لجريدة عمان:
2025-10-16@13:28:48 GMT

مبادئ أساسية لعصر الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

تحولت المناقشات الدائرة حول التكنولوجيا على نحو متزايد إلى انقسامات صارخة. ينبغي لنا أن نعمل على تحجيم الذكاء الاصطناعي، أو التعجيل بنشره: الفرضية ونقيضها، ولكن لا مكان للتوليف. بدلًا من اختيار أحد الجانبين، يتعين علينا أن ننظر في نداءات تحشد المؤازرة لبديل يوجه التركيز إلى حيث ينبغي له أن يكون: الإنسانية.

لتحقيق هذه الغاية، أقترح ستة مبادئ أساسية. يتلخص الأول في عبارة ساخرة شهيرة جاءت على لسان القائد العسكري القرطاجي هانيبال: «إما أن أجد طريقًا أو أشق واحدًا». وبما أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية، فإننا بالكاد خدشنا سطح إمكاناته.

الواقع أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يساعدنا في العثور على مسارات لم نتمكن من رؤيتها من قبل، ومن الممكن أن يساعدنا في إيجاد مسارات جديدة من خلال قوة الإبداع البشري. فنحن لدينا أدوات، مثل ChatGPT، وCopilot، وPi، يجري تدريبها بواسطة الناس وعن الناس. وبعيدًا عن الحلول محلنا، فإنه يزودنا بالـمَـدد. تخيل العثور على شعاع من البصيرة لم يكن من الممكن تمييزه من قبل، والذي يمر عبر جودل، وإيشر، وباخ، وكارافاجيو، وروسو، وفيفالدي؛ أو خيط يربط بين المكونات التي تصادف وجودها في مطبخك. إن مجموعة واسعة من الإبداعات البشرية ومساهمات الماضي معلقة أمامنا مثل نسيج متسع، ونحن نملك الآن الأدوات اللازمة لتمكيننا من الاستفادة منها بدرجة أكبر مقارنة بكل ما تمكن من إنجازه أي جيل سابق.

يتمثل المبدأ الثاني في هذه الجملة: «نحن رموز تسكن رموزًا». هكذا وصف رالف والدو إيمرسون استخدامنا للغة لفهم العالم وشرحه وتشكيله. كنا نحن البشر نعتمد دائمًا على الأدوات، والرموز أدوات. فهي تمكننا من إيجاد أشياء لم يكن لها وجود من قبل ولا تحدث تلقائيا في الطبيعة. لنتأمل هنا حيوان «الفتخاء» الخرافي، برأس وجناحي نسر وجسم أسد. إنه خلق بشري يعكس بعض الواقع الذي نريد رؤيته في العالَـم. لقد تخيل البشر حيوان الفتخاء لأسباب إنسانية فريدة. ولا تختلف الحال مع الذكاء الاصطناعي. صحيح أن كثيرا من الإبداعات الخيالية - من الوحش في رواية ماري شيلي، فرانكنشتاين، إلى الرجل الآلي القاتل في فيلم جيمس كاميرون، Terminator - كان المقصود منها أن تكون تحذيرية. ونحن بطبيعة الحال نشعر بالخوف عندما نواجه في البداية «الآخر» أو «الجديد». لكن حيوان الفتخاء يذكّرنا بأننا نستطيع تحويل الخوف إلى حِـس مهيب بالـقُـدرة. البشر، في نهاية المطاف، هم مُـبدعون ونتاج رموزهم وثقافتهم وبيئتهم وقراراتهم. وبالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، يصبح بوسعنا إيجاد مزيد من حيوان الفتخاء.

يتمثل المبدأ الثالث في بناء الكاتدرائيات؛ لأنها تُـفَـخِّـم جهودنا وتحوّل مجرد تجمعات من البشر إلى رفقة وزمالة. تُـعَـد الكاتدرائيات القائمة فعليا من أكثر إبداعات البشري مهابة، مما يجعل من المناسب أن نشير الآن إلى مهام مثل هبوط أبولو على سطح القمر بمسمى «مشاريع الكاتدرائية». كم سيكون من العظيم أن تصبح مثل هذه المشروعات جزءًا من حياتنا اليومية مثل الكاتدرائيات في المدن الأوروبية؟

تتطلب مثل هذه المشروعات مجموعات عديدة من الأيدي، التي تعمل بشكل متضافر عبر المناطق والتخصصات، بل وحتى الأجيال في بعض الأحيان. وكما كتب الكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوبيري: «تُبنى الكاتدرائية بالحجارة؛ إنها تتألف من حجارة؛ لكن الكاتدرائية تعظم وتفخم كل حجر، فيصبح حجر كاتدرائية». والاكتشافات العلمية والإبداعات التكنولوجية هي حجارة في كاتدرائية التقدم البشري.

وتتبع قصص التلسكوب، والمذياع، والسيارة، والمصعد، والطائرة، والآن الذكاء الاصطناعي، نمطًا مماثلًا. ففي حين يعرف كثيرون الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقات تجارية حديثة مثل روبوت المحادثة ChatGPT، فإن الوصول إلى هذه النقطة استغرق أجيالًا من المبدعين والاختراعات. نحن في احتياج إلى مشروعات كبرى -نابعة من التعاون، ولكن أيضًا من بعض المنافسة الصحية- لتمنحنا حس الاتجاه. إن الطريقة التي نصمم بها ونبني كاتدرائياتنا تنبئنا بمن نحن ومن نريد أن نكون.

المبدأ الرابع هو أننا يجب أن نتحمل مخاطر صغيرة حتى يكون لدينا أي أمل في اجتياز المخاطر الكبرى. وبدلا من محاولة إزالة المخاطر تمامًا -وهو أمر مستحيل- يتعين علينا أن نرحب بالتحديات التي قد تجلب الفشل، لأنها تُوجد الفرص للتكرار، والتأمل، والمناقشة، والتحسين المستمر. لنتذكر هنا البصيرة العظيمة التي قدمها رجل الاقتصاد هيمان مينسكي بشأن الانهيارات المالية. لقد رأى أن «الاستقرار» من الممكن أن يُوجد شكلًا نابعًا منه من انعدام الاستقرار. فوجود ضمانات أكثر مما ينبغي في النظام المالي من شأنه أن يجعله أكثر هشاشة، ومظهر الأمان يعني ألا أحد قد يكون مستعدًا عندما ينهار هذا النظام. ينطبق الدرس ذاته على تنظيم الذكاء الاصطناعي. فلا ينبغي لنا أن نكتفي بتحفيز الإبداع؛ بل ينبغي لنا أيضًا أن ندرك أن التجريب -خوض مجازفات أصغر حجمًا- يشكل في حد ذاته آلية لتخفيف المخاطر. في نهاية المطاف، سوف نحصل على تنظيم أفضل عندما تُـنـشَـر هذه التكنولوجيات على نطاق واسع، والذي يسمح لعدد أكبر من الناس بتجربتها ودمجها في حياتهم. هذا أيضا يجب أن يكون مشروعًا مشتركًا، تشارك فيه الحكومة، والقطاع الخاص، والصحافة، والأوساط الأكاديمية، وعامة الناس - جميعنا.

يقول المبدأ الخامس: إن التكنولوجيا هي ما تجعلنا بشرًا. إذا صدقنا فكرة أن الذكاء الاصطناعي هو نقيض فرضية البشرية، فسوف نتوقع مستقبلا عامرا بكائنات نصف بشرية ونصف آلية. لكن هذا ليس حقا كيف يجري الأمر. إن الجمع بين الفرضية والنقيض لا يقودنا إلى مزيج خام، بل إلى فرضية جديدة. تتطور الفرضيتان معًا، وتكون نتيجة التوليف في حالتنا هذه إنسانا أفضل. علاوة على ذلك، قد يساعدنا الذكاء الاصطناعي في أن نصبح أكثر إنسانية. لنتأمل هنا في مدى استجابة وحضور وصبر نماذج الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة. هذه الميزات من الممكن أن تخلّف أثرا عميقا علينا. لا يتمتع الجميع بإمكانية الوصول بشكل يمكن التعويل عليه إلى العطف والدعم الإنساني. ولكن عندما تصبح هذه الموارد متاحة بسهولة، فإن هذا من شأنه أن يعمل على تحسين قدرة كثير من الناس على التعامل مع الآخرين بلطف والتعاطف معهم. والتعاطف من الممكن أن يولد مزيدا من التعاطف. وأظن أن هذا البُـعد من إمكانات الذكاء الاصطناعي لم يلق حتى الآن التقدير الكامل. المبدأ السادس والأخير هو أننا ملزمون بجعل المستقبل أفضل من الحاضر. تخيل وجود طبيب أو مدرس رقمي شخصي في جيوب الجميع. ما هي التكاليف التي قد تترتب على حدوث ذلك آجلًا وليس عاجلًا؟ لا شك أن السرعة فضيلة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، نظرًا لقدرتها الفريدة على تحسين حياة البشر. ينبغي لنا جميعًا أن نسأل أنفسنا كيف قد يبدو التوليف الواعد.

ماذا لو كان بوسعنا الدخول في حقبة جديدة من الازدهار البشري، حيث تساعدنا الأبحاث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على اكتشاف علاجات جديدة وتسخير قوة الاندماج النووي في الوقت المناسب لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ؟ من الطبيعي أن نمعن النظر في المجهول المظلم ونفكر في كل ما قد يحدث من إخفاقات. ولكن من الضروري -والأكثر إنسانية في الأساس- أن نفكر في ما يمكن أن يصادفنا من نجاح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من الممکن أن ینبغی لنا

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا فيزيائيًا استعصى على العلماء لأكثر من قرن

يتميز THOR AI بقدرته على العمل بسلاسة مع النماذج الذرية الحديثة القائمة على التعلّم الآلي، ما يجعله أداة قابلة للتوسّع في مجالات متعددة، تشمل علوم المواد، والفيزياء، والكيمياء. اعلان

نجح باحثون من جامعة نيو مكسيكو ومختبر لوس ألاموس الوطني في تطوير إطار حسابي مبتكر يُمكّن من حل مشكلة ظلت تُشكل تحديًا جوهريًّا أمام علماء الفيزياء الإحصائية لعقود من الزمن.

ويُعد هذا الإطار، المسمّى "إطار عمل الذكاء الاصطناعي للموترات لتمثيل الكائنات عالية الأبعاد" (THOR)، قفزة نوعية في فهم سلوك المواد تحت ظروف ديناميكية حرارية وميكانيكية معقّدة.

في قلب هذا الإنجاز يكمن التكامل التكويني — وهو معادلة رياضية تُستخدم لوصف التفاعلات بين الجسيمات في الأنظمة الفيزيائية. ويُعد حساب هذا التكامل بدقة أمرًا بالغ الصعوبة، خصوصًا في التطبيقات التي تتضمّن ضغوطًا شديدة أو تحولات طورية، نظرًا لتعقيداته الحسابية الهائلة.

ويقول بويان ألكساندروف، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في مختبر لوس ألاموس الوطني والقائد الرئيسي للمشروع: "التكامل التكويني يلتقط تفاعلات الجسيمات، لكن تقييمه دقيقًا كان دائمًا أمرًا بطيئًا ومعقّدًا. إن التحديد الدقيق للسلوك الديناميكي الحراري لا يعمّق فهمنا العلمي للميكانيكا الإحصائية فحسب، بل يزوّدنا أيضًا برؤى حاسمة في مجالات مثل علم المعادن."

تجاوز "لعنة الأبعاد"

لعقود، اعتمد الباحثون على طرق تقريبية مثل الديناميكيات الجزيئية ومحاكاة مونت كارلو لتقدير التكامل التكويني. ومع ذلك، فإن هذه الطرق تعاني من ما يُعرف بـ"لعنة الأبعاد"، حيث يزداد التعقيد الحسابي بشكل أُسي مع كل متغير إضافي، حتى إن أسرع الحواسيب العملاقة كانت تفشل في إنتاج نتائج دقيقة في أوقات معقولة. وغالبًا ما كانت هذه المحاكاة تستغرق أسابيع دون أن تحقق دقة كافية.

من جهته لاحظ ديميتر بيتسيف، أستاذ في قسم الهندسة الكيميائية والبيولوجية بجامعة نيو مكسيكو والشريك البحثي لألكساندروف، أن الاستراتيجيات الحسابية الجديدة التي طوّرها الفريق تتيح حلاً مباشرًا للتكامل التكويني — وهي خطوة كانت تُعتبر مستحيلة في سياق الميكانيكا الإحصائية.

ويوضح بيتسيف: "تقليديًا، كان حل التكامل التكويني بشكل مباشر مستحيلًا لأن التكامل غالبًا ما ينطوي على أبعاد تصل إلى الآلاف. التقنيات الكلاسيكية كانت تتطلب أوقاتًا حسابية تتجاوز عمر الكون، حتى باستخدام أحدث الحواسيب. لكن تقنيات شبكة الموتر وضعت معيارًا جديدًا للدقة والكفاءة، يمكن من خلاله قياس جميع الأساليب الأخرى."

ثورة في السرعة والدقة

ويعتمد THOR AI على تمثيل مكعب البيانات عالي الأبعاد للمتكامل كسلسلة من المكونات الأصغر عبر تقنية رياضية تُعرف بـ"الاستيفاء المتقاطع لقطار الموتر". ويُطبّق البديل المخصّص لهذه الطريقة تماثلات بلورية جوهرية، ما يسمح بحساب التكامل التكويني في ثوانٍ، بدلًا من آلاف الساعات، دون أي تنازل عن الدقة.

وأظهرت الاختبارات أن THOR AI قادر على إعادة إنتاج نتائج أفضل عمليات محاكاة مختبر لوس ألاموس — لكن بسرعة تفوقها بأكثر من 400 مرة. وقد طُبّق الإطار بنجاح على معادن مثل النحاس، وعلى غازات نبيلة تحت ضغط عالٍ مثل الأرجون في حالته البلورية، وكذلك في حساب انتقال الطور الصلب إلى الصلب للقصدير.

أداة متعددة التخصصات

ويتميز THOR AI بقدرته على العمل بسلاسة مع النماذج الذرية الحديثة القائمة على التعلّم الآلي، ما يجعله أداة قابلة للتوسّع في مجالات متعددة، تشمل علوم المواد، والفيزياء، والكيمياء.

ويقول دوك ترونج، عالم في مختبر لوس ألاموس والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة "Physical Review Materials": "هذا الاختراق يستبدل عمليات المحاكاة والتقديرات التقريبية للتكامل التكويني التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان بحسابات قائمة على المبادئ الأولى. ويُفتح THOR AI الباب أمام اكتشافات أسرع وفهم أعمق للمواد."

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • جيتكس 2025 يسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الاتصالات
  • هل يسدد الذكاء الاصطناعي ديون الغرب؟
  • عندما يقفز الذكاء الاصطناعي على حواجز اللغة؟
  • مستقبل مراكز مصادر التعلّم في ظل الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي.. من الإبداع إلى الخداع
  • أكثر من 65 ألف متدرب ضمن "مبادرة سمّاي" لتعليم الذكاء الاصطناعي بعسير
  • الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا فيزيائيًا استعصى على العلماء لأكثر من قرن
  • «هاكاثون» لتطوير الذكاء الاصطناعي في طب العيون
  • مقدمة لعصر جديد من القتال.. كيف استخدمت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في الحرب الأخيرة على غزة؟
  • وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي أداة للتعليم والمعلم يظل البوصلة التي توجه المستقبل