بيت عطاب.. قرية العطاء التي هجّرتها إسرائيل
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
قرية فلسطينية مهجّرة قامت فوق أحد جبال القدس إلى الجنوب الغربي منها، بُنيت معظم بيوتها من الحجر واللبن. خلال حرب 1948، استولى اليهود على بيت عطاب، وطردوا منها سكانها العرب، ودمروا بيوتها، ثم أقاموا مستوطنة "برجيورا" شرقيها، ومستوطنة "نس هاريم" شماليها.
الموقعتقع قرية بيت عطاب إلى الغرب من مدينة القدس مع انحراف قليل إلى الجنوب، وهي على بعد 17 كيلومترا منها، وترتفع عن سطح البحر بمعدل 650 مترا.
كانت تؤدي إلى القرية عدّة طرق، منها طريق محطة سكة الحديد إلى قرية دير الشيخ وطريق بريّة تصل بيت عطاب بدير الشيخ ثم القدس، وأيضا الطريق الواصل إلى باب الواد والرابط بين يافا والقدس.
تحدها من الشمال أراضي قرى دير الشيخ وسفلى وجراش ودير الهوا، ومن الغرب أراضي قرى دير الهوا وسفلى وجراش، ومن الجنوب تحدها قرى علار وبيت نتيف، وتحدها من الشرق أراضي قرى دير الشيخ وعلار.
قُدر عدد السكان -حسب وثائق الدولة العثمانية– في القرن السّادس عشر عام 1538 نحو70 نسمة، أما عام 1553 فبلغوا نحو 266 نسمة.
وفي عام 1596ـ1597، وصلوا إلى 500 نسمة تقريبا. أما عام 1838، فقد زارها إدوارد روبنسون وقدّر عدد سكّانها بنحو 600 نسمة.
عام 1870، وصل عدد البيوت المعمورة في بيت عطاب 89 بيتا وعدد السكان حوالي 450، وكان عددهم في عام 1922 نحو 504، وفي عام 1931، وصلوا إلى 606، منهم 300 من الذكور و306 إناث كلّهم مسلمون، ولهم 187 بيتا، وبلغ عدد سكانها عام 1945 حوالي 540 نسمة.
وخلال عام النكبة، كان عددهم 626 نسمة، وزاد عددهم حسب إحصائيات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عام 2008 إلى 5564 نسمة.
ويستقر في هذه القرية آل اللحام، وقد برزوا بروزا واضحا زمن الإقطاع في القرن الـ19 الميلادي.
يذكر سكان القرية أن اسمها الأصلي هو "بيت العطاء"، أي بيت الكرم وقد حُرف مع مرور الزمن إلى "بيت عطاب".
وفي بداية العهد العثماني، كان اسمها بيت عطاب السفلى والفوقا، ولكن تبين أنهما قريتان متجاورتان، وسميت بيت "عطاب الفوقا" لارتفاعها عن سطح البحر أكثر من بيت عطاب السفلى، ثم بدأ يطلق على بيت عطاب الفوقا بيت عطاب، وعلى بيت عطاب السفلى سفلى وذلك مع بداية القرن الـ18.
معالم القريةكان في القرية مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة وصلاة العيدين، وقبل النكبة كان أساتذة مدرسة القرية هم من يتولون الخطابة وصلاة الجمعة، إذ كانوا من خريجي الأزهر وكانت صلاة العيد تقام فوق المسجد أو ساحاته لكثرة المصلين.
كان يوجد في بيت عطاب عدد من المقامات اندثر أغلبها، ولم يبق منها إلا مقامان هما: "مقام الشّيخ معروف" وهو في غرب البلدة، و"مقام الشّيخ حسن" وهو في شرقها، ولم يبق من آثاره إلا القليل. وتوجد في القرية مقبرتان، الأولى في الشّرق والثانية في الغرب.
اعتنى أهالي بيت عطاب بالنّاحية الثقافيّة، فكان لديهم الكُتّاب في القرية قبل بناء المدرسة، وبنيت المدرسة قبل الانتداب البريطاني، وفي عام 1921م توسّعت وأصبح فيها حتّى الصّف السّادس، وكانت تقع غرب البلدة وبها ملعب كبير وحوله زرعت الأشجار، وكانت فيها مكتبة صغيرة.
ومن أعلام القرية الشيخ عثمان بدوان اللحّام، الذي كان شيخ ناحية العرقوب منذ بداية القرن الـ18 الميلادي.
كانت بيت عطاب خصبة بمزروعاتها، وتصدرت الزراعة قائمة اقتصاديات القرية، تلتها تربية المواشي، وعدد من الوظائف.
تبلغ مساحة أراضي بيت عطاب 8757 دونما لا يملك اليهود منها شيئا. وكان سكان بيت عطاب يمتلكون إلى جانب أراضي قريتهم أراضي واسعة في المنطقة السهلية الساحلية، تستغل في زراعة الحبوب. في حين استثمروا أراضي قريتهم في زراعة الحبوب وأشجار الزيتون والعنب والفواكه الأخرى.
بقدر اهتمام أهالي بيت عطاب بزراعة الأرض، اهتموا بالثروة الحيوانيّة، وكان نمط معيشة المزارع أن يربي الأغنام والأبقار والجمال والخيل والحمير، واستعملوها في نقل وحراثة الأرض.
وكانت في البلدة كل أنواع الطيور الداجنة من دجاج وحمام وبط وحبش، وأكثر بيوت القرية كانت فيها خلايا النّحل، وكانت في البلدة عدد من الدكاكين ومحلات نجّارين وحدادين وحلاقين ولحامين.
دور آل اللحام في بيت عطابكانت عشيرة اللحام القيسية تحكم باسم السلطان العثماني ناحية العرقوب الممتدة من جنوب القدس حتى مشارف مدينة الخليل، وكانت قرية بيت عطاب مركز حكم عشيرة اللحام، حيث سميت "كرسي اللحام".
وكانت عشيرة اللحام تستطيع أن تحشد من 8 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل توضع تحت تصرف العثمانيين عند الطلب، منهم الشيخ ملحم اللحام الذي وصفه المؤرخ البريطاني ألكسندر شولس بأنه من أقوى شيوخ وحكام ريف القدس.
وذكر شولس أن إبراهيم باشا عندما أراد احتلال بلاد الشام طلب الاجتماع مع 3 من زعماء ريف القدس في خيمته ليضمن أن يقفوا في صفه، فحضر الاجتماع الشيخ ملحم اللحام والشيخ إبراهيم أبو غوش والشيخ إسماعيل السمحان.
وتذكر المصادر التاريخية أن فرسان عشيرة اللحام (من معاني كلمة اللحام: الفارس الذي يلتحم بأعدائه بشدة) ساهموا في ضرب قوافل إمداد الجيش الفرنسي في أثناء حملة نابليون بونابرت على عكا وقدموا كثيرا من الشهداء.
وذكرت مصادر أخرى عن عشيرة اللحام أنهم زعماء قيس في الجنوب من مدينة القدس ومن زعمائهم آنذاك الشيخ عثمان بدوان اللحام وابن عمه محمد عطا الله اللحام، اللذان نُفيا إلى قبرص عام 1853 بعد خلاف مع ثريا باشا، متصرف القدس، ثم عادا من المنفى فيما بعد.
احتلال القرية وتهجير سكانهاكانت بيت عطاب واحدة من سلسلة قرى في ممر القدس احتلت بعد الهدنة الثانية في حرب 1948. ويقول المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إنّها احتُلت يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1948 في أثناء عملية "ههار" (الجبل). وكانت هذه العملية تتكامل مع عملية يوآف، وهي الهجوم المتزامن على الجبهة الجنوبية والرامي إلى الاندفاع نحو النقب.
المستوطنات على أراضي القريةفي سنة 1950، أنشأت دولة الاحتلال الإسرائيلي مستوطنة "نيس هريم" على أرض تابعة للقرية إلى الشمال من موقعها.
قرية بيت عطاب بعد التهجيرتغطي موقع القرية بعد تهجيرها كميات كبيرة من أنقاض منازلها المدمرة، وما زالت بقايا القلعة الصليبية بارزة هناك.
وثمة مقبرتان، واحدة غربي القرية والأخرى شرقيها، بعض قبورهما منبوشة.
وتنبت في موقع القرية السفلى أشجار اللوز والخروب والزيتون، كما ينبت الصبار عند طرفها الجنوبي. ويستغل المزارعون الإسرائيليون قسما من الأراضي الزراعية المحيطة بالموقع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات دیر الشیخ فی عام
إقرأ أيضاً:
من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
في كتاباته المتعددة، كثيرًا ما حذر نعوم تشومسكي من غواية “القوة” حين تُمارَس بمعزل عن العقلانية السياسية، ومن السرديات الإمبريالية التي تُخفي الحقائق خلف لغة “الردع” و”الدفاع عن الذات”، “إسرائيل”، التي أفاقت على نشوة ضربة خاطفة ضد إيران، سرعان ما بدأت تدفع ثمن إيمانها بأن بإمكانها فرض توازنات الشرق الأوسط عبر هجوم مباغت على دولة إقليمية بحجم إيران، لكن الواقع، كما هو الحال دائمًا في منطق القوة، معقد ومفتوح على انهيارات غير محسوبة.
الهروب من غزة نحو سماء طهران
في بداية الأمر، بدا الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت الإيرانية وكأنه ضربة ناجحة: اغتيالات نوعية، ضربات على البنية التحتية النووية والعسكرية، وتحقيق ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”إنجازات لا تُضاهى”، لكن خلف هذا الإطار الإعلامي، تكمن أزمة أعمق: “إسرائيل” تهرب من مأزق غزة إلى معركة أخطر وأعقد مع طهران. والضربات لم تكن فقط ضد المنشآت، بل كانت في جوهرها محاولة لإعادة ضبط معادلة الردع بعد سلسلة من الهزائم الرمزية والاستراتيجية، بدءًا من 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الطويلة والمفتوحة في غزة، وصولًا إلى الخوف من تصاعد جبهة الشمال مع حزب الله.
النشوة كقناع للإنكار
في التحليل النفسي للسلطة، تمثّل النشوة الجماعية لحظة إنكار جماعية. الإعلام العبري، وحتى بعض المعارضين، انخرطوا في التهليل للضربة، وكأنها تعويض جماعي عن الإهانة الوطنية في 7 أكتوبر. لكن فإن “الاحتفال بالقوة لا يُلغي الحاجة إلى مساءلتها”. ما جرى لم يكن انتصارًا بل انزلاق محسوب إلى منطقة الخطر. والفرق بين الحكمة والجنون، أن الأولى تفكر في اليوم التالي، بينما الثانية تتلذذ بلحظة التأثير الفوري.
الفشل في فهم إيران
منذ عقود، تسوّق “إسرائيل” أن إيران “نظام شيطاني” يمكن تفكيكه عبر ضربة ذكية واحدة. وهذا بالضبط ما يُحذّر منه تشومسكي عند الحديث عن “التسطيح الاستشراقي” للعقل الغربي تجاه خصومه، إيران ليست دولة عشوائية، إنها منظومة معقدة ببنية عسكرية وعقائدية واقتصادية متداخلة، وتملك أدوات الرد في الإقليم، وأهم من كل ذلك: ذاكرة حرب طويلة. التجربة الإيرانية مع العراق (1980–1988) لا تزال تلهم العقيدة العسكرية الإيرانية. والشيعة، كما كتب يوسي ميلمان، “يتقنون فن المعاناة”.
الرد الإيراني لم يتأخر فقط لأن القيادة مشوشة، بل لأنه كان يحتاج إلى تأنٍّ استراتيجي، وإلى قرار محسوب بعدم جعل الرد مجرد فعل عاطفي. وعندما أتى الرد، كان بمستوى يجعل النشوة “الإسرائيلية” تبدو استهزاء بالتاريخ والجغرافيا معًا.
أمريكا ليست هنا
من أخطر ما اكتشفته “إسرائيل” هذه المرة، أن الولايات المتحدة –ولو بقيادة ترامب الحليف المعلن– ليست بالضرورة على استعداد لخوض معركة واسعة لأجل “إسرائيل”. وزير الخارجية ماركو روبيو كان واضحًا في نأي واشنطن بنفسها عن الهجوم، وهو موقف يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الأمريكي الذي بدأ يتبرم من كلفة التحالف مع “إسرائيل”، لا سيما مع اتساع المعارضة للحرب في غزة، والصدام مع القوى الدولية الأخرى (كالصين وروسيا) حول سياسات الهيمنة.
ترامب قد يهلل للهجوم، لكنه لا يريد أن يُجر إلى مستنقع حرب طويلة في لحظة انتخابية حرجة. وهذا ما يعرفه الإيرانيون جيدًا، لذا يُصعّدون بثقة محسوبة. أما “إسرائيل”، فقد فوجئت بأن “الغطاء الأمريكي” الذي طالما اعتُبر ضمانة للجنون الاستراتيجي، بات مثقوبًا هذه المرة.
الحرب على النظام أم على البرنامج النووي؟
بين خطاب نتنياهو الذي توعّد برؤية طائرات “إسرائيلية” فوق طهران، وتصريحات مسؤولي الجيش بأن الهدف هو تدمير البرنامج النووي، ثمة فجوة سردية خطيرة. إذا كانت “إسرائيل” تريد تغيير النظام، فإنها تكرر خطيئة الأمريكيين في العراق: وهم استبدال النظام دون رؤية للبديل. أما إذا كان الهدف فقط وقف التخصيب، فإن الهجوم لم ينجح في تدمير منشأة فوردو، ولم يوقف البرنامج، بل ربما سرّعه.
ومن هنا يأتي خطر الحرب الاستنزافية. فإيران، التي تعي أنها لن تُهزم في ضربة واحدة، قد تُطيل أمد المواجهة، وتجعل منها حربًا متعددة الجبهات والأدوات: صواريخ على تل أبيب، هجمات سيبرانية، اشتباكات في مضيق هرمز، وتصعيد عبر حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي.
إسرائيل تواجه نفسها
بعد الهجوم، انهالت الانتقادات من الداخل، فجأة صار نتنياهو في مواجهة مجتمع يكتشف هشاشته: الدفاعات الجوية فشلت، والحكومة لم تهيّئ الناس، وبدأ القادة العسكريون يحذرون من حرب طويلة، فيما المعلقون يتحدثون عن “فخ نصبته إسرائيل لنفسها”. وكأن الحرب، التي أرادها نتنياهو لتكون مخرجًا من ورطة غزة، تحوّلت إلى ورطة أشد وأخطر.
في كل هذا، يبدو أن “إسرائيل” لم تُجرِ الحساب الأساسي الذي تحدث عنه تشومسكي مرارًا: حين تبني قراراتك على وهم التفوق التكنولوجي وتغفل عن التعقيد التاريخي والسياسي والثقافي لخصمك، فأنت تصنع كارثتك بنفسك.
من غزة إلى طهران: لا خطوط رجعة
إن الفكرة القائلة بأن “إسرائيل” يمكنها أن “تُعيد ضبط النظام الإقليمي” عبر القوة، هي في جوهرها استمرار لسردية استعمارية قديمة، وهي أن “الشرق لا يفهم إلا لغة القوة”. هذه السردية لا تزال تحكم العقل “الإسرائيلي”، الذي لم يتعلّم من تجاربه في لبنان ولا في غزة، وها هو الآن يكررها على نطاق أوسع وأخطر.
لكن الفارق أن طهران ليست غزة. والمقاومة هنا ليست فقط صواريخ، بل منظومة ممتدة جغرافيًا وعقائديًا. “إسرائيل” لا تواجه إيران وحدها، بل منظومة ممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا. وهذا ما يجعل هذه المواجهة قابلة لأن تنفلت من السيطرة في أي لحظة.
في الحروب، لا تنتصر النشوة
كما قال ناحوم بارنيع: “الحروب تبدأ بالنشوة… ثم تستمر”. “إسرائيل” في هذه اللحظة ليست في موقع المُسيطر، بل المُرتبك. فالهجوم الذي أريد له أن يُعيد الهيبة، كشف العجز. والضربة التي أريد لها أن توقف المشروع النووي، قد تُسرّعه.
إن لم تُدرك “إسرائيل” هذا الواقع بسرعة، وتقبل بخيار سياسي عاقل، فإنها تقود نفسها إلى مواجهة قد تكون الأعنف في تاريخها. وحينها، سيكون الثمن ليس فقط إخفاقًا استراتيجيًا، بل تصدعً داخلي طويل الأمد، وسقوطًا نهائيًا لوهم “الجيش الذي لا يُقهر”.
“الحروب لا تُخاض لإرضاء الغرور، بل لحماية الناس… وإذا كانت النشوة هي المعيار، فالنتيجة دائمًا كارثة.”
كاتب صحفي فلسطيني