سودانايل:
2025-05-25@08:34:45 GMT

مؤامرة الصمت عن السودان ومشكلة اللاجئين فى مصر

تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT

د. أحمد عبدالعال عمر
وظيفة المفكر والكاتب كما تعلمنا من أساتذتنا الكرام هى أن يفكر بصوت مسموع، وأن يكتب بفصاحة وشجاعة فى الموضوعات والقضايا والمشكلات التى يفكر فيها الآخرون دون صوت، لأنهم يخشون التعبير عنها أو لا يملكون مهارات وأدوات هذا التعبير.
ولعل أهم الموضوعات والمشكلات المثيرة للخوف والجدل فى مجتمعنا المصرى اليوم، والتى أصبحت تُثير اهتمام وحيرة رجل الشارع البسيط، واهتمام المسؤولين الرسميين ومؤسسات الدولة، هى مشكلة الوافدين واللاجئين فى مصر عامة، ومشكلة الوافدين واللاجئين السودانيين على وجه التخصيص، بعد أن أدى طوفان لجوئهم إلى مصر هروبًا من الحرب العبثية الدائرة فى السودان منذ عام ونصف، وتمركزهم بأعداد كبيرة فى محافظات ومدن وأحياء محددة إلى بعض المخاوف الأمنية والاجتماعية، وإلى زيادة أعباء المصريين الاقتصادية نتيجة مزاحمة اللاجئين لهم فى سوق وفرص العمل، ونتيجة ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات فى مدن ومناطق تمركزهم على نحو يفوق قدرة المصريين على الاحتمال فى ظل ظروف اقتصادية مصرية داخلية ضاغطة عليهم بالأساس.


وفى حقيقة الأمر، إن صمت العالم ومعظم وسائل الإعلام عن ما يحدث فى السودان من حرب بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وما يترتب عليها من جرائم فى حق الشعب السودانى، يجعلنى أرى فى هذا الصمت مؤامرة كبرى هدفها إعطاء الفرصة لتمزيق وحدة السودان والسيطرة على خيراته لصالح بعض القوى الإقليمية والدولية، بعد تهجير أكبر عدد من أهله إلى مصر، ليصبح اللاجئون السودانيون فى مصر قنبلة موقوتة يُمكن تفجيرها لاحقًا، وليزيدوا بوجودهم الضخم من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدولة المصرية.

وهذا يعنى أن مصر هى الخاسر الأكبر من الحرب بين الإخوة الأعداء فى السودان، ومن المؤامرة التى تُحاك ضد شعبه ومقدراته، وأن هذه الحرب وتلك المؤامرة أصبحت تهدد ثوابت أمن مصر القومى، وتهدد كذلك اقتصادها وأمنها الداخلى واستقرار وتوازن مجتمعها على نحو أخطر فى ظنى مما يحدث فى غزة.

ومع احترامى الشديد للخوف الإنسانى وغريزة حب البقاء التى دفعت ملايين السوريين واليمنيين والسودانيين لترك بلادهم وأرض أجدادهم، وتحولهم إلى لاجئين فى بلاد الآخرين، فإننى أظن اليوم أن تهجيرهم وتيسيره مع بداية الحرب الأهلية فى سوريا واليمن والسودان كان مؤامرة تهدف إلى تفريغ المدن السورية واليمنية والسودانية لتصبح الأرض مسرحًا لتنفيذ مخطط إسقاط أنظمة هذه الدول وتمزيق وحدتها وأرضها، مع التقليل بقدر الإمكان من حجم الخسائر البشرية حتى يظل ضمير العالم فى الثلاجة لحين اكتمال مخططات الإسقاط والتقسيم.

وبناء على ذلك يُمكن القول إن هروب هؤلاء اللاجئين السريع مع بداية الحرب من بلادهم وبيوتهم وأرض آبائهم وأجدادهم بدافع السلامة والخلاص الشخصى والعائلى، كان جريمة ضمنية أخرى فى حق أوطانهم يسرت تنفيذ مخططات أعدائها، وربما لو تشبثوا بالبقاء فى بلادهم ودفعوا ثمن ذلك الخيار الوطنى، لأفشلوا إلى حد كبير هذه المُخططات.

وبعيدًا عن موضوع اللاجئين أنفسهم وعلاقتهم بأوطانهم، وأن بعضهم قد استغل حالة انعدام الأمن مع بداية الحرب فى السلب والنهب، ورحل عن بلاده محملًا بالكثير عن المال الناتج عن ذلك، وعودة للحديث عن تفاقم مشكلة الوافدين واللاجئين عمومًا فى مصر والمخاوف والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية المترتبة عليها، يمكن القول إن التصدى لبحث هذه المشكلة فى بلدنا من أجل محاولة حلها قبل تفاقمها وانفجارها المتوقع فى وجهنا بشكل يُهدد أمننا الاقتصادى والاجتماعى، ويؤثر سلبيًا على علاقتنا الإنسانية والتاريخية والسياسية بهذه البلاد وشعوبها يتطلب دراسة الأسئلة التالية ومحاولة الإجابة عنها:

- ما هى أهم مخاوف المصريين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية من طوفان الوافدين واللاجئين فى مصر، وكيف يمكن التعامل معها وتقليل مخاطرها؟

- ما هى الأعداد الفعلية للوافدين واللاجئين المقيمين فى مصر اليوم، سواء المسجلين منهم فى مفوضية اللاجئين أم غير المسجلين، وما هى طريقة دخولهم لمصر؟

- ما هى دوافع خروج كل منهم من أوطانهم، وما هى إمكانية عودتهم إليها بعد استقرار أوضاعها؟

- ما هى مصادر دخلهم وإنفاقهم فى مصر، ونمط حياتهم وطبيعة علاقاتهم فيها؟

- ما هى أهدافهم الحالية والمستقبلة من وجودهم فى مصر؟ وهل مصر بالنسبة لهم وطن مؤقت لحين استقرار الأوضاع فى بلادهم؟ أم هى وطن بديل وفرصة استثمار وحياة أفضل؟ أم مجرد معبر إلى أوروبا؟.

وأظن أن الإجابة على هذه التساؤلات بموضوعية مع دعوة الدولة المصرية للوافدين واللاجئين لتسجيل بياناتهم وتوفيق أوضاعهم فى موعد نهائى أقصاه يوم 30 يونيو 2024، سوف يمنح صانع ومتخذ القرار فى مصر رؤية أكثر شمولًا لمشكلة الوافدين واللاجئين فى بلادنا، وتحديد الطريقة المثلى للتعامل معهم كل بحسب حالته، وتقليل أعداد المقيمين منهم فى بلادنا بقدر الإمكان، وإعادتهم الواجبة إلى أوطانهم بشكل يحترم إنسانيتهم وكرامتهم وأمنهم، ويضمن الحفاظ على علاقات الجوار ومشاعر الأخوة الإنسانية والقومية مع شعوب هذه الدول، ويكفى المصريون أنهم استضافوا هؤلاء الوافدين واللاجئين فى بلادهم كأهل وأصحاب بيت على مدار أكثر من عشر سنوات.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اللاجئین فى فى مصر

إقرأ أيضاً:

العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟

zuhair.osman@aol.com


في 22 مايو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، في خطوة وصفتها دوائر دبلوماسية بأنها تمثل "أعلى مستويات التصعيد" منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في أبريل 2023.
وجاءت هذه الإجراءات عقب اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية في دارفور، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، كما وصفها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله:


"العدالة تقتضي أن تتحمل الجهات المسؤولة تبعات أفعالها، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خروقات فظيعة لحقوق الإنسان".
هذه العقوبات لا تأتي في فراغ، بل تُشكّل تطورًا نوعيًا في سياق دولي ظلّ حذرًا ومتردّدًا في تجاوز الإدانة الخطابية إلى الفعل التنفيذي. ومع تفاقم الكارثة الإنسانية وانهيار مؤسسات الدولة، تُطرح تساؤلات جدّية حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستغير شيئًا في المعادلة، أم ستزيدها تعقيدًا.
أثر العقوبات: بين الرمزية والفعالية
رغم أن أثر العقوبات على توازن القوى العسكرية في المدى القريب قد يكون محدودًا، بالنظر إلى وجود مصادر دعم وتسليح متنوعة لطرفي النزاع، فإن الأثر الأهم يتجلى في المجال السياسي والدبلوماسي، حيث تهدف واشنطن إلى عزل الحكومة السودانية
وحرمانها من الشرعية الدولية، في تمهيد واضح لمحاسبة قانونية لاحقة، أو إعادة ترتيب شروط أي تسوية مستقبلية.


وبينما يذكّرنا تاريخ العقوبات على السودان، خاصة خلال التسعينيات، بآثارها المؤلمة على المدنيين أكثر من النخب، فإن الصيغة المستهدفة لهذه العقوبات الجديدة – التي تطال قطاعات محددة وأفرادًا نافذين – تمثّل تطورًا يعكس تعلمًا من التجارب السابقة.


لكن يبقى هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت العقوبات تستثني المساعدات الإنسانية، إذ أن غياب هذه التفاصيل قد ينذر بتضييق جديد على المدنيين، في بلد يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية والصحية في العالم.


التحالف الإقليمي في مأزق الخيارات
أبرز ما تكشف عنه هذه العقوبات هو الإحراج المتزايد الذي تواجهه الدول العربية الداعمة للجيش السوداني، والتي استند دعمها في السابق إلى دوافع استراتيجية تشمل كبح النفوذ الإسلامي، وحماية مصالح أمنية وتجارية على البحر الأحمر
واستثمار الفراغ الجيوسياسي في شرق إفريقيا.


لكن مع تلويح واشنطن – عبر تصريحات مسؤولين في وزارة الخزانة – بأن العقوبات قد تشمل شركاء يدعمون "المنتهكين للقانون الدولي"، بدا وكأن باب العقوبات الثانوية قد فُتح. وهكذا، يجد التحالف الإقليمي نفسه مضطرًا إلى مراجعة خياراته
في توازن دقيق بين الإبقاء على نفوذه في السودان وعدم خسارة العلاقة الحيوية مع واشنطن.


حتى الآن، اختار التحالف الصمت، وربما المراقبة، بانتظار ما إذا كانت هذه العقوبات خطوة مؤقتة أم بداية لسلسلة أشمل من الإجراءات.


الصوت المدني... الغائب الحاضر
في كل هذا، يظل الصوت المدني السوداني الأكثر تغييبًا والأكثر حاجة للدعم.
الحركات المدنية التي حملت راية الثورة السودانية في 2019 لا تزال في حالة تشرذم، إذ أن التنافس بين مكوناتها، وغياب مشروع سياسي موحّد، قد أفقدها فاعليتها. ومع ذلك، تواصل لجان المقاومة والمنظمات المحلية نضالها على الأرض،
في ظروف قاسية، دون غطاء دولي كافٍ.


إن الرهان الحقيقي لإنهاء الحرب لا يكمن في العقوبات وحدها، بل في بناء بديل سياسي مدني قادر على ملء الفراغ، وتقديم مشروع جامع للسلام والمواطنة والعدالة الانتقالية.


احتمالات المستقبل: بين التدويل والانهيار
تمثّل العقوبات الأمريكية اليوم عتبة محتملة لتدويل أوسع للصراع، قد يشمل لجان تقصّي حقائق دولية، أو طرح الملف أمام مجلس الأمن. لكن الانقسامات الدولية – خاصة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى – تجعل هذا المسار
محفوفًا بالعراقيل.


في المقابل، الاقتصاد السوداني المنهار هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة. فالعملة المحلية تفقد قيمتها يوميًا، والتضخم بلغ مستويات قياسية، والمجتمع يرزح تحت الفقر وانعدام الأمن. وقد يؤدي هذا الانهيار إلى فرض تنازلات من الأطراف المتقاتلة
لكنه يحمل أيضًا خطر تحلل الدولة بالكامل، بما لا يبقي شيئًا للتفاوض عليه.


نظرة نقدية: بين الادعاءات والمساءلة
يجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بحذر مع الاتهامات بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية، عبر تحقيقات مهنية وشفافة. إذ أن عدم إثباتها بشكل قاطع قد يُحوّل العقوبات إلى أداة سياسية مثيرة للجدل، ويُضعف موقف الولايات المتحدة أخلاقيًا في عيون البعض.


كذلك، فإن أية عقوبات لا تترافق مع ممرات آمنة للمساعدات، ودعم واضح للجهود الإنسانية والديمقراطية، قد تُنظر لها كعقاب جماعي، لا كوسيلة ضغط سياسية عادلة.


الحل سوداني أولًا - تمثل العقوبات الأمريكية لحظة فارقة في تاريخ الصراع السوداني، وتضغط على اللاعبين الإقليميين والدوليين لإعادة التفكير في تموقعاتهم.
لكنها ليست عصا سحرية، ولن تنهي الحرب وحدها. بل هي فرصة – إن أحسن السودانيون قراءتها – للانتقال من معادلة الحرب إلى معادلة الحل السياسي.


وفي نهاية المطاف، السلام الدائم لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، عبر مشروع وطني جامع يُنهي عهد الانقلابات والميليشيات، ويؤسس لدولة عادلة، مدنية، ومزدهرة.

 

مقالات مشابهة

  • الصمت عار.. نداء نسائي موريتاني لإنقاذ غزة
  • انهارت وتضعضعت كل رهاناتهم على صخرة مقاومة جيش الدولة والتفاف الأُمّة حوله
  • مستودعات الموت … من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!
  • محاولة فهم ما يجري عندنا !
  • نهاية القتال في السودان… تجميد الحرب
  • السودان مهدد للسلم الإقليمي والعالمي
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • قوافل حجاج السودان تشق طريقها إلى مكة رغم الحرب
  • العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟
  • غضب في جنوب أفريقيا من مزاعم ترامب بإبادة البيض في بلادهم