لجريدة عمان:
2025-05-10@09:57:29 GMT

مبادئ أساسية لعصر الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

تحولت المناقشات الدائرة حول التكنولوجيا على نحو متزايد إلى انقسامات صارخة. ينبغي لنا أن نعمل على تحجيم الذكاء الاصطناعي، أو التعجيل بنشره: الفرضية ونقيضها، ولكن لا مكان للتوليف. بدلًا من اختيار أحد الجانبين، يتعين علينا أن ننظر في نداءات تحشد المؤازرة لبديل يوجه التركيز إلى حيث ينبغي له أن يكون: الإنسانية.

لتحقيق هذه الغاية، أقترح ستة مبادئ أساسية. يتلخص الأول في عبارة ساخرة شهيرة جاءت على لسان القائد العسكري القرطاجي هانيبال: «إما أن أجد طريقًا أو أشق واحدًا». وبما أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية، فإننا بالكاد خدشنا سطح إمكاناته.

الواقع أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يساعدنا في العثور على مسارات لم نتمكن من رؤيتها من قبل، ومن الممكن أن يساعدنا في إيجاد مسارات جديدة من خلال قوة الإبداع البشري. فنحن لدينا أدوات، مثل ChatGPT، وCopilot، وPi، يجري تدريبها بواسطة الناس وعن الناس. وبعيدًا عن الحلول محلنا، فإنه يزودنا بالـمَـدد. تخيل العثور على شعاع من البصيرة لم يكن من الممكن تمييزه من قبل، والذي يمر عبر جودل، وإيشر، وباخ، وكارافاجيو، وروسو، وفيفالدي؛ أو خيط يربط بين المكونات التي تصادف وجودها في مطبخك. إن مجموعة واسعة من الإبداعات البشرية ومساهمات الماضي معلقة أمامنا مثل نسيج متسع، ونحن نملك الآن الأدوات اللازمة لتمكيننا من الاستفادة منها بدرجة أكبر مقارنة بكل ما تمكن من إنجازه أي جيل سابق.

يتمثل المبدأ الثاني في هذه الجملة: «نحن رموز تسكن رموزًا». هكذا وصف رالف والدو إيمرسون استخدامنا للغة لفهم العالم وشرحه وتشكيله. كنا نحن البشر نعتمد دائمًا على الأدوات، والرموز أدوات. فهي تمكننا من إيجاد أشياء لم يكن لها وجود من قبل ولا تحدث تلقائيا في الطبيعة. لنتأمل هنا حيوان «الفتخاء» الخرافي، برأس وجناحي نسر وجسم أسد. إنه خلق بشري يعكس بعض الواقع الذي نريد رؤيته في العالَـم. لقد تخيل البشر حيوان الفتخاء لأسباب إنسانية فريدة. ولا تختلف الحال مع الذكاء الاصطناعي. صحيح أن كثيرا من الإبداعات الخيالية - من الوحش في رواية ماري شيلي، فرانكنشتاين، إلى الرجل الآلي القاتل في فيلم جيمس كاميرون، Terminator - كان المقصود منها أن تكون تحذيرية. ونحن بطبيعة الحال نشعر بالخوف عندما نواجه في البداية «الآخر» أو «الجديد». لكن حيوان الفتخاء يذكّرنا بأننا نستطيع تحويل الخوف إلى حِـس مهيب بالـقُـدرة. البشر، في نهاية المطاف، هم مُـبدعون ونتاج رموزهم وثقافتهم وبيئتهم وقراراتهم. وبالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، يصبح بوسعنا إيجاد مزيد من حيوان الفتخاء.

يتمثل المبدأ الثالث في بناء الكاتدرائيات؛ لأنها تُـفَـخِّـم جهودنا وتحوّل مجرد تجمعات من البشر إلى رفقة وزمالة. تُـعَـد الكاتدرائيات القائمة فعليا من أكثر إبداعات البشري مهابة، مما يجعل من المناسب أن نشير الآن إلى مهام مثل هبوط أبولو على سطح القمر بمسمى «مشاريع الكاتدرائية». كم سيكون من العظيم أن تصبح مثل هذه المشروعات جزءًا من حياتنا اليومية مثل الكاتدرائيات في المدن الأوروبية؟

تتطلب مثل هذه المشروعات مجموعات عديدة من الأيدي، التي تعمل بشكل متضافر عبر المناطق والتخصصات، بل وحتى الأجيال في بعض الأحيان. وكما كتب الكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوبيري: «تُبنى الكاتدرائية بالحجارة؛ إنها تتألف من حجارة؛ لكن الكاتدرائية تعظم وتفخم كل حجر، فيصبح حجر كاتدرائية». والاكتشافات العلمية والإبداعات التكنولوجية هي حجارة في كاتدرائية التقدم البشري.

وتتبع قصص التلسكوب، والمذياع، والسيارة، والمصعد، والطائرة، والآن الذكاء الاصطناعي، نمطًا مماثلًا. ففي حين يعرف كثيرون الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقات تجارية حديثة مثل روبوت المحادثة ChatGPT، فإن الوصول إلى هذه النقطة استغرق أجيالًا من المبدعين والاختراعات. نحن في احتياج إلى مشروعات كبرى -نابعة من التعاون، ولكن أيضًا من بعض المنافسة الصحية- لتمنحنا حس الاتجاه. إن الطريقة التي نصمم بها ونبني كاتدرائياتنا تنبئنا بمن نحن ومن نريد أن نكون.

المبدأ الرابع هو أننا يجب أن نتحمل مخاطر صغيرة حتى يكون لدينا أي أمل في اجتياز المخاطر الكبرى. وبدلا من محاولة إزالة المخاطر تمامًا -وهو أمر مستحيل- يتعين علينا أن نرحب بالتحديات التي قد تجلب الفشل، لأنها تُوجد الفرص للتكرار، والتأمل، والمناقشة، والتحسين المستمر. لنتذكر هنا البصيرة العظيمة التي قدمها رجل الاقتصاد هيمان مينسكي بشأن الانهيارات المالية. لقد رأى أن «الاستقرار» من الممكن أن يُوجد شكلًا نابعًا منه من انعدام الاستقرار. فوجود ضمانات أكثر مما ينبغي في النظام المالي من شأنه أن يجعله أكثر هشاشة، ومظهر الأمان يعني ألا أحد قد يكون مستعدًا عندما ينهار هذا النظام. ينطبق الدرس ذاته على تنظيم الذكاء الاصطناعي. فلا ينبغي لنا أن نكتفي بتحفيز الإبداع؛ بل ينبغي لنا أيضًا أن ندرك أن التجريب -خوض مجازفات أصغر حجمًا- يشكل في حد ذاته آلية لتخفيف المخاطر. في نهاية المطاف، سوف نحصل على تنظيم أفضل عندما تُـنـشَـر هذه التكنولوجيات على نطاق واسع، والذي يسمح لعدد أكبر من الناس بتجربتها ودمجها في حياتهم. هذا أيضا يجب أن يكون مشروعًا مشتركًا، تشارك فيه الحكومة، والقطاع الخاص، والصحافة، والأوساط الأكاديمية، وعامة الناس - جميعنا.

يقول المبدأ الخامس: إن التكنولوجيا هي ما تجعلنا بشرًا. إذا صدقنا فكرة أن الذكاء الاصطناعي هو نقيض فرضية البشرية، فسوف نتوقع مستقبلا عامرا بكائنات نصف بشرية ونصف آلية. لكن هذا ليس حقا كيف يجري الأمر. إن الجمع بين الفرضية والنقيض لا يقودنا إلى مزيج خام، بل إلى فرضية جديدة. تتطور الفرضيتان معًا، وتكون نتيجة التوليف في حالتنا هذه إنسانا أفضل. علاوة على ذلك، قد يساعدنا الذكاء الاصطناعي في أن نصبح أكثر إنسانية. لنتأمل هنا في مدى استجابة وحضور وصبر نماذج الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة. هذه الميزات من الممكن أن تخلّف أثرا عميقا علينا. لا يتمتع الجميع بإمكانية الوصول بشكل يمكن التعويل عليه إلى العطف والدعم الإنساني. ولكن عندما تصبح هذه الموارد متاحة بسهولة، فإن هذا من شأنه أن يعمل على تحسين قدرة كثير من الناس على التعامل مع الآخرين بلطف والتعاطف معهم. والتعاطف من الممكن أن يولد مزيدا من التعاطف. وأظن أن هذا البُـعد من إمكانات الذكاء الاصطناعي لم يلق حتى الآن التقدير الكامل. المبدأ السادس والأخير هو أننا ملزمون بجعل المستقبل أفضل من الحاضر. تخيل وجود طبيب أو مدرس رقمي شخصي في جيوب الجميع. ما هي التكاليف التي قد تترتب على حدوث ذلك آجلًا وليس عاجلًا؟ لا شك أن السرعة فضيلة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، نظرًا لقدرتها الفريدة على تحسين حياة البشر. ينبغي لنا جميعًا أن نسأل أنفسنا كيف قد يبدو التوليف الواعد.

ماذا لو كان بوسعنا الدخول في حقبة جديدة من الازدهار البشري، حيث تساعدنا الأبحاث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على اكتشاف علاجات جديدة وتسخير قوة الاندماج النووي في الوقت المناسب لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ؟ من الطبيعي أن نمعن النظر في المجهول المظلم ونفكر في كل ما قد يحدث من إخفاقات. ولكن من الضروري -والأكثر إنسانية في الأساس- أن نفكر في ما يمكن أن يصادفنا من نجاح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من الممکن أن ینبغی لنا

إقرأ أيضاً:

اتفاقية استخدام الذكاء الاصطناعي للمدن الذكية في مصر وإسبانيا

شهد حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، مراسم توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الإستراتيجي بين مركز (سيرسي) الإسباني لأبحاث موارد الطاقة والاستهلاك وشركة السويدي إليكتروميتر، بغرض توفير حلول تكنولوجية تلائم احتياجات ترفيق المدن الذكية في البلدين.

ويستهدف الجانبان استخدام الأدوات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والنظم الذكية ومعالجات البيانات الضخمة لتحسين كفاءة واستدامة شبكات توزيع المرافق مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى توفير حلول تقنية لتحسين كفاءة خدمات الحماية من الحرائق وشحن السيارات الكهربائية وإنارة الشوارع والمنازل وغيرها من الخدمات الضرورية لقاطني المدن الذكية.

ووفق الاتفاقية سيتوزع إنتاج الحلول التكنولوجية بين مصر وإسبانيا، كما سيتم إدماج طلاب مدرسة السويدي للتكنولوجيا التطبيقية في كافة مراحل التعاون بين الجانبين لتأهليهم للعمل في مصانع الشركة بمصر وإسبانيا.

وقع الاتفاقية المهندس عماد السويدي، رئيس مجلس إدارة مجموعة السويدي إليكتروميتر، والدكتور أندريس لومبارت إستوبينان، الرئيس التنفيذي لمركز سيرسي، بحضورماريا ديل مار فاكيرو بيريانيز، نائبة رئيس حكومة إقليم أراجون الإسباني، والسفير ألفارو إيرانزو جوتيريز، سفير إسبانيا في مصر، والمهندس محمد زكي السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، والمهندس ماجد المنشاوي، رئيس مجلس الأعمال المصري الإسباني.

قال المهندس عماد السويدي إن الاتفاقية تتسق مع هدف مجموعة السويدي إليكتروميتر، وهو “الاستثمار في التكنولوجيا تمهيداً للاستثمار في الصناعة”، لأن التغيرات العالمية الأخيرة أثبتت للجميع أن من ينتج التكنولوجيا يستطيع أن يكون لاعبا رئيسيا في السوق العالمية ويصبح قادرا على تحقيق نمو مستدام، مشيراً إلى أن الاتفاقية تُعتبر خطوة إستراتيجية في مجال التعاون بين البلدين وليس المؤسستين فقط، لأنها ستوفر حلولا تكنولوجية لكل شركات ومستهلكي البلدين، وتحميهم من الآثار السلبية للصراعات التجارية.

وقالت ماريا ديل مار فاكيرو بيريانيز، نائبة رئيس حكومة إقليم أراجون الإسباني، إن الاتفاقية سيكون لها أثر إيجابي على البلدين، خاصةً مع الاهتمام الكبير الذي توليه مقاطعة أراجون لقطاعات التكنولوجيا والصناعات الهندسية والاستدامة البيئية، حيث تمثل صناعة السيارات 30% من الناتج الصناعي للمقاطعة، كما أن أراجون تسهم وحدها بحوالي 80% من قدرات الطاقة المتجددة في إسبانيا، و12% من إجمالي إمدادات الطاقة في إسبانيا، كما تستضيف العاصمة سرقسطة مؤتمر “the wave”، وهو واحد من أهم مؤتمرات ريادة الأعمال في أوروبا.

وأكدت نائبة رئيس حكومة إقليم أراجون رغبة بلادها في التعاون مع قطاع التكنولوجيا المصري الغني بالمواهب الشابة والخبرات المتراكمة.

من جانبه، استعرض حسام هيبة آخر تطورات نظم الاستثمار والحوافز المُقدمة للمستثمرين في مصر، مشيراً إلى منظومة المناطق الحرة ستكون ملائمة لاستضافة المنشأت الجديدة التي ستعتمد على التكنولوجيا المتطورة الناتجة عن هذه الاتفاقية، حيث تضم مصر 9 مناطق حرة عامة حالياً، و4 مناطق حرة عامة تحت الإنشاء تبدأ عملها منتصف العام القادم، هذا بالإضافة إلى 230 منطقة حرة خاصة، جميعها تتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية كاملة، ما يسهل إعادة تصدير المنتجات التكنولوجية للأسواق المُستهدفة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، مع إمكانية توجيه 20% من المنتجات إلى السوق المصرية.

وأشار الرئيس التنفيذي للهيئة إلى أن مصر تتجه حالياً إلى تحقيق التكامل بين المنافسين الأفارقة، خاصةً المغرب وجنوب إفريقيا، من أجل زيادة تدفق الاستثمارات والتجارة البينية “إفريقية- إفريقية”، كما تم توقيع مذكرات تفاهم وبروتوكولات تعاون مع كل مؤسسات الترويج للاستثمار في إفريقيا تقريباً، ما يسهل إنشاء مراكز تصنيعية وتقنية مشتركة داخل العديد من دول القارة.

من جانبه، أكد المهندس محمد السويدي أن هناك فرصا ضخمة للتعاون بين البلدين من أجل تسريع الالتزام المصري والإسباني بمتطلبات الاستدامة البيئية الأوروبية.

وقال السفير ألفارو إيرانزو جوتيريز، سفير إسبانيا في مصر، أن البلدين يمتلكان الكثير من القواسم المشتركة القادرة على دعم جهود التنمية في إقليم البحر المتوسط بأكمله.

وأكد المهندس ماجد المنشاوي، رئيس مجلس الأعمال المصري الإسباني، وجود العديد من قصص النجاح للتعاون الاستثماري بين البلدين منذ مطلع القرن الحالي، في قطاعات البترول ومعالجة المياه والصرف الصحي وصناعة الأدوية والنقل والسكك الحديدية، وطالب بأن يتم توجيه جزء من التعاون التقني بين السويدي إليكتروميتر وسيرسي لقطاع السياحة، خاصةً ان البلدين ضمن أهم مقاصد السياحة العالمية ويتمتعان بعوامل جذب استثنائية يمكن تعظيم الاستفادة منها عبر التكنولوجيا الحديثة.

بوابة الأهرام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الذكـاء الاصطناعـي «الخـارق» لـم يولـد بعـد!
  • أسرع من الهاكرز.. الذكاء الاصطناعي يهدد كلمات المرور
  • اتفاقية استخدام الذكاء الاصطناعي للمدن الذكية في مصر وإسبانيا
  • تراجع عمليات البحث في سفاري لأول مرة بسبب الذكاء الاصطناعي
  • سعر ومواصفات موبايل هونر 400 برو.. يدعم الذكاء الاصطناعي
  • الثقافة والمعلوماتية وسؤال الذكاء الاصطناعي
  • سلامة الحمادي.. رحلة تميز في الذكاء الاصطناعي
  • خبراء جوجل يشددون على دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن السيبراني
  • الإمارات تشارك في استضافة حدث حول «الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية»
  • باستخدام الذكاء الاصطناعي.. جوجل تبسط أصعب النصوص!