أحد أشد الأيام رعبا.. لبنان يحيي ذكرى كارثة انفجار المرفأ ومسيرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عنها
تاريخ النشر: 4th, August 2023 GMT
أحيا لبنان اليوم الجمعة الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت المروع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، وبينما يجد أهالي الضحايا أنفسهم أمام عدالة معطلة جراء تعليق التحقيق بفعل تدخلات قضائية وسياسية خرجت مسيرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة، وسط استمرار الخلافات السياسية التي تعرقل سير التحقيقات.
وشارك مئات اللبنانيين في مسيرة بالعاصمة بيروت بمناسبة الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ بدعوة من أهالي ضحايا الانفجار، وانطلقت المسيرة من أمام مقر فوج الإطفاء شمالي العاصمة وصولا إلى الطريق الرئيسي المقابل للمرفأ.
وحمل المشاركون صور الضحايا ولافتات تدعو إلى استئناف التحقيقات ومحاسبة المتورطين والمقصرين وتحقيق العدالة، كما رددوا هتافات هاجمت السلطة السياسية واتهمتها بعرقلة التحقيقات والتدخل في القضاء، كما اعتصم عدد من أهالي ضحايا الانفجار أمام قصر العدل في بيروت للمطالبة بكشف الحقيقة.
وأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عن أمله في أن تتجلى العدالة بقضية انفجار مرفأ بيروت في أقرب وقت ممكن.
وقال ميقاتي إن الحقيقة وحدها تبلسم الجراح، وإن الأمل كل الأمل بأن تظهر شمس العدالة في قضية انفجار المرفأ، وفق تعبيره.
وفي السياق نفسه، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تواصل الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني.
وأضافت الوزارة أن الضحايا وأسرهم يستحقون العدالة، ولا بد من مساءلة أولئك المسؤولين عن الكارثة والكشف عن الأسباب التي كانت وراءها.
واعتبرت عدم إحراز تقدم نحو المساءلة أمرا غير مقبول، ويؤكد ضرورة إصلاح القضاء واحترام سيادة القانون في لبنان.
قيد المتابعة
وفي مثل هذا اليوم في الرابع من أغسطس/آب 2020 عند الساعة السادسة و7 دقائق دوى انفجار ضخم في بيروت حصد أكثر من 220 قتيلا وتسبب في إصابة أكثر من 6500 شخص بجروح وتسبب بدمار واسع في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
ومنذ اليوم الأول عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقائية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه.
وتبين لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.
وإثر الانفجار عينت السلطات القاضي فادي صوان محققا عدليا، لكن سرعان ما تمت تنحيته في فبراير/شباط 2021 إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب و3 وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص.
واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل ذاتها مع إعلان عزمه استجواب دياب، تزامنا مع إطلاقه مسار الادعاء على عدد من الوزراء السابقين -بينهم نواب- وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذنا لاستجواب قادة أمنيين، ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها، وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده تقدم بأغلبيتها مسؤولون مدعى عليهم.
وخلال عامين ونصف العام تمكن بيطار من العمل رسميا لقرابة 6 أشهر فقط تعرض خلالها لضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، خصوصا بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.
وكان بيطار استأنف تحقيقاته في 23 يناير/كانون الثاني 2023 بعد 13 شهرا من تعليقها، وقرر الادعاء على 8 أشخاص جدد، بينهم عويدات، وحدد مواعيد لاستجواب 13 شخصا مدعى عليهم.
لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ"التمرد على القضاء واغتصاب السلطة" وأصدر قرار منع سفر بحقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين، وإزاء ذلك تراجع بيطار عن المضي في قراراته.
وقال مصدر قانوني متابع للملف لوكالة الصحافة الفرنسية -دون الكشف عن هويته- إن ملف التحقيق "قيد المتابعة" من بيطار رغم الدعاوى التي تلاحقه وتعلق عمله رسميا.
وأوضح أنه رغم غيابه عن أروقة قصر العدل فإن بيطار يصر على استكمال مهمته حتى إصدار قراره الظني كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.
تهم التسييسبدوره، جدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الحديث عن تسييس في التحقيقات.
وقال نصر الله في كلمة متلفزة أمس الخميس "المسؤولون عن هذا التقصير أو عن هذه المصيبة أو عن هذه الجريمة -سموها ما شئتم- يجب أن يعاقبوا، ولكن الذي يُضيع العدالة مع الحقيقة هو هذا التسييس".
ويعد حزب الله (اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان) من أشد الرافضين لعمل بيطار، ويتهمه بـ"تسييس" الملف، ويطالب بتنحيه.
"عرقلة بوقاحة"
من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الذي زار لبنان مرتين بعد الانفجار- إن "لبنان لم يكن وحيدا ولن يكون أبدا".
وأضاف ماكرون على موقع "إكس" (تويتر سابقا) مخاطبا اللبنانيين "بإمكانكم الاعتماد على فرنسا، على تضامننا وعلى صداقتنا".
واصطدمت مطالبة أهالي الضحايا -الذين تظاهروا مرارا- بتحقيق دولي برفض رسمي في لبنان.
وجددت منظمات -بينها هيومن رايتش ووتش والعفو الدولية، وعائلات ضحايا- في بيان أمس الخميس مطالبتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعم إنشاء بعثة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.
وشدد الباحث اللبناني لدى هيومن رايتس ووتش رمزي قيس على أنه "ثمة حاجة إلى تحرك دولي لكسر ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان".
وقالت آية مجذوب نائبة المديرة الإقليمية في العفو الدولية "استخدمت السلطات كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته بوقاحة لحماية نفسها من المسؤولية".
ووقع الانفجار في وقت كان فيه لبنان بالفعل تحت وطأة انهيار مالي بدأ في عام 2019 وجائحة "كوفيد-19″، وتفاقم الانهيار الاقتصادي منذ ذلك الحين وفقدت الليرة 98% من قيمتها وازداد الناس فقرا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی لبنان
إقرأ أيضاً:
انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!
حادث دموي يفتح أخطر ملف في البلاد.. وسؤال واحد يفرض نفسه: تفكيك السلاح أم الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية؟
الانفجار الذي هزّ الجنوب
في بلد يختزن الأزمات كما تختزن الأرض حمم بركان خامد، جاء انفجار مخزن سلاح قرب مدينة صور في الجنوب اللبناني ليهزّ المشهد برمته. لم يكن الأمر مجرد حادث عرضي، بل جاء كجرس إنذار مدوٍّ في لحظة سياسية وأمنية شديدة الهشاشة. التقارير الأولية أشارت إلى أنّ المخزن يتبع لحزب الله، وأنّ الانفجار وقع أثناء محاولة تفكيك أو نقل محتوياته، ما أسفر عن سقوط ضحايا بينهم ستة من عناصر الجيش اللبناني، إلى جانب إصابات بين مدنيين.
-- معضلة السلاح خارج الدولة
هذا الحادث لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه لبنان، فالبلد الغارق في أزمات اقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة، يواجه منذ سنوات معضلة سلاح الفصائل، وفي مقدمتها سلاح حزب الله، الذي يُعَدّ بالنسبة لخصومه سلاحًا خارج الشرعية، وبالنسبة لمؤيديه "ضمانة ردع" أمام إسرائيل. انفجار صور جاء في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب، مع تصاعد العمليات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وارتفاع نبرة المطالبة بتطبيق القرار 1701 بحذافيره، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة. خلفية تاريخية: الجنوب وسلاح الظل
منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، ظل الجنوب اللبناني منطقة حساسة عسكريًا وأمنيًا، وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، تعزز نفوذ حزب الله في تلك المنطقة، ليس فقط كقوة مقاومة، بل كسلطة فعلية تمتلك شبكة مخازن وأنفاق ومنصات صاروخية موزعة بين القرى والبلدات. وقد شهدت السنوات الماضية عدة حوادث مشابهة لانفجار صور، أبرزها انفجار مخزن في بلدة خربة سلم عام 2009، وحوادث متفرقة في أعوام لاحقة، كانت غالبًا تُبرَّر بأنها عرضية أو بسبب خلل فني. هذه المخازن كانت دائمًا موضع جدل داخلي ودولي، إذ يرى خصوم الحزب أنها تُعرّض المدنيين لخطر دائم وتضع الجنوب في قلب المواجهة مع إسرائيل، فيما يعتبرها الحزب جزءًا من معادلة الردع التي منعت تل أبيب من شن حرب جديدة شاملة منذ 2006. ومع كل حادث، يتجدد السؤال الكبير: هل يمكن للبنان أن يحسم معضلة السلاح خارج الدولة من دون أن ينفجر داخليًا؟
-- سيناريوهات ما بعد الانفجار
المشهد الآن مفتوح على احتمالات خطيرة: تصعيد داخلي قد يُستغل فيه الحادث سياسيًا من قبل قوى لبنانية معارضة للحزب لفتح ملف سلاحه في الشارع والبرلمان، ما قد يجر البلاد إلى مواجهة سياسية وربما أمنية، أو تسخين جبهة الجنوب إذا تسارعت ردود فعل الحزب على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ما يزيد احتمالية انزلاق لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت عمليات استهداف المخازن والبنية التحتية العسكرية، أو حرب أهلية مقنّعة في ظل الانقسام الطائفي والسياسي الحاد، حيث أي شرارة قد تشعل اشتباكات متنقلة بين مناطق محسوبة على أطراف متنازعة، في تكرار شبيه بمشاهد 1975 لكن بأدوات وأجندات جديدة.الدور الفرنسي والحسابات الدولية
منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تحاول فرنسا لعب دور الوسيط بين القوى اللبنانية المتصارعة، واضعة ملف السلاح على طاولة النقاش وإن بشكل غير مباشر، تجنبًا لنسف أي تفاهمات. باريس، المدعومة أوروبيًا، تطرح مبادرات لحصر السلاح بيد الدولة مقابل دعم اقتصادي وسياسي للبنان، لكن هذه الجهود تصطدم برفض قاطع من الحزب وحلفائه، وبواقع إقليمي يجعل أي تفكيك للسلاح جزءًا من معادلة أكبر تشمل إيران وسوريا. إلى جانب فرنسا، تتحرك الولايات المتحدة وبعض دول الخليج بضغط سياسي واقتصادي متدرج، بينما تتعامل إسرائيل مع الملف بأسلوب الضربات الموضعية لفرض أمر واقع أمني في الجنوب.
-- لبنان على فوهة البركان
لبنان اليوم يقف على فوهة بركان، حيث تتقاطع نيران الخارج مع حسابات الداخل، وتتحرك الملفات الملغّمة من السلاح إلى الاقتصاد بلا أي غطاء وطني جامع. انفجار صور ليس مجرد حادث، بل قد يكون بداية فصل أكثر سخونة في تاريخ بلد اعتاد أن يعيش بين حافة الحرب وهاوية الانهيار، ويبقى السؤال: هل تنجح الجهود الدولية في تفكيك السلاح وضبطه تحت سلطة الدولة، أم أن لبنان يسير بخطى سريعة نحو جحيم حرب أهلية جديدة؟ إنّ رائحة البارود التي ملأت سماء صور قد تكون مقدمة لعاصفة لا تبقي ولا تذر، وحين يشتعل البركان، لن يملك أحد ترف السيطرة على مساره أو حجم دمارِه.. .، !!
-- محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، ، !!