البوابة نيوز:
2025-06-28@01:24:27 GMT

كيف نعيش في الواقع السيئ؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

لا أذكر بالتحديد من الذي كتب تلك الكلمات لكنني أذكرها جيدًا.. "نحن لا نعيش في واقع سيئ.. بل إننا نحن هذا الواقع السيئ".. مرت بي هذه الكلمات الأسبوع الماضي أثناء تصفحي لصفحات عامة على الإنترنت.

 مرت ولم أعرها اهتمامًا كبيرًا. لكنني وجدتها تدق في رأسي كثيرًا بعد فترة. وتذكرت كلمات الراحل غاندي: "كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم".

هل حقًا لا يأتي الواقع السيء من فراغ؟! هل يفرض عليك الواقع السيء أم أنه يأتيك لأنك ذهبت إليه بخطوات لم تهتم بها حق الاهتمام لأنها كانت بسيطة وتافهة في وقت ما. لم تكن تظن أن هذه الخطوات هي واقعك السيء الذي ذهبت إليه مختارًا، فكنت أنت أحد أركانه دون أن تدري. هل هذا هو الحق؟!

  نشأت بين أفكار عملية جدًَا. حرصت والدتي على أن تكون مكتبتنا مجالًا للتطبيق أكثر من كونها مجالًًا للحلم. أتذكر أنني في وقت ما ملتُ لقراءة الشعر وكتابته. ويبدو أن شيئًا في جيناتي كان يجعلني أرتجل الشعر ارتجالًا شفهيًا. لكن كراهية أمي للشعر لأنه يبالغ ولا يصل كثيرًا لم تحملني على الاستمرار. شعرت في وقت ما أن الوزن والقافية وحتى التفعيلة الحرة سجن يقيدني، وأنا أحب حريتي. إذا وضعتم أنفسكم بهذا المنطق العملي مكاني ونظرتم لواقع تعيشونه ولا تحبونه، أيًا كان هذا الواقع، فإنكم ستميلون فعلًا للبحث عن دوركم فيه. إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة كما قال ابن الخطاب، كما وأنها بالتأكيد لا تمطر قطرانًا ولا لهبًا بالتبعية. يعبر عن تلك النظرة العملية التي تعني أننا ما دمنا جزءًا من زمن فإننا نحمل مسؤولية عمارته. ما قاله الشافعي رحمه الله:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا   

   يبدو أن كراهية الأفراد لزمانهم توجد لدى البشر منذ الأزل. إذ وجد في البرديات المصرية القديمة كلمات يهجون فيها الزمن السيء الذي صارت فيه النساء يقضون وقتًا طويلًا ينظرون فيه للمرآة. ووصلنا بيت الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة، والذي علقت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها "رحم الله لبيدًا.. كيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم؟!". تقول هذه الأبيات للبيد:

رحلَ الذين يُعاشُ في أكنافهم 

وبقيتُ في خلفٍ كجلدِ الأجربِ

    إلا أن النظرة العملية التي أتحدث عنها لا تعني أننا سيئون بالضرورة لأننا في زمن لا يعجبنا، فقد نكون كما يشدو مدحت صالح بكلمات مدحت الجمّال: "رافضك يا زماني". إذ تُعد النظرة للحياة وأمورها فلسفة خاصة بكل منا على حدة. لكن العبارة التي قرأتها لاقت في نفسي ميلًا يتلاءم مع كوني مولودة في قلب برج الحمل وليلة "شم النسيم" إذ أن مواليد هذا البرج ملعونون بتكرار المحاولة وتحمل وجع جروح الارتطام المتكرر بالحوائط التي لا تقع ولا تستجيب للأمل. لذا فإننا دائمًا لا نرى الأكواب الفارغة فتنكسر مخلفة جروحها في بواطن أقدامنا، ومع ذلك لا نتوقف عن السيرمجروحين. مهما كان الواقع حولك سيئًا، حاول أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم، حتى لو كان هذا التغيير أن تخرج هذا الصباح في كامل أناقتك لأنك لا تملك غير ذلك. 

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية

في بعض الوجوه تسكن أوطان، وفي بعض الأصوات تنام ذاكرة شعب بأكمله.. هناك وجوه لا تُنسى، لا لأنها لامست الشاشات، بل لأنها لامست القلوب دون استئذان.. أشرف محمود… ليس مجرد اسم لمعلق رياضي، بل حكاية مصرية تمشي على قدمين، رجل حين يتحدث، تسمع في صوته رائحة الشاي على مصطبة الجد في آخر النهار، تسمع أنين أبو الهول وصبر الفلاح، ودفء السلام عليكم من جارٍ لا يغلق بابه.

مؤمن الجندي يكتب: مهما صفق الواقفون مؤمن الجندي يكتب: عندما ينطق الوجه مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية مؤمن الجندي يكتب: بين العرق والذهب وصمت الكادحين

هو لا يعلّق على المباراة فحسب، بل يُمسك بالميكروفون كمن يُمسك بفرشاة ألوان، يرسم بها مشهدًا حيًّا تنقلك من الملعب إلى الحارة، من الهدف إلى الضحكة المصرية الخجولة، ومن تمريرة سحرية إلى حكمة قالها الأب زمان: "اللي ملوش كبير يشتري له كبير".

تراه فلا تتساءل عن معدنه، هو معدن "ابن البلد" النقي، صادق كالنيل، بسيط كالرغيف، نظيف كضحكة طفل في عز المولد.

أشرف محمود لم يجمّل نفسه، لم يصطنع شخصية، بل اختار أن يكون هو... فقط هو، وفي زمن يتصارع فيه الناس على الأضواء، كان هو الضوء ذاته، ضوءٌ يُشبه عيون أمك حين تدعو لك، ويُشبه نبرة أبيك حين يقول لك: "راجل يا ابني".

هو لا يركض خلف "الترند"، بل يمشي على خطى الكبار، لا يلهث خلف اللقطة، بل يصنعها بهدوء، كالفلاح حين يحرث الأرض.. يعلم أن الخير سيأتي.

أشرف محمود ليس ظاهرة صوتية، بل ظاهرة هوية وطنية.. هو مصر حين تتحدث بعقلها وقلبها ولسانها السمح، أثناء التعليق على المباريات.

في هذا الرجل تتجلى الهوية المصرية بكل ما فيها: بشهامتها، بكرامتها، بخفة ظلها، بجدعنتها، بحكمتها، بلغتها العربية، وبإيمانها العميق أن الأصل هو الأصل.. مهما تبدّلت الأزمان.


قبل النهاية، نحن في زمن امتلأت فيه الشاشات بالتصنع، والمنصات بالتصيد، لكن خرج هذا الصوت المصري الدافئ في بطولة مونديال الأندية، من الميكروفون لا يشبه إلا نفسه.. لا يستعير لهجة، ولا يبالغ في تعبير، ولا يتكلّف حماسة رغم خروجه عن شعوره.. لكنه فجأة! أصبح "تريند"، ولم يكن ذلك لأنه يملك خطة تسويق، أو فريق سوشيال ميديا محترف، أو يسعى خلف "اللايك والشير"، بل لأنه فقط قرر أن يكون كما هو: مصريًا جدًا.. بصوته، بكلماته، بنُكاته، بحماسه، وبهدوئه حين يجب أن يهدأ.

أشرف محمود لم يعلّق على المباريات فحسب، بل منحها طعمًا ولونًا ورائحة.. جعل المتابع يشعر أن المباراة تُلعب في ساحة بيتنا، وأن الهدف ليس مجرد كرة في الشباك، بل حكاية تُروى على القهوة، وضحكة تنطلق من القلب، وعصبية ابن بلد يعرف قيمة اللحظة.

لقد أصبح تريند.. لا لأنه أراد، بل لأن الناس اشتاقت لما يُشبهها.. وأشرف يشبهنا جدًا.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

مقالات مشابهة

  • غرم العمري: الحديث الذي أراه عن فهد المفرج وفهد بن نافل لا يصح
  • الواقع المعيشي والحضاري يصنع من الشعوب ترسانة لا تنهار أمام أساليب النفوذ الخارجي
  • تهجير قسري لـ٢٧٠ أسرة نازحة في مأرب وسط صمت السلطات المحلية
  • إيكونوميست: ترامب يحلم بنصر سريع على إيران.. لكن الواقع مختلف
  • التعليم التقني بين الواقع والطموح
  • الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على مبنى التلفزيون الإيراني
  • قصة الممثل المصري المسيحي الذي ألقى خطبة الجمعة على زملائه
  • ضياء رشوان: إسرائيل أقنعت ترامب بضرب إيران لكن الواقع خالف التوقعات
  • مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية
  • حنكش عن كلام الشيخ نعيم: منفصل عن الواقع!