موسكو- منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري في النيجر والأنظار تتجه إلى باريس وتأثير الانقلاب على مصالحها في الدولة الغنية باليورانيوم المهم للمفاعلات النووية في فرنسا، لكن الأنظار لم تغفل أيضا عن موسكو التي يرى البعض أن لها دورا في أزمة النيجر أو على أقل تقدير تتحين الفرصة لتوجيه ضربة إلى المصالح الغربية على وقع الحرب المستمرة في أوكرانيا.

هذا التجاذب الروسي الغربي في أوكرانيا هو ما يعطي للانتكاسة الفرنسية في النيجر بعدا إضافيا في سياق محاولات موسكو الرد على العقوبات الغربية، عبر فتح كل ما أمكن من ساحات جديدة للصراع مع الغرب، والذي باتت القارة السمراء أبرز معاقله.

وجاء توقيت انقلاب نيامي ليحمل بدوره دلالة رمزية، إذ تزامن مع انطلاق النسخة الثانية من القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبورغ، والتي كانت الورقة الأمنية في القارة الأفريقية حاضرة فيها.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر رسمية روسية أن مرحلة التحضير للقمة ترافقت مع ضغوط غربية بقيادة الولايات المتحدة على دول أفريقية لرفض المشاركة في القمة أو على الأقل خفض مستوى تمثيل وفودها.


كرة الثلج

وبحسب مراقبين روس، أظهر انقلاب النيجر فشلا جديدا في السياسات الغربية التي منحت روسيا في المقابل ميزة إستراتيجية، فالعديد من الدول الأفريقية ترتبط اقتصاديا وسياسيا بباريس بسبب الماضي الاستعماري.

لكن في الآونة الأخيرة بدأت دول القارة واحدة تلو الأخرى في رفض إقامة علاقات خاصة مع فرنسا مقابل إعطاء الأفضلية للصين وروسيا، ليأتي الدور على النيجر التي شكلت واحدة من آخر معاقل النفوذ الفرنسي التي تعلن تمردها على باريس بعد مالي وبوركينا فاسو.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن باريس (القوة الاستعمارية السابقة في منطقة الساحل والداعمة لرئيس النيجر محمد بازوم) "هي الهدف الرئيسي للعسكريين الذين يتولون السلطة في النيجر".

وعلاوة على ذلك، يشير المحللون الروس إلى وجود صلة بين القيادة الجديدة للنيجر وسلطات مالي المجاورة التي اتبعت منذ فترة طويلة سياسة منفتحة على موسكو ومؤيدة لها، في الوقت الذي رفض الرئيس المنتخب محمد بازوم حضور القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبورغ الروسية.

وهو ما تجلى أيضا من تحذير السلطات العسكرية الانتقالية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري من أي تدخل عسكري ضد النيجر، معتبرة في بيان مشترك أن "أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب علينا".


"البصمة" الروسية

وبانتظار اتضاح الصورة وتبلور واقع جيوسياسي جديد في النيجر يرجح خبراء روس أن قلب منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء سيشكل محورا جديدا للصراع الروسي الصيني مع المنظومة الغربية.

وفي هذا السياق، قال محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف إنه من غير المؤكد وجود بصمة روسية مباشرة في أحداث النيجر رغم تنامي وجود موسكو منذ سنوات طويلة وبشكل هادئ في بلدان مجاورة مثل مالي وأفريقيا الوسطى من خلال شركة فاغنر.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف بيرسانوف أن التوجه المعادي لفرنسا لدى القيادة الجديدة في نيامي يدل على أن نفوذ باريس في غرب أفريقيا أصبح في مخاض مفصلي لن يتردد الكرملين في استثماره.

لكن المتحدث يشير إلى أن الصراع على النيجر -حتى مع تأكيدات الإليزيه عدم وجود نية للتدخل العسكري- سيكون مختلفا وأكثر عنفا مما كان مع البلدان الأفريقية الأخرى التي أفلتت من السيطرة الفرنسية.

وحسب رأيه، يعود ذلك بشكل كبير إلى الاحتياطيات الإستراتيجية من اليورانيوم في هذا البلد الأفريقي، خاصة أنه عنصر أساسي في إنتاج الطاقة النووية، إذ تشكل المحطات النووية مصدر الطاقة الرئيسي في فرنسا، موضحا أن باريس وحدها تحصل على 70% من طاقتها الكهربائية من هذه المحطات التي يتجاوز حجم عائدات عملها 3 مليارات دولار سنويا، ويشكل يورانيوم النيجر نحو 40% من اليورانيوم الذي تستهلكه فرنسا.


استغلال الأخطاء

من جانبه، يؤكد مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف أن روسيا استفادت إلى حد كبير من أخطاء السياسات التي اتبعتها فرنسا في أفريقيا، والتي باتت تصفها بشكل لافت في الآونة الأخيرة بأنها شكل من أشكال الاستعمار الجديد.

ففي الوقت الذي تمكنت فيه باريس من السيطرة على مستعمرتها السابقة بالقوة الناعمة من خلال الفرنك الأفريقي واللغة الفرنسية وقوات التدخل السريع إلا أن الإستراتيجية التي اتبعتها في بعديها الأمني والعسكري لم تعد مجدية، وفشلت في مكافحة ما يسمى التمدد الجهادي في المنطقة، مقابل نجاحات في ذلك حققتها شركة فاغنر الروسية.

وبموازاة ذلك، قد تؤدي خسارة فرنسا حليفها الأكثر موثوقية وولاء في القارة السمراء الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى توقف إمداد باريس باليورانيوم الذي تحتاجه بالفعل نتيجة عدم قدرتها على الوصول إلى الثروات المحلية في النيجر.

ومن هذا المنطلق، يعتبر كركودينوف أن ما حصل يصب في صالح روسيا، موضحا أن النيجر ليس لها منفذ إلى البحر، وهي مجبرة على بيع مواردها عبر الجزائر أو عبر دول خليج غينيا، مما يعني أن السلطات الجديدة في البلاد ستتخذ قرارات بشأن هذه القضية بالتعاون الوثيق مع الجيران، وبما يتماشى مع المزاج السائد في هذه البلدان.

وأضاف أنه حتى في حال فشل محاولة الانقلاب ستحاول السلطات تقليل الاعتماد على فرنسا وبناء تبادل أكثر تكافؤا للموارد معها، وفي هذا الصدد قد تأتي روسيا في الأفق كحليف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی النیجر فی هذا

إقرأ أيضاً:

انقلابات عسكرية في أفريقيا حوّلت دولها إلى حمامات دم.. تعرف عليها

تعاني القارة الأفريقية من مخلفات الاستعمار على حياتها السياسية، والتي تسببت في كثرة الانقلابات العسكرية وما ينجم عنها من حروب أهلية ومذابح ومآس لا تتوقف.

وأزهقت أرواح مئات الآلاف من الأفارقة منذ ستينيات القرن الماضي، بعد استقلال أغلبية الدولة الأفريقية ولو صورة شكلية عن مستعمريها، لكن القادة العسكريين الذين تسلموا مفاتيح القوة في بلادهم واصلوا الانقلابات للسيطرة على السلطة.



ويسلط انقلاب غينيا بيساو أحد انقلابات أفريقيا، رغم أنه لم يتورط بسفك الدماء وارتكاب مذابح حتى الآن، على أصعب الانقلابات العسكرية وأكثرها دموية في أفريقيا.

ونستعرض في التقرير التالي، 5 من الانقلابات الدموية في القارة السمراء:

هذا التقرير يستعرض أكثر خمسة انقلابات دموية في تاريخ أفريقيا، وفق التقديرات التاريخية والأبحاث الأكاديمية، ليذكر بأن العنف المسلح لا يغير الأنظمة بقدر ما يدمر المجتمعات.

انقلاب نيجيريا 1966

في 29 تموز/يوليو 1966، دخلت نيجيريا أكبر دول أفريقيا من ناحية التعداد السكاني، في دوامة دموية، عندما نفذ ضباط شماليون انقلابا مضادا ضد الحكومة الانتقالية بقيادة الجنرال أغوي إيرونسي، الذي كان قد وصل إلى الحكم إثر انقلاب آخر قبل أشهر.

ورغم أن الذريعة المعلنة، كانت حماية الوحدة الوطنية، لكن الانقلاب تحول إلى مذبحة عرقية استهدفت الجنوبيين، ولا سيما شعب الإيغبو، وأزهقت أرواح عشرات الآلاف من السكان.

ونتيجة للانقلاب وحملة القمع الواسعة التي رافقته للسيطرة على الحكم في البلاد، قتل أكثر من 30 ألف مدني خلال أشهر قليلة عبر عمليات قتل جماعي وإعدامات ميدانية في الشمال.

وتسبب الانقلاب في إشعال فتيل حرب بيافرا الأهلية، التي امتدت نحو 3 سنوات سوداء، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون نيجيري، لا تزال آثارها تشكل معضلة عرقية في البلاد.

انقلاب بوروندي 1993

في 21 تشرين أول/أكتوبر 1993، نفذ اللواء بيير بيوغوفورو انقلابا عسكريا ضد الرئيس ميليكون نداداي، الذي فاز بأول انتخابات ديمقراطية في تاريخ بوروندي.

وفجر الانقلاب العسكري في البلاد، وقتل الرئيس ومسؤوليه موجة عنف عرقي غير مسبوقة بين الهوتو والتوتسي، وصلت إلى حد الإبادة.


ووفقا للتقارير الحقوقية، وإحصائيات أممية، فقد قتل أكثر من 50 ألف إنسان، في الأيام الأولى للانقلاب، معظمهم كانوا من مؤيدي الحكومة المنتخبة، في إجراء انتقامي من قبل الجيش.

وكان أكثر المستهدفين من الهوتو، فضلا عن جرائم الاغتصاب الجماعي، واستمرت أعمال القتل التي تحولت إلى حرب إثنية بين الهوتو والتوتسي، حتى عام 2005، قدرت الحصيلة النهائية للقتلى بأكثر من 300 ألف قتيل، فضلا عن المفقودين.

انقلاب ليبيريا 1980

في 12 نيسان/ أبريل 1980، وقع انقلاب في ليبيريا، على يد القائد العسكري صموئيل دو، وافتتح الانقلاب بمجزرة بحق الرئيس ويليام تولبرت وعشرات من كبار المسؤولين بينهم الوزراء في البلاد.

ولم يتوقف قادة الانقلاب عند هذا الحد، للسيطرة على البلاد، لكنهم قادوا مرحلة تصفيات واغتيالات ممنهجة ضد المعارضة في البلاد، وهو ما قاد إلى تحويل البلاد إلى ساحة فوضى، ووقوع واحدة من أكثر الحروب الأهلية الدموية في أفريقيا.

ووفقا لتقارير أممية، فقد بلغت حصيلة قلت الانقلاب والحرب الأهلية الناتجة عنه، آلاف القتلى فضلا عن المفقودين والمصابين.

انقلاب بوركينا فاسو 1987

في 15 تشرين أول/أكتوبر 1987، أقدم الضابط في الجيش بليز كومباوري، على اغتيال الرئيس توماس سكانارا رفيقه السابق في الجيش، من أجل الاستيلاء على الحكم.

ولتثبيت أركان حكمه، والسيطرة على البلاد، نفذ كومباوري، حملة إعدامات بحق 13 من مساعدي ومسؤولي الرئيس، وشخصيات أخرى في البلاد.

وأدخل الانقلاب البلاد في حملة قمع واسعة، تضمنت اعتقالات وإعدامات خارج القانون، وصلت إلى أكثر من ألف قتيل، علاوة على مئات المفقودين جراء حملات الاعتقالات الواسعة.

انقلاب غينيا بيساو 1998

في أيار/مايو 1998، أدخل الجنرال أنسيمو توري كامارا، البلاد في واحدة من أسوأ فتراتها، وقادها نحو حرب أهلية دموية، بعد الانقلاب على الرئيس جواو بيرناردو فيريرا نان فورادي.

وبدأ الانقلاب بقتل قرابة 500 في الأيام الأولى لتنفيذه، وشملت الإعدامات كبار المسؤولين في البلاد من المحسوبين على الرئيس فورادي، ومؤيديه.



وتسبب الانقلاب في تدخل خارجي بسبب دموية جنرالات الجيش، وتحرك قوات من السنغال وغينيا، ودخلت البلاد في حرب أهلية خلفت آلاف القتلى، فضلا عن موجات نزوح، وهو ما جعل فترة سيطرة كامارا على الحكم قصيرة.

مقالات مشابهة

  • الجيش الأوكراني: استهدفنا مواقع لإطلاق المسيرات الروسية في شبه جزيرة القرم
  • ماكرون يعلق على زيارة زيلينسكي إلى باريس
  • الخارجية الروسية: تصريحات الناتو بشأن ضربات محتملة ضد روسيا غير "مسؤولة"
  • النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع بالسوق الدولية
  • النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية
  • النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع وتتحدى فرنسا
  • انقلابات عسكرية في أفريقيا حوّلت دولها إلى حمامات دم.. تعرف عليها
  • في يوم التضامن مع فلسطين.. هتافات تكسر صمت باريس
  • باريس ترجح حسم ملف الأصول الروسية أوروبيًا
  • سفارة مصر في باريس تعلن مواعيد جولة الإعادة لانتخابات النواب 2025