بسم الله الرحمن الرحيم.
بقلم :بروفيسور مهدي أمين التوم
أخي و صديقي العزيز في رحاب نزوحك و هجرتك القسرية.
شكراً جزيلاً لإعطائك جزءاً من وقتك الثمين للإستماع ل ( المشروع المُقتَرَح لسودان بُكْرَة)..معذرة للطول الذي ربما أزعجك و الذي حَتَّمَه عجزي عن إمتِلاك المقدرة علي القول بما قَلَّ و دَلَّ.و مشكور علي إشارتك بضرورة توفير المقترح نصاً لمن يفضلون القراءة علي الإستماع.
إن التخوفات التي أبديتها حول المقترح مفهومة، لكن أظن أن ما يبرر الإقتراح هو أن الوطن علي حَافَّةِ جُرفٍ هاوٍ، و تتناوشه مهددات داخلية و خارجية شتى ، و أبناؤه و بناته و تنظيماته السياسية و المجتمعية في شقاقٍ عميقٍ يتزايد بكل أسف مع الأيام. يضاف إلى ذلك أن مقدراتنا الذاتية تبدو أقصر من حاجة الوطن، و أضعف من أن تكون حاجز صدٍ فَعَّال ضد رياحٍ عاتية تدفعها مطامع إقليمية و رغبات إستحواذٍ أخوية.
لهذا ، و لشعورٍ عميقٍ أننا لن نستطيع وحدنا إنقاذ أنفسنا و بلادنا ، رأيت ، بعد تأمل، أن في إخضاع السودان لإدارة دولية مؤقتة حفاظ علي الوطن أرضاً و هويةً و شعباً، و فرصة لوقف التنازع الذاتي غير المنتج الذي قَتَلَنَا و شَتَّتَنَا في البوادي و الصحاري و المَهَاجِر غير المُرَحِّبَة. و بدا لي أن حدوث ذلك تحت رايات الأمم المتحدة أسلم و أأمن مما يبدو من إرهاصات تدخل أمريكي منفرد ،أو متحالف ذاتياً مع آخرين، بعيداً عن مِظَلَّة الأمم المتحدة التي نحن أعضاء فيها، و حتماً أأمن من تنفيذ مخطط تقسيم السودان إلى خمسة دول متناحرة أو إلى عشرات الكنتونات القبلية و الجهوية التي قد تنتج عن حرب أهلية تكاد بداياتها تكون ظاهرة للعيان.
أما إعتبار البعض أن الوصاية أو الإدارة الدولية المقترحة هي إستعمار جديد أو مُغَلَّف ، فهو تَسَرُّعٌ في الحُكم يعود ربما لعدم إلمام بطبيعة و آليات عمل منظمة الأمم المتحدة، و ربما يعود أيضا لعدم أخذ المشروع المقترح كوحدة متكاملة تستهدف إعادة ترتيب شؤون السودان دستورياً و إدارياً و أمنياً و إقتصادياً، بشكل إختياري، و لفترة زمنية محدودة، مقترح لها عشرة سنوات ، تُمَكِّن الاحزاب و التنظيمات المدنية من التفرغ لترتيب أوضاعها، بعيداً عن الإنشغال بالحُكْم و صراعاته ، لتُطَوِّر رؤاها و تُحَدِّث برامجها، تمهيداً لِحُكْم مدني كامل الدَسَم يعقب فترة الإدارة الدولية المقترحة.. هذا هو المأمول و المُسْتَهْدَف مِن المُقتَرَح الذي يمثل في كلياته جهداً متواضعاً من شخصٍ يخلو بحمد الله من الدوافع و المطامع الشخصية ، إنسجاماً مع نوازع وطنية ذاتية، إن كنتم لا تستكثرونها عليه ، أو دفعاً بقوة جينات آباء كرام غرسوا فيه عشقاً عميقاً للوطن دون مآرب أو إنتظارٍ لعائد...و أُشهِد الله علي ذلك .
و يبقى الود بيننا و التطلع لغدٍ أفضلٍ لوطن نعتز بالإنتماء إليه ، و يهمنا أن يبقى قوياً و مُوَحَّداً و شامِخاً حتى يرث الله الأرض و مَن عليها.
مهدي أمين التوم
القاهرة
8 يونيو 2024 م
mahdieltom23@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عدد مرات الطلاق التي يملكها الرجل على زوجته
الطلاق.. قالت دار الإفتاء المصرية إن فقهاء المسلمين أجمعوا على أن للرجل على زوجته في الشريعة الإسلامية ثلاث طلقات؛ بحيث يجوز الرجوع بعد الطلقتين الأولى والثانية، فإن طُلِّقَت الثالثةَ فلا تَحِلُّ له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره بالشروط المعتبرة لذلك شرعًا، وهذا ما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.
حث الشرع الشريف على استقرار الأسرة والحفاظ عليها والبعد عن الطلاق:
وأوضحت الإفتاء أن الإسلامُ حثّ على استقرار الأسرة، وأمر أتباعه بأن يقيموها على الحب والمودة؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
ومن كمال الشريعة الإسلامية مشروعيةُ الطلاق بين الزوجين إذا استحالت العشرة بينهما، ويكون هذا بالمعروف؛ قال تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: 2].
الطلاق
ومن منطلق حفاظ الإسلام على الأسرة لم يجعل انتهاء الحياة الزوجية قائمًا على طلقةٍ واحدةٍ أو طلقتين؛ لِئلا تنتهي الحياة الزوجية بسهولة، ولِاحتمال صلاح حال المعوج منهما معًا أو من أحدهما بعد الطلقة الأولى أو الثانية؛ لذلك كان انتهاء الحياة الزوجية بثلاث طلقات، فمَن طلَّق زوجته طلقتين يجوز له أن يراجعها بالشروط المعتبرة في الرجعة على أن تبقى له طلقةٌ ثالثةٌ وتكون هي الأخيرة، وهذا هو المراد من قول الله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]، إلى قوله تعالى في الآية التي تليها: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230].
الطلاق بين الزوجين
ومناسبة نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية لم يكن لطلاقهم حَدٌّ؛ فكان الرجل يطلق زوجته ثم يراجعها قبل انتهاء عدتها، ثم يفعل ذلك المرة بعد المرة بقصد مضارّة المرأة.
قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" في مناسبة نزول هذه الآية (4/ 538-539، ط. مؤسسة الرسالة): [إن هذه الآية أُنزِلَت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهايةٌ تَبِينُ بالانتهاء إليها امرأتُهُ منه ما راجَعَهَا في عدتها منه، فجعل اللهُ تعالى ذكرُهُ لذلك حَدًّا؛ حَرَّمَ بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأتَهَ المطلَّقةَ إلا بعد زوج، وجعلها حينئذٍ أمْلَكَ بنفسها منه] اهـ.
الفهم الصحيح لقوله تعالى: ﴿الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾
الطلاق
حيث قد تقرر شرعًا أنه لا يصح النظر إلى النص مقطوعًا عن سياقه، وأن فقهاء المسلمين قد فهموا النص القرآني الفهمَ الصحيحَ بالنظر إلى كامل سياقه وما يحيط به من أدلةٍ أخرى كالحديث النبوي وغيره، فقد فسَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المراد من الآيات الكريمات فيما رواه الإمام عبدالرزاق في "مصنفة" عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾؛ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «﴿إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ هِيَ الثَّالِثَةُ»، وطبَّقه أيضًا فيما أخرجه الإمام الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين طلّق زوجته أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا؛ كَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: «لَا؛ كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً».