كنت خائفة وأنا متوجهة لإحدى مدارس التعليم الأساسي بناء على دعوة لإلقاء محاضرة لطالبات الصف السابع حول الثقافة المالية، مسبوقة بكثير من التحذيرات بأن الصغار ملولين في الغالب، ويصعب الاحتفاظ باهتمامهم لفترة طويلة، والحقيقة أنني اضطررت العام المنصرم إلى إلغاء حلقة تدريبية حول موضوع الثقافة المالية؛ لأنني لم أجد من يساعدني في تنفيذ أنشطة وألعاب لإبقاء الأطفال متفاعلين معي خلال الحلقة، بعد أن نصحني البعض بأن أضمّن في فعاليات الأطفال أنشطة حتى أستطيع الاحتفاظ بانتباههم طوال الوقت.
ولكوني شخصيًا ليست لدي ألعاب، ولا أجيد اللعب ألغيت الحلقة، رغم أنني قد سبق لي تنفيذ فعاليتين قبل ذلك لفئة الناشئة وكانت النتيجة رائعة.
ذهبت هذه المرة دون أن أحضر ما سأقول، ودون أدوات مساعدة لشد انتباه الأطفال سوى ما سأرتجل في تلك اللحظة، ذهلت حقًا وأنا أرى تعطش الفتيات لهذه المعرفة، وروعة التفاعل مع الموضوع، وحجم المعتقدات المغلوطة عن المال التي تبرمجن عليها.
مر الوقت سريعا، ولم أفقد تركيز الصغيرات للحظة واحدة، وكانت الدهشة على الوجوه تطالبني بالمزيد، إنه عالم يردن أن يتعرفن عليه من منظور جديد لم يتعودن عليه، ولا فرق في ذلك بين الصغار والكبار، فعالم المال عالم جميل، لم نتعود النظر إليه إلا من خلال (الفلوس) أو العملات الورقية أو المعدنية التي اختصرنا المال فيها، والتي يعني عدم توفرها (فقرا) وتوفرها بكثرة (غنى) عند الكثير من الناس، لذا لا عجب أن وجدنا أن الثقافة المالية مغلوطة لدى شريحة كبيرة من الناس، ومعلوماتنا حولها نستقيها من الغرب الذي يختلف كثيرًا عنا في القيم، فيحدث صدام بين المعرفة المستوردة وبين القيم التي نشأنا عليها، فيختار الكثيرون نبذ المعرفة حول المال، لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، فغياب الثقافة المالية في زمن يتغلغل فيه المال في نسيج حياتنا بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية هو الذي أوجد هذا الفتور في العلاقة مع المال.
الثقافة المالية من المهارات الحياتية التي يجب إدخالها في حياة أطفالنا في سن مبكرة جدا، حتى نتمكن كآباء من تقديمها بما يتلاءم مع القيم الإسلامية السليمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثقافة المالیة
إقرأ أيضاً:
أزمة النزاهة الأكاديمية في الجامعات.. معركة القيم بين التشريع والتطبيق
صراحة نيوز- بقلم / د.عبدالله سرور الزعبي
في عصر تتسارع فيه المعرفة وتتزاحم فيه الأوراق العلمية، تتعرض إحدى أقدس القيم الجامعية لتهديد خطير في نزاهته الأكاديمية، التي تعد حجر الزاوية في المنظومة التعليمية والبحثية، حيث باتت الأبحاث العلمية في كثير من الحالات عبارة عن سلعة في سباق نحو الترقية أو الشهرة والتفاخر، مما يشكل كارثة في منظومة الأخلاق الاكاديمية.
في الوقت الذي تُرفع فيه شعارات التميز والابتكار، تكشف الوقائع أن العديد من هذه الأبحاث تعاني من تفشي الانتحال، وتلفيق النتائج، والتحايل والسرقات العلمية، والأسوأ أن مثل هذه السلوكيات تمرّ دون رقيب، إما بسبب تواطؤ ضمني، أو تقاعس عن المحاسبة، او غيرها من الأسباب من قبل من يفترض بهم ان يكونوا قيادات اكاديمية مميزة، متناسين بان النزاهة الاكاديمية ليست رفاهية أخلاقية، بل هي شرط وجودي لأي نظام أكاديمي يسعى لإنتاج المعرفة والكفاءات والمحافظة على ثقة المجتمع.
لقد بات من المألوف أن نرى باحثين ينشرون عشرات الأوراق العلمية سنويًا، باستخدام الذكاء الاصطناعي والانتحال، مع غياب الرقابة الصارمة (عندما كنت عميداً للبحث العلمي، زارني أحد أعضاء الهيئة التدريسية محتجاً على عدم اعتماد عددا من كتبه التي أصدرها، 26 كتاباً في سنتين، وقد طالبت عندها بتشكيل لجنة تحقق لمراجعة مؤلفاته، الا انه ومع كل اسف قوبل الطلب بالرفض آنذاك).
في ظل تصاعد الأزمات الأخلاقية التي تعصف بالمنظومات الاكاديمية، وبعيداً عن التصنيفات التقليدية، يبرز مؤشر قياس مخاطر سلامة البحث العلمي (Research Integrity Risk Index RI) كمقياس ثوري، يكشف الوجه الآخر للمشهد العلمي، ويهدف إلى رصد مستوى النزاهة والانحرافات المنهجية في المؤسسات الأكاديمية، بهدف المحافظة على الثقة بالمنظومة التعليمية، وضمان جودة الأبحاث، وتعزيز منظومة الابتكار والإبداع.
يعتبر مؤشر RI²، مقياس مركب (لا مكان فيه للتمويه)، يُوظف خوارزميات تحليلية وبيانات كمية ونوعية، للكشف عن أنماط السلوك البحثي غير النزيه، فهو لا يقيس فقط الوقائع المثبتة للانتهاكات، بل يحلل احتمالات الانحراف بناءً على سلوكيات النشر، وشفافية البيانات، وأخلاقيات التجريب (هو رادار أخلاقي قادر على بناء ملفات تعريف المخاطر للمؤسسات البحثية، استناداً إلى مؤشرات دقيقة تتجاوز الشكل لتصل المضمون، ويظهر درجة مخاطر النزاهة من صفر “خطر منخفض” إلى 100 “خطر مرتفع”، ما يجعل من المؤشر RI² أداة رقابية ووقائية، ومشكلاً خط الدفاع الأول، لكشف الخلل قبل وقوع الفضيحة، ولمنع اتخاذ قرارات ادارية خاطئة، خاصة بالتمويل أو الترقيات.
يركز مؤشر RI² على معايير دقيقة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، عدد الأبحاث التي تم سحبها أو إلغاؤها نتيجة أخطاء جسيمة أو التلاعب، او السرقة، او النشر في مجلات ثبت افتقارها للمصداقية أو تم حذفها من قواعد البيانات الأكاديمية العالمية، كونها فاقدة للمصداقية العلمية.
وبخلاف التصنيفات التقليدية للجامعات (مثل QS وغيرها)، اعتمد مؤشر RI² على جمع البيانات بتاريخ محدّد من قواعد البيانات، ويتم تنظيف وتوحيد البيانات بإزالة التكرارات، وتحليل النسبة المتداخلة لكل مصدر، وعرض التداخل في جداول توضّح نسبة التطابق.
وبناءً عليه، فقد تم تصنيف الجامعات (معتمداً نتائج قابلة للتحقق، معدل المنشورات المسحوبة، وحصة الإنتاج في المجلات التي شطبت من القائمة)، إلى خمس فئات، فئة جامعات الخطر الكبير، وفئة الجامعات الخطر المرتفع، وفئة جامعات تحت الرقابة، وفئة جامعات الوضع الطبيعي، وفئة جامعات آمنة ومنخفضة الخطورة.
لقد تم تقيم الجامعات العالمية التي حققت الحد الأدنى للنشر العلمي وبما لا يقل عن 1500 بحث خلال آخر عامين (هذا الشرط لضمان أن التحليل الإحصائي للمخاطر البحثية لا يتأثر بتقلبات النسب الصغيرة)، وبينت النتائج ان 648 جامعة صنفت بان ابحاثها امنه ومنخفضة الخطورةLow Risk، و382 جامعة تتمتع بحوثها بالوضع الطبيعيNormal variation، و253 جامعة تحت الرقابة Watch List(منها جامعة اردنية واحدة، حكومية، في المرتبة 230)، و93 جامعة في منطقة الخطر المرتفع High Risk (منها جامعتين حكوميتين في المرتبة 133 و164)، و 124 جامعة ضمن فئة الخطر الكبير Red Flag (منها 5 جامعات اردنية، جامعتين
حكوميتين، في المرتبة 27 و 122، وثلاث جامعات خاصة في المرتبة 16، 34، 72).
وتحريا للمصداقية والدقة وللأمانة العلمية، ولمن يرغب بالاطلاع على قائمة الجامعات (ومنها الجامعات الأردنية)، فإننا نرفق الرابط الخاص والمنشور بتاريخ 13/6/2025، ().
وعند تحليل قائمة الجامعات الوطنية، فإننا نجد بأن 8 جامعات وردت اسماؤها في القائمة، حيث صدر عنها اوراقاً علمية منشورة تجاوزت 1500 ورقة خلال عامين، وان الجامعات التي لم يذكر اسمها، يعكس غيابها عن خريطة البحث العلمي العالمي، وهو واقع مؤلم يستدعي وقفة تأمل ومراجعة من قبل أصحاب القرار.
كما ان الأرقام تبين بان 62.5 % من الجامعات الأردنية التي ظهرت ضمن القائمة كانت ضمن المنطقة الحمراء (الخطر الكبير)، وان 25℅ منها ضمن قائمة عالية الخطورة، 12.5 % ضمن قائمة الجامعات تحت الرقابة، وهذا يستوجب دق ناقوس الخطر، في واقع تتفشى فيه المجاملة الأكاديمية، ويغيب فيه التقييم المحايد، ويُستخدم فيه النشر كأداة للترقية، فإن العديد من الجامعات الوطنية مرشحة لكي تصنف ضمن مناطق الخطر المرتفع، وعندها سنطرح التساؤلات، لماذا حصل هذا؟ والى اين نحن ذاهبون؟ ولعل السؤال الأخطر، هل تستطيع جامعاتنا الصمود أمام شفافية RI²؟
في هذه المقال، فإنني لن اعيد ما سبق لي ان كتبت في مقالات سابقة وتحدثت فيها بالتفصيل، مثل “ويحدثونك عن البحث العلمي” (الجزء 1 و2) منشور بتاريخ
29و30/4/2023، حيث تم فيه تصنيف الباحثين الأردنيين، واشرت الى ان احد المجموعات البحثية، جل همهم حمل الرتب الأكاديمية (شراء البحوث، سرقتها، استلالها او عن طريق التحميل مع الآخرين)، وهم جل همهم قرار مجلس العمداء الذي يمنحهم الرتبة والزيادة في الراتب، والوصول الى مواقع قيادية، وأنه لمن المؤسف أن عدداً منهم قد تسلل الى أعلى المواقع الاكاديمية وأصبحوا من راسمي السياسة التعليمية أو من منفذيها (موثق)، ومنهم المنظرين في الاعلام المرئي والمسموع والمواقع الاليكترونية للنهوض بالبحث والتطوير والمطالبين بتطبيق النزاهة الأكاديمية، وموثقة افعالهم بانعدام النزاهة الاكاديمية لديهم، وفي مقال اخر بعنوان “محور التعليم العالي في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية” 2016 – 2025، والمنشور بتاريخ 3/2/2025، وتحدثت فيه عن جودة البحث العلمي في الأردن، ومقال “القيادات الاكاديمية والجامعات العظيمة” بأجزائه الأربعة والمنشورة بتاريخ 14 و15 و18 و19/3/2023، حيث بينا فيه عن دور رؤساء الجامعات في وضع الجامعات على طريق الوصول للقمة، عندما تكون القيادة لا تتطلع لقوى الشد العكسي من اصحاب المصالح ومن اصحاب التاريخ الحافل بالسرقات العلمية، وقدمنا امثلة كثيره، وسبق لي شخصياً ان استفدت منها، وكذلك مقابلة مع جريدة الدستور، منشور بتاريخ 5/5/2013، طالبت فيها بضرورة هيكلة التعليم العالي، واشرت الى ان الجسم الاكاديمي تسلل اليه البعض، ما كان لهم ان يدخلوا أبواب الجامعات.
ولكي نعيد للنزاهة الأكاديمية اعتبارها، لا يكفي أن نكتب المواثيق، بل يجب أن تُترجم إلى قرارات صارمة، وعقوبات رادعة، ومحاسبة علنية لكل من يثبت عليه التزوير أو الانتحال او السرقة، ويجب ان يدرك التعليم العالي (وزارة التعليم، وهي تعلم بهذه الممارسات، حسب ما هو منشور في جفرا نيوز “التعليم العالي، توضح حول تشكيل لجان لمتابعة أبحاث علمية مسروقة، بتاريخ 2/4/2023) وان تدرك الجامعات أن زمن الصمت قد انتهى، فكما تقيم جودة التعليم، يجب أن تقيم نظافة اليد والعقل الأكاديمية، وها هو اليوم مؤشر RI² جاء لإنقاذ شرف المهنة الأكاديمية (فمعركة النزاهة الأكاديمية، ليست معركة تعليم فقط، بل معركة قيم وبقاء)، ويجب النظر الى الجامعة بانها لم تُبنَ لتكون مصنع للشهادات، والترقيات (فالجامعات التي تتساهل في الانتحال، لا تُخرج علماء، بل تُخرّج مقلدين بألقاب)، بل لغاية خلق معرفة حقيقية وإنتاج كفاءات مسلحة بالمهارات لبناء الوطن.
اليوم، نحن بأمس الحاجة لمراجعة ملفات اعضاء مجالس الحاكمية والقيادات الاكاديمية من رأس الهرم الى مستوى رئيس القسم الأكاديمي وغيرهم من أعضاء الهيئة التدريسية، للاطلاع على مستوى النزاهة الاكاديمية لديهم، واتخاذ الإجراءات ومنها سحب الرتب الاكاديمية واسترداد الأموال التي منحت لهم مقابلها (وهنا يأتي دور أجهزة الرقابة لمراقبة القرارات الإدارية كونها لها انعكاسات مالية)، وضرورة استئصال من يثبت عليه أي شبهة من الجسم الأكاديمي، ومستشهداً باستقالة وزراء من الحكومة الألمانية في عام 2011 و2013 وسحب الشهادات منهم لاستلالهم فقرات في رسائل الدكتوراه لهم قبل حوالي ثلاثة عقود قبل ذلك التاريخ، وهذا ما كنا نمارسه فعلياً في الجامعة، الامر الذي اغضب البعض من أصحاب المصالح.
وهنا فإننا نتخوف بأن يكون المعلن عنه في الجامعات الثمانية لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، الامر الذي يتطلب المباشرة الفورية في اتخاذ الإجراءات الرادعة، وانشاء هيئة وطنية مستقلة للنزاهة في البحث، مماثلة لـ Office of Research Integrity، وتفعيل أنظمة كشف الانتحال والسرقات، كجزء من المنظومة، وإنشاء وحدة تحقيق داخلية مستقلة للرقابة قادرة على الاستجابة السريعة لأي خروقات اكاديمية وتفعيل دور كافة الأجهزة الرقابية ذات العلاقة لاتخاذ الإجراءات الرادعة، وإجراء تقيم لواقع النزاهة الاكاديمية في كافة المؤسسات، وعن البحوث المسحوبة، للوقوف على الأسباب ومعالجتها ووضع عقوبات رادعة للذين تسحب بحوثهم او تثبت عليهم سرقات او استلال علمي (لا مكافئتهم بتعينهم بمواقع قيادية كونهم مطواعين لأصحاب المصالح)، وتفعيل الذكاء الاصطناعي للوقاية من الإخلال بأخلاقيات البحث العلمي.
إن الالتزام بالشفافية واعتماد الكفاءة وتفعيل الحوكمة هو الامر الذي يحقق الرؤى الملكية السامية في اصلاح المنظومة السياسية والادارية والاقتصادية في مؤسسات الدولة.