزائن (لا روخا) للنسخة الثانية تواليا.
اغتنم دل بوسكي بلوغ فريق برشلونة ذروته التكتيكية مع مدربه السابق غوارديولا، واستخدم قوة خط الوسط في تدوير الكرة وخلق الفرص التهديفية والتسجيل، لا سيما مع رباعي البارسا تشافي وإنييستا وبوسكيتس وفابريغاس.
من غير المحتمل أن نرى مدربين كُثر يطبّقون طريقة (4-6-0) فمن اللازم لتطبيقها، امتلاك خط وسط نموذجي.
في 2019، كشف مدرب شباب باريس سان جيرمان -آنذاك- الإيطالي تياغو موتا عن خطته التكتيكية الجديدة (2-7-2).. خطة غريبة، لكن الأغرب أنها تحتوي على 11 لاعبا وليس 10 كما جرت العادة.
الجديد أن موتا أقحم حارس المرمى في الميدان ليصبح اللاعب رقم 11، وبالتحديد في مكان وسط بين قلبي الدفاع، كأنه قلب دفاع ثالثا بجانبهما، وقال عن ذلك "الفكرة تدور حول تعزيز الهجوم، والضغط المستمر على المنافس، وتدوير الكرة بأريحية، أريد أن يتوفر لدى اللاعب 3 أو 4 حلول عند التمرير، لذلك أنا أعتبر حارس المرمى اللاعب السابع في وسط الملعب".
تتميز كرة موتا كما غوارديولا، بالاستحواذ وتناقل الكرة بصفة مستمرة، وفي حالة فقدان الكرة يعتمد على الضغط العالي لاسترجاعها مجددا.
لا عجب عندما تنبثق هذه الأفكار من موتا، فقد تعاون مع غوارديولا في برشلونة، وتدرّب تحت قيادة المدرب الإيطالي صاحب كرة القدم الفلسفية الرائدة، والذي يشرف حاليا على أتالانتا جان بييرو غاسبريني في فريق جنوى موسم 2008-2009.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الدوري الإنجليزي
إقرأ أيضاً:
من عميل إلى موظف في الجيش.. قصة غريبة لجاسوس اخترق الموساد
تُعد قصة زئيف أفني واحدة من أكثر قصص عالم المخابرات إثارة في تاريخ إسرائيل، ذلك أن الرجل بدأ حياته جاسوسا للاتحاد السوفياتي داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وانتهى به المطاف رائدا في تأسيس منظومة الصحة النفسية داخل الجيش الإسرائيلي.
وفي تقرير مطول، تناول موقع واينت نيوز التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية جانبا من سيرة أفني الذاتية ونشاطه التجسسي لصالح السوفيات، ثم تطوعه بعد العفو عنه للعمل مختصا نفسيا في الجيش الإسرائيلي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2طالبة من غزة تحرم من السفر إلى بريطانيا لسبب غريبlist 2 of 2كاتبة بريطانية: شباب الغرب أصبحوا يفضلون اليمين المتطرف على الديمقراطيةend of listتقول الصحيفة إن زئيف أفني عاش معظم سنوات حياته متخفيا وراء أسماء مستعارة وولاءات متضاربة، وظل يحمل سرا عميقا لم يشك أحد من زملائه الأقربين في حقيقته.
رأى زئيف أفني، المولود باسم وولف غولدشتاين، النور لأول مرة في عام 1921 بمدينة ريغا عاصمة لاتفيا، ونشأ في سويسرا داخل أسرة يهودية يسارية النزعة.
وبينما انجذب كثير من يهود جيله نحو الصهيونية، جنح هو نحو الاتجاه المعاكس حيث تبنى الشيوعية فكرا، متأثرا بنشاط شقيقه الأكبر في صفوفها.
وخلال الحرب العالمية الثانية، لفتت مهاراته اللغوية وولاؤه للماركسية أنظار الاستخبارات العسكرية السوفياتية التي جنّدته ودربته على أساليب التجسس وإدارة الهويات السرية.
وبعد انتهاء الحرب، واقتراب تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، كلّفته موسكو بمهمة جريئة، وهي التسلل إلى الدولة الجديدة وبناء حياة كاملة داخلها حتى يتمكن لاحقا من نقل أسرارها إلى الاتحاد السوفياتي.
وقد عمد إلى تغيير اسمه إلى زئيف أفني -وهي الترجمة العبرية لاسمه الأصلي "وولف" (ويعني "الذئب")- وهاجر إلى فلسطين مع زوجته وطفله، متقمصا دور المهاجر الصهيوني المثالي.
أُدين أفني بالتجسس وحُكم عليه بالسجن 14 عاما في محاكمة سرية. لكن تحوّله الحقيقي بدأ خلف القضبان، حين قرأ خطاب الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف الذي أدان فيه جرائم سلفه جوزيف ستالين.
وهناك استقر في كيبوتس هزوريع، حيث وفرت له الحياة الجماعية الاشتراكية غطاء أيديولوجيا مريحا.
بيد أن حماسه الشيوعي المفرط قاده إلى ارتكاب ما اعتبرته يديعوت أحرونوت "خطأ قاتلا"، إذ باح لأحد رفاقه بحقيقته كعميل لصالح الاتحاد السوفياتي. فاجتمع أعضاء الكيبوتس وقرّروا طرده، لكنهم امتنعوا عن إبلاغ السلطات، وهو القرار الذي سيدفع ثمنه جهاز الأمن الإسرائيلي.
إعلانوبعد مغادرته الكيبوتس، انضم أفني إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، مما أتاح له الوصول إلى وثائق دبلوماسية ومعلومات حساسة.
وفي خمسينيات القرن الماضي، خدم في سفارات إسرائيل في بروكسل وأثينا وبلغراد، حيث بدأ بإرسال تقارير سرية إلى موسكو تتعلق بالصفقات العسكرية والعلاقات مع الحكومات الأوروبية. لم يكن دافعه ماديا، بل أيديولوجيا صرفا نابعا من إيمانه بالشيوعية وعدائه لما رآه دولة رأسمالية متحالفة مع الغرب.
وتشير تقارير لاحقة إلى أنه شارك في "عملية ديموقليس"، وهي حملة نفذها الموساد في أغسطس/آب 1962 لإحباط مشروع العلماء الألمان الذين عملوا على تطوير صواريخ لمصر الناصرية.
لكن أفني، الذي رأى في مصر حليفا للاتحاد السوفياتي، يُعتقد أنه تلاعب ببعض تفاصيل العملية، مما أدى إلى فشلها في مراحلها الأولى.
وفي عام 1956، انكشف أمره بفضل رئيس الموساد آنذاك، إيسر هارئيل. وخلال لقاء اعتيادي بين أفني وهارئيل في تل أبيب، التقط الأخير إشارة غامضة في حديثه.
فابتكر خطة نفسية وصفت بالجريئة، حيث استدعاه لاحقا إلى مكان معزول خارج تل أبيب، وهناك أقنعه بأن الموساد يمتلك أدلة قاطعة على تجسسه.
لم تكن هناك أدلة، لكن نبرة هارئيل وثقته زلزلتا أعماق أفني. وبعد ساعات من الضغط النفسي، انهار واعترف بكل شيء، ليسأله في النهاية مذهولا: "كيف عرفتم؟" فرد هارئيل بابتسامة هادئة: "لم نكن نعلم، أنت من أخبرنا".
أُدين أفني بالتجسس وحُكم عليه بالسجن 14 عاما في محاكمة سرية. لكن تحوّله الحقيقي بدأ خلف القضبان، حين قرأ خطاب الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف الذي أدان فيه جرائم سلفه جوزيف ستالين.
وفي تلك اللحظة، تزعزعت قناعاته الشيوعية، وزاد انهياره النفسي بعد زيارة شقيقه الشيوعي الذي وبّخه قائلا: "بعد ألفي عام نحصل على دولة، وأول ما تفعله هو محاولة تدميرها؟".
في السجن، وجد أفني خلاصه في علم النفس. درس بجد، وحصل على شهادة جامعية، وبدأ يرى في العلاج النفسي وسيلة "للتكفير عن ذنوبه".
وبعد 10 سنوات نال عفوا رئاسيا، ليخرج إلى مجتمع تغيّر كثيرا، لكنه قرر أن يكرّس ما تبقى من حياته لخدمة من حاول يوما "خيانتهم"، على حد تعبير يديعوت أحرونوت.
وخلال حرب أكتوبر عام 1973، تطوّع أفني للعمل مختصا نفسيا ميدانيا في جبهة سيناء، حيث قدّم الدعم لجنود يعانون من الصدمة والهلع وفقدان الرفاق. وساهم فيما بعد في تأسيس قسم الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي.
نشر أفني لاحقا مذكراته بعنوان "الراية الكاذبة"، والتي كتبها بالاشتراك مع محققه السابق يهودا براغ، كاشفا فيها عن رحلته من عالم الجاسوسية إلى الطب النفسي. وعاش بقية حياته بهدوء حتى وفاته عام 2007، "تاركا وراءه إرثا مثيرا للجدل".