قال وكيل الأزهر أ.د/ محمد الضويني، إن تراثنا الإسلامي يدعو للفخر والاعتزاز به لما فيه من كنوز عظيمة أنتجتها مناهج بذل فيها علماؤنا جل جهدهم لإصلاح المجتمع وتقويمه، مؤكدًا  أن الوسطية هي أداة الأزهر للحفاظ على التراث، وقد جعلها عنوانه لأنها امتداد لوسطية الإسلام، التي تحترم العقل والنص.

وأشار وكيل الأزهر خلال كلمته في ندوة دور الأزهر في الحفاظ على التراث الإسلامي العلمي بالجامعة الإسلامية  العالمية بإندونيسيا، إلى أن ما يميز المنهج الأزهري هو اتصال السند لأن من كان شيخه كتابه غلب خطؤه على صوابه، كما أن من خصائص المنهج الأزهري هو شرف الموضوع لارتباطه بعلوم الشريعة واللغة وما يتصل بالله، إضافة إلى تميزه بالشمولية التي تعتمد على العقل والنقل، وكذا التوثيق والتثبت من صحة الأقوال.

وأضاف الضويني، أن الأزهري يُعمل العقل في تعامله مع التراث فلايرفضه رفضًا قاطعًا، ولايتشدد فيه، وإنما يبحث في معناه وفهم محتواه الذي يحقق مصلحة المجتمع، فالمنهج الأزهري ضمان للأمن المجتمعي، ولهذا يجب احترام الآراء وهذا ما نغرسه في نفوس أبنائنا بأن يتقبلوا التعدد في الأفكار فيدرسوا السقيم ليعرفوه، ويدرسوا الصحيح ليعملوا به. 

ومن جانبه قدم الدكتور جمهري معروف، رئيس الجامعة الإسلامية العالمية الإندونيسية، الشكر للأزهر الشريف وإمامه أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لما يقدمونه من خدمات جليلة للأمة الإسلامية، ولما يبذلونه من جهود في دعم الجامعة بالأساتذة في تخصصات التفسير والحديث، مبينا أن الجامعة الإسلامية تحظى بإقبال من طلاب دول كثيرة، مؤكدا أن دعم الأزهر لها سيساعدها في تلبية حاجات المجتمعات الإسلامية وأن تكون مركزًا مهمًا من مراكز الحضارة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: وكيل الأزهر الجامعة الاسلامية اندونيسيا محمد الضويني شيخ الأزهر الجامعة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال

يتصور البعض أن الخطاب العربي السياسي العاجز تماما عن أي فعل حقيقي تجاه أطفال غزة الذين يبادون بالنار والجوع أمام أنظار العالم هو ذروة المأساة العربية، لكن الحقيقة أن مأساة غزة رغم مرارتها وقسوتها وجه واحد من وجوه كثيرة جدا لمآسي الأمة العربية العميقة، ووجه من وجوه انكشافها الحضاري، وأزمتها الفكرية التي لم تستطع تجاوزها بعد. وهذه الوجوه التي نراها في غزة وفي سوريا وفي لبنان وفي العراق والسودان وليبيا وفي بنية الوعي العربي عامة ليست مفاجئة لمن يقرأ البنية العميقة للعقل العربي خلال القرن الأخير على أقل تقدير؛ ولذلك لا غرابة أبدا ألا يكون لدى الأمة العربية موقف حضاري مما يحدث في غزة. والحقيقة أنها لم يكن لديها موقف حضاري مما حدث قبل ذلك في العراق، ومما قد يحدث في قادم الأيام في دول عربية أخرى؛ والسبب أنها وصلت إلى مرحلة باتت فيه غير قادرة تماما على بناء المواقف الحضارية تجاه قضاياها قبل القضايا الإنسانية العامة بعد أن وصلت إلى حالة من الانسداد الحضاري.

نشر مفكرون عرب كثر خلال العقود الخمسة الماضية أطروحات ناقشت هذه الأزمة الحضارية التي تمر بها بنية العقل العربي لا من خلال الأحداث السياسية اليومية، ولكن عبر الغوص في بنية العقل، وما يحيط به من قيود النص، وقدرته على الإبداع، والخيال، والإنتاج المستقل، والبنى الثابتة التي حالت كثيرا دون تشكيل مشروع حضاري عربي قادر على مواكبة الحداثة بمعناها العميق والمبدع والمنتج لا بمعناها الشكلي والاستهلاكي. لكن تلك الأطروحات بقيت في أفضل الأحوال نخبوية وبعيدة عن التبني من قبل المؤسسات البحثية والأكاديمية التي تصنع الأجيال العربية، فيما حورب الكثير منها تحت دعاوى مختلفة وواهية؛ الأمر الذي فاقم الأزمات العربية، وجعل الأمة أقرب إلى أن تكون رخوة ومنكشفة حضاريا منها إلى أمة صلبة وقادرة على الإبداع. فعصفت بها الأوهام، وسيطرت عليها الخطابات الشعبوية، وكثر الدجالون، وغاب المفكرون الحقيقيون، بل غابت الفلسفة والمنطق عن أمة كانت متقدمة في إنتاج المعرفة وبشكل خاص الفلسفة والمنطق.

وأمام هذا المشهد وهذه المعطيات لا غرابة أبدا أن يكون الوضع العربي كما نراه اليوم، عالم يكاد يكون بلا موقف حضاري، ولا فعل ثقافي، فهذا ما جنته الأمة على نفسها قبل أن يجنيه عليها الآخرون، وقبل أن تعيد اجترار نظرية المؤامرة، وهي وإن كانت حقيقية إلا أن الأمة نفسها فتحت المساحة للمؤامرات لتبني لها بنى راسخة في العقل العربي قبل مؤسساته.

ناقش جورج طرابيشي على مدى عقود قيود الماضي والتراث خلال مشروعه لنقد العقل العربي، كما ناقش محمد أركون البنى الدوغمائية التي تحرس «اللامفكر فيه» مؤكدا أن لا تقدم في ظل غياب العقل النقدي والإنساني في بنية الفكر العربي الإسلامي. وهكذا فعل نصر حامد أبو زيد، ومالك بني نبي، وعبدالإله بلقزيز، وغيرهم. ورغم أن أطروحاتهم كانت قابلة للنقاش والنقد في سياق السجال المعرفي؛ إلا أنه حتى هذا السجال اختفى من أجندات الوطن العربي، واستبدل به جدالات عقيمة وشعبوية قائمة على التكفير المذهبي، والإثني، والخطابات التعبوية التي تهدم ما تبقى للأمة، وتحاول تقويضه؛ نتيجة أحقاد تاريخية قائمة أيضا على المذهبية، والإثنية، ووهم الكيانات الوطنية.

ولذلك نحتاج أن ننظر إلى مأساة غزة من بُعد آخر لا يمثله الحدث السياسي، ولكن تعكسه المأساة الحضارية؛ لنستطيع اكتشاف حجم العطب البنيوي في بنية العقل العربي المتمثل في غياب الفعل وشلل الإرادة. ورغم التاريخ الطويل من غياب الفعل العربي الحقيقي إلا أن هذه اللحظة هي أكثر تلك اللحظات تأثيرا، وأعمقها تمثيلا لواقع ما وصلت له الأمة العربية.

وإذا كانت غزة كاشفة لمأزق الضمير العالمي، ولأخلاقه، ولقيم النظام العالمي فإنها كاشفة بشكل أكبر للمأزق الحضاري العربي الذي بدا بشكل واضح أنه خارج السياق وعيا بما يحدث، وقدرة على بناء خطاب حضاري معرفي قادر أن يشكل موقفا يتناسب وما يحدث في الأمة من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها.

وهذا الوضع العربي من الفشل والخنوع وتآكل الوعي لا يخص القيادات السياسية فقط رغم مسؤوليتها الكبيرة والأساسية، ولكنه يخص المثقف، والمؤسسات الثقافية، والفكرية، والأكاديمية، ومؤسسات التعليم، والمؤسسات «الدينية»، ومؤسسات الإعلام، ويخص الجمهور العربي. العالم العربي بكل مؤسساته مسؤول مسؤولية تضامنية وتشاركية عن الحال الذي وصلت إليه الأمة!

وإذا كان العالم يتحول جذريا أمامنا؛ حيث يعاد بناء نظام عالمي جديد تتآكل فيه الهيمنة الأمريكية على العالم، وتسقط شيئا فشيئا قطبيتها الواحدة، وتبني الصين مشروعها بكثير من الهدوء، ويعيد الذكاء الاصطناعي تعريف المعرفة ورسم حدودها- فإن العرب يبقون وسط هذا كله بلا مشروع حضاري قادر على الذهاب الآمن نحو المستقبل، ويديرون تحدياتهم الراهنة بعقلية القرون الوسطى، ومرجعية الفتنة الكبرى فيما يعيش العالم نهاية الحداثة، ويدخل إلى عصر ما بعدها.

ولذلك؛ فإن من يتفجع على ما يحدث في غزة فإنه يتفجع من حيث يدري أو لا يدري على حال الأمة ومصيرها ومستقبلها، يتفجع على الفجوة بين ما ندّعيه وما نحن عليه، وعلى التناقض بين خطاب القوة ووهم الفاعلية. لا تكشف غزة ضعفنا بقدر ما تكشف الفراغ الكبير الذي نحن فيه، ومأزق العقل العربي المحاصر بالأوهام والفراغ.

لا يتحقق الخلاص من كل هذا بوقف الحرب على غزة رغم أهميته في السياق الأخلاقي والإنساني، ولا بالانقلابات السياسية، ولا بسلام مزيف مع العدو الصهيوني، ولكن تحتاج الأمة للخلاص مما هي فيه إلى ثورة معرفية تعيد طرح مفاهيم الحرية والهوية والدين والتراث والمقدس والفلسفة والحداثة من جديد، وتحرر العقل العربي من كل القيود والأغلال التي تسيطر عليه. وهذه الثورة المعرفية لا تختص بالهوامش العربية والمراكز المزعومة، ولكن تشمل المراكز والأطراف، والعواصم ومدن المهمشين الذين لا مكان لهم في خطاب «الهوية الرسمية». والنتيجة ليس إحداث قطيعة مع الماضي أو التراث العربي، ولكن الانطلاق منه نحو المستقبل عبر قراءة العقل والذات والنصوص الثقافية العربية بشكل منطقي ومنهجي، وإعادة تعريف علاقة العربي بغيره من الحضارات بعيدا عن تصنيف الآخر باعتباره العدو اللدود بالضرورة، وأن نعيد منهجية مواقفنا مع الحضارات الأخرى بناء على منظومة القيم والمبادئ الإنسانية، وليس وفق التصنيفات الدينية والمذهبية والإثنية.

تحتاج النهضة التي نبحث عنها للعالم العربي إلى لحظة وعي، واعتراف شجاع بحالة الفشل التي وصلت لها الأمة، ثم اشتغال حقيقي لبناء وعي جديد مؤسس وفق مقولات فلسفية وفكرية وطرح معرفي، وحينها سنرى التغيير يتحقق ليس في وعي الأفراد فقط، ولكن في بنية المؤسسات السياسية، وخطاباتها الجديدة. والأمم لا تنهض بالعواطف والأمنيات، ولكن بالأفكار والعمل من أجلها، وبتحليل الهزائم، وبناء سيناريوهات لمسارات جديدة.

وهذا المسار ليس سهلا على الإطلاق، ولكنه ليس مستحيلا؛ فلا يمكن منطقا لعقل عربي حُرم من الفلسفة والنقد والتساؤل أن يُبدع فجأة مشروعا حضاريا دون أن يمر أولا عبر جراح الذات وخرائط الفقد؟

ولذلك من المهم أن ننظر في مرآة غزة إلى ما هو أبعد من الكارثة؛ ننظر إلى سؤالنا الحضاري الذي بات على هامش التاريخ قبل أن يصبح خارجه تماما. تغدو غزة بهذا المعنى مرآتنا بكل ألمها ونارها، وهي أيضا فرصتنا الأخيرة التي تمنحنا إياها الحضارة لننظر إلى أرواحنا كما هي، لا كما نُحب أن نتخيلها.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان

مقالات مشابهة

  • أحمد ربيع الأزهري: الانتماء الحقيقي للوطن يُقاس بـ 5 أفعال
  • الأزهري: مبادرة صحح مفاهيمك شديدة الأهمية لمكافحة الارهاب والتطرف
  • غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال
  • «العليا للأخوة الإنسانية» تواصل تقديم الأجهزة الذكية لطلاب المدارس بإندونيسيا
  • رد الجميل.. طلاب من إندونيسيا يزورون معلمهم الأزهري في سوهاج
  • أمين البحوث الإسلامية يبحث مع وفد الجامعة المحمدية الإندونيسية التعاون العلمي
  • نايف بن نهار يحاضر حول أهميةالقراءة ودور الثقافة في بناء الوعي
  • وزارة الأوقاف تعقد 684 ندوة علمية بعنوانخيرُكم خيرُكم لأهله
  • 500 ألف شخص يستفيدون من النقل الجامعي في الجامعة الإسلامية
  • بمساعدة “أممية”.. “التربية والتعليم” تتخذ قرارا استراتيجيًا طارئا