Your browser does not support the audio element.
يدفعنا الواقع بتجاذباته للكتابة متنفسا بعد حمولة تعب، فضاءً للتعبير والترويح، ومحاولة لتأسيس وتحريك الوعي الفكري بقضايا يومية تعنى بالإنسان وسيلةً أو غاية، وقد نودُّ كثيرا -إن صَدَقْنا- أن تنأى بنا الكتابة عن كل ذلك إلى حيث تهدأ أرواحنا وتقنع عقولنا، فهل يمكننا السكوت أو التجاوز حين تمس حادثة ما ذواتنا، وعلاقتنا بالمكان؟ والأهم من ذلك كله حين تمس هذه الحادثة إنسان هذا المكان وأمانه وعلاقته بالآخر؛ ليس المقصود هنا الأمان الواقعي وحسب، بل يتجاوزه لينسحب على أماننا الفكري والمجتمعي والتواصلي على كل المستويات، وإن اخترنا الحديث فهل يمكننا الحديث عما لم نُحط به علما؟! وليس العلم هنا في المعرفة بالخبر مهما كان صادما، ولا بتوثيق تفاصيله الظاهرية مهما كانت مرعبة، بل المقصود بالعلم معرفة خبايا الخبر ومنطلقات الحدث وتفاصيله، لا يمكن الاستغناء بالنتيجة عن الباعث والسبب وإلا عشنا حالة متكررة من توقع الأسوأ والعيش رهن المفاجأة الصادمة كل لحظة.
يستحق الأمر الوقوف عليه ليس من باب «ولكن أَلقِ دَلوَكَ في الدَلاءِ» رغم كثرة الدلاء وتلونها بين عارف وجاهل، حزين وغاضب، صديق ظاهر الود، وشامت خفي العداء، ولا نملك إلا أن نحمد الله أن سلطنة عمان صنعت لها ولشعبها رصيدا تراكميا من محبة الناس في كل العالم، مما جعل هذا الحدث الجلل ينحسر إلى أقل مستوى من تداعياته الدعائية التي كانت بكل يقين هدفا من أهداف هذا الإجرام، ألاحظ الآن أنني لم أحدد هذا الحدث بعد وهو قيام ثلاثة إخوة عمانيين بإطلاق النار على مجموعة من إخوتهم في الإنسانية والدين والمكان، الحادثة كانت في الوادي الكبير بالعاصمة مسقط الأسبوع الماضي، ويبدو أن في ذلك محاولة غير مقصودة مني ومن شعب بأكمله لإنكار الحدث مهما ترسّب في وعينا العميق، وكأننا نلغيه بالتجاهل، ونحاول محوه بالإنكار، لكنه حقيقة واقعة للأسف لا بد من استيعابها والحرص على إغلاق أو تحجيم إمكانية تكرارها، أما تحليلها فبالبسيط مما وصلنا من أنباء فقط، لا يمكن البدء بأي اجتراح توصيفي للحدث وبواعثه ونتائجه قبل العزاء في الأرواح البريئة التي قضت في هذا العمل الإجرامي، فالعزاء أصدقه نبعثه لعُماننا أولا، لنا جميعا وحدة واحدة تستعصي على التجزئة والتقسيم، ولأهالي الضحايا من المقيمين والعمانيين، كما لا ننسى تمني الشفاء العاجل لكل المصابين والجرحى.
وإذ نناقش الحدث فلا مناص من الوقوف على الجهة التي تصدّرت المشهد بإعلان مسؤوليتها عن هذا العمل الإجرامي «تنظيم داعش» لكن هذا النقاش ينبغي ألا يطول وصولا لنتيجة مبنيّة على بطلان المقدمة، فلا يتجاوز هذا التنظيم -رغم كل مسرحياته- كونه أداة مصنّعة استخباراتيا للتحول لهذا الاسم الذي يدلنا على مبتغاهم في نشر الفرقة والعداء بين أبناء الأمة الواحدة بادعاءات ينقض بعضها بعضا، وحتى لا يظن بأن ذلك محض استنتاجات فإنه أمر موثق في وثائق ويكيليكس السرية المسربة عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عام 2010م، وبسبب من ذلك أوثق مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج في السجن بلندن لسنوات قبل إطلاق سراحه نهاية يوليو الماضي وفق شروط وتعهدات، في ذلك ما لا يمكن نسيانه (من سقوط هذا التنظيم كتأسيس وشعارات ومصداقية ككيان وتنظيم مهما تعاظم شره فهو مجرد ورقة موجهة ماديا) إلا لأولئك الذين يستعيرون ذاكرة سمكة تنعم بالجهل، ثم ينبغي التذكير بالتصاق فكرة هذا التنظيم المصنوع بإسرائيل إذ رغم كل تنظيرات هذا التنظيم وتهديدهم بالقتل والتفجير والفوضى في عواصم مختلفة إلا أنهم طوال تاريخهم الدموي لم يتقصدوا أي هدف إسرائيلي، بل كان اليقين في اعترافهم المعلن عام 2018م بأن حركة حماس هي خصمهم وأنهم ضدها، وسواء كنا مع أو ضد حماس فلا يمكن إنكار عداوتهم لحركة مقاومة ضد إسرائيل مع إثبات عدم استهدافهم إسرائيل وحلفائها إلا لفظا.
ومن عجب أن مقطع تنظيم داعش المتوعد لحماس 2018 م انتشر هذا الأسبوع انتشار النار في الهشيم، هذا الانتشار غربيا يُسْتقرأُ عبر محركات منصة إكس في كثير من الدول الغربية لدرجة أن بعضهم ظنه حديثا كلهم يؤكدون أنه إقرار صريح بأن داعش هي إسرائيل معززين ذلك بكثير من الحوادث الدالة:
«وَلَيسَ يَصِحُّ في الأَفهامِ شَيءٌ إِذا اِحتاجَ النَهارُ إِلى دَليلِ»
ورغم كل ذلك يريد البعض عن قصد أو عن جهل ربط حركة داعش بحركة حماس، بعد تفنيد وهم هذا التنظيم وعقيدته ومنطلقاته التي لا تتجاوز المال والسلطة عبر العنف وتسويق الخوف والهلع لا بد من المرور على المقطع الذي أراد مسوقوه له الانتشار متضمنا الجناة الثلاثة مع بيان أقل من أن يوصف بمشهد مدرسي هزيل وهم يحملون شعار التنظيم في محاولة لإقناع الجمهور العربي بأن هدف هذه العملية هو هدف ديني مذهبي، ولا أسخف من تصديق ذلك لأي عاقل يحسن التدبر، ولعلّ سوء طالع هذا المشهد في أنه استهدف عمان تحديدا، ليس أنها المدينة الفاضلة، ولا أن شعبها ملائكة يمشون على الأرض ولكن هذا القفز على التطور الطبيعي للأفكار والسلوك لا يمكن تقبله في مكان اتسم بالتعايش السلمي وقبول الآخر، وإعلاء قيمة الإنسان، وما قد يحدث من حالات قد تتلبس العنف في انفعال عابر يفضي إلى موت أو قتل لن يكون مصحوبا بمشهد تعيس يفاخر صاحبه بإزهاق حياة الأبرياء باسم العقيدة.
لا بد هنا من الثناء على البيان الرسمي للحكومة الذي همّش هذا المقطع بكليّته مكتفيا بصفة «متأثرين بأفكار ضالة» وصولا لحقيقة مفادها أن طُعم المشهد المصنوع وتمثيل الإرهاب لا يمكن أن ينطلي علينا في عمان، وقد عزز من ذلك ثبات موقف عمان من قضاياها الخارجية، ورغم جهلنا بالدوافع الحقيقية لهذا الجرم إلا أنها لا يمكن أن تخرج عن اثنتين: إما إغراء أو تهديد وفي الحالتين ينبغي تحليل الواقعة وتتبع أدق تفاصيلها (ليس من قبل العامة يقينا، ولكن من الجهات المختصة ومحللي السلوك الاجتماعي والنفسي) كما لا يمكن تكرار الأوهام الغربية في مراجعة الأسرة والمنهج التعليمي في كل حادثة عنف، إذ نعيش في عالم مفتوح على كثير من المؤثرات والمحفزات السلبية والإيجابية مما قد يشكل تهديدا لكثير من الثوابت والقيم، وليس الجناة هنا أطفالا ولا مراهقين لنفكر في دور الأهل، نعيش كثيرا من التحديات اليومية التي ينبغي معالجتها وعدم تهميشها ولا إقصاء أصحابها، ولنتذكر جميعا أن الإقصاء هو المنطلق الحقيقي لكثير من الأزمات الأمنية والمجتمعية وحتى الإنسانية فلا يشذ المرء إلا حين يشعر بعدمية وجوده ومحاولة إقصائه ليقع حينها فريسة هيّنة في أيدي المغررين تهديدا بما لا يحب، أو إغراء بما يحب حتى مع إدراكه أن «المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» إلا أنه يصل لمرحلة تتساوى معه البدائل وتتشابك المطامع لتطغى على صوت الإنسان والوحدة والمواطنة وحتى الأهل، وربما حتى الذات حينما يدرك خلال سعيه لهذا الجرم أنه إلى انتهاء لا محالة.
ختاما: لا بد من التأكيد على الثوابت الراسخة في ضرورة تقبل المختلف، والتعايش السلمي المبني على احترام الجميع وتقدير الاختلاف، تقديرا متضمنا ضمان حرية العبادة وممارساتها في الحدود الواجبة، دون محاولة الشحن والتحريض العامة التي تصيب وحدة المكان في مقتل، وتصنع فجوة في جسد الوحدة الوطنية يمكن للآخر البعيد استغلالها في شق وحدة الصف والعبث بأمن الوطن وأمان مواطنيه، ولنتفق جميعا على أن العالم بعمومه في حالة غليان، والشرق الأوسط على صفيح ساخن من التصادمات السياسية، مرحلة صعبة في التجاوز، صعبة في التعايش، صعبة في المشاركة، لكن قد يكون هذا الغليان غير المحتمل ضرورة حتمية لتتمايز المعادن فترشح عن أكرمها، حفظ الله عمان أرضا وشعبا من كل سوء.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا التنظیم لا یمکن إلا أن
إقرأ أيضاً:
«المؤتمر الزراعي».. أجندة تستهدف تطوير الإنتاج المحلي
دبي: يمامة بدوان
كشفت وزارة التغير المناخي والبيئة عن تفاصيل فعاليات وأجندة «المؤتمر والمعرض الزراعي الإماراتي 2025»، الذي ينعقد برعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، بهدف تحقيق رؤية دولة الإمارات الرامية لدعم قطاع الزراعة المحلي، وزيادة مساهمته في تعزيز الأمن الغذائي المستدام.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقد أمس بأبراج الإمارات في دبي، بحضور الدكتورة آمنة بنت عبدالله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة، وعدد من قيادات الوزارة، حيث شهد الإعلان عن كافة التفاصيل وأبرز المبادرات وورش العمل، والجهات المشاركة في المؤتمر والمعرض الذي ينعقد في مركز أدنيك العين، خلال الفترة من 28 إلى 31 مايو الجاري.
وخلال كلمتها، أكدت الوزيرة، أن الحدث يمثل منصة وطنية استراتيجية تعزز من تمكين المزارعين المواطنين وتحفّز الابتكار في القطاع الزراعي.
وفي ردها على «الخليج»، أكدت أن الحدث يشكل فرصة للمزارعين لتسويق منتجاتهم، في ظل وجود شركات القطاع الخاص، التي يمكنها الترويج للمنتجات داخل الدولة وخارجها، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير سلاسل الإنتاج، كما تشهد منطقة المعرض فرصاً تسويقية للشركات الناشئة، بهدف دعم القطاع الزراعي بالدولة.
وعن أبرز مخرجات الحدث، أوضحت السعي لتحقيق مخرجات محورية تشمل إبراز الإمكانات الزراعية الوطنية، ودعم المزارعين المواطنين، وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة مثل الزراعة الذكية والعمودية، وكفاءة الإنتاج المحلي، عبر تقديم حلول مبتكرة للتحديات المناخية والمائية، إلى جانب تعزيز مكانة المحاصيل المحلية في الأسواق، ويمثل إشراك المجتمع بمختلف فئاته أحد أهم أهدافنا لترسيخ الزراعة كثقافة مجتمعية، كما نطمح إلى تقديم نموذج إماراتي عالمي يحتذى به في الاستدامة الزراعية.
المتحف الوطني
كشفت آمنة الضحاك، عن إطلاق «المتحف الزراعي الوطني»، الذي سيُقام ضمن فعاليات الحدث ليكون أول مساحة وطنية مخصصة لرواية تاريخ الزراعة في الدولة، وتوثيق تطورها من الزراعة التقليدية إلى الذكية والمستدامة، عبر مجموعة من المعروضات التفاعلية والمجسمات التوثيقية، والوسائط الرقمية التي تتيح للزوار التعرف على التحولات التي شهدها القطاع، والجهود التي بذلتها الدولة في سبيل تطويره، مع إعطائهم لمحة عن الخطط المستقبلية.
كما كشفت عن أسماء الشركاء والرعاة الرئيسيين للحدث، مؤكدة أن نجاح النسخة الأولى يعتمد بشكل كبير على قوة الشراكات الوطنية والدولية، التي تم بناؤها لدعم المزارعين المحليين وتعزيز منظومة الزراعة المستدامة في الدولة.
وقالت: «شركة سلال هي الراعي الماسي وهي شركة وطنية رائدة في الحلول الزراعية، ووجودها يمثل إثراءً حقيقياً لمحتوى وأهداف الحدث، كما يسعدنا الإعلان عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) كراعٍ بلاتيني، وهو تعاون استراتيجي يعكس التزام دولة الإمارات بالتنسيق مع المنظمات الدولية لدعم الأمن الغذائي محلياً وعالمياً». وأضافت: «يسرنا كذلك الإعلان عن شراكتنا مع «مزارع العين» و«اللولو للتجزئة» كراعيين ذهبيين للحدث، بجانب «تريندز للبحوث والاستشارات» كشريك بحثي».
تمكين الشباب
أشارت آمنة الضحاك إلى أن «مجلس شباب الإمارات للزراعة»، الذي تم إطلاقه بالتعاون بين وزارة التغير المناخي والبيئة والمؤسسة الاتحادية للشباب سيكون منصةً لتمكين الشباب خلال المؤتمر والمعرض.
وقالت إن أجندة الحدث يشارك فيها أكثر من 75 متحدثاً، موضحة أن المؤتمر يشهد مشاركة 22 جهة اتحادية وحكومية معنية بقطاع الزراعة والغذاء، بجانب أكثر من 40 شركة خاصة، وأكثر من 20 شركة ناشئة، ومن الجانب الأكاديمي والبحثي، تشارك 4 جامعات وطنية، كذلك العديد من المدارس، ليصل عدد الطلبة المشاركين في الفعاليات وورش العمل إلى أكثر من 1000 طالب وطالبة.
وسيحتضن المعرض المقام على مساحة تبلغ 20 ألف متر مربع، بطاقة استيعابية تصل إلى 11 ألف شخص.
وستنطلق فعاليات اليوم الأول للحدث تحت شعار «العمل الحكومي والمنظمات»، وسيركز على تعزيز التعاون الدولي.